إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. إنه من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
ثم أما بعد:
ما نحاول أن نقوم به يمكن أن نسميه إعادة ترتيب ذرات الإنسان المسلم، إعادة بناء رؤية المسلم للكون وللحياة، لنفسه ومن حوله؛ لحقيقة الدنيا وحقيقة الآخرة.
تكلمنا الجمعة الماضية عن قضية أو ثنائية العمل والمال، قلنا أنه يوجد شيء يسمى قيمة ويوجد ما يسمى وسيلة، يوجد ما يسمى غاية وهدف ومقصد، ويوجد شيء اسمه حاجة تعين على الوصول للغاية والهدف والمقصد.
فإذا أصبحت الوسيلة غاية أو الغاية لم تكن غاية، سواءً كانت وسيلة لغيرها، أو لغيت تماماً من الرؤية أو المنظومة، حينئذٍ يختل البنيان.
ربنا سبحانه وتعالى في سورة البقرة وهو يتحدث عن إبراهيم عليه السلام ويتحدث عن ملّته وعن شرعته فبماذا وصف الإسلام؟ قال تعالى، وقد ذكرنا هذا قبل ذلك مراراً قال تعالى صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ وقلنا كلمة الصبغة عندما يوصف بها دين أو ملة، كلمة الصبغة هذه لكي تستحق اسم الصبغة لابد أن تشتمل على أمرين أن تكون سابغة وأن تكون ثابتة، فإذا صبغت شيء، لكي تكون هذه الصبغة تستحق هذا الاسم لابد أن تكون شاملة عامة، تعم الثوب كله، إذا صبغ جزء وجزء لم يصبغ، لا تُسمى صبغة، لو بهت اللون أو بهت أول ما وضعته في الغسّالة أو جزء منها تعرى وانكشف لا تُسمى صبغة، فحينما يصف ربنا سبحانه وتعالى الإسلام على أنه صبغة يريد سبحانه وتعالى أن يقرر أمرين بأنها ستصبغ حياة الإنسان المسلم؛ فكره، نفسيته، مشاعره، أفكاره، كلامه، سلوكه، ممارسته، رؤاه كلها بلون واحد، وهذا اللون سيعم الجميع، كل مسلم سيكون لديه نفس الرؤية ونفس اللون لأن الشيء الذي يصبغ شيء واحد، الشيء الآخر أنها ثابتة، ربنا سبحانه وتعالى يقول يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً الإنسان كله يدخل في الدين كله، لا يصلح أن يدخل في الدين بجزء منه، ولا يصلح أن يدخل كله في جزء من الدين، ولذلك عندما يكون الدين صبغة ولكي يكون صبغة لابد أن نستعمل المادة الأصلية؛ الصبغة الأصلية.
هذه الصبغة إذا عرض لها تغييرات، إذا غير أحد في طبيعة مادتها، أو عرض كثير من الأصباغ على الرفوف،ماذا سيحدث؟، سنكون جميعاً لدينا نوع من أنواع الصبغة لكننا لا نشبه بعضنا ولسنا واحد، لماذا؟ لأن هذه الصبغة عرض لها مع توالي الأزمنة والدهور والانقسامات والتحزبات والتفرقات، عرض لها شتات وتقسيمم وتباين كبير، فأصبحت – ليست صبغة واحدة – لا، أصبحت أنواع من الأصباغ.
فلكي نكون على الصبغة التي تمثّل الإسلام والملّة، لابد أن نعتمد المصدر الأساس، لأجل ذلك ربنا أمرنا سبحانه وتعالى قال وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ وقال في المقابل فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ أمر الدين بَيْنَهُمْ زُبُرًا وقلنا أن الزبر هي الكتب، المراجع؛ كل شخص لديه مرجع شخصي خاص به، ميثاق خاص به أو خاص بمجموعة أو تشكيل فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ سعيد بمرجعه، لذلك حينما يقول ربنا سبحانه وتعالى فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ ولا يحدث شيئاً، فما العلة؟ أن الزبر التي هي المراجع الشخصية الخاصة التي نفرح بها أو كل حزب منّا متمسك بها وهي تحوي جزء من الحق، لأنه ليس هناك من ينتسب لدين يكون عبارة عن صورة من صور الباطل المحض، لا يوجد شيء هكذا، كل شخص لديه جزء من الحق مشوب بجزء من الباطل.
فلكي يكون حق صرف لابد أن نرجع إلى الأصل فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ للوحي إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا فنحن تكلمنا عن العمل في مقابلة المال، فقلنا أن العمل قيمة، العمل غاية، وتكلمنا عن قول ربنا سبحانه وتعالى وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ فهذا هو أول مقوّم أو أول ركن؛ العمل قيمة، لذلك نحن تكلّمنا قبل ذلك أكثر من مرة عن البطالة، وقلنا أن البطالة والعطالة ليست موجودة في الدين أصلاً، قلنا أننا إذا قلنا أن البطالة بمعنى أن الإنسان لا يجد وظيفة مناسبة يقتات منها، هذا مفهوم، لكن البطالة بمعنى الفراغ، بمعنى التعطل التام، بمعنى أن الإنسان يعيش في الحياة بلا هدف، بلا دور، بلا وظيفة ! فهذه غير موجودة في الدين، لابد أن يكون هذا واضح، نحن نتعامل مع الاثنان كأنهما شيء واحد، التسكّع لا يبرره عدم وجود وظيفة.
عدم وجود وظيفة هذه عبارة عن أن أي إنسان لديه قدر من الاحتياجات المادية الضرورية يبحث عن وظيفة تغطي هذا، لكن هل ينتفي عن الإنسان المسلم أن له وظيفة في الحياة أو أنه سيشغل حياته بما ينفعه وبما يصلحه؟ هذا غير موجود، هذا غير موجود أصلاً، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم ” نعمتان مغبون فيهما كثيرٌ من الناس الصحة والفراغ ” وقلنا قبل ذلك مراراً، ما معنى الغبن؛ أن أبيع الغالي بالرخيص، شيء قيمته عالية جداً أبيعه بثمن لا يساوي شيء بالنسبة لحقيقته، وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ لماذا؟ لأنهم لا يعرفون قيمة الذي معهم، شخص أنزل دلو كبير فأخرج غلام، قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ هو سعيد، سعيد أنه وجد بضاعة بدون ثمن، فهذا شيء حسن وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً ثم باعوه بثمن بخس لماذا؟ لأنهم لا يعرفون من الذي معهم، هم إذا عرفوا قيمة يوسف بن يعقوب بن اسحق بن إبراهيم، أو ما أعدّ الله سبحانه وتعالى له في مستقبل أيامه، فلن يتعاملوا معه هكذا، وهذا حال معظمنا إن لم يكن جميعنا؛ الإنسان لا يكون مدركاً مقدار نعمة ربنا سبحانه وتعالى عليه، كم يوجد نعم بين يديه ولكنه لا يدرك قيمتها وربما لا يدرك قيمتها إلا بعد أن تزول منه، وحينئذٍ يندم الإنسان ولكن حيث لا ينفع الندم، فالنبي صلى الله عليه وسلم تكلّم عن أمرين، أعظم أمرين؛ الصحة والوقت، الصحة والوقت، نحن نعرف شيء اسمه استثمار، مامعنى استثمار، الاستثمار أن الإنسان يستعمل شيء على وجه يؤتي ثمرة، يستعمل شيء لكي يوصل منها أن هذا الشيء يجني منه ثمرات.
فالإنسان كيف يستثمر عمره؟ وكيف يسثمر صحته، ثم كيف يستثمر ماله؟ لأن استثمار المال هو استثمار للعمر وللصحة وللفكر وللجهد وللطاقة فلابد أن تترتب ” لن تزولا قدما عبد ” أي شخص ” يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره فيما أفناه ” المساحة الزمنية الأساسية التي تمثّل الحياة، ” وعن شبابه فيما أبلاه ” إذا هو استخدم الفناء مع العمر، واستخدم البلى مع الشباب، لأنها فترة الاستثمار الأساس والتي تكتمل فيها الصحة ويكتمل فيها النضج ” وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن علمه ماذا عمل فيه “
فالإنسان؛ الإنسان، أي إنسان – هذا سؤال عام – سيشمل المؤمن والكافر والبر والفاجر والصالح والطالح لابد أن تعرض له هذه السؤالات الأربعة؛ العمر، وخصوص الشباب، المال مأخذاً وإنفاقاً، ثم آخر شيء؛ العلم كيف وظّفه وكيف استعمله.
ربنا سبحانه وتعالى يقول وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ فهنا ربنا سبحانه وتعالى يتكلم عن رحلة الإنسان في الحياة، ربنا سبحانه وتعالى يقول وَالْعَصْرِ الاقسام بالعمر عبر كل العصور، هذا وضع لا يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، هذه قصة الإنسان في الحياة، صفقة الإنسان في الحياة إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ وقلنا ” في ” تدل على الانغماس؛ أن الإنسان هذا هو مفهوم الربح والخسارة في قانونه الإلهي العظيم إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ الإنسان أيّاً كانت توجّهاته أو انتماءاته، أياً كانت العرقيات أو الأجناس أو الألوان، الإنسان مغموس في الخسارة، لكي يخرج؟ نحن نتخيّل شخص الآن، لدينا خزّان أو حوض ويوجد شخص غرقان بداخله، فهذا هو حوض الخسارة والإننسان غرقان بداخله، فلكي يخرج يخرج تدريجيّاً إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ هكذا الإنسان يخرج خطوة تلو خطوة، مرحلة تلو مرحلة، قلنا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ كلام عن جنس الإنسان بالصيغة الإفرادية الإنسان، وعندما وقع الاستثناء لم يقع على الأفراد، ليس ” الذي آمن ” ” وعمل ” ” وأوصى ” الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا تَوَاصَوْا ثم تَوَاصَوْا
إذاً حوض الخسارة لكي نخرج منه لن نخرج أفراداً لا سنخرج منه زمراً، لن نخرج منه بدون التدعيم، لن نخرج منه بدون التلاحم، لن نخرج منه بدون الاجتماع إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وبعد ذلك؟ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فقط؟ لا وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وقلنا قبل هذا كثيراً أن تواصوا هذه تلغي مفهوم الطبقية الدينية، نحن قلنا أن ” تواصوا ” هذا مفهوم عام يشمل الجميع، لا يوجد طبقة من الأوصياء الموصين وطبقة من الناس الذين تقع عليهم الوصية، لا.
كل الناس في دائرة الإيمان والعمل الصالح تتواصى بهذا، كلٌ يوصي كلاً، لأن كلنا مفتقرين لبعض، كلنا نحتاج إلى بعضنا، وقلنا قبل ذلك أن الإيمان يزيد وينقص فكل إنسان في لحظات معيّنة يحتاج إلى التدعيم، لا يوجد شخص دائماً مصدر للانتاج ومصدر للقوة ومصدر للطاقة، الإنسان ليس هكذا، كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ هذا وصف المؤمنين، ربنا وصفهم بهذا في الكتاب وأحال إلى الإنجيل، قال وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فروعه فَاسْتَغْلَظَ فأصبح غير قابل للكسر أو الانهيار، هذه صورته، هذه طبيعته، وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ الحق بالتزامه، والصبر أن ربنا يعين هذه الزمرة المؤمنة أن تستمسك بالحق إلى أن تقابل ربنا سبحانه وتعالى، استدامة الحق، هذا هو الصبر، استدامة الحق إلى لقاء الله عز وجل، فربنا سبحانه وتعالى يقول أن الإنسان لا ينجو من الخسارة إلا بأن يتشكّل في صورة أناس تؤمن، أناس تلتزم العمل الصالح، أناس تتواصى بهذا العمل وتتواصى بالصبر عليه.
العمل قيمته في الدين.
قال تعالى وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بماذا؟ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ قال عمر رضي الله عنه ” يارسول الله أرأيت ما نعمل أهو لأمر قد فرغ منه أم لأمر نستقبله استقبالاً ” أي أن هذه الأشياء التي نحاول أن نجتهد فيها هل شيء سبق في علم الله سبحانه وتعالى أم شيء لازال ينشأ الآن، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال بل لأمر قد فرغ منه، يوجد في علم ربنا سبحانه وتعالى كل هذه الأشياء مستقرة، قال ” ففيم العمل؟ ” إذا كان كل شيء في علم الله مكتوب، فالنبي صلى الله عليه وسلم ماذا قال له؟ قال ” لا يُنال إلا بالعمل ” ” لا يُنال إلا بالعمل ” فقال ” إذاً نجتهد ” فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى إذاً؛ ثواب ربنا سبحانه وتعالى، جنة ربنا سبحانه وتعالى لن ينالها الإنسان المؤمن إلا بالعمل إلا بالاجتهاد في طاعة الله وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ولكن هذا العمل يساوى ويسامي الجنة؟ لا ” لن يدخل أحدكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت، قال: ولا أنا ” إذاً وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أن هذا العمل هو سبيل العبد لكي ينال رضا ربنا، فالعمل غاية وقيمة، لكن العمل الذي نعمله يساوي الجزاء الذي سيعطينا الله لنا، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من أهل الجنة، هل الذي نفعله هذا يجعل الإنسان يستأهل هذا الثواب، فقالوا له: هذا نحن، لأننا أعمالنا مشوبة بالتقصير والقصور، فمفهوم، ” ولا أنت ” لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ قال ” ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل ” قال ” ولا أنا ” إذاً هذا التقديم واجب ولا ينال الفضل إلا به، لكن هل يساميه، فأنا معي 300 دولار، وسآخذ شاليه في مراسي أكيد ليس ثمنه، ولكنني إذا لم أقدّمهم، لن آخذ شيء، لن آخذ شيء، فـ300 هذه عبارة عن ماذا؟ عبارة عن أني أري ربنا أنني بذلت جهدي ولكنني إنسان ضعيف وهذه طاقتي فلم أستطيع أن آتي بأكثر من هذا، فلن ينال شيئاً إلا بهذا دنيوياً وأخروياً، يقول صلى الله عليه وسلم ” إن روح القدس – جبريل عليه السلام – نفث في روعي – ألأفى في قلبي – أنه لن تموت نفسٌ حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها ” قانون ” لن تموت نفس حتى تستكمل أجلها ” الأيام المعدودة لها في علم الله ” وتستوعب رزقها ” القروش والملاليم المكتوبة لها في علم الله، فماذا نفعل؟ قال ” فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ” ذكر شيئين؛ تقوى الله سبحانه وتعالى أن الإنسان يطلب الرزق في الجانب الذي أباحه ربنا سبحانه وتعالى ورضيه، والثاني ” وأجملوا في الطلب ” وهذه خطيرة؛ كرامة الإنسان المؤمن وإرادة ربنا سبحانه وتعالى لحفظ هذه الكرامة؛ اطلبه طلباً جميلاً، تجنّب كل أسباب المذلّة أيّاً كانت، ” فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ” ولا يحملنّ أحدكم استبطاء الرزق، أي أنه قادم وأنا منتظره وضاقت نفسي لأنه تأخّر عليّ لأن هذه تقديراتي ليست تقديرات ربنا سبحانه وتعالى ” ولا يحملنّ أحدكم استبطاء الرزق على أن يطلبه بمعصية الله ” فهو لم يأتي من هذه الناحية وأنا أشعر أنني تحت ضغط فأنا سأبحث عن أي طريق، فيقول لنا لا
” ولا يحملنّ أحدكم استبطاء الرزق على أن يطلبه بمعصية الله فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته – فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته – “
إذاً كل شيء عند ربنا سبحانه وتعالى دنيوياً أو أخرويّاً لا تنال إلا بسبيل واحد، ما عند الله من رجاء الخير والثواب ومن رجاء التوسعة والرزق حتى دنيوياً ليس له إلا طريق واحد، ” ولا يحملنّ أحدكم استبطاء الرزق على أن يطلبه بمعصية الله فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته “
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
الحمد لله رب العالمين
قال صلى الله عليه وسلم ” أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن، وأصدقها حارث وهمام ” أيضاً ذكرنا هذا قبل كثيراً.
فالنبي صلى الله عليه وسلم قسم الأسماء قسمين؛ القسم الأول: الأسماء التي يحبها ربنا سبحانه وتعالى، الأسماء التي تدل على تعبد الإنسان لله، ارتباط الإنسان بربنا سبحانه وتعالى هذه أحب الأسماء إلى الله لأن مضامينها هي أرقى وأعلى المضامين بالنسبة إلى العبد؛ تكفل له سعادة الأولى والآخرة لكن ليس كل شخص اسمه عبد الله أو اسمه عبد الرحمن هو هكذا فعلاً من الممكن ألا يكون كذلك، من الممكن أن يكون يتعبد لأشياء كثيرة غير ربنا سبحانه وتعالى لأجل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم أسماها أحب لكن لم يقل أنها أصدق.
ما معنى أصدق؟ الاسم ينطبق على مسماه، لابد أن يكون هذا الاسم متحقق في الشخص المتسمي به، فهذه أحب الأسماء ياليتنا نكون هكذا، لكن أصدق الأسماء ” حارث وهمام ” أما الحرث فهو العمل، وأما الهم فالعزم على الأشياء التي يريد الإنسان إيقاعها في المستقبل.
إذاً الإنسان عنده هم وعنده تفكير داخلي، عنده إيرادات داخلية وعنده حركة وسعي لا ينفكّ عنه الإنسان ” أصدقها حارث وهمام ” إذاً الحرث والهم هي حقيقة العبد؛ إذا كان في اتجاه ربنا سبحانه وتعالى فهو العمل الصالح، وهذا هو ما وجّهنا إليه ربنا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ قال صلى الله عليه وسلم ” الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السماء والأرض، والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو فبائعٌ نفسه فمعتقها أو موبقها ” لم يستثني أحداً، قال صلى الله عليه وسلم ” كل الناس يغدو فبائعٌ نفسه ” فكل شخص في هذه الدنيا يغدو ويروح، يتحرك ويسعى ويبيع، فما الذي يباع؟ نفس الإنسان، ” فبائعٌ نفسه فمعتقها أو موبقها ” لا شيء آخر،، يعتقها من عذاب الله أو يوبقها في النار ويهلكها عياذاً بالله، كل شخص، كل شخص هكذا، كل شخص هكذا، هذه طبيعة الإنسان قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ إذاً الإنسان – ما نريد أن نقوله – خلاصة الموضوع؛ العمل هو القيمة والمال هو مجرد وسيلة للإعانة على العمل لتوفير ضروريات الاحتياج للإنسان لكي تستمر طاقته الفاعلة في نمو ورقي وازدياد، هذه هي وظيفته فقط.
فإذا أبدلنا أصبح المال هو القيمة والعمل هو الوسيلة حينئذٍ تختل الأمور، فما مفهوم العمل؟ كل فعل الإنسان يريد به الخير يحسن به إلى شخص، يبتغي به وجه ربنا سبحانه وتعالى فهو العمل الصالح، ومن دون العمل الصالح لا ينال الإنسان لا خير الدنيا ولا خير الآخرة ولذلك نحن جعلنا عنوان الخطبة ” على أد الكام ملطوش ” وهذا منطق غريب، شخص يقول أنا أعمل على مقدار فلوسهم، ما معنى هذا؟ ناهيك عن أن هذا الكلام حسن أم لا بالنسبة لي، فأنا تعاقدت تعاقد معيّن سأقول أنني لن ألتزم به، لكن هذا المنطق أنني سأعمل على مقادر المال يجعل المال هي القيمة والعمل شيء ليس له قيمة، الإنسان حينما يعمل ويوضع في إطار مسئولية أيّاً كانت هو يتعامل بهذه المسؤلية مع الرب سبحانه وتعالى بالأساس ويبتغي بأي شيء هو يعمله أن يقترب من ربنا سبحانه وتعالى، أما المال هذا يجعله يحاول أن يصل إلى الشهر الذي بعده أو يوم 10 في الشهر، أو يوم 12 في الشهر لأنه لا يعمل لأجل،،،، وهو يقول ” على أد الكام ملطوش ” ، لأن مفهوم ” الملطوش ” عندما يسمى الجنيه بالملطوش، فسيكون منهجيتنا مع بعضنا أنه من استطاع أن ” يلطش ” شيء من شخص يلطشها، فالجملة هذه هي كذلك ” على أد الكام ملطوش ” فأي شخص يستطيع أن ” يلطش ” شيء يلطشها.
النبي صلى الله عليه وسلم يقول هكذا ” يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ أمن حلال أم من حرام ” الموضوع عادي، وتبريرات الإنسان وتسويغاته أسهل شيء، أي شيء يفعله الإنسان من الممكن أن يبحث لها عن مبررات، لكن هذه المسوغات هل تمثّل الحق أم لا وتنفع عند ربنا أم لا؟ هذه هي الفكرة.
فما نريد أن نقول أن العمل هذا ركن.
الإمام الشافعي يقول ” وكان الإجماع من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ممن أدركناهم أن الإيمان – الإيمان – أن الإيمان قولٌ وعملٌ ونية، لا يجزء واحد من الثلاثة دون الآخر “
يقول الشافعي ” وكان الإجماع من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ممن أدركناهم أن الإيمان ” القيمة العظمى في الحياة هو قولٌ وعملٌ ونية، ولا يجزئ – لا يصلح – إذا سقط واحد منهم فانتهى الأمر، الإيمان يضيع، فعندما يضيع الإيمان هل سيبقى الإنسان؟ ” إذا ضاع الإيمان فلا أمان ” ولا دنيا لمن لم يحي دينه، ومن أراد الحياة بغير دينٍ فقد رام الفناء لها قرينا.
نحن بدون ربنا سبحانه وتعالى لن نكون شيئاً وبدون ارتباطنا بربنا سبحانه وتعالى وإيماننا به لن نكون شيئاً، وبدون التزامنا بإيماننا وممارسته بصورة واقعية عملية في حياتنا لن نكون شيئاً، لا دنيوياً ولا أخروياً
خلاصة الموضوع: الجنة، الجنة، لا تُنال إلا بالعمل، الكلمات النبوية ” لا تُنال الجنة إلا بالعمل ” وفوقها وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ
اللهم اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين
اللهم ارحمنا فأنت بنا راحم ولا تعذّبنا فأنت علينا قادر والطف بنا يا مولانا فيما جرت به المقادير واختم لنا بخاتمة السعادة أجمعين
اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق، أحينا ما علمت الحياة خيراً لنا وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا
اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الفقر والغنى ونسألك الرضاء بعد القضاء، ونسألك برد العيش بعد الموت، ونسألك نعيماً لا ينفد وقرة عين لا تنقطع، ونسألك اللهم لذّة النظر إلى وجهك الكريم، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرّة ولا فتنة مضلّة.
اللهم زيّنا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين، اللهم زيّنا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين، اللهم زيّنا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين
اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا
اللهم كن لنا ولا تكن علينا وأعنا ولا تعن علينا وانصرنا ولا تنصر علينا وامكر لنا ولا تمكر علينا واهدنا ويسّر الهدى إلينا، وانصرنا على من بغى علينا.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم