Generic selectors
المطابقات الدقيقة فقط
البحث في العنوان
البحث في المحتوى
Post Type Selectors
البحث حسب التصنيف
أحداث جارية
أسماء الله الحسنى
الأذكار
التلون
السيرة النبوية
القصص في القرآن
الكتب
بني آدم والشيطان
بني إسرائيل
تراجم
تربية
تربية
تفسير
جهد الغلبان في تبيان فضائل القرآن
خطب الجمعة
خطو خاتم الأنبياء ما بين اقرأ وإذا جاء
دروس
رمضان 1436هــ - 2015م
سلم الوصول إلى علم الأصول
عقيدة
غير مصنف
كتابات
كلمة التراويح
مسألة الرزق
من قصص كتاب التوابين
من هدي النبوة
مواسم الخير
هذه أخلاقنا

عندما يتحدث الأنبياء

الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي المتقين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. ثم أما بعد ،،،

عندما يتحدث الأنبياء، وعندما يقص المرسلون. 

قال صلى الله عليه وسلم: غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ولما يبني بها، ولا رجل بنا بيوتاً ولم يرفع سقفها، ولا رجلاً اشترى غنماً أو خلفات وهو ينتظر ولادها، فغزا فدنا من القرية صلاة العصر أو قريباً من صلاة العصر، فقال للشمس: إنك مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسنا عليها فحبست حتى فتح الله عليه، فجمع الغنائم فأتت النار لكي تأكلها فأبت أن تطعمها، فقال: إن فيكم غلولاً فليبايعني من كل قبيلة رجل فلزقت يد رجل بيده فقال: فيكم الغلول فلتبايعني قبيلتك، فبايعته فلزقت بيده يد رجلين أو ثلاثة قال: فيكم الغلول، فأتوا برأس مثل رأس البقرة من الذهب، فوضعوها في الغنائم فجاءت النار فأكلتها ثم قال صلى الله عليه وسلم ثم أحل الله لنا الغنائم، رأى ضعفنا وعجزنا فأحلها لنا، هكذا يقص النبيون، يتحدث صلى الله عليه وسلم في طلاقة من الزمان والمكان والأقوام والأشخاص، قال: غزا نبي من الأنبياء ولم يذكر اسمه فقال لقومه ولم يعينهم، ولم يذكر اسم القرية التي يريدون أن يتوجهوا إليها، ولا اسم العدو الذي يقاتلون ولا ذكر لذلك زماناً،فمن حكمته صلى الله عليه وسلم أن يترك الأمر على إطلاقه لكي تكون عبرة وعظة وبياناً وتفهيماً، لأن الإنسان إذا شغل نفسه بتفاصيل الأحداث وتعيين الأزمنة والأمكنة والأشخاص، انحصر المفهوم عنده في وقعة عين، هي حادثة، هذه الحادثة لا يستفاد منها ولا يتعلم ولا يستنبط ولا يقاس عليها، لكنه صلى الله عليه وسلم لعظمة ما انطوت عليه من حدث قال في مقام آخر: إن الشمس لم تحبس لبشر إلا ليوشع ليالي سار إلى بيت المقدس، فتعين لدينا من هذه الكلمات اسم النبي وتعيين القوم وإلى أين كانوا يسيرون، فهو إذاً يوشع ابن نون وهم إذاً بنو إسرائيل ومبتغاهم بيت المقدس، فنحن إذاً أمام قصة ذات تاريخ وجذور وأبعاد، وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ثم أمرهم بالشكر، قال: يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ۝ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ ۝ قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ۝ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ۝ قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ۝ قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ فنحن إذاً مع شعب بني إسرائيل وهو يتيه في صحراء سيناء يدور حول نفسه، شعب كامل، أمة كاملة من الأمم تدور وتتيه في صحراء لا تهتدي إلى مخرج على مدى أربعين سنة كاملة، وفيهم نبيهم موسى وفيهم نبيهم هارون عليهما السلام.

 بقي موسى في هذا التيه طيلة هذا الزمان يتحمل هؤلاء الأقوام ويرنو ببصره إلى الأرض المقدسة التي عاش عمره يأمل أن يصل إليها ولم يصل، ومات موسى في التيه وكذا مات هارون في التيه، ولذلك لما جاءت موسى المنية تعجب مما طلب قال: ربي أدنني من الأرض المقدسة رمية حجر، هو يموت ويطلب من ربنا أن يقربه منها ولو بمقدار رمية حجر !، ماذا ستفعل هذه المسافة؟، إنما تعكس حنينه وشوقه إلى هذه الديار وحسرته أن لم يتمكن أن يصل إليها لصحبته لهذه الأمة التي بين الله من حالها ما قد بين.

 كان موسى عليه السلام ذو مكانة عند ربه تبارك وتعالى، قال تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا هذا الوجيه مع شوقه وحنينه إلى هذه الديار لم يأذن الله له أن يدخلها، لأن الأمر إنما يقوم على سنن من الله تبارك وتعالى لا تحابي أحداً ولا يعطي الله أمراً عظيماً لقوم لا يستحقون.

 بقي موسى في هذا التيه يصبر ويتحمل ويربي ويعلم، وأما يوشع فأشار الله تبارك وتعالى إليه في قوله: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا، وقال تعالى: فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ سماه فتاه لأنه تلميذه وملازمه وصاحبه وخريجة، فإذاً يوشع إنما بلغ إلى ما بلغ بتربية موسى وتعليمه وتوجيهه، فلما مات موسى اصطفى الله يوشعاً واختاره ليكون نبياً لبني إسرائيل، فخرج يوشع مع أبناء الذين أبوا أن يخرجوا بعد أربعين سنة كاملة يخرج يوشع ومعه أبناء الذين رفضوا وتخلوا عن أمر الله تبارك وتعالى، ما الذي غاير بين هذا الجيل وبين آبائهم؟ هو جيل واحد فقط، وإذاً فليست هي بطبائع الشعوب ولا بصفات لازمة لا تتغير، فهذا جيل وهؤلاء هم آبائهم، وهم يغايرون هؤلاء في كثير من صفاتهم، فهي بيئة وتربية وتعليم وليست خصائص جينية أو صفات شعوب لا تتبدل ولا تتغير وإلا فلا معني للنبوة ولا للرسالة وللتربية والتزكية إذا كانت القلوب لا تقبل أن تتغير وإذا كانت الأخلاق والعادات لا تقبل تعديلاً ولا توجيهاً.

هم تربوا في أوضاع عسر ومشقة وشدة فتسائل هؤلاء الناشئة عن سبب ما أحل بهم، ما الذي أتي بنا إلى هنا؟، وما سبب التيه الذي نعيش فيه، حيث لا مأوى ولا وطن ولا سكن، ولكن رحمة الله تبارك وتعالى تنال عباده في كل شأن وحال، قلنا قبل مراراً كان هؤلاء القوم قوم معاقبون، كانوا قوماً معاقبين، لكن الله تبارك وتعالى برحمته لا يخلي هؤلاء المعاقبين من نعمته، يقول تعالى: وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى الجو حار والشمس تلفح الوجوه، لكنهم هنا لآنهم معاقبين، هم الذين وضعوا أنفسهم في الحر والشمس، ولكنها رحمة الله، وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ لكي لا يلفحهم حر الشمس، وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى لحم طير وحلوى لهؤلاء الذين يعاقبون، بلا كد ولا تعب، ولا مشقة، ثم قالوا بعد لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ فلما تسائل هؤلاء عن علة ما نحن فيه، أجيبوا من قبل نبيهم إنه مخالفتهم لأمر ربهم وتنكبهم لهدي نبيهم، فوعوا الدرس وتعلموه.

 فخرج يوشع بهؤلاء الذين يطمحون لدخول الأرض المقدسة، أليس القوم الجبارين لا يزالون في هذه القرية؟ هم مازالوا فيها، الناس الذين هابوهم الآباء ورهبوهم هم هم لا زالوا في هذه القرية لم يتغير فيها شيء وإنما تغيرت قلوب وتوجهات وأخلاق هؤلاء.

 فلما غزا النبي جمع قومه فقال لا يتبعني أحد ثلاثة رجال، رجل ملك بضع امرأة، عقد عقداً وكتب كتابه، وهو يريد أن يبني بها، يريد أن يتزوج، ولما يبني بها، هذا لا يخرج معي، ولا رجل بنى بيوتاً ولما يرفع سقفها، بنى بيتاً ومازال يعده ويجهزه، ولا رجل اشترى غنماً أو خلفات، الخلفات الأبل التي على وشك أن تلد، وهو ينتظر ولادها، ثم غزا بمن بقى منهم ممن يطيق القتال، فلما انتهي إلى أبواب المدينة حانت صلاة العصر أو قريباً من ذلك، وكان يوم جمعة وإذا غربت شمسهم لم يجز لهم أن يقاتلوا حتى تغرب شمس يوم السبت، فقال للشمس: إنك مأمورة وأنا مأمور، إنما تسير بأمر الله وتوجيهه وهو أيضاً يسير بأمر الله وتوجيهه، فهو يطلب منها أن تتريث عليه لأنه يحتاج إلى الوقت، فرفع وجهه غلى السماء وقال: اللهم احبسها علينا، أوقفها قليلاً، فحبست حتى فتح الله عليه، ثم جمع الأموال التي اكتسبوها لكي تنزل نار من السماء فتحرقها، فهم لا ينتفعون من غزوهم بشيء إنما يبتغون تنفيذ أمر الله، لن يعود عليهم من خروجهم ومن قتالهم شيء من الدنيا، فلما جاءت النار لتحرق هذه الغنائم لم تطعمها ” ملمستهاش ” إذاً هناك شيء ناقص، هناك شيء قد أخذ من هنا، فتتبع ذلك حتى أخرجها ثم قال صلى الله عليه وسلم معقباً ومبيناً نعمة الله علي هذه الأمة فقال: ثم أحل الله لنا الغنائم، أي أن ننتفع بها، يقول: رأى ضعفنا وعجزنا فأحلها لنا، ولكن هاهنا يرد سؤال، هذا النبي الذي يأمر قومه بتلبية أمر الله إنما يأمرهم بتلبية نداء واجب عليهم، يجب على كل من يطيق أن يخرج معه أن يخرج، لكنه يستثني، يستثني إناسًا لا عذر لهم في التخلي ولا لهم ما يبيح لهم أن يتركوا هذا الواجب الذي يجب عليهم، فهو الآن يتكلم عن من؟ عن أناس قلوبهم متعلقة بشيء، هذا الشيء اسمه ” دنيا ” ، وهؤلاء الذين تعلقت قلوبهم بشيء من الدنيا، هل كان التعلق بالدنيا عذرًا يبيح للإنسان أن يترك تلبية نداء الواجب الذي أوجبه الله عليه، وماذا يكون واجب النبي إذًا؟ أليس واجب النبي أن يحث الناس على امتثال أمر الله، وأن يشحز هممهم إليه، وأن يحذرهم من الدنيا ومن الركون إليها، وأن يحذرهم من أن يجعلوا هذه الدنيا سببًا للتخلي عن طاعة أوامر الله، هل لنبيٍ أن يبيح لهؤلاء أو يطلب من هؤلاء أو يأمر هؤلاء أن يمكثوا في قراهم وفي صحرائهم وألا يخرجوا لتلبية أمر الله عز وجل لأن لهم تعلقات وشهوات انطوت عليها قلوبهم، هل يصح هذا من نبي؟ وهل ما فعلوه مبرر لهم في ترك امتثال أمر الله؟

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم

الحمد لله رب العالمين

يخبر صلى الله عليه وسلم عن نبي لا يأتي إلا ما يريده الله، ولا يحكم إلا بوحي من الله، ولا ينطق عن أهواء نفسه، فهو يخبر صلى الله عليه وسلم عن أنه قبل أن يغادر محله، وقبل أن تتحرك قدمه من موضعها خاطب قومه بهذا الخطاب، فكيف نفهم هذا؟ وما الرسالة؟ ما الذي يريد أن يوصله؟ ولماذا فعل ذلك؟ أولًا: هو يتحدث عن ما يمكن أن نسميه حالًا استثنائيًّا، فنحن الآن لدينا نوعين من تعلقات القلب بمتاع الدنيا؛ يوجد نوع نعتبره نوع أصلي؛ وهو الطبيعي العادي، ويوجد نوع يُعد نوعًا عارضًا فيكون حالة التعلق فيه حالة شديدة، فهو هنا تكلم عن ماذا؟ تكلم عن شخص لديه مشروع ومستغرق تمامًا في المشروع، وكل فكره أن يتمه وينهيه، فهذا قلبه ليس به مكان لأي شيء آخر، ففي هذه الحالة لا يصلح هذا الشخص أن يتحرك من مكانه ولا أن تطلب منه شيئًا، فلو طلبت شيئًا منه في هذا الوضع؟ يغلب على الظن أنه سيضعف عن الامتثال، الأمر الثاني؛ الأصعب والأخطر أنه شخص مقترن به أشخاص كثيرون، فلو ذلت قدم أو ساخت قوائم فرس أو تراجع شخص وانسحب أو فرّ رجلٌ من قبيل اهتزّت قلوب القبيل كله، وهذه طبيعة الناس، فلو كانت مجموعة كبيرة وحدث اضطراب أو تراجع أحد أو جري، مع أنه من الممكن ألا يكون هناك موجب للجري، ولكن شخص جري فتلقائيًّا يشعر الجميع بالقلق والخوف والفزع والاضطراب.

ولذلك عبد الله بن أُبي لما أحب أن يخزّل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحد، خرج ورجع، وهو كان من الممكن ألا يخرج، ولكن عبد الله بن أُبي هذا شخص واحد إذا لم يخرج فلن يخرج كم من الرجال؟ شخص واحد،، وله رجال يطيعونه (عشرون، ثلاثون، أربعون،،، خمسون شخصًا) لكنه حينما رجع، رجع ومعه كم من الرجال؟ رجع ومعه ثلاثمائة وعشرون رجلًا.

إذًا حينما يتحرك ويرجع يفت ي أعضاد الناس ويضعفهم، هو الآن يريد أن يؤدي مهمة معينة، ويقول أن هناك أناس سيصعب عليهم أن يؤدوا هذه المهمة، لماذا؟ لأنهم مثلما قلنا في حالة من حالات التعلق الاستثنائي، حينما يقول صلى الله عليه وسلم ( لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان) ينهى عن العبادة التي حضر وقتها.

الآن إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا وحضر وقت الصلاة، فالواجب هو الانشغال بالصلاة، لكنّ هذا الشخص يعرض له ما يشغل قلبه عن الصلاة، فماذا يفعل؟ ينزع هذا الشيء الذي يشغل قلبه لكي يكون قلبه صالحًا لكي يقوم بين يدي الله، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم ( إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة ) ليس الأذان، الصلاة ستشرع – الصلاة نفسها – (فابدأوا بالعشاء) لماذا؟ لأنني مطلوب مني أن أقف بجسدي في الصلاة أم أقف بقلبي في الصلاة؟ الجسد سيكون حاضر موجود، أما القلب فغائب مشغول فماذا يحدث، أُنهي تعلقي ونهمتي للطعام.

فهذا الكلام لمن؟ لشخص جائع يطوق للطعام، أما الشهوة ” والطفاصة ” فهذه ليست داخلة في الحديث، هو يكلم شخص هو محتاج للطعام، فسيكون وهو يصلي مشغول بالأكل، أو وهو يدافعه الأخبثان – محتاج للحمام – فهو ” هيكروت الصلاة ” لكي يدخل الحمام فيستريح، نحن نفعل هذا، ولكن الأمر بالعكس، هو من المفترض أن يدخل الحمام حتى إذا فاتته الجماعة، حتى ولو تأخر عن الصلاة، لأن المطلوب أن يقف بقلبه بين يدي الله.

جاء رجل إلى أبي هريرة رضي الله عنه، وقال: يا أبا هريرة إني كنت صائمًا فأتيت أبي – هذا بر وهذا أمر حسن – وجدت عنده خبزًا ولحمًا، فأكلت حتى شبعت ونسيت أني صائم، فقال أبو هريرة ( إنما أطعمك الله ) يقول: ثم أتيت فلانًا فوجدت عنده لقلحة تحلب فشربت حتى ارتويت – امتلأ تمامًا – ونسيت أني صائم، قال (إنما سقاك الله) قال: ثم عدت إلى أهلي فثقلت – فهو امتلأ طعام وشراب فثقل فنام – قال: فاستيقظت فطلبت ماءً فشربت، قال ( يا ابن أخي إنك لم تعود الصيام) أنت لا داعي لأن تصوم لأنك ليس لد في هذا الموضوع، فهذا ليس الأمر العارض، لا هذا كلما – كلما – وجد طعامًا أو شرابًا ركن إليه،، ثم إنه يزيل تمامًا، فهو يأكل إلى…، ويشرب إلى….، فما هذا؟ فهذا أكيد ليس هو الذي يقال له ( لا صلاة بحضرة طعام ) فهذا أمر آخر.

المهم؛ ما نريد أن نقول: ما الرسالة؟ أن الإنسان تعلق قلبه الشديد بأشياء من الدنيا يشغل قلبه عن الله، فنحن أمامنا صورتين: أمامنا الصور العارضة، ماذا يُفعل في الصور العارضة؟ اتركها لتنتهي – اتركها لتنتهي – الشخص ينهي مشاريعه العارضة لكي يستقر، فلما يستقر يصلح أن يوجه قلبه لله، أما الأشياء الدائمة؟ الأشياء الدائمة تحتاج إلى علاج.

فهذا الشخص، كأن النبي يريد أن يقول أن هذا الشخص ارتباطه بهذه المرأة في فترة العقد وقبل الزواج سيكون أقوى من ارتباطه بها بعد البناء، إذًا سيختلف شيء، ما الذي سيختلف؟ أن الإنسان عمومًا حينما يكون بعيدًا عن أمر أو أن قلبه متعلق جدًا بشيء يستشعر أن احتياجاته كلها ستوجد حينما يلبي هذا الشيء، وحينما يوفي هذا الأمر، فحينما يصل يجد أن الأمر ليس كما ظنّ، فنحن هكذا في كل شيء في الدنيا، ولذلك كلما طمحنا إلى شيء وآتانا الله إياه، طمحنا إلى غيره وزهدنا فيه، نعتقد دائمًا أن البعيد هو ما نحتاج إليه، هو ما نحن مفتقرين إليه، هذا هو ما حينما سنصل إليه سنرتاح، وسنهدأ، وسنقدر حينئذٍ أن نرغ قلوبنا لعبادة ربنا تبارك وتعالى، وليس الأمر كذلك.

فلو شخص لديه تعلق شخصي شخصي شديد، فسيكون قبل الزواج مثل بعد الزواج، فأنت ستقول له انتظر إلى متى؟ لا، هذا محتاج أن يعالج قلبه المتعلق بالدنيا أو المتعلق بالمال، أو المتعلق بالمرأة تعلقًّا شديدًا بحيث أن يكون هذا هو الوضع الدائم، هذا ما يحتاج لأن يعالج، محتاج أن يعالج هذا التعلق، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم فرق وقسّم الناس إلى قسمين؛ أناس همهم دنيوي، وأناس همهم أُخروي، فهؤلاء الناس الذين أمرهم النبي بألا يخرجوا، فكيف سيكون قلبهم حينما يخرج النبي لتلبية أمر الله، فسيكون هناك صورتين؛ إذا كانوا أناسًا مؤمنين فلن يصلح أن يكونوا مرتاحين، إذا كانوا مؤمنين فلا يصلح أن يكونوا مرتاحين، من الذين سيكونون مرتاحين؟ من هم غير مؤمنين فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ هم سعداء، وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ ذهبوا، ومشوا، أما المؤمنون؟ فشأنهم شأنٌ آخر، وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ۝ لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ هذه هي الحالات الطبيعية، فنحن لدينا حالتين؛ حالة طبيعية وحالة استثنائية – عند يوشع بن نون – لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى فهؤلاء في أي حال لا يستطيعون وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ متى؟ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ۝ وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ فهم يتحملون صحيًّا، ولكن لا يوجد مال، لا يوجد زاد ولا راحلة، قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ

إذًا يوجد نوعان من أنواع التعلق بالدنيا؛ التعلق بالدنيا هو الحاجز بين الإنسان وبين الله، التعلق العارض ينبغي إنجازه، والتعلق الدائم ينبغي علاجه، والإنسان المؤمن لا يمكن أن يتجاهل قلبه أوامر ربه تبارك وتعالى، ولا إرضاء الله تبارك وتعالى، وأن الشخص حينما يكون في حال مستغرق فيها بمشروع من مشاريعه المؤقتة؛ فليس من الحكمة – ليس من الحكمة – أن ينزع من هذا حتى يقضي فيه وطره، فإذا قضى منه وطره حينئذٍ صار صالحًا لأن يقوم على كاهله دين الله تبارك وتعالى، أما إذا لم يكن كذلك، فليس هو والحال هذه صالح لذلك، ولكن فيم الشأن؟ حينما يكون التعلق بالدنيا متغلغل في قلب الإنسان يؤثره على ربه تبارك وتعالى قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ هذه أوضاع مستقرة قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ إذًا نحن نحب أشياء أكثر ما نحب ربنا، ربنا يتكلم هنا، يتكلم هنا، الآفة ليست آفة ممارسة، ليست آفة سلوك، ليست آفة عمل، ليست آفة تخلف عملي، هي آفة حب، آفة قلبية، آفة مشاعر، نحن نحب أشياء ونؤثرها ونعظّمهما، ونجعل ربنا في الخلف، أشياء أخرى في الأمام، وأشياء – الأشياء العظيمة الكبرى – في الخلف، بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ۝ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى هي هنا، ربنا سبحانه وتعالى يخاطب الإنسان ماذا يريد منه؟ يريد منه أن حبه وقلبه يكونان في المحل الذي يستحق، ليس هناك أحد أعظم ولا أجل ولا أمنّ ولا أرحم ولا أكرم من ربنا تبارك وتعالى، لا يوجد أحد يستحق أن نؤثره لا بحب ولا تعظيم ولا إجلال ولا تعلق أكثر من ربنا سبحانه وتعالى، وإذا اختلت الموازين؟ كان عذابًا في الدنيا وفي الآخرة، فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ليس في الآخرة، لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا الأشياء التي نؤثرها على ربنا سبحانه وتعالى لن تسعدنا، لن يؤثر أحدٌ شيئًا على محبة الله ولا على مرضاة الله وتصلح معه الدنيا إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ

الشخص الذي يؤثر ربنا سبحانه وتعالى هذا هو الشخص الذي آتاه ربنا العلم والفهم والحكمة وآتاه خير الدنيا والآخرة، فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ الإنسان الذي سيرتبط بآيات الله لن يستقيم أن يطمئن ولا أن يركن ولا أن يرضى بالدنيا عن مرضاة الله، إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا زاهد في الآخرة، وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا ركنوا إليها، هذه صورة، فما العلة؟ وما السبب؟ وما الذي أوصل إلى ذلك؟ وما الذي حصّل هذه الصورة؟ وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ ۝ أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ

اللهم خذ بأيدينا إليك أخذ الكرام عليك لا تفضحنا بين خلقك ولا بين يديك

اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب كل عملٍ يقربنا إلى حبك

اللهم اجعل حبك أحب إلينا من أموالنا وأهلينا وأنفسنا ومن الماء البارد على الظمأ، اللهم اجعل حبك أحب إلينا من أموالنا وأهلينا وأنفسنا ومن الماء البارد على الظمأ

اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، متعنا اللهم بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا، أبداً ما أحييتنا، واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا، ولا تجعل إلى النار مصيرنا، واجعل اللهم الجنة هي دارنا

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم