إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
ثم أما بعد …
نختم بأذن الله تبارك وتعالى حديث الشجرة, قد انتهينا إلى أنه ثم شجرتان شجرة طيبة يقابلها شجرة خبيثة فهما إذا وصفان وحالان مسلكان وطريقان لا ثالث لهما قال تعالى وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ هما طريقان, طريق يسوق إلى رضوان الله عز وجل, وطريق بخلاف ذلك يقود إلى سخط الله عز وجل والى عذابه عياذا بالله عز وجل, فشجرة الهوى والغواية والبعد عن طاعة الله التي يزينها الشيطان إنما تسوق وتقود الى شجرة الزقوم والشجرة الطيبة تقود الى شجرة طوبى في جنة الله عز وجل ورضوانه وذكرنا أن الله عز وجل حينما وصف هاتين الشجرتين قال في الأولى مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ وقال في مقابلها وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ فهما إذا وصفان لا ثالث لهما إما أن يكون الإنسان طيباً وأما أن يكون هذا العبد عياذاً بالله عبداً خبيثاً, الطيب لا يتصف إلا بكل طيب ولا يخرج منه إلا كل قول وفعل ووصف وحال طيب وفي مقابل ذلك الخبيث لا يخرج منه إلا كل وصف أو حال أو قول أو فعل خبيث ولذلك وصف الله عز وجل أهل الجنة فقال الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ حينما تأتيهم الملائكة لتقبض أرواحهم تجدهم على هذا الوصف وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ طبتم في الدنيا فاستحققتم هذا النعيم لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ فهما وصفان وحالان الطيب له من الله عز وجل كل طيب في الدنيا والاخره والخبيث ليس له الا ما يستحق من الخبث والخبث في الدنيا والاخرة.
كَلِمَةً طَيِّبَةً هي كلمة الايمان كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء فإذا هذا الإيمان الذي يمتن الله عز وجل به على المؤمنين هو عميق ضارب جذوره في أطناب وفي أعماق القلوب, هذا الإيمان الذي يبلغ شغاف القلوب لابد أن يثمر كل قول طيب وكل عمل صالح ولذلك كان من أثر هذا الأصل الطيب الضارب بأطنابه في أعماق القلب أن يثمر أعمال طيبة صالحة تبلغ عنان السماء أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ولذلك كان من أثر الايمان في قلب العبد أن يثمر هذه الكلمات الطيبة وهذه الاعمال الصالحة التي تتفرع عن هذا الأصل في كل وقت وحين وهذا من توفيق الله عز وجل وتسديده بِإِذْنِ رَبِّهَا وفي مقابل ذلك هذه الشجرة الخبيثة يصفها الله عز وجل بأنها مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ ليس لها عمق وليس لها جذور في أعماق العبد ولا في شغاف قلبه.
ولذلك لما سأل هرقل أبا سفيان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفه وحاله ليسأل أنبى هو حقا أما ليس كذلك فكان من جملة ما سأل قال حينما سأل عن من أمن به واتبعه هل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ هل هناك ممن امن به واتبعه وسلك سبيله أحدا تكنب طريق هذا الدين وارتد عنهم ساخطا لهذا الدين فقال أبو سفيان لا وهذا جواب عجيب اذا أنه فى مسيرة الاسلام من حين بعث الله محمد صلى الله عليه وسلم الى هذا اليوم الذى لقى فيه هرقل أبا سفيان كان قد مضى على مسيرة النبى صلى الله عليه وسلم تسعة عشر أو عشرين عاما وفى هذا الزمان المتطاول وقعت حالات من حالات الردة فعلا وقعت حالات ردة عندما أسٌرى بهصلى الله عليه وسلمفلم تتحمل قلوب وعقول بعض ضعاف الايمان هذاالامر بل أعظم من ذلك أنه هناك رجلا ممن سبق للاسلام ممن هاجر الى الحبشة فى أول من هاجر ترك دينه وتحول نصرانيا وانكب على شرب الخمر حتى مات على ذلك عياذا بالله ومع ذلك أبو سفيان وهو اذاك على الشرك لما يكن حينئذمن المؤمنين وكان يحب فى خطابه وكلامه أن يطعن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يطعن على الدين ولكنه مع ذلك لم يشر إلى أى حالة من هذه الحالات مع وجودها، لماذا؟ لأن هرقل سأل .. لم يسأل عن مطلق الردة فى حد. لهذا قال: سخطة لدينه، بعد أن يدخل فيه أن الحامل له على هذه الردة أنه سخط هذا الدين نفسه .. هذا المعتقد .. هذا المبدأ .. هذا المنهج، فلما بدأهرقل يعقب على هذه السؤلات حينما أتى إلى هذه النقطة فيقول: فسألتك هل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه فذكرت أن لا، فيعقب هرقل قال: كذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب. أى أن الدين .. الإيمان هذه الكلمة الطيبة أذا بلغت الى عمق القلب فعلاً إذا خالطت شغاف القلب فعلاً لأنه لا يمكن أن تخرج منه بعد أن ولجت فيه هذا المولج فهذا هو الأصل الثابت الذى ذكره الله تبارك تعالى.
هذه الشجرة الباسقة العظيمة تحتاج لكى تستمر على حالها الذى هى عليها تحتاج كاحتياج أى شجرة إلى سقى وعناية وإزالة آفة وتتبع ضرر. أى شجرة .. أى زرع .. لابد أن يحتاج على الاوقات إلى سقيا ورش ويحتاج على الأوقات كذلك إلى تتبع الآفات وإزالة الدغل الذى قد يصيب هذه الشجرة فيضعف قوتها ويفسد ثمارها، وإذا فكل مؤمن يحتاج إلى سقى شجرة إيمانه فى قلبه حيناً بعد حين ووقتاً بعد وقت ويحتاج كذلك إلى تفقد أفات نفسه وإلى تتبع مساؤى قد تعترى أخلاقه وسلوكه لكى ينزع هذه الآفات ويزيل هذا الدغل من حول هذه الشجرة لكى تستمر فى رقييها ونموها حينا بعد حين فتؤتى أكلها كل حين كما أخبر الله تبارك وتعالى، وإذا فلكى تكون شجار إيماننا كما أخبر الله تبارك وتعالى نحتاج إلى أمور عدة .. نحتاج إلى تثبيت وإلى تقوية وإلى غرث معانى الايمان فى قلوبنا، وهي كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم إيماناً بالله، ومعرفة له سبحانه وتعالى وبملائكته الكرام، وبكتبه المنزلة، وبرسله صلوات الله وسلامه عليهم، وباليوم الآخر ولقاء الله تبارك وتعالى، وبأقدار الله عز وجل، ما أحببنا منها وما لم نحبب.
هذا أول ..
ثم كما قلنا متابعة هذا على الأوقات وتعاهده دائماً ، ثم تفقد أحوال النفس ومدى استجابتها ومدى تأثرها بهذا الإيمان يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ أمر من الله عز وجل لنا بأن نتقي الله، هذه التقوى، هذا الخوف من الله، يحملنا على أن نراجع أنفسنا .. على أن ننظر في صحائفنا التي سنلقى بها ربنا تبارك وتعالى غداً، هذه النظر منا في هذه الصحائف سوف يطلعنا على تقصير كبير في حقه تبارك وتعالى يحملنا على أن نتقى الله عز وجل كما أمر ولذلك جعل هذا الأمر بالنظر بين أمرين بالتقوى، فالتقوى أولاً لأن هذه الخشية لله هي التي تحمل الإنسان على أن ينظر في حاله كيف هو غدا بين يدي الله سبحانه، فإذا نظر وجد نفسه لا محالة مقصراً فيحتاج إلى أن يسلك مسلك التقوى اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ ثم حذر سبحانه وتعالى من الغفلة والإعراض عن أمر الله والاستغراق في هذه الدنيا بما ينسي العبد ما هو مقدم عليه غدا، إذا هذا هو وصف هذه الشجرة كما أخبر الله تبارك وتعالى، وقد ذكرنا في جمعتنا الماضية أن لهذه الشجرة وصف داخلي ولها مظهر خارجي وتكلمنا في المرة الماضية عن هذا الشكل أو هذا المظهر الخارجي، فذكرنا أن هذا الوصف الذي جاء في سورة إبراهيم عليه السلام كان وصفاً لهذه الشجرة من داخلها، ولآثارها وثمارها على العبد المتخلق بهذا الإيمان فهي قوية راسخة ثابتة في قلب العبد تثمر خيراً في كل وقت وحين. وهي كما أخبر الله أَصْلُهَا ثَابِتٌ متين وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ لكن مرآها الخارجي كما ذكرنا في المرة الماضية يبدو لسكونه وتواضعه وتسليمه وإخباته ورقته يبدو لينا ضعيفاً ولذلك كان وصف المؤمنين بالمرأى الخارجي كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم كمثل الخامة من الزرع، وكما مثل الله تبارك وتعالى كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ فذكرنا أن هذا الشكل مثله رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه السنبلة اللينة الرقيقة التي تفيؤها الريح مرة وتعدلها ، وهذا يصور صورة التسليم التام والقبول والرضا لأقدار الله تبارك وتعالى فهو يلين مع أقدار الله تبارك وتعالى حيثما مالت به ، تفيؤه أي تميله هكذا فيميل معها مسلماً راضياً، ثم تتداركه الرحمة فتعدله وتعيده إلى حال العافية فيحمد ويشكر ربه تبارك وتعالى، ثم تأتي الريح مرة أخرى فتميله هكذا فيميل معها راضياً مسلماً، ثم تتداركه الرحمة فيعود إلى حال العافية فيحمد ربه عز وجل ويشكره وهذا هو حال المؤمن.
ولذلك قال الله تبارك وتعالى في وصف أصحاب الشجرة الخبيثة الذين هم منظر ومرأى بلا حقيقة وبلا إيمان ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصورة المقابلة لهذه الخامة التي تبدو ضعيفة: ومثل الفاجر أو المنافق كالأرزة – شجرة الأرز – هذه لا ثمر ولا نفع ولا خير صورة وفقط وليس لها قرار. فقال في وصف هؤلاء وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ مظاهر وهيئات وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ لسان زلق ، لباقة في الحديث لكن بالداخل ليس هناك شيء وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ حقيقتهم كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ شجرة الأرز الكبيرة خشب لكن حتى الخشب دا ليس له أدنى نفع، لا باب ولا شباك، خشبة ع الحيطة ، يعني يتكعبل فيها اللي معدي يلبس فيها الرايح اللي جاي، فإذا في الحقيقة خشبة معترضة في طريق الناس لا نفع لها ولا ثمر ولا فائدة، فهكذا المؤمن حقيقة وجوهر، أما غير المؤمن فشكل ومظهر، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث حارثة بن وهب الخزاعي رضي الله عنه عند البخاري: ألا أخبركم بأهل الجنة كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره، ألا أخبركم بأهل النار كل عتل جواظ مستكبر. أهل الجنة كل ضعيف رقيق متواضع مخبت لربه تبارك وتعالى وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا كل ضعيف متضعف أى يستضعفه الناس ربما ويحتقرونه لكنه مع هذه الحال لو اقسم على الله لأبره لو أقسم على ربه تبارك وتعالى أن يصنع شيئا أبر الله عز وجل قسمه على حاله هذا من الضعف والهوان والأخر كل فظ غليظ جواظ جموع للمال من أى وجهه مانع له من أن ينفق فى أى خير كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ذكر الله عز وجل أن هذا المال بهذه الصورة وبهذه الصفة ليس نعمة ولا كرامة وإنما هو اختبار وامتحان من سلك فيه هذا المسلك رسب بيقين، لا يكرم اليتيم ولا يوصى – ليس فقط ولا ينفق – وينهى عن الإنفاق عليه، ويأكل الميراث ويأكل أموال أقاربه أكلاً لمّا يجمع أموالهم إلى ماله ولا يبالى، كل عتل جواظ مستهتر، وقال صلى الله عليه وسلم فى حديث أنس عند الترمذى: كم من أشعث أغبر ذى تمرين لايأبه له لو أقسم على الله لأبره. أشعث أغبر ذى تمرين أى ثوبين باليين، لا يأبه له: لا ينظر الناس إليه ولا يبالون به لو أقسم على الله لأبره.
فهاهنا – كما قلنا – منظر ومظهر، هذا المؤمن هو قلب وإيمان وجوهر قد يبدو فى بادى الراى أو بنظر الناس لا وزن له ولا قيمه لكنه بهذا الأصل الطيب فى قلبه هو عند الله عز وجل بالمكانه العاليه و بالمنزله الرفيعه والميزان هوالميزان عند الله تبارك وتعالى لا عند الناس وهذا الأخر الذى هو مشهد ومرأى ومظهر لكن لا خير فيه ولا ايمان فى قلبه هذا لا يبالى الله عز وجل به ولذلك فى حديث سالم بن سعد حديث صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به رجل فقال لرجل عنده ما تقول فى هذا؟ قال هذا رجل من أشراف الناس ثم ماذا؟ هذا حري إن تكلم أن يسمع له وإن نكح أن يزوج وإن شفع أن يشفع. فسكت رسول الله ثم مر رجل أخر فقال للرجل الجالس عنده وما تقول فى هذا؟ قال هذا رجل من فقراء المسلمين هذا حري إن تكلم ألا يسمع له وإن نكح ألا يزوج وإن شفع – توسط فى موضوع يخرب – وأن شفع ألا يشفع. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم معقباً ومعلقاً قال: لهذا الذى تراه ضعيفاً فقيراً مسكيناً خير عند الله عز وجل من ملأ الأرض من هذا. هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يضبط لنا الموازين وهو صلى الله عليه وسلم عليم بأحوال من يعايشهم ويلابسهم يعلم آفاتهم ومحال الخلل فى عقولهم وقلوبهم فهو يصحح لهم هذا بأيسر الطريق. هو يعلم أن هذا الجالس بجواره عنده خلل فى هذا الميزان يريد أن يضبط له هذا الميزان بأيسر شئ وأهونه فاستثمر صلى الله عليه وسلم هذا المرور العابر لهذا الرجل ثم لهذا الأخر لكى يستخرج منه أفكاره ونظرته وميزانه ويصحح له هذا الميزان على وفق أحكام الله عز وجل.
نقطة أخيرة فى وصف هذه الشجرة. وصف شجرة الإيمان وشجرة الكفر أو الشرك فى الوضع الحالى الفيصل ما بين الحق وبين الباطل. أن هذا الايمان وهذا الحق وهذا النور خير كله وأنه هو الذى يعطى الناس كل الناس كل خير فى كل وقت وحين وأن شجره الكفر وشجرة الباطل لا أصل لها ولا حديقة وإن بدت أحياناً كشجره الأرز هذه عالية سامية فهى لا تلبث أن تزول وأن تجتث من فوق الأرض لأنه لا نفع فيها ولا خير ولذلك قال الله تبارك وتعالى فى وصف هذين الأمرين المتناقضين فى وصف الحق ووصف الباطل لئلا يرتاب الانسان أحيانا برؤية هذا الباطل سواء كان فى شكل مبدأ أو فى شكل شخص هؤلاء الخشب المسندة ربما يفتن الانسان بهم إذا لاقاه ولابسه ويفتن فى المقابل بضعف هؤلاء الضعفاء الذين فى قلوبهم إيمان أمثال الجبال الراسخة وربما فى المرئى العام يفتن الانسان أحيانا بمشهد هذا الباطل وهو يعلو فوق الحق وبمشهد هذا الحق الذى يبدو فى بعض الأحيان خافتا وواهناً، فيقول الله عز وجل مصححاً ومصوباً سبحانه وتعالى أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا هذا الوحي المتنزل من السماء فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا إذن على وجه هذا السيل النافع المثمر المفيد يظهر على وجهه أحياناً هذا الزبد الذي لا نفع ولا خير فيه ولكنه يبدو في بعض الأحيان أنه قد علا وربا وارتفع على هذا الماء النافع الصالح المفيد حتى يكاد هذا الزبد أن يخفي وجه هذا الماء الطيب وهذا الحق المبين، فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ
أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم
الحمد لله .. وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ هذا الوصف العام، وصف المجتمعات والبلدان ، كما أن العبد الطيب لا يثمر إلا الطيب فكذلك المجتمع الطيب لا يكون منه ولا فيه إلا كل طيب. وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا المجتمع هو مجموع أفراده فإذا كان البلد طيباً بطيب أهله يخرج نباته وثمره طيباً برحمة الله عز وجل وتسديده وتوفيقه، يخرج نباته بإذن ربه فإذا كان خبيثاً لم يخرج إلا ثمراً خبيثاً نكدا، فإذا كان البلد وكان المجتمع مجتمعاً طيباً مجتمع الطيبين، تستقر فيه هذه المعاني الطيبة وهذه الأخلاق الفاضلة وهذه الآداب التي يحبها الله تبارك وتعالى، وهذا التكافل وهذا التواصل وهذا التعاطف ، وهذا التراحم الذي أمر الله عز وجل به وجعله في قلوب المؤمنين، لم يثمر هذا إلا كل طيب ، وإذا كان بخلاف ذلك فلا تنتظر منه إلا كل خبث وكل خبيث.
فقد تجلى الأمر ولاحت القضية في كلام الله تبارك وتعالى، فإذن هي قضية الطيب والخبث. قضية الإيمان وقضية النفاق، قضية الشجرة الطيبة والثمار الطيبة وقضية الشجرة الخبيثة التي لا نفع ولا خير فيها بل هي شوك وأذى وضرر وهم وغم. على مستوى الفرد وحاله وعلى مستوى المجتمع الذي لا يعدو أن يكون مجموعة من الأفكار، هذه الشجرة ذات الأغصان، قد تتآلف أغصانها وتتعاضد فتقوى، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً وشبك بين أصابعه. وقد تكون هذه الغصان متعارضة متنازعة فتشتجر ويضرب بعضها بعضاً فتتحطم هذه الشجرة المجتمعية بهذا الخلل بين أغصانها، ولذلك كان معنى التشاجر ومعنى الاشتجار إنما هو فرع عن أصل الشجرة، مشاجرة يعني إيه؟ يعني مجموعة ناس دخلوا في بعض زي أغصان الشجرة لما تشبك في بعض شبكة مش مظبوطة. يبقى إذن هذه الشجرة نفسها بصفاتها نفسها إنما يتوقف حالها على حال أغصانها في علاقة بعضهم ببعض، كيف تجتمع هذه الأغصان في داخل إطار هذه الشجرة؟ فإذا ما التحمت فإذا ما تعاضدت فإذا ما التئمت كان هذا في مصلحة هذه الشجرة وفي إثمار ثمرها وفي طيب مخرجها.
وهذه الأغصان نفسها قد تكون عنصر هدم وفساد وإفساد بدلاً من أن تكون عنصر قوة وصلاح وإصلاح إذا سلكت هذا المسلك الآخر، ولذلك قال الله تبارك وتعالى فيما ذكرنا في المرة الماضية كَزَرْعٍ قلنا هذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، أول نبتة صالحة في أرض هذه الأمة وفي تربتها. أَخْرَجَ شَطْأَهُ أي فروعه التي التفت حوله تدعمه وتسانده وتقويه حتى استعصت على رياح الباطل أن تبيدها وأن تقتلعها وأن تعصف بها فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ الذين بذلوا هذا البذل لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا يبقى إذن هذه السنابل وهذه الأغصان إذا ما كانت على وفق ما أمر الله تبارك وتعالى كان هذا هو الخير وخرج نبات هذا البلد بإذن ربه، وإذا لم تكن كذلك لم يخرج إلا نكداً ، فإذن هذا المثل الذي ضربه الله عز وجل في كتابه لو تدبرناه وتأملناه وعملنا بما فيه لكان في هذا الخير والصلاح في الآولى وفي الآخرة ، ولذلك قال الله تبارك وتعالى في تعقيبه على مثل من الأمثال وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ
اللهم إنا نسألك علماً نافعاً
اللهم فقهنا في ديننا .. اللهم فقهنا في ديننا
اللهم إنا نسألك علماً نافعاً وقلباً خاشعاً ويقيناً صادقاً ولساناً ذاكراً
اللهم اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في أمرنا
اللهم ألف بين قلوبنا .. اللهم ألف بين قلوبنا
اللهم اهدنا سبل السلام
اللهم جنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم