Generic selectors
المطابقات الدقيقة فقط
البحث في العنوان
البحث في المحتوى
Post Type Selectors
البحث حسب التصنيف
أحداث جارية
أسماء الله الحسنى
الأذكار
التلون
السيرة النبوية
القصص في القرآن
الكتب
بني آدم والشيطان
بني إسرائيل
تراجم
تربية
تربية
تفسير
جهد الغلبان في تبيان فضائل القرآن
خطب الجمعة
خطو خاتم الأنبياء ما بين اقرأ وإذا جاء
دروس
رمضان 1436هــ - 2015م
سلم الوصول إلى علم الأصول
عقيدة
غير مصنف
كتابات
كلمة التراويح
مسألة الرزق
من قصص كتاب التوابين
من هدي النبوة
مواسم الخير
هذه أخلاقنا

زلزال في بلاط القيصر

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهديه الله فهو المهتد ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله اللهم صلي عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً ثم أما بعد ..

مازلنا… في قوله تعالى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ.. حديثنا اليوم عنوانه زلزال في بلاط القيصر..

 تحدثنا في جمعتنا الماضية عن هذه الكلمة الإلهية العظيمة قوله تعالى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ وذكرنا خلفيات وظلال هذه الكلمة الإلهية وهذه العبارة القرآنية العظمى, إذ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قاصداً العمرة فصُدَّ عن بيت الله تبارك وتعالى ثم أبرم صلحاً مع كفار قريش, فلما أراد أن يُتم كتابه صلى الله عليه وسلم أمر علياً رضي الله عنه أن يكتب ” بسم الله الرحمن الرحيم ” فأبى المشركون, وقلنا إن هذا عناداً لا معنى له, هم يقولون نحن لا نعرف الرحمن فاكتب ” باسمك اللهم ” كما كنت تكتب – أي كما كان يكتب أهل الجاهلية قبل أن يمُنَ الله عليهم بالإسلام – هم يريدون أن يمحو آثار الإيمان وآثار نور الله تبارك وتعالى فأمر علياً أن يكتب ” باسمك اللهم ” , ثم قال صلى الله عليه وسلم: هذا ما عاقد عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم سهيل بن عمرو, قال سهيل: لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك ولكن اكتب اسمك واسم أبيك, فمحاها رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلما أن محاها أنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية في ختام هذه السورة. ثم إن سورة الفتح إختصها الله تعالى بالحديث عن الحديبية وما جرى فيها واستفتحها سبحانه بقوله إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا نزلت هذه السورة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قافلٌ راجعٌ من مكة إلى المدينة, لم يقض الصحابة عمرتهم بعدما تعلقت قلوبهم بها لقد خرجوا من المدينة مشتاقين يملئهم الحنين إلى بيت الله تبارك وتعالى فعادوا ولم يروا الكعبة, بل أبرموا صلحاً يرون فيه حطاً من شأنهم وإزراءً بهم وفي القلوب من الحرج ما فيها فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية فسمى هذا الصلح فتحاً, فقال عمر يا رسول الله فتحٌ هو؟ قال: نعم. ثم ختم الله عزوجل هذه السورة بقوله تعالى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وقلنا إن عناد المعاندين وإباء المستكبرين أن يذعنوا للحق, إن هذا لايُنقِص من قيمة هذا الحق ولا يكتمه فلو أبى الناس جميعا أن يقروا للحق بأنه حق, لو أبى الناس جميعاً أن يُذعنوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رسول الله فإن هذا لايُنقص من قيمة هذا الحق شيئاً, إن الله سبحانه وتعالى هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله إذا حكم الله عزوجل وقضى لرسوله أنه رسول حق وصدق فلا يملك عبدا كائناً من كان أن يُلغي هذه الحقيقة ولا أن يُبطلها لذلك هم أصروا على أن يُدونوا في كتابهم – هذا الكتاب الزائل الباطل – هذه الكلمة, ينفوا كلمة رسول الله ويُثبتوها باسمه واسم أبيه صلى الله عليه وسلم فما كان مصير هذا الكتاب؟ إنه لم يبقى عامين كاملين حتى أُبطِلَ وأٌبطِلَ الشرك وأهله ولكن بقيت كلمات الله عزوجل تُتلى إلى يومنا هذا وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها تُثبت هذه الحقيقة العظمى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ.

 ولكن يبقى معنا سؤال.. لماذا أراد ؤسول الله صلى الله عليه وسلم أولاً أن يُثبت هذه الكلمات؟ لماذا لم يكتب أولاً ” هذا ما قاضا عليه محمد بن عبدالله سهيل بن عمرو ” فهذا يكتب باسمه وهذا يكتب باسمه هذا ممثل عمن يتبعه وهذا ممثل عمن يتبعه؟ هو صلى الله عليه وسلم كما قلنا في المرة الماضية من حين ما أنزل الله عزوجل عليه الوحي أصبحت صفته هي صفة الرسالة, زالت سمات الشخصية التي سبقت الرسالة وبقي رسول الله صلى الله عليه وسلم يُمثل القدوة يمثل الأسوة يمثل مبعوث الله تبارك وتعالى إلى الأرض وأهلها, زالت خصائص شخصيته التي سبقت ذلك ولم يبقى فيه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأنه حينما يعقد صُلحاً أو يُبرم عقداً أو يخُطُ خطاً أو يخوض حرباً إنما يفعل ذلك بصفة أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهذه سنة الحق يُمضيها صلى الله عليه وسلم في حربه وفي سلمه, فهو يتعاقد على أنه رسول الله ويحارب على أنه رسول الله, ولذلك كان حريصاً صلى الله عليه وسلم على أن يُثبت هذه الصفة, إن سهيل بن عمرو حينما يفاوض أو حينما ينازع أو حينما يحارب أو حينما يُسالم إنما يفعل ذلك بصفة السياسي الذي يريد أن يُبرم مصلحة لقومه, أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حينما يفعل ما يفعل أياً كان فعله صلى الله عليه وسلم إنما يفعله بصفة النبوة والرسالة, فهو الحق حينما يتمثل في صورة شخص يحيا بين الناس ولذلك ذكرنا في خطبتنا الماضية قول عائشة رضي الله عنها حينما سُئِلت من قِبَلِ هشام بن عامر رحمه الله عن خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: أتقرأ القرآن؟ قال:نعم. قالت فإن خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان هو القرآن.

هذه الصحائف إذا تمثلت في صورة شخص يتحرك ويحيا بين الناس فهو رسول الله صلى الله عليه وسلم في نومه ويقظته في سرائه وضرائه في حربه وفي سلمه.

 ثم لما أُبرمَ الصلح أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رسائلاً وكتباً إلى ملوك الأرض في هذا الزمان يدعوهم إلى الله سبحانه, يرسل صلى الله عليه وسلم إلى كسرى ويرسل إلى قيصر ويرسل إلى ملك الحبشة ويرسل إلى ملك البحرين ويرسل إلى ملك عمان وإلى غيرهم من الملوك ويرسل إلى المقوقس حاكم الإسكندرية الذي كان يحكم تحت ظل حكم الرومان, لكننا يعنينا بالأساس أنه صلى الله عليه وسلم يرسل إلى ملك الروم وإلى ملك الفرس برسائل وكتبا يدعوهم إلى دين الله سبحانه وتعالى.

ونريد هاهنا أن نقارن بين فعل قريش وبين فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم, إن قريشا حينما أبرمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صُلحا جهزت قافلة إلى الشام للتجارة والبيع فهم من حين بدر لايستطيعون أن يسلكو طريق الساحل إلى الشام خوفاً على تجارتهم وعلى أموالهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم, فهم قد استثمروا هذه الهدنة وهذا الصلح في أن يعيدوا بناء طريق تجارتهم ويعيدوا تثمير أموالهم, طيب إذا كان الأمر كذلك فلماذا كان عنادهم ولماذا كان حرصهم على الحرب ورفضهم للصلح إذاً؟ أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فما أن وَقَّعَ هذا الصلح حتى أرسل هذه الكتب إلى هؤلاء الأقوام يدعوهم إلى الله, فهم أصحاب دنيا وهم صاحب رسالة.

 يقول الزهري رحمه الله: لقد كان يوم الحديبية من أعظم الفتوح لقوله تعالى إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا فيقول لقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلينا – أي إلى الحديبية – في ألف وأربعمائة رجل فلما وقع الصلح مشى الناس بعضهم في بعض – يعني بقى في حالة من السلم أدت إلى أن الناس يأمن بعضهم بعضا – فعلموا وسمعموا عن الله فما أراد أحد الإسلام إلا تمكن منه, مفيش حد بيصد حد أو بيجبره على أنه لايدخل في الحق أو في الدين أو إنه يبقى على الشرك, فيقول ما مضى إلا سنتان حتى عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة في عشرة آلاف رجل. يبقى من ألف وربعمائة خلال سنتين تحولوا إلى عشرة آلاف طب ده تم في السنتين دول نتيجة لإيه؟ نتيجة لإن رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة استثمروا هذه الفرصة من السلم والأمن ومن الصلح والهدنة في نشر رسالة الحق, طب قريش إلام التفتت؟ التفتت إلى المال والتجارة ولذلك المسار ده أدى إلى إيه والمسار ده أدى إلى إيه؟ أدى مسار النور والحق والهداية إلى أن يسطع نور الله تبارك وتعالى في مكة ثم في جزيرة العرب كلها, ولم ينفع قريشاً ما جمعته من أموال. ولذلك يقول الزهري أيضا: لما وقعت الهدنة أمن الناس بعضهم بعضاً فاجتمعوا وتفاوضوا الحديث والمناظرة – بدأو يتكلمو – فما كُلِمَ أحدٌ يعقل بالإسلام إلا دخل فيه – يعني عنده إستقلالية فكرية – أصل هو فيه كتير من الناس بيسلكوا مسلك التبعية اللي هو ربنا سبحانه وتعالى ذمهم مرارا في كتاب الله, يعني إذا آمن الرؤساء آمن ورائهم الأتباع أما ذوي العقل وذوي الإستقلال الفكري اللي هو ممكن ياخد قراره بناءاً على قناعته الشخصية هؤلاء لم يبقى منهم أحد إلا دخل في الإسلام.

يبقى إذا الدين في الحقيقة هو صاحب القوة ولكن كل ما يحتاجه الدين إلى أن يُعطى فرصته لكي يُعبر عن نفسه, ولذلك لم يجعل الله سبحانه وتعالى القهر وسيلة لإقامة الدين بل لم يقبله سبحانه ولم يرتضه لعباده وإنما أراد سبحانه وتعالى من العباد أن يدخلوا في دين الله عزوجل عن قناعةٍ وعن علمٍ وعن بصيرةٍ وعن إرادة لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ. إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ هو سبحانه وتعالى لا يريد من عباده أن يخضعوا خضوع الرقاب وإنما يريد سبحانه وتعالى من عباده أن يخضعوا خضوع القلوب خضوع الإرادة والإختيار.

 ” فما كُلمَ أحدٌ يعقل بالإسلام إلا دخل فيه ” فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هؤلاء, إذا استقبل قيصر أو استقبل كسرى في بلاطه – وعلى فكرة هو اسمه بلاط عشان ده المكان الوحيد اللي في سيراميك فهو البلاط الملكي عشان ده المكان الوحيد اللي متبلط – طيب هذا الذي يستقبل هذه الرسالة من هذا الرجل المغمور في بلاطه كيف يستقبلها؟ من هو الذي يُرسل الرسالة؟ هو رجلٌ من العرب من هؤلاء السوقة الغوغاء الرعاة الذين لاقيمة لهم ولا وزن لا يُعرف عند هؤلاء القوم ولا يُأبَهُ له ولا لقومه, إذا أخذنا هذا بميزان الحسابات المجرد أو مايمكن أن نسميه بميزان العقل نجد أن ده شيء ربما يُتصور فيه بعض الناس أن ده فيه شيء من الطيش ومن الحمق أنه يخاطب هؤلاء الملوك العظام بمثل هذا مما ربما يحملهم على أن يغضبوا لأنفسهم فيبطشوا بدعوة الحق فييُبيدوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن آخرهم – هم كانوا موجودين في المدينة بس – الرسول صلى الله عليه وسلم كان في المدينة وهو أول أمس انتهت معركة الأحزاب وأجلى الله هؤلاء عن المدينة كان هذا منذ زمان قليل, لكنه صلى الله عليه وسلم ينظر بنظر الرسالة, إن الله سبحانه وتعالى أرسله إلى الناس كافة فلابد أن يحمل مشعل الحق إلى الناس كافة لابد أن تبلغ كلماته وتبلغ دعوته مشارق الأرض ومغاربها لأنه كما قلنا أرسله الله تبارك وتعالى لكي يكون رسولاً يحمل الرسالة فلا هَمَّ له إلا حمل هذه الرسالة, لابد أن تصل هذه الكلمات إلى كل الناس هذا أولاً.

ثانياً أنه يحمل ما لايحمل الناس من التأييد ومن التسديد الإلهي هو حينما يفكر ويتصرف يضع في حسبانه أن الله سبحانه وتعالى يؤيده بتأييده ما دام حاملاً لأمانته مقيماً لرسالته يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ يبقى هنا في مهمة للرسول صلى الله عليه وسلم وفي مدد من الله سبحانه وتعالى, مهمته أن يبلغ ما أنزل إليه من ربه وإن لم يفعل؟ لم يقم بالأمانة. طيب ما يحتمل أن يتعرض له؟ هذا الله سبحانه وتعالى كفيل به لذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما نزلت عليه هذه الآية كان يُحرس في أزمنة الخوف من قِبَل الصحابة فكان يصرفهم ويقول إن الله عزوجل قد عصمني, ولذلك كان الناس يستدلون بهذه الكلمات من رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنه رسول حق وصدق, مادام هو بيعتمد على الكلمات دي أن هو ربنا حيعصمه فعلاً يبقى أكيد ده كلام ربنا, لأن هو لو ده الكلام ده بيختلقه من نفسه مش حيعمل فراغ أمني حولين نفسه! مهو الواحد في النهاية آه ممكن حيضحك على الناس لكن حيضع نفسه هو في موضع الخطر؟! فإذا نزلت والله يعصمك من الناس علم يقيناً أن الله يعصمه فقال لقد عصمني الله.

فهو يُرسل إلى هؤلاء.. فأرسل دحية الكلبي رضي الله عنه إلى ملك بُصرى لينقل الرسالة إلى قيصر, الروم عاملين إمارة عربية في الأردن إسمها إمارة الغساسنة والفُرس كذلك عاملين إمارة في العراق إسمها الحيرة دي ليه؟ ملوك من ملوك العرب يبقو واسطة مابين هؤلاء العرب وملوك الفرس وملوك الروم. إن العرب دول أذل وأقل وأحقر من أن هم يتعملو مباشرة مع هؤلاء الملوك العظام لأ ده فيه ملوك عرب دول واسطة فعشان ينقل الرسالة لقيصر ماينفعش يروحله مباشرة لأ ده هو حيروح لملك بُصرى الغَسَّاني فهو ينقل الرسالة لقيصر. لما وصلته الرسالة – وده اللي إحنا بنتكلم عليه اللي هو الزلزال – دعا بأبي سفيان رضي الله عنه ومن معه من أهل القافلة, قلنا إن هم استثمروا الحدث فطلعو عملو رحلة إلى الشام كانوا في غزة فجت الشرطة كده فجأة فكبست كبسة فلمو الناس هم مش عارفين فيه إيه – عادي بتحصل – المهم لمو الناس راحوا فين هم عاوزينهم يمثلوا بين يدي القيصر ليه؟ هو عاوز يسأل عن الشخص ده اللي أرسل له رسالة بيدعي أن هو نبي ويريد أن يُدْخِلُه في هذا الدين عايز يجمع عنه معلومات, حيجمع معلومات منين؟ من الناس اللي قريبين منه وألصق الناس به فوجدوا هؤلاء القرشيين فأخذوهم عشان يقابلو القيصر. وقع بينهم مُرَادَّة في الكلام سوف نذكرها لاحقاً لأن ده مش مقصودنا – الخطبة الجاية سنذكر تفاصيل الحوار ما بين هرقل وما بين أبي سفيان رضي الله عنه – فبعد مانتهى هذا الحوار جيء بالكتاب فقُرِأَ بين يدي القيصر فإذا فيه ” بسم الله الرحمن الرحيم.. من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل عظيم الروم السلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم, أسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن عليك إثم الأديسيين, ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولايتخذ بعضنا بعضا أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون “

يقول أبو سفيان: فلما فرغ من السؤال – يعني من الأسئلة اللي سألهلنا – وقُرأ بين يديه الكتاب كثر اللغط وارتفعت الأصوات وأُخرجنا من بين يديه.

 يبقى بلاط القيصر كله اضطرب لما قرأت هذه الرسالة, فلما خرج أبو سفيان قال لأصحابه لقد أَمِرَ أمرُ ابن أبي كفشة – الدنيا خلاص القوالب نامت والإنصص قامت إيه اللي حصل – حتى إنه ليخافه ملك بني الأصفر! ملك الروم ده أصلاً قلقان والدنيا متلخبطة وفي هيصة هو مين ده أصلاً – مش ده محمد اللي كان ساكن جمبنا؟ – هو مش متخيل ” أمر أمره ” أي عظم أمره وارتفع حتى إن ملك الروم نفسه قلقان منه, يقول: فما زلت مستيقناً أن الله سبحانه وتعالى سيظهر دينه حتى أدخل الله علي الإسلام وأنا في يده – يعني من هذه اللحظة علمت علماً يقينياً أن الله سبحانه وتعالى سوف يُظهر دينه وينصر رسوله صلى الله عليه وسلم… أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه

الحمدلله رب العالمين.. ثم ماذا فعل القيصر؟ لقد أرسل القيصر إلى صديق له برومية, هو كان ساعتها في إيلياء يعني في القدس بعت لواحد صاحبه في روما فأخبره الخبر وبيسأله رأيك إيه؟ فقال: إن هذا هو النبي الذي كنا ننتظره فاتبعه وصدقه – كل اللي حصل ده كتاب مفيش حاجة حصلت! لا عسكري ولا شويش هو النبي صلى الله عليه وسلم بعت ورقه كل اللي بيحصل ده النبي صلى الله عليه وسلم أرسل ورقة – فجمع القيصر هرقل جمع القادة والمرجعيات الدينية وكبار رجال الدولة جمعهم في دسكرة – حصن صغير يقع وسط البيوت زي الإتحادية كده – ثم أغلق الأبواب وجلس كده إيه في شُرفة مرتفعة لأنه كان يخاف على نفسه هو خايف لو قالهم ياجماعة نخش في الدين ده إيه اللي حيحصل؟! فهو قاعد في مكان عالي وقافل الأبواب, ثم قال يا معشر الروم إني جمعتكم لأدعوكم إلى خير إن هذا الرجل – أي النبي صلى الله عليه وسلم – أرسل إليَّ كتاباً وهو والله الرجل الذي كنا ننتظر خروجه والذي بُشِرنا به في كتبنا فهَلُمَّ فلنتبعه فيكون لنا خير الدنيا والآخرة, رد الفعل بقى؟ تصايحوا وجروا كلهم ناحية الأبواب فلقوها مقفولة فقال: ردوهم عليَّ, فقال: إنما قلت لكم ما قلت لكي أختبر صلابتكم في دينكم فقد رأيت منكم ما سرني, فوقعوا له سجوداً.

 يوم الأحد اللي بعده في القداس الكبير القسيس الأكبر بتاعهم محضرش فأرسل إليه القيصر فتعلل بأنه مريض – مش راضي يجي طب ياجدعان القداس إيه النظام؟ مش جاي – فأرسل إليه ثانية مجاش فأرسل إليه ثالثة فلم يأت فذهب إليه القيصر قال: قد عرفت أن هذا الرجل هو رسول الله, قيصر اللي بيقول للراجل ده: أنت عارف إن اللي أرسلي الرسالة دي رسول, قال وقد رأيت كيف استقبلوني حين خاطبتهم – الناس مقبلتش مني – قال: فأنت أطوع فيهم مني فادعهم أنت, روح أنت إجمعهم وكلمهم ربما يستجيبوا لك. قال: أتأذن لي؟ قال: نعم. قال: أفعل, قال: فاذهب فإني أجيئك – اطلع بس روح أنت هناك وأنا حاجي – فجاء فوقف في المذبح فقال يا أبناء الموتى إن هذا هو النبي الذي كنا ننتظره أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. وبعدين؟ قاموا الناس قايمين وقاعدو يعضعضو في الراجل ويضربوه لحد ما مات وكل ده بين يدي القيصر, القيصر لما دخل سجدوا له وبعد لما قال الكلمتين دول اجتمعوا عليه فقتلوه, ماذا فعل القيصر بعد؟

وضع القيصر كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصبة من ذهب واحتفظ به وجعل ملوك الروم يتناقلون هذا الكتاب ويحفظونه بينهم آخر حاجة إحنا نعرفها إن هو وصل عند ألفونس ملك قشتان الكلام ده ممكن في القرن الثامن هجري.

وذكر بن حجر أن المنصور؟ قد أرسل رجل وأمير من الأمراء إلى ملك المغرب فأرسله إلى ملك قشتان في وساطة فأكرمهم ثم قال أُتحفكم بتحفة سنية فأخرج له هذه القصبة من الذهب وأخرج منها كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وضع عليه خرقة من حرير وقد ذهبت معظم حروف الكتاب, فقال: إن هذا الكتاب الذي أرسله نبيكم إلى جدي لازلنا نتوارثه بيننا وقد حدثنا آبائنا عن آبائهم أن الملك مازال فينا ما بقي هذا الكتاب بيننا.

ودي آخر وقفة في هذه الخطبة.. هرقل لم يؤمن مدخلش في الدين – حنتكلم إن شاء الله عن هذا الخطبة الجاية – بس الفكرة إنه تعامل مع كتاب رسول الله ومع رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإجلال والتقدير والتعظيم فبقي لهم ملكهم.

طب والمجنون – كسرى – ده بقى مخه ضارب, الرسول صلى الله عليه وسلم أرسله ” من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم الفرس السلام على من اتبع الهدى..أشهد ألا إله إلا الله وحده لاشريك له وأن محمداً عبده ورسوله فإني أدعوك بدعاية الله وإني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة لأُنذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين فأسلم تسلم فإن توليت فإن إثم المجوس عليك “

ده بقى قال إيه؟ قال: ” يكتب إليَّ هذا وهو عبدي؟ ” وبعدين؟ أرسل من فارس إلى ملك اليمن ده تبعه – بيخضع لملك الفرس – فأمره أن يُرسل نفرين جوز عساكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة فيأتي به ليمثل بين يدي كسرى! – بعتله استدعى روح كلم الباشا – طب النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة يعني في ناس حتمنعه على الأقل يبعت مثلاً كتيبة لأ هم نفرين بس مجرد حيقولوله روح كلم الباشا حيروح!

طيب حينما قال هذه الكلمات عمل إيه بعد كده؟ مزق كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال صلى الله عليه وسلم: ” مُزِق مُلكُه ” . وقال حينما أكرم القيصر كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” ثَبَتَ مُلكُه ” . يبقى إحنا بنتكلم عن صورتين الصورتين دول لم يُذعنوا للحق ولم يدخلوا في الدين, ولكن واحد تصرف بعقلٍ وإجلالٍ وإكبار وإن لم يدخل في دعوة الحق, والآخر تصرف بالحمق والطيش والنزق. فكان عاقبة هذا أن بقي له ملكه في الدنيا وإن لم يكن له عاقبة في الآخرة, أما الآخر فزال ملكه في الدنيا مع سوء العاقبة في الآخرة. لذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال الحديث الذي ذكرناه مراراً ” تقوم الساعة والروم أكثر الناس ” يبقى ملكهم إلى أن تقوم الساعة.

فمع أنه لم يدخل في دعوة الحق ويتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنه تعامل باالتقدير والتعظيم والإجلال معه صلى الله عليه وسلم فكان لذلك عاقبة لهم في دار الدنيا. ولذلك العقل ينفع صاحبه وإن كان عدواً ولذلك ابن أخو القيصر معجبهوش الكلام اللي بيتقال قاله إزاي يبدأ باسمه قبل إسمك؟ وإزاي يقول عليك عظيم الروم ولا يصفك بالملك؟ وأراد أن يُلقي الكتاب أرضاً فقال له هرقل: والله إنك لضعيف الرأي – إنت مش بتفهم – أتريدني أن ألقي كتاباً أتاني من رجل يأتيه الناموس الأكبر – اللي هو الوحي – ولقد صدق فهو أحق أن يبدأ بنفسه لأن ده رسول وأنا مجرد إنسان, ولقد صدق فإنني صاحبكم وإن مالكي ومالكه ومالككم هو الله – هو بيقول في الآخر أنا مش ملك وإنما الملك لله – طب ده كلام مين؟ كلام القيصر كلام هرقل – مش هيركليز – طب إيه الفرق مابين الكسرى ومابين القيصر؟ إن كسرى معندهوش أي إدراك وماعندهوش أي معرفة بالله سبحانه وتعالى – ناس بتعبد النار معندهمش أي معرفة بالدين – لكن هؤلاء على ماهم عليه من الشرك عندهم في حاجة إسمها ربنا فوق وفي حاجة إسمها وحي وفي حاجة إسمها رُسُل وفي إدراك إن في حاجة إسمها عقيدة وإيمان, ولذلك هرقل قال وسيأتي معنا في الخطبة القادمة إن شاء الله قال لأبو سفيان: إن كان ما تقوله حقاً فسيملك موضع قدمي هاتين.

فهو يدرك إن في حاجة إسمها دين وإن الدين ده له قيمة ويدرك أن هناك أشخاص أصحاب إجتباء من الله أصحاب رسالة أصحاب مكانة عالية ينبغي أن يُعظموا وأن يُجَلوا وأن يُرفع قدرهم, ولذلك حتى الملك الدنيوي إنما يبقى لأصحابه حتى لو لم يُذعنوا للحق على مقدار إجلالهم وتقديرهم وتعظيمهم للدين! ولذلك لما أنزل الله تبارك وتعالى غُلِبَتِ الرُّومُ ۝ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ لما الفرس تغلبوا على الروم المشركين فرحوا وبدأوا يغيظوا المسلمين لأن هؤلاء – الروم – أقرب إلى السماء وإلى الله وإلى دعوة الحق مع إن كلهم مشركين أقرب من هؤلاء الذين يعبدون النار ولا يعرفون الله. بردو مشركين قريش دول عندهم نظرة قالوا إن إحنا الناس دول أقرب لنا منهم وبما إن الفرس تغلبوا على الروم والروم فيهم شبه منكم فإذا نحن نغلبكم – بردو ناس بتفكر – فوقع في قلوب المسلمين فأنزل الله تبارك وتعالىالم. غُلِبَتِ الرُّومُ. فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ. فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُسواء دول تغلبوا أو دول تغلبوا وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ. بِنَصْرِ اللَّهِ في بدر إبان انتصار الروم على الفرس في أدنى الأرض في الأردن أهل الإيمان ينتصروا على أهل الشرك في بدر.

وَيَوْمَئِذٍ فيها خبرين خبر ظاهر وخبر مُضَمَّن خفي, وهو اللي قلناه الخبر الظاهر – ده وحي وأمر غيبي وهذا أيضا من دلائل النبوة – مفيش بني آدم عاقل دماغه عليه حيتوقع إن إمبراطورية كبيرة بعد ما تنهار إن هي حتستعيد قوتها مرة أخرى وحتستعيد نصرها وتُعيد فتح البلاد اللي سُلبت منها بل تفتح جزء من بلاد هؤلاء الأعداء في هذه الحقبة الزمنية الضيقة, مفيش واحد مُحلل إستراتيجي ممكن يُغامر بسمعته في حاجة زي كده. لأ ده في خبر تاني.. وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ. بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ

إحنا كنا الخطبة اللي فاتت إنتهينا عند قول النبي صلى الله عليه وسلم «ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا». وقول النبي صلى الله عليه وسلم ” ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: مَنْ كَانَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ ” .

ورجونا – طبعا الكلام ده محصلش أنا شخصيا معملتهوش أكيد محدش عمله – أن نبقى إسبوعنا مع هذين المعنيين العظيمين اللي احنا أحوج ما نكون إليهم: نيل حلاوة الإيمان وذوق طعم الإيمان وهذا لا يكون إلا بالحب والرضى.. بالحب والرضى.

 ذاق طعم الإيمان يبقى إذا الإيمان ده له مذاق الإنسان حيحصل عليه إمتى؟ لما الإنسان يستشعر الرضى من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً, وبالحب ” من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ” ” أن يحب المرء لايحبه إلا لله ” ” أن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يُقذف في النار ” .

نحاول محاولة تانية.. ناخد مدة أطول.. ناخد مائة يوم بحيث نحاول إن احنا خلال المائة يوم نجمع الموضوع ونستشعر هذه المعاني لأن احنا أحوج ما نكون إلى حُسن الاتصال بالله سبحانه وتعالى, إلى الركون إلى الله, إلى الثقة بفضله سبحانه وتعالى ورحمته. احنا دلوقتي أسوء حاجة بنعاني منها الشعور بالقلق الدائم, الشعور بالتوتر, الشعور بالشحناء والضغينة, القلق أشد القلق مما تحمل الأيام غداً وبعد غد. احنا مش حنقدر نطلع من ده إلا إذا احنا استشعرنا الركون إلى جناب الله تبارك وتعالى, الثقة بفضل الله ورحمته, وإن ربنا سبحانه وتعالى الذي بيده خزائن السماوات والأرض قادر على أن يكشف ما بنا وقادر على أن يجلب لنا الأمن والسكينة والطمأنينة.

محتاجين الحب.. ومحتاجين الرضى.. ناخد المائة يوم بس نبتدي بقى مين اللي حيعد؟ يبقى احنا عندنا كده – الرضاميتر – حنعد كده فيه مائة يوم. الحب والرضى

اللهم اشرح صدورنا اللهم اشرح صدورنا اللهم اشرح صدورنا اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لنا وترحمنا وتتوب علينا وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين.