إن الحمد لله نحمده ونستعينه ،ونستهديه، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله ، فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
ثم أما بعد……
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ديار يهود بني النضير يطلب منهم العون في سداد دية رجلين من بني عامر كانوا على عهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ظنهما عمرو بن أمية الضمري -رضي الله عنه- معاديين فقتلهما خطأ فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدفع دية هذين الرجلين المعاهدين فذهب الى بني النضير على وفق معاهدة جوارٍ كانت بينهم وبينه على أن يساعدوه على دفع هذا المبلغ من المال. إذ كانت خزائن دولة الإسلام في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تطيق حتى أن تدفع دية رجلين معاهدين لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم في عشرةٍ من كبار أصحابه استقبلوه استقبالاً حسناً ووعدوه بخيرٍ وعونٍ ومساعدة ثم خلا بعضهم الى بعض فقالوا: “إنكم لن تجدوا الرجل في وضع أمكن لكم منه من هذا الوضع”. هم الآن وهو الان في ديارهم وبين أظهرهم في عددٍ قليل من الصحابة هم يستطيعون إذا أرادوا به سوءاً أن يفعلوا، فأعوزوا الى واحدٍ منهم إسمه عمرو بن جحاش أن يصعد الى سطح البيت الذي يجلس تحته رسول الله صى الله عليه وسلم فيلقي عليه صخرة فيقتله فجاء جبريل عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيتهم ولم يكلم أحداً حتى الصحابة الذين كانوا معه لم يعرفوا عن الأمر شيئا ثم لما استبطأوه خرجوا فرجعوا الى المدينة فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتجهز لقتال بني النضير بعد أن نقضوا عهدهم وحاولوا قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم. هم الآن يظهرون له البشاشة ويظهرون له الموافقة ولكنهم يضمرون في أنفسهم شرا وسوء، فما الذي حفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المكر ومن هذا الكيد ومن هذا الشر ومن هذا السوء؟، إنه الله عزوحل وحده، قال الله تعالى: وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ … وقال سبحانه وتعالى: وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وقال تعالى: وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ وقال: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا فليس ينجي العبد من أي مكرٍ أو أي كيدٍ يراد أن يحيق به إلا أن يكون معتصما بحبل الله عز وجل، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم وأمرهم أن يجمعوا متاعهم وأن يخرجوا من المدينة في مدة حددها لهم فأرادوا أن يفعلوا ذلك فأرسل إليهم المنافقون ألا تفعلوا بل أمكثوا في دياركم وفي حصونكم وعندكم سلاحٌ وطعامٌ يكفيكم زماناً طويلا ونحن سوف نكون معكم نعينكم ونقاتل معكم، فقويت قلوبهم فأصروا على ذلك ثم لما حصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ألقى الله عزوجل في قلوبهم الرعب فأرادوا أن يخرجوا فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا بما معهم من أموال تحملها الإبل وأن يتركوا أسلحتهم فجعلوا يكسرون بيوتهم ويخرجون ما فيها من متاع ثم خرجوا من المدينة فأنزل الله عزوجل في ذلك سورة الحشر يقول سبحانه وتعالى في صدر هذه السورة سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2) وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ (3) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (4)
بدأ الله عز وجل كلامه عن هذا الحدث الجلل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتسبيح ،والتسبيح أن ينزه العبد ربه سبحانه وتعالى عن أي عيبٍ وعن أي نقص في خلقه أو في فعله أو في قدره أو في حكمته.
فالله عز وجل لا يفعل إلا الخير ولا يقدر إلا الخير ، ولا يضع الأمور إلا في موازينها وفي أماكنها الصحيحة ( اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ ) الله عز وجل يجعل كل شيء ويضع كل شيء في محله الصحيح ( سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ) بلسان الحال وبلسان المقال.
بلسان المقال: أن يسبح العبد ربه مستشعراً حكمته وفضله وعظمته سبحانه وتعالى ، ولسان الحال أن يرى العبد مخلوقاً من مخلوقات الله يدل على قدرة الله وعلى عظمة الله وعلى بديع صنع الله أو يرى فعلاً أو قدراً من أقدار الله _عز وجل_ يدل على عظمة الله وعلى حكمة الله فيلهج لسانه بتسبيح الله قائلاً سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي العظيم، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم.
ثم يبين سبحانه وتعالى أنه هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم، الله عز وجل هو الذي أخرجهم بعظمته وقدرته لا بفعل عبدٍ من العباد ( هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ )
ثم يقول سبحانه وتعالى في خواتيم السورة ( هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ) فبدء السورة بقوله ( هو الذي أخرج ) ثم شرح هذا لاضمير الذي هو ( هو ) من هو الذي أخرج ( هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )
فالله عز وجل في هذه السورة بيّن قدرته وعظمته وأن كل شيء بيده سبحانه وتعالى وأنه هو الذي يملك مقاليد السماوات والأرض ( وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ )
( هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا ) رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين معه لقوة بني النضير ولقوة حصونهم ولقوة عتادهم وسلاحهم لم يكن يدور في خلد رسول الله ولا في خلد أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن يخرجوا بهذه الطريقة وبهذه ال سرعة ومن دون اجلاب خيلٍ ولا ركاب.
( هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ ) وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من رسول الله ،وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من أصحاب رسول الله ، هكذا هم يفكرون لكن الله سبحانه وتعالى لم يقل هذا ؛ قال ( وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ )
الأمر كله بيد الله ، هم حينما يحاربون رسول الله ، هم حينما يحاربون دين الله ، هم حينما يحاربون أصحاب رسول الله ، إنما هم بالحقيقة إنما يحاربون الله عز وجل.
( وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ) من داخل قلوبهم.
هم يفكرون في حصونهم وقلاعهم وسلاحهم ومتاعهم وطعامهم وأن هذا هو الذي يحميهم ولكن الله عز وجل آتاهم من داخل أنفسهم آتاهم من داخل قلوبهم.
هم خرجوا من ديارهم وكان فيها سلاحهم ، خرجوا من حصونهم وكانت منيعة حصينة ، ولكن الله عز وجل الذي قلوب العباد بيده سبحانه وتعالى يقلبها كيف يشاء، المالك لكل شيء ألقى الرعب في قلوبهم ( فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ ) وحصونهم التي بنوها والتي أمضوا زماناً طويلاً في تشيدها وبناءها يخربونها هم ( بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ , وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا ) فالله عز وجل له سنن في خلقه أنه من حاد الله ورسوله أنه من شاق الله ورسوله فإن الله عز وجل لابد أن يذيقه عذاباً في الدنيا قبل أن يذيقه عذاب الآخرة ” وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ ” وهو أخف أنواع العذاب بخروجهم من ديارهم ” لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا ” كما عذب بعدهم بني قريظة بالتقتيل لما نقضوا عهد الله وعهد رسوله صلى الله عليه وسلم.
( وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ ) هذا مرصود لهم آت لا محالة عندما يلقوا ربهم – عز وجل – جزاء على كفرهم وعلى محادتهم , ” ذَلِكَ ” أي ذلك العذاب الذي قدره الله – عز وجل – عليهم في الدنيا وفي الآخرة ( بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ” المشاقة والمحادة أن يكون الإنسان في جانب والله ورسوله ودينه في جانب آخر ففصل أو حد ما بين المؤمن وغير المؤمن أن المؤمن لابد أن يكون في صف الله ورسوله ودينه وعباده المؤمنين فإن كان في غير ذلك فإن كان في شق غير شق الله – عز وجل – ورسوله فلابد أن يحيق به العذاب قال الله عز وجل ( إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ .. ” أن يكونوا في حد والله ورسوله في حد أي في جانب والله ورسوله في جانب ( إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) وقال الله عز وجل ( إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ , كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ) , ثم قال بعدها ( لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ) لأنهم يجب أن يكونوا في هذا الحد ولا يكونوا في الحد الآخر ( أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ )
فالله عز وجل بين في هذه الآيات أن الأمر أمره وأن الملك ملكه وأن الفعل فعله وأنه لا يفعل شيئاً على الحقيقة إلا الله أما العبد فهو يأخذ بسبب قد أمره الله – عز وجل – به أما الفاعل الحقيقي في هذا الكون هو الذي يعز وهو الذي يذل قال الله تعالى ( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ , تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) كما قال الله تعالى ( فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ) أثبت ونفى في ذات الآية ( وَمَا رَمَيْتَ ) هذا نفي ( إِذْ رَمَيْتَ ) وهذا إثبات , هو رمى بالفعل لكن إيصال هذا الرمي وتحقيق أثره إنما كان بفعل الله عز وجل, فرسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ كفاً من تراب في يوم بدر ووضعه في يده وبينه وبين المشركين مسافة وهم ألف رجل لا ينقصون رجلاً فأخذ كفاً من تراب ثم ألقاه في وجوههم وقال شاهت الوجوه , هو الآن رمى فهذا التراب الذي ألقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ألف رجل من المشركين أوصله الله عز وجل إلى عيونهم جميعاً حتى أغشاها فهو قد أخذ بسبب فعله, هو قد فعل ولكن الذي أحدث النكاية وأحدث الأثر وأحدث الفعل الحقيقي هو الله عز وجل ولكن العبد أمره الله عز وجل أن يأخذ بسبب ، أحدث نتيجة أو لم يحدث , قال الله عز وجل مخاطباً مريم عليها السلام: ( وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا , فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ) جذع النخلة هذا لا يهز , فإن الإنسان عندما يريد أن يأخذ تمراً من نخلة يصعد إليها أو يلقى عليها طوباً أو شيئاً لكي يسقط هذا التمر أما جذع النخلة فهو لا يتحرك أبداً , إمرأة في المخاض في أشد لحظات الضعف والوهن هي لا تستطيع أن تهز جذع النخلة لكن لابد على الإنسان أن يفعل شيئاً , هو عليه أن يفعل السبب الذي في مقدوره الذي أمره الله عز وجل به والفعل على الله عز وجل , فالفعل الحقيقي على الله عز وجل الذي وهب الإنسان القدرة وهو سبحانه وتعالى يسلبه إياها متى شاء وكيف شاء.
هو سبحانه وتعالى الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب, ليس رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس المؤمنين, لذلك عقب الله عز وجل على ذلك فقال: ( مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ ) أي نخلة من نخل بني النضير أو أحرقتموها ( أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ , وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )
ثم يتحدث الله بعد ذلك عن المنافقين الذين قالوا لهؤلاء اثبتوا ونحن معكم قال الله سبحانه وتعالى: ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ , لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ , لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ , لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ , كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ) بنو قينقاع الذين نقضوا عهد الله وعهد رسوله – صلى الله عليه وسلم – قبل ذلك ( ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ , كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ , فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ )
فالله عز وجل بيّن أن هؤلاء يظهرون لبضعهم الولاية والنصرة لكنهم في الحقيقة ليس بينهم ولاية ولا نصرة إنما الولاية الحقيقية للمؤمنين, الله عز وجل مولى المؤمنين ينصرهم ويعينهم والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض فالولاية من المحبة والنصرة إنما تكون بين المؤمنين وفقط أما غير المؤمن فليس بينه وبين أحد محبة حقيقية أو مودة قلبية حقيقية لذلك حينما يجد الجد يكفر بعضهم ببعض ويلعن بعضهم بعضا ومأواهم النار وما لهم من ناصرين أما المؤمنين فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا) وشبك بين أصابعه وقال: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).
فالله عز وجل علمنا في هذا الدرس العظيم أن الفعل لله وأن الأمر لله وأن الله يحكم لا معقب لحكمه فعلى كل عبد أن يدرك هذه الحقيقة ويدرك أن الله عز وجل هو الذي يصنع المقادير, أن الله عز وجل هو الذي يدفع الظلم, أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يؤيد عباده المؤمنين, أن الله سبحانه وتعالى هو واجد النعم وهو مصدر المنن الذي يجب أن يلهث العباد لشكره، أن يشتغلوا إذا من الله عليهم بخير أن يلهثوا بذكر الله عز وجل وشكره والثناء عليه، أما أن ينسى العباد ربهم إذا من الله عز وجل عليهم بخير أو فرج عنهم كربة فيعجب العباد بأنفسهم ويظنون أنهم هم الذين يفعلون وأنهم هم الذين دافعوا وأنهم هم الذين دفعوا فهذا نذير شؤم يُحبط الأعمال ويرد العباد إلى شر مثل ما كانوا عليه أو إلى ما هو أشد منه.
قال تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ هكذ قال الله عز وجل: إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ و َإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ فواجب على العباد إذا منَّ الله عز وجل عليهم بخير أو فرج عليهم أمر الا ينسوا ربهم وألا يسنوا فضل الله عز وجل فالله هو الذي فعل وهو الذي قدر وهو الذي رمى سبحانه وتعالى وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى ، فالعباد حينما يسنون ربهم يكونون كهذا الذي قال الله عز وجل فيه: إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ، وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ …في ما آتاك الله… … الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ، قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي … ، هو لم ينسب الفضل لله ، هو قال ، الله عز وجل لم يصنع لي شيئا وإنما أوتيت هذا المال بفضل علمي وفضل خبرتي ، ومن الذي أتاه العلم؟! وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَ اتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا ، الله عز وجل هو مصدر العلم وهو مصدر الخير ، وهو مصدر العقل والحكمة ، لكنه نسي الله عز وجل.
فكان عاقبة أمره أن قال الله عز وجل: فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ ، وختم الله قصته قائلا: تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ
تقول عائشة رضي الله عنها كما هو في الصحيح: (إن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما كان في غار حراء جاءه الملك فقال: له اقرأ، فقال: ما أنا بقاريء، فقال صلى الله عليه وسلم: فأخذني فغطني وضمني ضما شديدا – حتى تكاد روحه أن تخرج صلى الله عليه وسلم – ثم أرسلني، فقال: اقرأ قلت ما أنا بقاريء، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ، فقلت ما أنا بقاريء فأخذني فغطني الثالثة، ثم أرسلني فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ
جبريل عليه السلام يضم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضما شديدا لأنه سوف يقدم على أمر عظيم جلل يحتاج إلى أن يستجمع طاقته وفكره وذهنه لهذا الأمر العظيم ولهذه الكلمات العظيمة التي سوف تلقى عليه التي ستنير الخافقين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ هذا النور قد بدأ بهذه الكلمات التي ألقيت على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأول كلمة خاطب بها الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم أن قال له ( اقرأ )، هذه القراءة وهذا الفهم وهذا الوعي هو أول واجب أوجبه الله عز وجل على عباده.
القراءة: الإنسان يقرأ ويعي ويفهم، قال الله عز وجل: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي ، يدعوا إلى الله على بصيرة، البصيرة هي عمق الفهم والدراية والنظر، أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي كل من كان متبعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لابد أن يدعو إلى الله وأن تكون دعوته على بصيرة بعلم وفهم.
فأول ما أمر الله عز وجل به رسوله الله صلى الله عليه وسلم ومن وراءه عباده المؤمنين أن يقرؤوا القراءة التي تؤدي إلى الفهم والوعي، لذلك قال سبحانه وتعالى: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ ، والتدبر المبالغة في التفسير حتى يصل الإنسان إلى دبر المعنى، والدبر أي آخر ما يصل إليه عقله من فهم معاني كلام الله عز وجل.
قال تعالى: أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الْأَوَّلِينَ ، وقال سبحانه وتعالى: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ، أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ ف ِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا ، وقال سبحانه وتعالى: إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاء حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ ، لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُ ذُنٌ وَاعِيَةٌ ، تعى وتفهم عن الله سبحانه وتعالى مراده وخطابه.
الله سبحانه وتعالى ذكر القراءة وذكر السماع والإنصات بوعي وفهم، قال سبحانه وتعالى: وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ، كل إنسان يولد ليس عنده من العلم شئ لكنه سبحانه وتعالى يمن عليه بأدوات العلم والفهم وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ هذا محل الإنصات والوعي هذا محل القراءة والفهم والقلب محل التعقل والتفهم والتدبر.
فالله عز وجل جعل من فرائض ديننا ومن أوجب واجبات ديننا أن نعي وأن نفهم، هذا هو أول واجب علينا إذا أردنا أن نصلح أحوالنا إصلاحا حقيقيا.
نحن نريد أن نصلح إصلاحا حقيقيا نحن الآن نريد أن نغير ما بنا من ظلم، نحن يجب علينا أن نجاهد الظلم لا أن نجاهد الظالم، نجاهد الإستبداد لا نجاهد المستبد، لأننا إذا وقفنا في مقابلة ظالم ولم نغير الظلم الذي نشأنا عليه والذي ترسخ في مجتمعاتنا لن يكون الأمر إلا أن نستبدل ظالما بظالم، نستبدل مستبدا بمستبد، لابد أن تتغير البنية طريقة التفكير، لن يتغير هذا إلا بوعي وفهم أن نفهم حق الفهم.
قال الله عز وجل: الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ، الترتيب المنطقي أن الله سبحانه تعالى خلق الإنسان ثم علمه البيان ثم علمه القرآن لكنه سبحانه وتعالى لم يرتب هكذا قال عز وجل: الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ هذا القرآن الذي يعلمه الله عز وجل للإنسان هو الذي يجعل الإنسان إنسانا، بدون قرآن لن يكون هناك إنسان، بدون قرآن لن يكون للإنسان عقل وفهم وإحساس وشعور.
قال سبحانه وتعالى: أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ ، بهذا القرآن يحي الله عز وجل قلوب الناس، بهذا القرآن يحيل الله عز وجل الناس من موتى إلى أحياء، قال تعالى: فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وقال سبحانه: وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ ، هذا القرآن هو الذي يحي الله عز وجل به العباد.
فنحن نحتاج لكي نحيا حياة حقيقية لابد أولا أن نعي وأن نفهم حقوقنا وواجباتنا ماذا نريد؟، ما هي صفات الشخص الذي يحكم والذي أمر الله عز وجل به ورضي به حكما؟، ما هي صفاته؟ كيف نستطيع أن نراقب الحاكم؟، كيف نستطيع أن نحفظ علينا حقوقنا؟
هذه هي البداية الحقيقية التي يجب أن نبدأ بها، الوعي والفهم والتدبر والتفكر، إذا أوجدت إنسانا عاقلا فاهما هذه هي الضمانة الأولى أن تسير الأمور على وفق الإتجاه الصحيح.
ولذلك قلنا قبل أن حذيفة رضي الله عنه حينما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفتن وكيف يواجه الفتن، ماذا قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال له في رواية الحاكم في المستدرك: (يا حذيفة تعلم كتاب الله وإعمل بما فيه) ثلاث مرات، هذا هو الحل وهذا هو المخرج يبينه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سهلا هينا واضحا، التعلم والعمل، (تعلم كتاب الله وإعمل بما فيه).
هذا القرآن كما قال تبارك وتعالى: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ، هو المخرج من كل فتنة، هو الهادي من كل ضلالة، هو الذي يبين لنا ماذا يجب علينا أن نفعل لكي ننال سعادة الدنيا والآخرة، قال تعالى: …فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ، وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ، قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا ، قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى .