Generic selectors
المطابقات الدقيقة فقط
البحث في العنوان
البحث في المحتوى
Post Type Selectors
البحث حسب التصنيف
أحداث جارية
أسماء الله الحسنى
الأذكار
التلون
السيرة النبوية
القصص في القرآن
الكتب
بني آدم والشيطان
بني إسرائيل
تراجم
تربية
تربية
تفسير
جهد الغلبان في تبيان فضائل القرآن
خطب الجمعة
خطو خاتم الأنبياء ما بين اقرأ وإذا جاء
دروس
رمضان 1436هــ - 2015م
سلم الوصول إلى علم الأصول
عقيدة
غير مصنف
كتابات
كلمة التراويح
مسألة الرزق
من قصص كتاب التوابين
من هدي النبوة
مواسم الخير
هذه أخلاقنا

صبغة الله 2

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. إنه من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا

ثم أما بعد: لازالنا آخذين في حديث الصبغة، الصبغة الإلهية، صبغة الإيمان التي يصطبغ بها نسيج المجتمع المسلم بكليته، إيمانٌ بالله عز وجل، تعظيمٌ لله عز وجل، محبة لله ولدينه وحدبٌ على المؤمنين وإشفاق عليهم.

أسلمت ثقيف قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعام، أسلمت بعد نأيٍ وطول لأيٍ وجهاد طويل وكان من جملة أهلها الذين دخلوا في دين الله عز وجل أبومحجن الثقفي كان قبل إسلامه مولعاً بالخمر محباً لها حتى إنه حين تذكر أنه سوف يموت وينقطع عن هذه الحياة لم يحزن على فوات شيء حزنه على فوات الخمر التي يشربها فجعل يقول:

إذا متُّ فادفني إلى أصل كرمةٍ – عنبة – يروي عظامي بعد الموت عروقها

ولا تدفنني بالفلاة فإنني أخاف إذا متُّ ألا أذوقها

أسلم أبو محجن ولكن بقيت الخمر تطارده، يفر منها فتلاحقه يبعد عنها ثم يضعف فيعاودها حتى إنه جلد بسببها مراراً ذكر ابن كثير رحمه الله أنه في زمان عمر رضي الله عنه جلد أبومحجن سبع مرات على شرب الخمر.

ثم ينادي منادي الجهاد فيخرج أبومحجن رضي الله عنه مع سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه إلى قتال الفرس وهو في أرض الجهاد كذلك يعاوده داؤه الذي لم يستطع أن يداويه فيشرب من هذا الداء الوخيم فيحبسه سعد رضي الله عنه ويقيده بقيد ثم يواجه المسلمون أعداءهم وينظر إليهم أبومحجن وهم يقاتلون ويرى من المسلمين والمؤمنين شيئاً من ضعفٍ وانكسار لكثرة عدد وعُدد عدوهم وما لديهم من الفيلة والأعداد الكثيرة التي لا قبل لعباد الله المؤمنين به فينادي على زوجة سعد – سلمة بنت خصفة – ويطلب منها أن تفكّ قيده وتتركه يخرج ويعطيها عهد الله عز وجل وميثاقه لئن سلمه الله عز وجل ليعودنّ حتى يضع رجليه في القيد ولئن قتل، لقد استراحوا منه، فأبت عليه فبقي في محبسه محزونا كئيباً وجعل يقول:

كفى حزناً أن تطرد الخيل بالقنا واترك مشدوداً علليّ وثاقيا

إذا قمت عن نادي الحديد وغلقت مصاريع دوني قدد تصمُّ المناديا

وقد كنت ذا مالٍ كثيرٍ وإخوة فقد تركوني واحداً لا أخا ليا

ولله عهدٌ لا أخيس بعهدي لئن فُرجت لا أزور الحواني

فأشفقت عليه المرأة لما سمعته فأطلقته، فخرج وأخذ البلقاء فرس سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فانطلق بها فجعل ينكل بأعداء الله عز وجل وكان سعداً إذ ذاك مريضاً، فكان يرقب القتال فنظر فإذا بفارس هو يعرفه وإذا بفرسٍ هي فرسه، فهو يقول: الطعن طعن أبي محجن والضبح ضبح البلقاء ولكن أبا محجن في القيد وأما المسلمون شهود القتال فقد ظنوا هذا ملكاً من ملائكة السماء لعظم أثره وما يوقعه في الأعداء ولأنه لم يكن معهم من أول النهار.

فلما أن قبض القتال عاد أبو محجن فوضع رجله في قيده وعاد سعدٌ يخبر زوجه بما حدث ويذكر هذا الرجل الذي لا يعرفه ويذكر أنه أشبه ما يكون بأبي محجن فقالت سلمى هو والله أبومحجن وهي والله البلقاء فتحامل سعدٌ على نفسه في مرضه ونزل إلى أبي محجن ففك قيده بيده وقال لا والله لا جلدتك في الخمر أبداً، فقال أبو محجن: قد كنت أشربها إذ يقام عليّ الحد فأطهر وأما إذ بهرجتني – أي أفسدتني بإسقاط الحد عني – فوالله لا أشربها أبدا.

أنظر إلى هذا الرجل هو يواقع كبيرة من كبائر الذنوب كلما عوفي منها عاد إليه مرضه مرة أخرى، لكنّه كما قلنا وكما نكرر هو رجل من أهل الإيمان محبٌ لله عز وجل ولدينه وللمؤمنين لا تمنعه مخالفةٌ أو معصيةٌ أو مرضٌ وقع في قلبه من أن يقوم بحق الله عز وجل عليه بل هو يعرض نفسه للموت فداءً للدين وفداء للمؤمنين كانت هذه المعاني الإيمانية التي في قلبه كانت بذاتها سبباً في توبة الله عز وجل عليه وأنظر إلى سعد ؛هذا الرجل المجاب الدعوة كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان من كلامه صلى الله عليه وسلم أنه قال ” ربُ عبدٍ لو أقسم على الله لأبر الله قسمه ” لما قال سعدٌ لأبي محجن: لا جلدتك في الخمر أبداً. تقبل الله عز وجل كلمته وأبرّ الله قسمه فوفقه لتوبةٍ إذ لم يعاود هذا الداء أبداً.

وأنظر إلى هذا الرجل الآخر الذي يقول :قد كنت آتي ما آتي إذ يقام عليّ الحد فيطهرني الله عز وجل به وأما إذ بهرجتني – أي أفسدتني – جعل تركه لإقامة الحد عليه إفساداً له لأنه حينئذٍ يعرضه لنار الله عز وجل في الآخرة لأنه لا يعاقب بدائه الذي ألم به ولا بذنبه الذي واقعه في الدنيا فلم يبقى إلا عقوبة الله عز وجل في الآخرة، فأما إذ قلت هذا فإني والله لا أعاودها ولا أشربها أبدا.

وجاء في مصنف عبد الرزاق أنه جاء في جملة كلامه قال: إنما كنت آنف من تركها لأجل جلدك.

ورجل آخر تسور جدار بيت يريد أن يسرق ما فيه من متاع، هذه القصة وإن كانت فيها تسور جدار وفيها محاولة لسرقة بيت بما فيه، إلا أنك إذا تأملتها رأيت فيها مخايل الأمان،وياللعجب!

شخصٌ يتسور الجدار ليسرق بيتاً، لكنك تتلمس في هذه القصة مع ذلك معالم الأمان الذي يعتري هذا المجتمع حتى والسراق يتسورون الجدران.

تسور لصٌ بيت مالك بن دينار ومالك بليلٍ قائمٌ يصلي فلم يجد المسكين شيئاً ذا بال أو ذا قيمة يسرقه وأحس به مالك فأنهى صلاته سريعاً ثم التفت إليه، هذا مالكٌ قد أراح قلبه بزهده ليس له كبير متاعٍ ولذلك هو مطمئن الفؤاد، حتى أنه إذا تسور لص داره هو بقي كذلك في أمان لأنه ليس هناك شيئاً عظيم الخطر يخرج به هذا من بيته، فالتفت إليه مالك وقال: يا أخي تاب الله عليك، دخلت بيتي فلم تجد ما تأخذه ولكني لا أدعك تخرج من هذا البيت تخرج من غير فائدة لابد أن أنفعك بشيء وإن كنت لا أملك شيئاً كبيراً من الدنيا أعطيه لك، يقول هذا لمن أراد أن يسرقه.

فقام فأتى بإناء فيه ماء ثم وضعه أمامه فقال توضأ وصلي ركعتين فإنك تخرج من بيتي بخيرٍ مما جئت في طلبه فقال الرجل :نعم، فتوضأ وصلى ركعتين، وبعد أن انفتل من صلاته التفت إليه وقال: يا مالك أيخف عليك أن أصلي ركعتين أخريين فقال: صلي ما قدّر لك – صلي ما شئت، فجعل يصلي ويدعو ربه عز وجل حتى أصبح، فلما انفلق الصبح قال له مالك: انصرف راشداً فقال له يا سيدي أعليك أن أقيم عندك اليوم فإني قد نويت صيامه، يريد أن يبقى إلى أن ينهي يومه عنده، لإنه يعلم أنه إذا خرج من هذا المكان وعاد إلى حياته التي كان يحيا فإنه لن يبقى على هذه الصلاة ولن يبقى على هذا الصيام، سوف لا يتم يومه الذي نوى صيامه، فهو يريد لكي يحتاط لهذا الصيام الذي نوى أن يبقى في مكان يعينه على هذا الصيام يعينه على هذه العبادة، وكذلك كل شخصٍ يريد أن يغير حياته أو أن يعبد الله عز وجل ويؤدي حقه، لابد أن يهيء لنفسه بيئة تعينه على هذه العبادة إن كان صادقاً في إرادة مرضاة الله عز وجل

فقال له مالك: اقم ما شئت، فبقي عنده أياماً صائماً قائماً ثم أراد أن ينصرف، فقال لمالك إني قد نويت التوبة إلى الله عز وجل، فقال له مالك: ذلك بيد الله عز وجل، هذا الأمر التوبة وأمر القلوب هو بيد علّام الغيوب سبحانه وتعالى وإنما عليك فقط أن تصدق في نيّتك وأن تدعو الله عز وجل أن يحفظك وأن يثبتك على الخير الذي تبت.

فخرج الرجل من عند مالك وقد تاب إلى الله عز وجل فلقيه أحد اللصوص – أحد الزملاء – فقال له: أظنك وقعت بكنز – أكيد وقعت على فلوس كثيرة، لأنه بقي له فترة مش ظاهر، وبما إنه بقى له فترة مش ظاهر وقع على مبلغ كويس، ويبدو عليه أمارات التغيير ويبدو على شكله رايق، فإذاً لقد وقع على ما كثير

قال: أظنك وقعت بكنز، قال: يا أخي وقعت بمالك بن دينار، جئت أسرقه فسرقني، وقد تبت إلى الله عز وجل وها أنا ملازم الباب – أي باب الله عز وجل – حتى أنال ما ناله الأحباب.

فهذا أيضاً دخل إلى هذا المكان لقصدٍ سيئٍ خبيث لكنه بكلمة طيبة، برحمة وشفقة خرج من هذا المكان بغير الوجه الذي دخل به، بل كان هذا سبباً في توبة الله عز وجل عليه.

رجلٌ ثالث :الفضيل بن عياض – رحمه الله – كان قاطع للطريق وكان على علاقة من العلاقات التي حرم الله عز وجل فبينما هو في ذات ليلة يريد أن يذهب إلى المرأة التي يعرف يتسور جداراً إذ سمع قارئ يقرأ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ فقال: بلى يارب قد آن.

انظر إلى هذا الرجل على هذه الحال وهذه الصفة، آيةٌ من كتاب الله عز وجل يسمعها من قارئ يقرأ بليلٍ في خشوع تقع في قلبه موقعها فتكون هذه الآية وحدها سبباً في توبته وفي إنابته وفي ملازمته جوار بيت الله عز وجل تئباً راجعاً إلى الله عز وجل، أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ۝ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ.

الحمد لله.

كما قلنا في مرتنا الماضية إن صبغة مجتمع الإيمان هي صبغة الإيمان وصبغة العلم، الإيمان الذي بلغ شغاف القلوب وأعماقها حتى لو اعتراه في بعض الأوقات أو في بعض الأحيان هذا الغبش وهذا الغثاء، لكن الإيمان في قلوب هؤلاء على ما بهم من علّات أصلٌ ثابتٌ يؤتي ثمرته حين يأذن الله عز وجل وكذلك بناء المجتمع بناءٌ مبني على علم وعلى فهم وعلى فقهٍ وعلى ثقافة عميقة تغلغلت في هذا المجتمع حتى صارت صبغة له.

ذكرنا في مرتنا الماضية ” بريرة ” الجارية وما لديها من علم وفقه، وذكرنا كذلك فقيه اللصوص الذي يسرق على مذهب الإمام مالك رحمه الله، واليوم نذكر إمام المتسولين في الحديث، الإمام المسند أبي عبدالله البصريكي يحكي عن نفسه كما في السير، يقول وأتيت إلى اسحاق بن راهويه، اسحاق بن راهويه إمام أهل خرسان وإمام المحدثين في زمانه، يقول: أتيته فقلت له أسألك صدقه – بيشحت – فقال له اسحاق:صنع الله لك – يعني ربنا يكرمك يسهل لك – فقال: لم أسألك صنع الله وإنما سألتك صدقه – أنا مش عاوز دعوة أنا عاوز فلوس – .

فقال: لطف الله بك، فقال: لم أسألك لطف الله إنما أسألك صدقة، فغضب اسحاق وقال: إن الصدقة لا تحل لك، قال: فلقت لما، قال: لأن جريراً حدثنيا عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرةٍ سوي – الغني اللي معاه فلوس، وذي مرة سوي أي عنده قوة وصحة تمكنه من العمل والاكتساب هذا إذا لم يكن ثمّ بطالة ووجد عمل يناسبه – .

قال أبوعبدالله: فقلت ترفق يرحمك الله – بالراحة – إني عندي حديثاً في كراهية العمل – أنا لا أعمل عشان أنا عندي حديث إن الشغل ليس جيداً – فقال اسحاق: وما هو؟ فقال: حدثنا أبو عبدالله الصادق الناطق عن أفشين عن اتاخ عن سيماء الصغير عن عجيف بن عنبسة عن زغلمنج بن أمير المؤمنين…

هؤلاء الذين ذكرهم هم قوّاد جيش الخليفة وأصحاب شرطته وأمرائه يعني لو ترجمنا هذا ترجمة معاصرة كأنه قال: حدثنا أبو الغيط عن نظيف عن العدلي عن زكريا عزمي عن بهلول بن سيادة الرئيس أنه قال.

حدثنا أبو عبدالله الصادق الناطق – هذا هو نفسه – عن أفشين عن اتاخ عن سيماء الصغير عن عجيف بن عنبسة عن زغلمنج بن أمير المؤمنين أنه قال :العمل شؤم وتركه خير تقعد تمنى خيرٌ من تعمل تعنى، – تقعد هكذا نائم ممدد وتتنمى إن يأتي لك فلوس أفضل من إنك تشتغل وتتعب – .

فضحك اسحاق وقال زدنا – عندك أحاديث تانية – قال: وحدثنا أبو عبدالله الصادق الناطق بإسناده عن عجيف أنه قال :قعد زغلمج في جلسائه – قعد مع نفس الحاشية – فقال: أخبروني بأعقل الناس – من أفضل عاقل في الدنيا – فأخبر كلٌ بما عنده، فقال: لم تصيبوا، إنما أعقل الناس الذي لا يعمل لأنه من العمل يجيئ التعب ومن التعب يجيئ المرض ومن المرض يجيئ الموت فمن عمل فقد أعان على نفسه والله يقول وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا فقال اسحاق: زدنا من حديثك.

قال: وحدثنا أبوعبدالله بإسناده عن زغلمج أنه قال ” من أطعم أخاف شوى – لحم مشوي – غفر له عدد النوى،ومن أطعم أخاه هريسة غفر له مثل الكنيسة، ومن أطعم أخاه جنب غفر الله له كل ذنب.

فضحك اسحاق وأمر له برغيفين ودرهمين.

هذا الرجل المتسول أيضاً ممن يسامي اسحاق إمام الحديث في علم الإسناد والحديث هو يعلم هذا العلم، يعلم علم الحديث وعلم الأحاديث فهو يسند لهذه الصنعة، صنعة التسول يسند لها أحاديثاً.

وهذا رجل آخر، رجلٌ طفيلي، طفيلي هو الذي يتتبع الولائم والأعراص والعقائق فيغير عليها ليأكل من طعام أهلها.

هذا الرجل يقف فيرى أناساً يلبسون ثياباً حسنة ينطلقون إلى مكان فلم يشك لحظة لخبرته أن هؤلاء إنما انطلقوا إلى وليمة من الولائم فتبعهم ومشى وراءهم فلم يفاجأ إلا وهو في دار السلطان، – لم تكن لا وليمة ولا عزومة، ووجد نفسه فجأة في دار الخليفة،، وإذا بهؤلاء الذين تبعهم إنما كانوا شعراء نظم كل منهم قصيدة في مدح هذا السلطان يريد أن يعرضها عليه ليكافئه عليها بمالٍ وجائزة فجعل كل امرءٍ منهم يحكي شعره ويروي روايته وكلما انتهى أحدهم من قصته ومن شعره أعطاه الخليفة الجائزة التي يستحق فلم يبقى إلا هو فنظر السلطان إليه وقد أسقط في يده ماذا يقول له الآن؟ ماذا أتى به إلى هذا البلاط، لو قال له إنه طفيلي تبع هؤلاء لربما قطع له رقبته، فنظر إليه السلطان وقال أين قصيدتك، قال: لست بشاعر، قال: وما الذي جاء بك إلى هنا إذاً؟ قال: قال الله عز وجل وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ فأنا من الغاوين فضحك السلطان وأمر له بجائزة كجائزتهم.

هذا الرجل أيضاً في هذه اللحظة يستحضر كتاب الله عز وجل ويستحضر معاني آياته فيجعل آيات الله عز وجل ردءاً يدرأ عنه غضب هذا الرجل، فهذا على هذا الحال وعلى هذا الوصف هو يحفظ كتاب الله عز وجل أيضاً ويستحضر من كتاب الله عز وجل في هذه اللحظات هذه الآية التي يخرج بها من غضب هذا الرجل إلى رضاه، ومن عقوبته إلى منته وإحسانه.

إنني إن أقسمت أقسمت غير حانثٍ إن شاء الله عز وجل أننا أبداً لم نعش الإسلام، بل إننا أبداً لم ندرك حقيقة إسلامنا وعظمة ديننا، إننا أبداً لم نفقه حقيقة هذا الدين وجماله ومقدار نعمة الله عز وجل التي أنعم علينا بهذا الدين وبهذه الصبغة الإلهية العظيمة، إننا نحتاج كأحوج ما نكون إلى ندرك جمال ديننا وعظمة إسلامنا وعظيم منة الله عز وجل ونعمته علينا بهذا الدين، إننا إذا أحسسنا بهذا الإحساس فإننا حينئذٍ سوف نندفع أعظم اندفاع ونتوجه أعظم توجه إلى القرب من باب ربنا عز وجل وإلى الحياة في ظلال نعيمه ونعمته.

وقاتل الله عز وجل أُناساً طمسوا يهاء هذا الدين وشوّهوا صورته وأبعدوا عباد الله عز وجل عن دينهم بما أساؤوا من عرضه وتصويره، وبما أساؤوا من إعماله وتطبيقه، قدموا للناس صوراً تنفر من دين الله عز وجل وسلكوا مسالك جعلت من يلابسهم ومن يعايشهم يفر من دينه بدلاً من أن يفر إليه، قال الله عز وجل فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ۝ وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ

وقف عمر رضي الله عنه على المنبر كما في التمهيد لابن عبدالبر وقال: يا أيها الناس لا تبغضوا الله تعالى إلى عباده، فقال قائل: وكيف نبغض الله تعالى إلى عباده؟ قال: يكون أحدكم إماماً للناس يصلي بهم فيطول عليهم فيضلل إليهم ما هم فيه، ويكون أحدهم قاصّاً – الذي يجلس في المسجد فيعظ الناس.

ويكون أحدهم قاصاً فيطول عليهم فيبغض إليهم ما هم فيه.،ه

هذا عمر رضي الله عنه يرى أن هذا الذي يطيل في هذه العبادة حتى يشق على العباد وهم يصلوا إنما يبغض الدين ويبغض الله عز وجل إلى عباده، والذي يكثر على الناس بالموعظة وهو يقول قولاً صحيحاً وكلاماً صائباً،لكنه لمجرد الإطالة إنه يبغض الله عز وجل ويبغض دين الله إلى عباده، فما بالك بمن يعرض عرضاً مشوهاً يقدم للدين صورةً ممجوجة لا تحبها القلوب ولا تميل إليها النفوس.

وإذن فحقٌ علينا أن نراجع ديننا من أصوله، أصول ديننا كتاب ربنا عز وجل النيّر البين الواضح، سنّة وسيرة وهدي نبينا صلى الله عليه وسلم التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: تركتكم على البيضاء – الطريقة الواضحة النيرة الجلية – ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك. سنّة وسيرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين ذكرهم الله عز وجل فقال وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ

الله سبحانه وتعالى أخبر عن هؤلاء بأعيانهم وأسمائهم وأوصافهم بأنهم في محل الرضا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ الله سبحانه وتعالى رضي عنهم عن ذواتهم وعن حياتهم وعن صفاتهم وعن مجتمعهم وعن هذه الصبغة التي امتن الله عز وجل عليهم بها، هذه هي صورة الرضا، مجتمعٌ في محل الرضا ولا ينال غيرهم هذا الرضا إلا بما شرط الله عز وجل وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ

قل للذي يدعي في العلم فلسفةً حفظت شيئاً وغابت عنك أشياء

لا تحظر العفو إن كنت امرءً فإن حظركه بالدين ازراءُ

اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم احقن دماء المسلمين.

اللهم ارفع مقتك وغضبك عنا، اللهم ارفع مقتك وغضبك عنا، اللهم ارفع مقتك وغضبك عنا.

اللهم ارحم قلوبا والهة، ارحم اللهم الدماء الذكية التي تراق، اللهم ارحم الدماء الذكية التي تراق، اللهم ارحم الدماء الذكية التي تراق.

اللهم بارك حول أرضك المقدسة بهذه الدماء الذكية المباركة

اللهم بارك حول أرضك المقدسة بهذه الدماء الذكية المباركة

سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ  إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ  هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم