Generic selectors
المطابقات الدقيقة فقط
البحث في العنوان
البحث في المحتوى
Post Type Selectors
البحث حسب التصنيف
أحداث جارية
أسماء الله الحسنى
الأذكار
التلون
السيرة النبوية
القصص في القرآن
الكتب
بني آدم والشيطان
بني إسرائيل
تراجم
تربية
تربية
تفسير
جهد الغلبان في تبيان فضائل القرآن
خطب الجمعة
خطو خاتم الأنبياء ما بين اقرأ وإذا جاء
دروس
رمضان 1436هــ - 2015م
سلم الوصول إلى علم الأصول
عقيدة
غير مصنف
كتابات
كلمة التراويح
مسألة الرزق
من قصص كتاب التوابين
من هدي النبوة
مواسم الخير
هذه أخلاقنا

ظل رجل ولا ظل ساعة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهدي ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.

إنه من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم  ,

يَا إيها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ

يَا إيها النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا

يَا إيها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا

ثم أما بعد:

كلمتنا اليوم من ذوات العنوانات، وعنوانها ” ظل راجل ولا ظل ساعة “.

وأصل ذلك كلمة يتناقلها الناس وهي قولهم ” ضل راجل ولا ضل حيطه ” يقصدون بذلك أن يأتيهم رجلٌ لينكح ابنتهم فلا يرونه أهلاً لذلك ولا يرون فيه من المزايا والصفات ما يرغّبهم في قبوله، لكنهم يؤثرون قبوله على رفضه لأنه خيرٌ من لا شيء فهو أفضل من الاستظلال بجدارٍ أو ظل حائط.

فربما أتى برزقٍ أو جلب نفعاً أو أزال وحشةً أو حقق أنساً هذا أقل ما فيه، وقياساً على ذلك نقول ” ضل راجل ولا ضل ساعة ” وأما الساعة فساعة زمزم، بناءٌ مرتفع في قبالة بيت الله المعظم ،بناءٌ عالي الأركان ذو عقارب تزن أرطال وأرطال، جعل في قبالة بيت الله تبارك وتعالى، ولا تدري ما الذي يجعل عبداً من عباد الله يقدم على مثل هذا الصنيع، لا ينبغي أن تصرف أنظار الناس وهم عند بيت ربهم تبارك وتعالى إلى غير ذلك من الأماكن أو من الأبنية ولا ينبغي أن يجعل بجوار بيت الله عز وجل المعظم مكانٌ هو أعلى مكاناً وأرفع مقاماً من هذا المقام العظيم، ذكرني ذلك بعبد الرحمن الناصر ملك الأندلس، الذي جعل مدينةً عظيمةً سماها الزهراء وبنى فيها لنفسه قصوراً وكان من جملة ذلك قصراً اصطفاه لنفسه، وجعل فيه قبةً من الذهب والفضة لا يشوبها غير ذلك من معادن، ثم استقبل الناس في قبته وجعل يسألهم هل سمعتم بملكٍ من الملوك قبل قد صنع مثل هذا الصنيع أو بنى مثل هذا البناء، والناس على عادتهم كما نعلم جميعاً بقوا يثنون على فعله وعلى صنيعه والمنذر بن سعيد قاضي القضاة مطرقٌ لا يتكلم، فانتظر الأمير منه أن يقول شيئاً فلم يقل شيئاً، فقال له ما لك لا تتكلم، فرفع وجهه ونظر إليه والدموع تتحدر على وجهه وقال يا أمير المؤمنين: ما كنت أرى أن الشيطان يبلغ بك إلى ما بلغ أن جعلك تنزل نفسك منزلة الكافرين، قال: وكيف؟ قال: إن الله تعالى يقول وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ۝ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ ۝ وَزُخْرُفًا أي: ذهب، من الفضة والذهب الخالص وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ قال: صدقت، فجزاك الله خيراً، فأمر بنقضها.

ثمّ من عجيب أمرنا أن نبني هذا البناء ونجعل فيه هذه العقارب لكي تشير لنا إلى الوقت، وهذه والله عجبٌ من العجب، نحن أهل الإسلام أقل الناس حرصاً على الوقت وأقل الناس اهتماماً به، لانبالي به ولا نلقي له بالاً بل إننا نتفنن في تضييع الأوقات وإفساد الأعمار، ونحن أحق الناس بأن نحافظ على أعمالنا وعلى أوقاتنا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس، الصحة والفراغ “. وقال صلى الله عليه وسلم: ” لن تزولا قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل ” أول ما يسأل ” عن عمره فيما أفناه “، هذا أول ما يسأل عنه العبد، لكننا نحن مع ذلك لا نبالي بأعمالنا ولا أوقاتنا،

ثم ما حاجة هذا العبد الذي يجلس قبالة بيت الله عز وجل إلى أن ينظر إلى هذه الساعة، إنه في هذا المحل منقطعٌ عن الدنيا وأعمالها وعن مواعيدها واتصالاتها ليس له شأنٌ إلا بالأذان الذي يرفع وبتلبية نداء الله عز وجل، ثم أليست هذه الأموال التي تنفق مما يسأل عنها العبد بين يدي ربه تبارك وتعالى يوم القيامة، ألن يسأل العبد، كل عبد ” لن تزولا قدما عبد حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه ” زهرة عمره التي ينبغي ألا يضيعها ويضيع إستثمارها فيما ينفع ويفيد، فهو يسأل عن عمره عموماً ويسأل عن شبابه خصوصاً، ” وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ” عن ماله هو الشخصي ناهيك إن كان هذا المال ليس له وإنما هو مال الله الذي ينبغي أن ينفق على عباد الله، “وعن ماله ” الشخصي ” من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه “.

ندع هذا جانباً ونتكلم عن ما هو أخطر من ذلك وأخطر وهو علة هذا الفعل، هذا هو شرّ ما في الأمر، ليست القضية كل ما ذكرنا، وإنما في العلة الباعثة على ذلك، نحن نريد أن نقيم ساعةً أعلى من ساعة بيج بن، يبقى إحنا عندنا أعلى بناية، وأعلى ساعة في العالم، ثم ماذا، نحن عندنا أعلى بناية وأعلى مؤسسة وأعلى منشأة، هذه جدر، ما أغنت عنا هذه الجدر، إننا إنما خلقنا الله عز وجل وأرسلنا هذه الأمة لكي نبني رجالاً لا نبني أعمدة وجدراناً، إننا وللأسف إنما نبني هذه الأبنية الضخمة وهذه الجدران الشاهقة لكي نستر وراءها ضعفنا وشعورنا بالمهانة والذلة تجاه أعدائنا الذين تفوقوا علينا وغلبونا في كل شيء، إننا عجزنا على أن نبني إنساناً، نبني ثقافة، نبني علماً، نبني حضارة فلم نجد إلا أن نبني هذه الأبنية، ومن الذي يبنيها؟ أنحن الذين بنينا هذه الأبنية أم هم أيضاً الذين يأتون إلى بلادنا فيبنون لنا هذه الأبنية، وهم الذين يأخذون هذه الأموال أضعافاً مضاعفة لأجل بناء هذه الأبنية، ماذا صنعنا نحن، ذكرني هذا قديماً في السبعينات البعض، يعني أهل الخليج يذهبون إلى لَنْدَنْ، هذا تعبيرهم، ليقضون أجازة الصيف فيركب سيارة “رولز رويس ” فارهة ثم يفتح زجاج السيارة ومعه جنيهات استرليني عشرة أو عشرين أو مائة ويلقها على الأرض فيجعل هؤلاء يركعون ليأخذون هذه الأموال فهو يرى بذلك أنه قد أذلهم، هم ينظرون فيقولون: إن هذا شخصٌ أحمق، واحد رمى لنا فلوس على الأرض، إيه اللي حصل يعني، فهو يلقي هذه الأموال على الأرض وفقراء المسلمين لا يجدون ما يقوتهم، يقول أنه بذلك يذل هؤلاء، هذه هي الآفة والعلة.

إن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  قد بنى رجالاً كانوا من عمالقة الرجال، فلم يحتاجوا إلى أن يستروا أنفسهم بهذه الجدران، أما نحن فلأننا استشعرنا أننا أقزام إزاء هؤلاء فأحببنا أن نبني هذه الأبنية العالية لكي نستتر وراءها فلا نظهر ضعفنا وعجزنا وصغرنا، هذه أفعال الصغار وليس أفعال الرجال.

ننتقل إلى الكبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى أصحابه، نتعلم أول ما نتعلم درساً يعلمنا إياه أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه إذ يجالس أمراءه يوماً وهو في ديار الشام وقد ذكرنا هذا قبل، لكننا نحتاج إلى أن نذكر به وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ فقال لأصحابه تمنوا، فقال أحدهم أتمنى أن يكون لي ملء هذه الدار فضة فأنفقها في سبيل الله عز وجل، ونعمة الأمنية, ثم قال تمنوا فقال آخر: أتمنى أن يكون لي ملء هذه الدار ذهباً _أرقى شوية_ أنفقها في سبيل الله  عز وجل وقد أحسن، فقال عمر: تمنوا، فقال آخر: أتمنى أن يكون لي ملء هذه الدار ياقوتاً وجوهراً فأنفقها في سبيل الله عز وجل. فقال عمر: أما أنا فاتمنى أن يكون لي ملء هذه الدار رجالاً كأبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وحذيفة بن اليمان فأستعملهم في طاعة الله عز وجل، هكذا يصوب الفكر، هكذا يوجه العقول بالاستثمار الحق هو الاستثمار في الرجال هم الذين يأتون بالأموال، أما الأموال فلا تصنع رجالاً، وإنما يصنع الرجال الأموال.

لقد بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده كما يقول ابن عمر رضي الله عنه والحديث في البخاري، بناه من اللبن وجعل سقفه من جريد النخل وأعمدته من خشب النخل، ويقول أبو الدرداء، وأبي بن كعب رضي الله عنهما أنهما زرعا مكان المسجد، _قبل ما يتبني_ فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم يريدان أن يكون بناءاً واسعاً عالياً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا، وإنما عريش كعريش المسلم، ثمامٌ وخشبات، _ثمام يعني خوص _ ثمام وخشبات فالأمر أعجل من ذلك.

وقال صلى الله عليه وسلم وهو يتكلم عن المسجد ليس ما وراء ذلك من الأبنية قال، ” ما أمرت بتشيد المساجد ” لم أومر بتشييدها، على فكرة التشييد ده، إن الواحد يعمل البناء يطليه بالجبس، التشييد ده جبس بس، مش اللي إحنا بنتخيله، هو ده اللي النبي صلى الله عليه وسلم ده اللي هو بيقول إن ربنا ما أمرنيش بكده، ” ما أمرت بتشييد المساجد ” فقال ابن عباس رضي الله عنه معقباً ” والله لتزخرفنّها كما زخرفت اليهود والنصارى ” وفي تتمة حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بناء مسجده من اللبن وسقفه من جريد النخل وأعمدته من خشب النخل، فجاء أبو بكر فلم يزد فيه شيئاً، ثم جاء عمر فزاد فيه، الناس كترت فعايز يوسع، فزاد فيه فجعل بناءه كما كان مبنياً باللبن والجريد وقال لصانعه، الشخص اللي بيبني، المهندس اللي هيستلم منه المشروع، بيوصيه يقول له إيه؟، قال: أكن الناس من المطر ولا تحمر  ولا تصفر فتفتن الناس، أنا عايز بناء بس لو الدنيا شتت ميغرقش الناس ،

النبي صلى الله عليه وسلم  في سنة من السنوات، الحديث في البخاري حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فذكر ليلة القدر قال قد أريتها ورأيت أني أسجد في وحلٍ وطين، قال أبو سعيد فلما كانت ليلة احدى وعشرين، صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمطرت السماء فلما انسدل من صلاته التفت، فوجدت أثر الطين والوحل في جيبنه، فكانت هذه علامة على إن هذه ليلة القدر في هذه السنة.

الشيء بالشيء يذكر، فالظاهر والله أعلم من أمرها أنها تتغير وتنتقل من سنة إلى سنة ولا تجتمع أقوال العلماء في هذه المسألة ورؤى الصحابة التي رأوا والأمارت التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم وأشار إليها إلا بهذا، فحديث أبيّ بن كعب أنه ذكر أنها ليلة سبع وعشرين، أي في السنة التي رأى فيها هذه العلامة ,

 وحديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أرى رؤاكم قد تواطأت على أنها في السبع، فالتمسوها في السبع، السبع ليالي الأخيرة يبقى معناها حديث أبي سعيد في ليلة واحد وعشرين، يبقى دي سنة.

حديث أبي بن كعب كان فيه ليلة سبعة وعشرين دي سنة، الرؤى اللي رآها الصحابة كانت من تلاتة وعشرين لتلتين، يعني في الوتر من السبع الأواخر، يبقى هي على أصح ما يذكر أنها تنتقل من عامٍ إلى عام وتتغير من سنة إلى سنة وهذا من رحمة الله  عز وجل لكي يحرص العباد على تحريها ولا يثبتوا على ليلة واحدة فينقص أجرهم ويقل ثوابهم، نعود إلى حديثنا ,

فالشاهد، أنّ السماء لما أمطرت بدا أثر ذلك على وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم في تسجيده من الوحل

وقال صلى الله عليه وسلم  أيضاً ” لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد “، قال أنس: يتباهون فيها ثمّ لا يعمرونها إلا قليلا، يتباهى الناس في المساجد، يعني كل واحد مثلاً إيه، إحنا مجموعة كده عندنا مسجد فعايزين مسجدنا يبقى أحسن مسجد في المنطقة هنعمل فيه كذا وهنغير مش عارف إيه، وهنركب إيه وهنشيل إيه وهنحط إيه، وهنجيب إمام هنستورده من الحته الفلانية عشان يلم الناس فتصبح القضية هي قضية تنافس والتنافس ده بهذه الصورة ده من طبيعة الدنيا مش من طبيعة الآخرة، ” لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد ” يقول أنس ثم لا يعمرونها إلا قليلاً، قال إسحق بن راهويه: المساجد لا ينبغي أن تزين إلا بالصلاة والبرّ ،

وقال أبيّ بن كعب رضي الله عنه: إذا حليّتم مصاحفكم وسوقتم مساجدكم فالدمار عليكم، إذا بلغتم هذا المبلغ فإنكم بذلك تضلون وتضيعون لماذا؟ لأنه كما ذكرنا نحن ننتقل عن الحقيقة وعن المضمون وعن الغاية وعن المقصد، إلى شكلٍ لا معنى له ولا قيمة، نخادع به أنفسنا نبحث عن شيء لا وزن له ولا قيمة لكي نستعلي به ولكي نشعر به بأن لنا قامة مرتفعة ولنا رأساً عليا ،

إذاً فما علمنا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم وما علمنا إياه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم  أن تكون مساجدنا تذكرنا بما ينبغي أن نكون عليه من البساطة ومن التقلل من الدنيا ومن البعد عن الترف والزخرفة التي لا نفع فيها ولا فائدة ،

يبقى إذاً دي عملية مقصودة مش مجرد إنفاق أموال، لأ القضية، مساجدنا بتمثل ديننا، ديننا له طبيعة، البساطة والسماحة واليسر والسهولة والبعد عن التكلف والبعد عن الترف بكل سبيل هذا أولاً.

الأمر الثاني ألا يوجد في المسجد ما يشغل المصلي عن صلاته، يبقى كلمة قول عمر رضي الله عنه ” لا تحمّر ولا تصفّر فتفتن الناس ” الفتنة ليها معنيين: زي ما قلنا فتنة التعلق بالدنيا أنا جيت هنا عشان أتذكر الآخرة، فإذا كان المسجد نفسه هيفكرني بالدنيا زي بره محنا معملناش حاجة، ما استفدناش حاجة، يبقى إحنا كده بعمل على مناقضة المقصود الشرعي من ابتناء هذا المكان، دي أول حاجة.

الحاجة التانية: إن حاجة تشغل نظر المصلي وتصرفه على الخشوع والحضور في الصلاة ،

النبي صلى الله عليه وسلم  أهداه أبو جهم رضي الله عنه خميصة – ثوب – له أعلام – مخطط مفيش حاجة -، له خطوط – بس خطوط – فلما صلى فيها – صلاة واحدة – قال أذهبوا بها إلى أبي جهم وأتوني بانبجانية فإنه ألهتني أعلام هذه عن صلاتي “.

والنبي صلى الله عليه وسلم أعلى وأرقى من أن تلهيه خطوط في ثوب عن أن يخشع بين يدي الله، إنما يريد أن يعلمنا نحن ألا نلتفت ولا ننشغل بأي شيءٍ يعيق خشوعنا وحضورنا في صلاتنا، وكان من تواضعه وعظمته صلى الله عليه وسلم، واحد جاب له هدية، جايب له ثوب جديد، هو برده مش عايز يكسر بنفس الراجل، قال له رجعه له، وأتني بانبجانية، انبجانية دي يعني إيه، كساء صوف تعبان، يعني هيلبس لبس الراجل القديم اللي هو لابسه عشان ميكسرش بنفس الراجل، مش عايز يرد الهدية بس مش عايز دي، ” فإنه ألهتني أعلام هذه عن صلاتي، فاذهبوا بها إلى أبي جهم ” هيلبس صوف لنفسه، النبي صلى الله عليه وسلم لا يستنكف أن يلبس ثوباً ملبوساً لأحد أصحابه رضي الله عنهم لئلا يقع في نفسه ضيقٌ ولا حزنٌ أن ردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم هديته.

وإذاً فإنما كان هذا مقصوداً كما أخبر صلى الله عليه وسلم  وكما أصرّ على أن يكون بناؤه لكي يكون ذلك مذكراً إيانا بالآخرة ولئلا يفتننا في عبادتنا التي هي أعظم غايةٍ وأعظم مقصود لنا.

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.

الحمد لله رب العالمين

وإذاً فلا نريد أن نغفل ولا أن ننسى علة بناء هذا المسجد، النبي صلى الله عليه وسلم أول حاجة عملها النبي صلى الله عليه وسلم  أول ما وطئت قدمه أرض المدينة بنى مسجد مش لمجرد الناس تصلي، النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ” أي حته تصلي فيها، إحنا مش زي اليهود ولا النصارى لازم نصلي في بيعة ولا في كنيسة لأ، إحنا بنصلي في أي مكان ” وجعلت لي الأرض ” كلها ” مسجداً وطهوراً ” طب ليه المسجد، المسجد ده مؤسسة هيعمل فيها حاجة، هيبنوا فيها بني آدمين، هيحصل فيها اجتماع على الخير، هيخرج من هناك شعاع النور اللي هيضيء للعالمين، القضية كبيرة مش مجرد مكان وخلاص، ولذلك المكان ده لازم يكون صفته هي صفة الدين، شكل المكان وبناؤه والهندسة بتاعته بتمثل الدين ده نموذج عايزين ننقله للناس، إحنا عايزين نوصل للناس حاجة، نوصل للناس حاجة دي من خلال حتى شكل البناء، حتى طبيعته، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال ما أمرت، يبقى جعله أمر إلهي، أمرت ونهيت ،

ولذلك هذا المكان كان حقيقاً بأن يخرج عظماء الرجال ،

عمرو بن العاص رضي الله عنه لما توجه لفتح مصر، ثم منّ الله عليهم بفتح حصن بابليون الحصن الأعظم للروم، فأراد أن يتوجه ناحية الإسكندرية حيث يقيم المقوقس حاكم مصر، فأراد هذا المقوقس أن يفاوض عمرو رضي الله عنه، فأرسل إليه رسل، فحبسهم عمرو رضي الله عنه يومين حتى قال فيه المقوقس، قال: أتراهم يقتلون الرسل، أيستحلون ذلك من دينهم، هو معروف في الأصول الدبلوماسية أن الرسل لا تقتل، فهو تعجب الرسل مجوش أعدوا يومين مجوش، فهو تعجب وقلق، فقال: أتراهم يقتلون الرسل، ثم قال أيستحلون ذلك من دينهم، هو عارف إن الناس دي عندها دين، وهو عاوز يستكشف طبيعة هذا الدين، لو الدين بيقتل فيه الرسل ده لن نستفيد إليه، ولا ينفع إن هو يسود، قال: أتراهم يستحلون ذلك من دينهم، ثمّ إن عمرو رضي الله عنه أرسلهم بعد يومين، فلما أتوه استفهمهم عن حال هؤلاء الذين رأوا، شافوا إيه في اليومين دول، قالوا إنا رأينا قوماً الموت أحب إلى أحدهم من الحياة، دي أول حاجة، عالم مستبيعه، والتواضع أحب إلى أحدهم من الرفعة مفيش عوجان وكبر ومنظرة، فدي يعني إيه، هما لاحظوا إيه، الحاجات اللي هما بيركزوا عليها دي، الحاجات اللي هما مستغربنها، الإنسان إيه اللي بيلفت نظره الحاجات الغريبة، يبقى الحاجات دي عكس اللي عندنا، هما الحاجات اللي هما شفوها دي، هي الحاجات اللي هما شايفين إن هي مش عندهم فهما مستعجبنها فعينيهم لقطتتها ،

الموت أحب إلى أحدهم من الحياة والتواضع أحب إلى أحدهم من الرفعة ليس لأحدهم في الدنيا حاجة، ولا بغية، متشغلهمش الدنيا، طب استدل على إيه بإنهم ملهمش في الدنيا، قال: فإنما جلوسهم على الأرض ،وأكلهم على ركبهم ( مفيش سفرة ).  

ثم قال: أميرهم كواحد منهم، هما مش عارفين الكبير من الصغير، فين الرئيس فين المواطن، أميرهم كواحد منهم، لا تميز رفيعهم من وضيعهم، ولا تعرف سيدهم من عبدهم، إذا حضرت الصلاة لم يتخلف عنها منهم أحد، يوضؤن أطرافهم بالماء ويخشعون في صلاتهم، دول الناس اللي طلعوا من الجامع، الجامع بتاعهم مش الجامع بتاعنا، الجامع بتاعنا اللي هو إحنا، ده الجامع بتاعهم.

المقوقس قال إيه، قال والذي يحلف به لو أن هؤلاء، الناس اللي انته بتحكي عليهم هما كده فعلاً، لو أن هؤلاء استقبلوا الجبال لأزالوها ،الناس دي، مش إحنا هنقف ادامهم، هو بيقول لو أدامهم جبل هيشلوه، ولا قبل لأحد بقتالهم، الناس دول لو زي ما انته بتوصفهم كده، على هذه الصفة من المساواة والعدل بينهم وترك الترفع في الدنيا وعدم الاهتمام بيها.

يقول: ولئن لم نغتنم صلحهم الآن وهم محصورون وراء النيل، يعني هما مش عارفين يعدوا , عشان ترعة المحمودية مش عارفين يعدوا الناحية التانية، بيقول لو إحنا معرفناش نصالحهم دلوقتي فإننا لن نغتنم صلحهم إن خرجوا من مكانهم الذي هم فيه وأمكنتهم الأرض، يعني لو عرفوا يعدوا النيل إحنا ضعنا، فإحنا لو معرفناش دلوقتي إن إحنا نعمل معاهم صلح، إحنا كده خلاص،

فأرسل لسيدنا عمرو عايز يصالحهم فبعت له عشرة وجعل على رأسهم عبادة بن الصامت رضي الله عنه وكان أسود اللون، فأول ما دخل، المقوقس أسود ومخيف، فقال له لألألأ، أخره كده ده، وهاتوا لي واحد تاني أكلمه، ده مش هينفع، أنا قلقت منه رجعوه ورا، قالوا إن هذا خيرنا وأحكمنا وأعظمنا رأياً وإنا أميرنا عمرو رضي الله عنه قد أمره علينا وأمرنا ألا نخالفه في قوله ورإيه، فهو قال بقى، طبعاً الموضوع كبير مش هحكيه عشان مفيش وقت، فهو بيقول إيه: كيف رضيتم أن تؤمروا هذا عليكم وأنتم خيرٌ منه، أصل الناس كلها بيض والراجل ده لونه أسود، ازاي انتم رضيتوا إن انتم تخلوا الجدع الأسود ده الرئيس بتاعكو، واضح إن الراجل مبيفهمش، هما قالوا له قبل كده، لكن مبيفهمش، قالوا: إنه أفضلنا فضلاً وأعظمنا قدراً وأحكمنا وأسدنا رأياً ولا نبالي نحن بسواد أو بياض على فكرة موضوع الألونات ده مبيفرقش معانا، قضية الأجناس والأعراق والألوان الحاجات دي مبتفرقش معانا، إحنا عندنا ميزان اللي هو ميزان التقوى، معندهمش كده، هي المشكلة إن الناس مش مستوعبه ده، إلى يوم الناس هذا لا زال التميز العنصري موجود هو مش هيزيلوا إلا الإسلام، اللي فعلاً اللي هو  فيه لا فضل لأحمر على أبيض ولا أسود إلا بالتقوى، كلّكم لآدم وآدم من تراب، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ مفيش حاجة تانية، فهو مش مستوعب، إزاي انتو رضيتوا بده.

آخر ما نقول إن عمر رضي الله عنه لما خرج لاستلام مفاتح بيت المقدس خرج وغلام له يتعاقبان على بعير واحد، هو طالع من المدينة ورايح لحد فلسطين هو والغلام بتاعه راكبين جمل ومعه غرارتان، واحدة فيها سويق وواحدة فيها تمر وواحدة فيها ميه بس ده كل الموضوع، فلما قرب على مشارف بيت المقدس مرّ عمر بمخاضة فيها أثر للميه، في بركة ميه، وهو طبعاً واخدها شفتات بقى من المدينة، واحد يركب وواحد ينزل، مش هيفضل الراجل طول السكة ماشي، فكان الشفت بتاع الغلام وهو راكب وسيدنا عمر داخل بقى معدي المخاضة، أم مشمر هدومه وأخد البعير وراح معدي، وكان في ثوبه سبعة عشر رقعة، سيدنا أبي عبيدة لما شافه كده، هدومه متبهدلة، وهدومه مترقعة، فقال له طب مش هينفع، إنك تقدم على قوم ليس منا وهم من أشراف الناس مش هيستوعبوا، مش هيهابوا الأمير ولا هيعظموه بالمنظر بتاعك اللي انته عامله ده، سيدنا عمر قال: والله لو غيرك قالها يا أبا عبيدة لجعلته مثال بس انته مش هينفع، إنّا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام مش بالمنظر، المنظر مبيعملش حاجة، فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله، وبعد كده دخل بيه مصر فجبوله ثياب بيضه عشان يلبسها ومرضيش، وبعد كده دخل بيه مصر فجابوله برذون “برذون يعني فرس أعجمي ” فركب الفرس فقعد يتحنجل، يتمنظر كده، يتبخطر، فسيدنا عمر راح ضربه عشان يتعدل، اتمخطر زيادة، فسابه ونزل وقال: إنما أركبتموني على شيطان والله ما نزلت من عليه حتى أنكرت نفسي، لما تركب حاجة زي كده تحس إن انته كبير، بيقول دا أنا الحبه اللي أنا ركبتهم دول هيأثروا في نفسي، لا لا لا، آتوني بقعامي، هتولي الجمل بتاعي اللي أنا جيت بيه، أنا هركب الجمل بتاعي، فسيدنا عمر عايز يعلمنا، إن هي مش قضية مظهر، ولا لبس ولا شكل ولا بنايات وإنما القضية، في الأخلاق والإيمان والهدف، الغاية الصورة اللي إحنا بنقدمها ،السلوك اللي بنسلكه، الرسالة التي سوف نوصلها للناس كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ وأعجب ما في هذا الأمر، أننا جميعاً نحفظ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم  كلنا نحفظه، في حديث جبريل المشهور، حديث عمر بن الخطاب لما ذكر أمارات الساعة قال: ” أن تلد الأمة ربّتها ” إشارة إلى العقوق ” وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاة يتطاولن في البنيان ” إحنا عارفين ده وبنقوله في المساجد وإحنا في نفس الوقت بنتطاول في البنيان، لا تدري أين تذهب عقولنا، مش عارف إحنا بنفكر ازاي يعني إحنا حافظين الحديث وبنقوله وإحنا إحنا في نفس الوقت، هذا يذكرني بقول الله سبحانه وتعالى  سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ ربنا بيقول سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ الناس اللي مبتفهمش مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا تلاها رسول الله  صلى الله عليه وسلم  وسمعتها يهود ثم قالوا قولة السفهاء، قالوا مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا برده،

هتلاقي مثلاً إيه أمير الجزيرة عامل بلان A وبلان B، بلان A يعني المونديال، طب مجاش معاه المونديال، يعمل أعلى ناطحة سحاب في العالم، يبقى هو عايز، يعني هو في دماغه يعمل حاجة وخلاص، حاجة تجذب الإنتباه لو مكنش كاس العالم، يبقى أعظم بناية، عندي أعظم بناية، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال ” العالة ” العالة دي معناها إيه، إحنا عالة على العالم، إحنا عالة على الكفرة إحنا فعلاً مبنعملش حاجة، أولاً قال ” حفاة عراة ” يبقى ده مش هيغير من طبيعتنا ولا من صفتنا حاجة ده مش اللي بيغير البني آدم، الحاجة التانية: عالة، عالة دي معناها إيه، إن إحنا عالة على العالم، عالة على الناس، فتطاولنا في البنيان ده ما أزلش عنا صفة إن إحنا عالة لأ، إحنا لسه عالة برده، يبقى هي القضية كلها فين في إن إحنا عالة، لا ينبغي على أهل الإسلام اللي هما كانوا بيعولوا العالم والناس عيال عليهم أن يتحولوا هم إلى عالة يقتاتون فتات وعوائد الناس.

اللهم هيئ لنا من أمرنا رشداً، اللهم هيئ لنا من أمرنا رشداً ،اللهم هيئ لنا من أمرنا رشداً

اللهم وفقنا لكل خير وبرّ ،اللهم وفقنا لكل خير وبرّ

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا

اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا

اللهم لا تحرمنا المغفرة في هذه الأيام، اللهم لا تحرمنا المغفرة في هذه الأيام

اللهم لا تخرجنا من هذا الشهر خزايا ولا محرومين، اللهم لا تخرجنا من هذا الشهر خزايا ولا محرومين

اللهم من أرادنا والإسلام والمسلمين بخير فوفقه اللهم لكل خير، ومن أرادنا والإسلام والمسلمين بسوء فاجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميره يا رب العالمين.

اللهم من ولي من أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم شيئاً فرفق بهم فارفق به، اللهم من ولي من أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه

اللهم انصر الإسلام واعز المسلمين، اللهم انصر الإسلام واعز المسلمين، وأعلي كلمة الحق والدين،وأعلي كلمة الحق والدين ودمر أعداء الدين، وانصرنا على من بغى علينا يا رب العالمين

اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعو فيه أهل موافقتك ومعرفتك ويذل فيه أهل مشاقتك ومحادتك، ويحكم فيه بكتابك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر يارب العالمين

اللهم اهدنا واهدي بنا واهدي لنا واجعلنا سبباً لمن اهتدى ،اللهم اهدنا واهدي بنا واهدي لنا واجعلنا سبباً لمن اهتدى

اللهم اجعلنا هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضليين، سلماً لأوليائك، حرباً لأعدائك، نحب بحبك من أحبك، ونعادي بعداوتك من خالفك

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم