الحمد لله، الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً، وأشهد أن لا إله إلا الله إقراراً به وتوحيداً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً مزيداً ثم أما بعد:
طوبى لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيراً، طوبى لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيراً، ما الرسالة الموجودة في هذه الكلمات؟ ولمن تقال؟، طوبى لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيراً، أولاً هذه الرسالة موجهة إلى شخص يؤمن بلقاء الله، الشخص المخاطب بهذه الكلمات أو المذكر بهذه الكلمات هو الشخص الذي يؤمن أنه موقوف غداً بين يدي ربه تبارك وتعالى، رسالة موجة للشخص الذي يؤمن بصحائف الأعمال، نحن لدينا نوعين من الصحائف، يقول ربنا سبحانه وتعالى كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ هذه أول صحف، صحف النبيين والمرسلين إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى هذه رسائل ربنا سبحانه وتعالى للناس في ضمن هذه الصحف أن يؤمنوا بلقاء الله، وأن يؤمنوا بأن أعمالهم مسجلة مدونة منشورة غداً بين يدي الله تبارك وتعالى، قال تعالى: كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ قال تعالى وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ فهو صلى الله عليه وسلم يخاطب الإنسان المؤمن بهذه الصحائف فيقول له: طوبى لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيراً، حسناً، ولكن لماذا؟.
أولاً طوبى يقصد بها أي هنيئاً له، ما أسعد العبد الذي يجد في صحيفته حين تنشر يوم القيامة استغفاراً كثيراً، فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ، طوبى لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيراً، ما هو الاستغفار؟ الاستغفار، أن يدرك الإنسان حقيقة حاله ويدرك مغبة وخطر هذا الحال فيطلب من الله سبحانه وتعالى أن يعفو عنه، هذا معنى الاستغفار، الاستغفار أن يطلب الإنسان من ربنا سبحانه وتعالى أن يغفر له ذنبه فلا يؤاخذه به، وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا فالاسغفار هو إدراكي عظم جرمي وأن هذه الخطايا إذا بقيت في عنقي فإنني هالك لا محالة، فأسأل الغفور الرحيم سبحانه وتعالى أن يغفر لي.
حسناً، طوبى لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيراً، استغفاراً كثيراً، فالاستغفار هو حال الإنسان المدرك لخطورة ما هو عليه وأثر ذلك عليه، وأن له رب يتوجه إليه سبحانه وتعالى، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أذنب عبد ذنباً فقال: ربي أذنبت ذنباً، أو قال: أصبت ذنباً فأغفره لي، فيقول الله تبارك وتعالى: علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب قد غفرت لعبدي، ما هذه الحالة؟ فالنفرض أن هناك إنساناً قد أذنب ذنباً، وحين أذنب
والَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ أين مرجع العبد إلا ربنا سبحانه وتعالى طائعاً كان أو عاصيًا، بارًا كان أو غير برّ، وهل للعباد من ملجأ إلا الله، أياً كان حال الإنسان، كيف حاله، أياً كان وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ” ذكروا الله ” إذاً الإنسان حال المعصية يكون ناسياً لهذا، لأنه إن لم يكن ناسياً لا يصلح أن يذنب، وهذا حال الإنسان المؤمن ما بين الغفلة والتذكر، ما بين الحماية الإلهية، وما بين سيطرة النفس والشيطان، هكذا حال القلب يتقلب من حال إلى حال، فغلب عليه ضعفه وعجزه، وهكذا هو الإنسان، قال صلى الله عليه وسلم ” كل ابن آدم خطاء ” لم يقل ” مخطئ ” قال ” خطّاء ” هذا كثير، هذه صفة الإنسان الغالبة، والخطائون قسمان.
إذاً لا يوجد أحد غير موصوف بالزلل، لا يوجد إنسان موصوف بالزلل، ففي الأولى هذه لم يقسمهم أقسام ” كل ابن آدم خطّاء ” وهؤلاء الخطاؤون قسمان: مصرون، وتائبون، آبقين ومنيبين، ” كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ” هم قسمان، شخص يخطئ؛ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ما معنى جهالة؟ الجهالة هي التي نسميها ” هبالة “، يوجد نوعان، يوجد شخص يعاند، ولا يبالي بأوامر ربنا ونواهيه، وهذا ربنا لا يتكلم عنه، فهذا ليس في دائرة المغفرة، ومن يفعلها بضعف النفس وغلبة الهوى وغلبة السفه، لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى إذاً ما هو الاستغفار؟ أنني أدرك هذه الحالة، ” علم عبدي ” أول تعقيب على عودة الإنسان إلى الله؛ أن يقول ربنا سبحانه وتعالى ” علم عبدي أن له رباً ” له مرجع، له مرجع هو يرجع له في كل أحواله، ” أن له رباً يغفر الذنب لمن تاب، ويأخذ بالذنب لمن تكبّر، والنتيجة؟ ” قد غفرت لعبدي ” إذاً إلام ترجع المغفرة؟ ترجع لعلم الإنسان أنه ليس له إلا ربنا، وليس له مرجع إلا الله، وأنه على كل حال لابد أن يفر إلى الله، فلما يكون هكذا ” فقد غفرت لعبدي ” فهذا الاستغفار مطلوب أن يكون كثيراً لأن الذنوب كثيرة، والمعاصي كثيرة، والغفلة كثيرة والتقصير في الطاعة كثيرة، وأهواء النفس كثيرة وآفات النفس كثيرة، ” طوبى لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيراً ” وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَحِيمًا وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَحِيمًا
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
الحمد لله رب العالمين
” لمن وجد في صحيفته ” ما معنى هذه الجملة؟ هذه مفاجأة، من ينظر سيجد، هذه مفاجأة، فلماذا لم يقل صلى الله عليه وسلم طوبى لمن استغفر كثيراً؟ ما الفرق بين ” طوبى لمن أكثر الاستغفار ” أو ” طوبى لمن استغفر كثيراً “، وبين ” طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارًا كثيراً، ليس كل استغفار هو استغفار، الذي سيجده الإنسان في صحيفته هذا هو الذي كان استغفاراً فعلاً، الأشياء التي تقبلها الله، لأنها كانت استغفاراً حقيقياً كانت من القلب وليست من اللسان، كانت من القلب وليست من اللسان، شخص شعر بشيء بداخله فناجى ربنا سبحانه وتعالى بكلمات، ليس يقولها دون أن يفهمها، فالذي سيجده في الصحيفة الذي كان فعلاً، الذي كان حقيقة، ليس دجلاً، كان حقيقة.
” لمن وجد في صحيفته ” فالإنسان ينسى، ما أكثر أشياء عملناها وقلناها، سواءً كانت خيراً أو شراً، بطبيعة الإنسان النسيان.
سيدنا موسى أوكل لفتاه عملاً، عملاً واحداً، وهذا شاب صغير ملازم لموسى عليه السلام ليس له مهمة، ليس له مهمة إلا أنه يتعلم منه، ليس لديه أولاد ولا شغل ولا مشاكل ولا مصاريف ولا مشاجرات مع فلان، فليس لديه أشياء تشغله، وهو عمل واحد، فليس له أشغال كثيرة، فهو عمل واحد فقط، هذا الزنبيل الذي تمسكه هذا ” القفة التي تمسكها ” بها سمكة أُكل نصفها، أُكل نصفها، هذه السمكة ستخرج وتقفز في الماء، فعندما تخرج قل لي،، فقط، هذا هو العمل، بس،، فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا آخ – كلمة تدل على تذكر أمر مهم – قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وهذا الذي حدث هو أمر عجيب!، وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا سمكة أُكل منها، ستحيا وتقفز في الماء وتسير، ثم إنها ستسبح وربنا سيمسك جرية الماء، أي أنها عندما شقت طريقها هكذا، حفر الخط الذي سارت فيه، لذلك حينما رجع سيدنا موسى، علم إلى أين سيرجع، وسيدنا موسى قال له حينما تقفز في الماء قل لي، فهل قال له؟ لا لم يقل له، فهذا هو الإنسان، هذا هو الإنسان.
فالإنسان ينسى، فلما ينسى سيأتي عليه وقت يتذكر يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللهُ وَنَسُوهُ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا هم الذين فعلوه وليس شخص آخر، فهل هم متذكرين له؟ لا لا، أَحْصَاهُ اللهُ وَنَسُوهُ
فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى هذا السعي ما شكله؟ ربنا قسمه إلى قسمين، هما قسمان فقط، فَأَمَّا مَنْ طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى لا تصلح له الآن يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي يتذكر.
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ
فما هي الرسالة؟ النبي صلى الله عليه وسلم ماذا يريد أن يقول لنا؟ أن الإنسان الذي كان يلازم الاستغفار، أي من كان مهتماً بنفسه ويعرف تصرفاته وأفعاله إلام ستأول، فهو مشفق منها ويكثر من استغفار ربنا سبحانه وتعالى على ما قدّم وعلى ما جنى ويسأل ربنا سبحانه وتعالى على المغفرة والرحمة، هذا هو الشخص الذي يسعد بصحيفته حينما توضع في يده.
ولذلك الزبير رضي الله عنه يروي ” من أحب أن تسره صحيفته ” ” من أحب أن تسره صحيفته ” مثلما قلنا، يكون عارفاً أنه هناك صحيفة أصلاً، لابد أن يكون مؤمناً أن هناك صحيفة أصلاً، من أحب أن تسره صحيفته فليكثر فيها من الاستغفار، إذاً الرسالة أن الإنسان يكون دائم الاستغفار، ولذلك حينما نسمع أن النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس واحد، في مجلس واحد، أي جالس جلسة مع الصحابة في مساحة زمنية ضيقة من الممكن أن يقول أكثر من مائة مرة، أكثر من مائة مرة، وهذا بالعدد، بالعدد، بالعدد، يقول ابن عمر ” كنا نعد له في المجلس الواحد أكثر من ماة مرة ” رب اغفر لي وتب عليّ إنك أنت التواب الغفور ” ” هم يعدون،، هذا ما عدّوه، في المجلس الواحد، وهو جالس، في هذه المساحة الزمنية الضيقة هذه، هم يعدون أنه قال أكثر من مائة مرة ” رب اغفر لي وتب عليّ إنك أنت التواب الغفور ” لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ هذا هو الشخص، الذي ينقل لنا عنه أننا كنا نعد له في المجلس الواحد أكثر من مائة مرة ” رب اغفر لي وتب عليّ إنك أنت التواب الغفور ” ونحن؟ من الأحوج للاستغفار؟ ولكن هذا الاستغفار علام يبنى؟ مبني على أشياء؛ أول شيء عظمة الرب الذي قصّرنا في حقه، هو يعرفه أم نحن الذين نعرفه؟ عظمة اليوم الذي سيقبل عليه، هو صلى الله عليه وسلم الذي يعرفه أم نحن الذين نعرفه؟ خطر الذنب وأثره على الإنسان في الدنيا قبل الآخرة، في الدنيا قبل الآخرة، وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ لا يوجد شيء يحدث لنا مما لا نحبه إلا بسبب أننا نذنب ونعصي ونؤثر في حق ربنا، إذا أردنا أن نصلحها، فهي لا تصلح إلا هكذا ولن تصلح إلا هكذا، ولن تصلح إلا هكذا.
فهو حينما يقول هذه الجمل كثيراً؛ فنعم؛ لأنه فاهم، فاهم أولاً: من يناجي، وإلى أي لقاء يُعد، ولذلك نحن تكلمنا قبل ذلك كثيراً عن قضية الإيمان، فالموضوع كله أساسه هنا، يوجد شخص يعرف وشخص لا يعرف، فالذي يعرف يظهر عليه أثر المعرفة، لذلك كانت من الجمل القديمة الجميلة التي كانت تقال، وإن كانت توضع أحياناً في غير محلها، يقولون ” فلان هذا مقام العارف بالله ” كلمة غاية في الخطورة إذا فكّرت فيها، ما معنى ” عارف بالله “؟ ما معنى ” عارف بالله “؟ يقول صلى الله عليه وسلم: ” أنا أعلمكم بالله وأخشاكم له ” وقال ” أنا أعرفكم بالله وأتقاكم له ” العلم والخشية، إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ المعرفة والتقوى، هذا هو أساس كل شيء، الإيمان، وقلنا أن هذا الإيمان ليس أكون عارفاً؛ لا، يكون قلبي شاعر، فنحن جميعاً جميعاً نعلم أن هناك آخرة، ولكن كم من الناس التي تعرف أن هناك آخرة مؤمنة أن هناك آخرة؟
” يعلم ” هذه أي في ذهني؛ معلومة موجودة مثل أي شيء أخذناه في المدرسة أو أي شيء نعرفه، هذه اسمها معلومة، الإيمان ليس معلومات، وإلا ربنا يقول سبحانه وتعالى قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ أي أن المعلومة موجودة أم غير موجودة؟ ربنا سبحانه وتعالى يتكلم عن فرعون وعن ملائه، وموقفهم من الإيمان؛ قال وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا لا يوجد تكذيب، لم يقل أن هناك تكذيب، لا، لا يوجد تكذيب، يوجد ميل للظلم ورغبة في الافتراء، لا يوجد تكذيب ظُلْمًا وَعُلُوًّا ليست مشكلة الإنسان أن يكون عارفاً.
هل إبليس كان يجهل؟ فماذا كان يجهل إبليس؟ إذا كان يخاطب ربنا سبحانه وتعالى كفاحاً، هو يكلم ربنا مباشرة، هو ماذا يجهل؟ هو يجهل أنه يوجد آخرة؟ قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى ماذا؟ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ لأجل أن يفعل ماذا؟ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ هل نقول أن هذا جاهل لم يكن يعرف؟ هو يقول، يقول: يا رب، يا رب أنظرني إلى يوم القيامة، فماذا كان يجهل؟، فماذا سيفعل؟ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ” فبعزتك ” ، إبليس !! إبليس يقسم بعزة الله، لأنه لو بدون عزة الله لن يستطيع أن يفعل شيئاً، سنقول عليه لا يعلم؟ هل مشكلته أنه لا يصدق؟! غير مصدق بماذا !، ما هو الإيمان؟ الإيمان أن الإنسان قلبه يكون موقناً بهذه الأشياء، فتحركه.
” ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب “، فالإيمان يدخل بداخل القلب، فينتج الممارسة الإيمانية، إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ مم سيصعد؟ مم سيصعد؟ القلب، القلب محل الإيمان، فهذا الإيمان كيف يدخله الإنسان في قلبه، كيف يحوّل معلوماته ومعارفه لإيمان؟ لابد أن يظل يتدبر ويتفكر في هذه الحقائق ويقرأ قرآن، ويقرأ قرآن، ويقرأ قرآن إلى أن تتحول المعلومات التي ورثناها إلى إيمان آمنا به، نحن ورثنا الإسلام، فلابد أن نبني الإيمان لكي يحدث أي شيء، فالذي كان يقول أكثر من مائة مرة، ” رب اغفر لي وتب عليّ إنك أنت التواب الغفور ” كان لديه الإيمان، وهذا هو الذي ينقصنا، نحن لا ينقصنا المعلومات، كلنا نعرف ما الصحيح وما الخطأ، ما الذي يجب أن يفعل وما الذي لا يصلح أن يفعل، فلماذا لا نفعل الذي نعرفه، ونفعل ما نعلم أنه خطأ، الإيمان، وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ لابد أن نصدق هذا، أن الإنسان حينما يسمع الكلام ربنا سيمنن عليه، فإن لم يصدق بهذا؟ فلا يفعل أحد شيئاً يعتقد أنها تضره، فكل شخص يعتقد أنه أعرف شخص بمصلحته، أنا أعرف بمصلحتي من الذي خلقني، أنا أراها هكذا، أنا أراها هكذا، وإلا إن لم أكن أراها هكذا سأسير في الطريق وفي الصراط الذي أمرني به ربنا الذي خلقني، أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ فأنا لا أفعل ذلك؟ فأنا أعرف أفضل، أنا فاهم أفضل، أنا مدرك أفضل، أنا عندي رؤية، ليس لها تفسير آخر، السلوكيات نتاج الاعتقادات، أنا ماذا أعتقد، إذاً أنا ماذا أفعل؟
آخر كلمة، رُوي أن لقمان عليه السلام كان من جملة وصاياه لابنه، قال: يا بُني لا تدع أن تقول اللهم اغفر لي فإن لله تعالى ساعات لا يرد فيها سائلاً.
يقول له كن دائماً طوال جلوسك تقول ” اللهم اغفر لي ” ، ” اللهم اغفر لي ” ربما تصادف وقت ربنا سبحانه وتعالى فاتح فيه باب الإجابة
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.
اللهم اغفر لنا وارحمنا وأعتق رقابنا من النار، اللهم اغفر لنا وارحمنا وأعتق رقابنا من النار.
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، متعنا اللهم بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا، أبداً ما أحييتنا، واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا، ولا تجعل اللهم إلى النار مصيرنا، واجعل اللهم الجنة هي دارنا وقرارنا
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم