إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.
إنه من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
ثم أما بعد:
كانت لهم الغلبة وكانت لهم اليد العليا، حتى خالف منهم من خالف وحتى عصى منهم من عصى، وفي طرفة عين تبدلت الأمور وصار الغالب مغلوبا والمغلوب غالبا ثم وقف رجل على جثمان رجل وفي يده رمح وهو يشير به الى خد هذا المسجى فقال: ” ذق عقق ” ، مر الحليس بن زبان سيد الأحابيش، وهي القبائل التي تحالف أهل مكة، مر بأبي سفيان بن حرب وهو قائم على جثمان حمزة وبيده الرمح يشير به اليه ويقول ” ذق عقق ” فقال الحليس ” يا بني كنانة انظروا الى سيد قريش كيف يصنع بابن عمه لحما ” فقال ” ويحك اكتمها عني فإنها كانت ذلة ” .
وقف أبو سفيان على جثمان حمزة وقد فعل به ما فعل فيقول ” ذق عقق ” أي ذق أيها العاق لقومك التارك لدينك، ذق عاقبة العقوق.
عاقبة العقوق. ذوق عاقبة العقوق. حين ينكر العبد حق الله عليه، حين يجحد العبد فضل الله عليه، حين يعرض العبد عن طاعة مولاه، حين يجعل العبد كتاب الله وراءه ظهريا، حينئذ يجب أن يذوق عاقبة العقوق.
قال الله تبارك وتعالى: وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّه… فذاقت عاقبة العقوق ….فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ
وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ
ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يتقون لعلهم ينيبون لعلهم يتضرعون، ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون.
وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا
وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
لابد أن يذوق عاقبة العقوق كل من تنكب أمر ربه تبارك وتعالى، لا يحسبن عبد أنه إن خالف أمر ربه أو عصى أمر ربه أنه آمن من ذوق هذه العقوبة عاجلا أو آجلا، عاجلا أو آجلا، لكن الإنسان العجول لا يرى إلا ما تحت قدميه فإذا لم تعاجله العقوبة أمن من عذاب الله تبارك وتعالى، قَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا الآن قد أدركنا وقد علمنا وقد أيقنا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ نسيان لقاء الله والعمل بمعصية الله، إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.. فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ فذكر عذاباً دون عذاب، عذاب يُستدرك سببه وعذاب لا يُستدرك سببه، وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى في الدنيا دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَر لأن هذا لا يُستدرك وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ فكل من عق ربه لابد أن يذوق عاقبة العقوق، منه ما يستدرك ومنه ما لا يستدرك، فمن أراد الله به خيراً بصره وأوقفه على حقيقة أمره فتاب إلى ربه تبارك وتعالى، وعاد إلى البر بعد عقوقه، ومن أصر وأدبر واستكبر ذاق العذاب الأكبر.
ولكن كيف يدرك الإنسان هذه الحقائق؟ وكيف يبصرها؟ ربما أدرك الإنسان العقوبة وربما لم يدركها، ربما أبصرها العبد وربما لم يبصرها، قال الله تبارك وتعالى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا هو في الضيق وفي الغم، ربما شعر بذلك وربما لم يشعر، ربما أدرك ذلك وربما لم يدرك، فإنما تدرك الأمور بأضادها، الإنسان إن لم يعرف إلا نمطاً واحداً لا يمكنه أن يدرك نقيضه وما يقابله، قال الله تبارك وتعالى وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ ” مفيش حاجة ” هذه هي سنة الحياة، يوم في الأعلى ويوم في الأسفل، يومٌ حلو ويومٌ مر، لا توجد حكمة أو توجيه من ربنا سبحانه وتعالى، ولا توجد رسائل، إنما الحياة هكذا ” هي الحياة كده ” وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ هذه هي سنة الحياة وما أدركناه من حال آبائنا وحال من سبقونا، فلم تترجم الرسالة الأولى، ولا حتى الثانية.
إذا لم يدرك الإنسان أثر القرب من الله ويستشعره في قلبه لم يدرك أثر ومعنى فقده، لأنه لم يعشه قط، لا يعلمه، فربما كان الإنسان في أشد العذاب وفي أشد العقوبة ولكنه لا يبصر ولا يدرك ولا يعي ولا يدري، فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
الحمد لله رب العالمين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إن الربا وإن كثر فإن عاقبته تصير إلى قُل ” ، ” إن الربا وإن كثر ” هذه صورته الآنية، صورته الحالية، عندما تعُد تجدهم كثير، يوجد أمران: الخير في المال، وسلب الخير منه. من الممكن أن يكونوا كثير، ولكن نفعهم، أثرهم، ما يجلبون للعبد من سعادة… وهذا ليس موضوعنا.
النبي صلى الله عليه وسلم ماذا يقول؟ يقول ” إن الربا وإن كثر فإن عاقبته ” فما هي عاقبته هذه؟ عاقبته هي مآله، مآله، ذوق عاقبة هذا المسلك؛ هل سيظهر اليوم؟ هو سيظهر اليوم، ولكن لمن؟ للذي يدرك الفرق بين المال الذي وُضِع فيه البركة، والمال الممحوق منه البركة، لأن المال لا يطلب لذاته، وإنما ليستجلب به العبد سعادته، يجلبها أم لا يجلبها؟ يوصل إليها أم لا؟ فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا هذا أصعب أمر، هي موجودة، موجودة، الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا أسوأ شيء أن تكون هذه الزينة موجودة، موجودة ولكنها ليست سبب سعادة، إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ موجودة؛ لكن هنا عم يتكلم صلى الله عليه وسلم؟ يتكلم عن المآل؛ من رحمته صلى الله عليه وسلم يحاول أن يجعلنا نلتفت لما لم نكن نراه، هذه طبيعة الإنسان، هو لا يرى نصف متر للأمام، وأحيانًا كثيرة لا يستطيع أن يدرك ما أمامه إلا إذا ربنا سبحانه وتعالى الذي بيده مقاليد السماوات والأرض قال له: ما هي قوانين اليوم وغدًا، وقال له ما هي قوانين الدار الآخرة أيضًا، عاقبته تصير إلى قُل؛ إلى قلة، هو كثير، ولكن غدًا لن يكون كثيرًا، وكلنا نفكر في غدًا، نحن نبحث عن الأمان، ليس اليوم؛ نبحث عن الأمان غدًا.
حسنًا، ما يكون اليوم هكذا، ماذا سيكون غدًا؟ سأدّخر ربنا سبحانه وتعالى لغدًا، أم سأدّخر هذا المال لغدًا؟ فمفهوم الادّخار: أنت تدخر شيئًا لوقت الحاجة؛ تدخر شيئًا لوقت الحاجة، من الممكن أن تدّخر ربنا لوقت الحاجة ومن الممكن أن تدخر شيء لوقت الحاجة؛ أيهما أعظم أثرًا وأكثر استجلابًا للأمن؟ تدّخر ربنا لغدٍ أم تدّخر المادة لغد؟
فهل ادّخار المادة بمجردة بدون ادّخار الله يورث الإنسان الأمن؟ يحقق له ما يبحث عنه؟ فاليوم هذا ظاهر كثيرًا، لكن عاقبة العقوق ستظهر غدًا، في غدٍ القريب؛ يا ليته غدًا البعيد، في غدٍ القريب وفي غدٍ البعيد، الغد القريب الدنيوي، والغد البعيد الأخروي.
قال رجلٌ من بني إسرائيل: يا رب كم أعصيك ولا تعاقبني؛ فأوحى الله إلى نبي بني إسرائيل أن قل له: كم أعاقبك وأنت لا تدري، ألا ترى إلى جمود عينيك وإلى قسوة قلبك، فإنما هو عقوبة لك، هذه ليست مدركة، وليست محسوبة وليست محسوسة.
قال حبر من بني إسرائيل: يا رب كم أعصيك ولا تعاقبني؛ قال: أليس قد سلبتك حلاوة مناجاتي؛ القلب ليس هو الذي كان البارحة، والتفكير ليس هو ما كان البارحة، والاهتمامات ليست هي ما كانت البارحة، والشواغل ليست هي ما كانت البارحة، نحن انتبهنا أم لم ننتبه؟ أدركنا أننا نذوق عاقبة العقوق أم لم ندرك؟ هذه هي أسوء شيء أن أكون أقضي فترة العقوبة فعليًّا وأنا لا أشعر، أصلًا لا أشعر، أصلًا لا أشعر.
مكان ربنا سبحانه وتعالى في قلبي هل هو هو الذي كان موجودًا، لو افترضنا أنه كان موجودًا؛ تذكري للقاء الله، عملي لما يرضي الله، تقديمي للدار الآخرة، هل هو موجود أم غير موجود؟ ربما لم يكن موجودًا من الأصل، وهذا ينبغي إنشاؤه، وربما كان موجودًا بنسبة وضعف أو اختفى، وهذا لابد أن يرجع، لكن الأهم من كل هذا أنني من الممكن أن أكون أذوق هذه العقوبة وأنا لا أدركها، أنا أرى أنني صالح، أليس عافية الدين أعظم من عافية الدنيا، لن نضع الاثنين في مقابلة، إما أن تأخذ هذه أو هذه، أعظم نعم ربنا على الإنسان أن يرزقه العافية، ” اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي، وأهلي ومالي ” كذا كان يدعو صلى الله عليه وسلم ” اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ” هذا أول شيء ” ودنياي، وأهلي ومالي ” فالذي في عافية حقيقةً الذي يرزقه ربنا سبحانه وتعالى عافية الدين؛ ويتم عليه بعافية الدنيا، والنعمة حق النعمة أن يكون الإنسان في عافية في دينه لأنه إذا قُدّر وأصابه شيء من بلاء الدنيا وهو في عافية من الدين يكون هذا البلاء بالنسبة له نعمة وتكفيرًا من خطيئاته، وإزاحة لسيئاته وتقريبًا له من ربه، ولو لم يكن في الأولى هذه، سيتحول نفس البلاء إلى موجب للسخط والاعتراض وترك الرضا عن الله، هي هي، هي هي، إذا وجدت العافية في الدين؛ ستترجم نفس الشيء، تترجم ترجمتين، ” عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير؛ وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن، إن أصابته ضرّاء صبر ” فلماذا؟ لأنه استطاع أن يترجمها، ” وإن أصابته سرّاء شكر ” فهو كان من الممكن أن يتبطّر، ومن الممكن أن ينسى ربنا بالنعمة، وهذا غالبًا ما يحدث، ولكن لأنه المؤمن شكر فكان خيرًا له، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم ” من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين ” لأنه سيستطيع أن يترجم ما يلقى إليه من رسائل من ربه، وقال بجوارها مباشرة، ” من يرد الله به خيرًا يصب منه ” ، ” يصب منه ” يقدّر له – ليس عليه – يقدر له شيء من الابتلاء، يخفف عنه ويقرّبه من ربنا، لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ يتضرّع إلى الله، يقبل على الله، يقف على باب الله، ولكن هذه الإصابة لن تضعه على باب ربنا إلا إذا كان هو رُزق هذا الفقه.
هذان حديثان؛ لم يقالا معًا، ولكنهما لابد أن يأتيا بجوار بعضهما البعض، لأنهما على جملة واحدة ” من يرد الله به خيرًا ” ” يفقهه في الدين ” و ” يصب منه ” وليس يصبه،، لا يوجد ” يصبه ” ولكن يصب منه، وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ بشيء – شيء صغير – مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ هذه هي الغاية، وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ مملوك لله، يتصرّف في ملكه بحكمته وبرحمته، وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ لا يوجد سعي سيضيع، ولا يوجد صبر لن توفى أجره إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ.
وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ أعظم نعم ربنا على الإنسان أن يرزقه ربنا العافية، ولذلك يجب أن يلهج لسان الإنسان المؤمن دائمًا بسؤال ربنا ” العافية ” .
قال أبوبكر رضي الله عنه وقد قام على المنبر: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم مقامي هذا في عام أوّل – السنة الماضية – ثم استعبر فبكى – تذكّر مقام النبي صلى الله عليه وسلم بعدما فقده – ثم أعادها، ثم استعبر وبكى، ثم قال: قال صلى الله عليه وسلم ” سلوا الله اليقين والمعافاة، ” سلوا الله اليقين والمعافاة فإنه ما أعطي أحدٌ بعد اليقين خيرًا من المعافاة ” ، ” سلوا الله اليقين والمعافاة فإنه ما أعطي أحدٌ بعد اليقين خيرًا من المعافاة “
لابد للمؤمن أن يخرج نفسه من دائرة العقوق لكي يأمن من ذوق عاقبة العقوق، وأن يسأل ربه أن يمنّ عليه بالعافية في الدين أوّلًا ثم في دنياه، وفي أخراه.
اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة.
اللهم استر عوراتنا، اللهم آمن روعاتنا، اللهم احفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا.
اللهم إنّا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا وتتوب علينا وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين
اللهم إنا نسألك حبك، اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب كل عملٍ يقربنا إلى حبك
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم