بسم الله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
لا يملك أن يحدثنا عن عظمة هذا الكلام إلا المتكلم به سبحانه وتعالى ولا يملك البيان عن عظمته وجلاله إلا لا منزل له جل وعلا يقول الله تبارك وتعالى مبيناً القوة التأثيرية لهذه الكلمات الإلهية وتأثيرها على القلوب وتأثيرها في الهداية أو الثأثير الذي ينبغي أن يكون لها يقول الله عز وجل وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ.
يقول الله تبارك وتعالى لو أن كلاماً له من القوة والتأثير والسلطان أنه إذا تلي على الجبال سيرت وتحركت من أماكنها لو أنه تلي على أرض جامدة صماء لتقطعت وتمزقت أوصالها لو أنه خوطب بها عبد قد فارق هذه الحياة لردت إليه روحه وعاد إلى هذه الحياة لو كان كلام له من القدرة والسلطان أن يصنع هذا لكان هذا القرآن الذي أنزله الله تبارك وتعالى ولذلك قال بعدها عز وجل بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا يعني طبيعة هذا القرآن أنها تعطي هذا التأثير وكان ينبغي لمن تليت عليه هذه الآيات أن يتأثر بها وأن يفيء وينيب إلى الله عز وجل لكن الناس أو كثير من الناس كما أخبر الله عز وجل ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ.
فالله سبحانه وتعالى يخبر عن كتابه بأنه يملك هذه القدرة يملك هذا التأثير وقال الله تبارك وتعالى أيضاً كما ذكرنا أمس لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ويقول الله عز وجل مبيناً عظمة المنة علينا بهذا القرآن قال تعالى قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ الهداية أتاحها الله عز وجل بهذا القرآن لمن أراد أن ينال هذه الهداية َهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ الشخص الذي يحرص على أن يتبع رضوان الشخص الذي يبحث عن الأمور التي ترضيه تبارك وتعالى التي تقربه من ربه عز وجل يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
قال الله تبارك وتعالى وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ولذلك جاء في سنن الدارمي عن جابر بن الله الأنصاري رضي الله عنه قال: أَتى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رِضْي اللَّهِ عَنه إلى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنُسْخَةٍ مِنَ التَّوْرَاةِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ نُسْخَةٌ مِنَ التَّوْرَاةِ، فَسَكَتَ، فَجَعَلَ يَقْرَأُ وَوَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ يَتَغَيَّرُ – يغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتلون وجهه غضباً مما يصنع عمر رضي الله عنه – فَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه ثَكِلَتْكَ الثَّوَاكِلُ، مَا تَرَى بِوَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَنَظَرَ عُمَرُ إِلَى وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ وَغَضَبِ رَسُولِهِ رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليْهِ وَسَلَّمَ مخاطباً عمر قال أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب والله لقد جئتكم بها بيضاء نقية، وَلَوْ كَانَ موسى حَيًّا عليه السلام ما وسعه إلا أن يتبعني.
فرسول الله صلى الله عليه وسلم غضب أشد الغضب على عمر رضي الله عنه وهو يقرأ نسخة مما ينسب إلى كلام الله عز وجل نسخة من التوراة التي من المفترض أن يكون أنزلها الله تبارك وتعالى على موسى عليه السلام وفيها كلام من المواعظ الحسنة الطيبة ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ذلك غضب أشد الغضب ووصف هذا الفعل من عمر رضي الله عنه بالتهوك والتهوك هو التحير والاضطراب والتخبط والتهور كما قال الله تبارك وتعالى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ أنزل الله عز وجل علينا كتاباً كاملاً شافياً كافياً لا نحتاج معه إلى غيره لا نحتاج معه إلى أن نستند إلى كتاب أخر أو نراجع كتاب أخر أو نراجع فلسفة أو نراجع فكراً سواء كان مما ينسب إلى السماء أو كان مما أننتجته عقول أهل الأرض وقال صلى الله عليه وسلم: لَوْ كَانَ موسى – نفسه – عليه السلام حَيًّا عليه السلام ما وسعه إلا أن يتبعني. وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ.
فالله عز وجل أنزل هذا القرآن نوراً وهداية وشفاء وهدى ورحمة قال الله عز وجل لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ الذكر هو الثناء الحسن والشرف والرفعة والمكانة العالية في الأولى والآخرة ولذلك عقب فقال سبحانه وتعالى أَفَلَا تَعْقِلُونَ الذي يحيد عن هذا القرآ، إلى غيره كأنه موصوف في كلام الله عز وجل أو في كتاب الله بعدم العقل لذلك قال الله تبارك وتعالى أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا كل ما عدا كلام ربنا سبحانه وتعالى وكل ما عدا الوحي الذي أنزله على رسوله لابد أن يكون فيه الاضطراب فيه التخبط فيه التناقض فيه التضارب ولذلك قال لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا لم يقل اختلافاً فقط ولكن اختلافاً كثيراً ثم قال تبارك وتعالى أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم