بسم الله والحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
عن أبىّ بن كعب رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا المنذر .. أى آية معك فى كتاب الله أعظم؟ قال الله ورسوله أعلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا المنذر أى آية فى كتاب الله معك أعظم؟ قال .. الله لا إله إلا هو الحى القيوم. فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فى صدره وقال .. والله ليهنك العلم أبا المنذر.فرسول الله صلى الله عليه وسلم فى هذا الحديث أقر أبيّا على أن أعظم آيات كتاب الله عز وجل هى آية الكرسى. وكتاب الله عز وجل كله عظيم لأنه كلام رب العالمين. قال الله تبارك وتعالى وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ فكلام الله عز وجل عظيم كله .. جليل كله، مجيد كله. فلماذا اختصت هذه الآية العظيمة بهذا الشرف الرفيع أن صارت أعظم آيات كتاب الله العظيم على الإطلاق؟
قبل أن نجيب على هذا السؤال وربما لن نجيب على هذا السؤال .. نقف عند أول كلمات هذا الحديث قول الرسول صلى الله عليه وسلم يا أبا المنذر هذه التكنية – استعمال الكنية فى مخاطبة الناس إنما تدل على أمرين جديدين. تدل على التحبب والمودة .. وتدل على التقدير والتبجيل.
فرسول الله صلى الله عليه وسلم النبى والرسول والمعلم والإمام والقائد والرئيس حينما يخاطب أصحابه يخاطبهم بهذا التحبب ويخاطبهم بهذا التقدير. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك مع الصغير كما يفعله مع الكبير. يقول أنس بن مالك رضى الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا وكان يقول لأخ لى صغير أحسبه قال وكان فطيماً – أى حديث الفطام – يا أبا عمير ما فعل النغير؟ يكنى الطفل الصغير الذى لم يبلغ ثلاث سنوات.
وفى رواية أخرى عند البخارى يقول أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخالطنا فكان إذا جاء إلينا قال لأخ لى صغير يا أبا عمير ما فعل النغير؟ هنا نجد إن أنس بن مالك فى الحديثين إستدل من هذا الخلق الرفيع على أمرين. أولهما حسن الخلق فقال أن النبى صلى الله عليه وسلم كان أحسن الناس خلقا وذكر دليلا على هذا كيف يعامل هذا الطفل الصغير. الأمر الثانى أن انسا قال أنه كان يخالطنا فالنبى صلى الله عليه وسلم كان يعيش وسط أصحابه لا يعيش بمعزل عنهم لا يشاركهم حياتهم ومشاكلهم بل وكلمة المخالطة تدل على القرب الشديد حتى يختلط أحد الرجلين بالآخر فى تستطيع إن تميز هذا من هذا. فهو يقول أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يخالطنا أى كان قريبا جدا من أصحابه صلى الله عليه وسلم فكان يأتيهم فكان يخاطب هذا الصبى الصغير بهذه الكنية. وهذا الخطاب للصغير أيضاً يجمع ما بين أمرين .. أمر تميل إليه القلوب. والأمر الثانى أن يعطى الصغير من صغره الشعور بالتقدير فينشأ مقدرا لنفسه متحملا للمسئولية. فهم كانوا أكمل منا عقولا يجمعون ما بين هذا التقدير والتحبيب وما بين إشعار الصغيرانه كبير فيصير الصغير كبيرا حينما تعامله انت على أنه شخص كبير.
فى المسند يذكر أنس قصة النبى صلى الله عليه وسلم مع أبى عمير بشىء من التفصيل فيقول أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يأتيهم فى بيتهم يزورهم فكان إذا رأى أبا عمير هذا الصغير ذا الثلاث سنوات .. كان يضاحكه ويمازحه فرآه يوما حزينا فسأل قال ما بال أبى عمير حزينا؟ قالوا يا رسول الله مات النغير الذى كان يلعب به – النغير عصفور صغير منقاره أحمر – فالعصفور هذا مات والولد حزين فالنبى صلى الله عليه كان كلما رآه بعد سأله يا أبا عمير ما فعل النغير؟ يداعبه ويمازحه وهو الطفل الصغير الذى عمره ثلاث سنوات. وأعجب ما فى هذا كيف أن النبى صلى الله عليه وسلم مع هذه المسئوليات وكبر الأعباء التى يتحملها والمشاغل التى تؤرقه حتى أن عائشة رضى الله عنها ذكرت فى صحيح مسلم قالت كانت أكثر صلاة النبى صلى الله عليه وسلم بعدما أسنّ – أى كبر سنه – وهو جالس. تقول عائشة بعدما حطمه الناس.
تحمل المسئولية والأعباء أدى فى السنوات الأخيرة إلى إنه كان يصلى جالسا. ومع ذلك يبقى فى ذهنه ويبقى فى قلبه مكانا لهذا الصغير أبى عمير والنغير الذى يلعب به فمات هذا النغير وكلما رآه يقول له يا أبا عمير ما فعل النغير.
فى صحيح البخارى عن أم خالد بن سعيد بن العاص وكان من أول السابقين للإسلام وكان ممن هاجر إلى الحبشة فتقول أم خالد أتى النبى صلى الله عليه وسلم بثيابوفيها خميصة سوداء صغيرة – خميصة ثوب به اعلام اى خطوط – صغيرة أى حجمها صغير لا تكسو شخصا كبيرا فقال النبى صلى الله عليه وسلم من نكسو هذه؟ فسكت القوم. فقال النبى صلى الله عليه وسلم إئتونى بأم خالد فأتى بها تحمل – وأم خالد هذه بنت صغيرة حملوها وأتوا بها – فأخذ النبى صلى الله عليه وسلم الخميصة بيده ثم ألبسها إياها وقال يا أم خالد أبلى وأخلقى يا أم خالد أبلى وأخلقى .. أى كان يدعو لها بطول العمر فتبدل ثيابا بعد ثياب. ثم نظر إليها وهى ترتدى هذه الخميصة وفيها أعلام خضراء أو صفراء فقال يا أم خالد هذا سنا .. وسنا بلغة أهل الحبشة اى جميل لأن هذه البنت مولودة بأرض الحبشة فالنبى صلى الله عليه وسلم يداعبها ويقول لها هذا الثوب سنا أى جميل. فالنبى صلى الله عليه وسلم كنّى أم خالد .. تذكر أم خالد .. أتى له بأم خالد .. ألبسها الثوب بيده ثم دعا لها ثم قال لها يا أم خالد هذا حسن. هكذا كان النبى صلى الله عليه وسلم يتعامل مع أصحابه الكبير منهم والصغير.
وعلى ذكر المروط والثياب أتى عمر رضى الله عنه بثياب فقسم هذه المروط بين نساء أهل المدينة فبقى مرط جيد فقال له أصحابه من حوله يا أمير المؤمنين أكس هذا إبنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التى عندك أم كلثوم بنت على بن أبى طالب رضى الله عنها وعن أبيها. فماذا قال عمر؟ قال .. لا أم سليط أحق به – أم سليط هذا إمرأة من الأنصار من السابقين للإسلام ممن بايع الرسول صلى الله عليه وسلم – غنها كانت تزفر لنا القرب فى يوم أحد. أى انها كانت تحمل قرب الماء فتفرغها فى أفواه الجرحى من المسلمين الذين جرحوا فى يوم أحد وتغسل بها هموم وجراح الجرحى الذين جرحوا فى يوم أحد. فمن كان إلى الدين أسبق .. من كان له قدم صدق فى الإسلام فهو أولى بالإكرام وأولى بالتقدير من غيره ولو كان الاخر أعلى نسبا وأقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه. بقى السؤال لماذا كانت آية الكرسى أعظم آية فى كتاب الله؟ نضيف إليها سؤالا آخر لماذا خص رسول الله صلى الله عليه وسلم أبىّ بن كعب بهذا السؤال من دون بقية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هذان السؤالان نجيب عنهما لاحقا إن شاء الله.
أقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم