إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. إنه من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم …
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
ثم أما بعد:
نحن في حديث عن علاقة الخالق سبحانه وتعالى بالمخلوقين، عن علاقة الرب سبحانه وتعالى بعبيده الذين خلقهم، قلنا أن هذه العلاقة إنما تُبتنى بالأساس على الرحمة وأن الله سبحانه وتعالى هو مولى العباد؛
وقلنا أن المولى هو السيد والعباد هم المربوبون؛ العبيد الخاضعون لربهم تبارك وتعالى، فالعلاقة ما بين المولى السيد سبحانه وتعالى وما بين المخلوقين المربوبين من العباد، علام تقوم؟ هذا ما تكلمنا عليه في الخطبتين الماضيتين، ذكرنا أن ربنا سبحانه وتعالى هو مولى الزبير، وأن ربنا سبحانه وتعالى هو مولى محمد صلى الله عليه وسلم لكي نقول أن ربنا سبحانه وتعالى هو مولى المؤمنين؛ المولى: هو الذي يحسن وينعم ويكرم ويتفضل، العلاقة ما بين ربنا سبحانه وتعالى وما بين العباد هي علاقة رحمة وبرّ وإمداد وإحسان دائم من الله تبارك وتعالى لا ينقطع طرفة عين، وأن ربنا سبحانه وتعالى يتولى عباده، أي يحفظهم، يرعاهم، يرزقهم، يكشف عنهم الضراء، يخرجهم من المضائق ومن الكروبات، فهذا الكلام لمن يعطيه ربنا؟ هذا هو الأصل في علاقة ربنا سبحانه وتعالى بالعباد، طالما بقوا على هذا الأصل وهو أصل الطاعة والخضوع والاعتراف بالمنّة لربنا سبحانه وتعالى، والحمد له والشكر لنعمائه.
إذا صار العبد عبداً آبقاً فارّاً من ربه سبحانه وتعالى معرضاً عن طاعته، جاحداً لفضله ونعمته، حينئذٍ يخرج من إطار هذه الولاية العظمى؛ يخرج نفسه من إطار هذه الولاية العظمى، لأجل هذا ربنا قال سبحانه وتعالى ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا هؤلاء هم الباقون على هذا الأصل، هم لا يدخلوا فيه، الأصل أن الناس كلهم في هذه الدائرة، يوجد أناس تبقى في أماكنها، وهناك أناس تخرج وتبعد، لذلك ربنا قال سبحانه وتعالى لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ هذا الأصل الذي خلق عليه ربنا الإنسان، وهو ماذا فعل؟ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ هؤلاء هم الباقون على العهد الأول على الصورة الأولى، على الطبيعة الأولى، فقلنا أن ربنا سبحانه وتعالى مولى الزبير في ضوائق الحياة، ومولى محمد صلى الله عليه وسلم في أذى العباد، فهذا المولى ينصب في معناه العظيم على شيئين؛ شدائد وضوائق ومحن الحياة، وإيذاء العباد للموالي الطيبين الصالحين.
فلكي أدخل في هذه الدائرة أحافظ على عهدي مع الله تبارك وتعالى الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ الله وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ.
تكلمنا عن كرامة ربنا سبحانه وتعالى وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا إذاً الأصل في علاقة ربنا بالإنسان أن ربنا سبحانه وتعالى كرّم وشرّف وفضّل هذا المخلوق.
العلاقة ما بين المخلوقات وما بين ربنا مثلما ذكرنا مراراً؛ العبادة والتسبيح والشكر، أما الإنسان بماذا فضّل؟ ربنا سبحانه وتعالى جعل علاقة المخلوقات به سبحانه وتعالى هي علاقة هداية أي أن ربنا سبحانه وتعالى جبل وفطر المخلوقات على التوجه إلى الله وعلى تسبيحه وحمده وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ثم قال مؤكداً سبحانه وتعالى وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا وأعطى الملائكة درجة عليا من المعرفة والتعظيم به سبحانه وتعالى أيضاً هداية وفطرة، أما الإنسان وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ قال صلى الله عليه وسلم ” كل مولود يولد على الفطرة ” وقال صلى الله عليه وسلم ” قال الله تبارك وتعالى إني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشيطاين فاجتالتهم عن دينهم ” إذاً أصل خلق الإنسان على الفطرة وعلى الإيمان وعلى الاعتراف بربوبية الله وعظمته وعلى التوجه إلى الله.
فما الذي ابتلى ربنا به الإنسان؟ أنه أعطى له أسباب تقوية وزيادة وتثبيت المعرفة، أعطى له أدوات بناء الإيمان، إذاً يوجد جزء فطري ربنا أعطاه للإنسان مثلما أعطاه لبقية المخلوقات ويوجد جز آخر أعطاه له، أعطى له أدوات ووجه أن يزداد في المعرفة ويرتقي فيها، فإذا فعل؟ إذا وصل الإنسان بالفطرة وبالمجاهدة وبالتدبر وبالتفكر في عظمة الله؛ قال صلى الله عليه وسلم ” إن لله تسعة وتسعين اسماً؛ مائة إلا واحدة من أحصاها دخل الجنة ” يوجد شيء سيفعله، وقلنا ما معنى الإحصاء؟ الإحصاء: المعرفة والإدراك، والإحصاء: التعبد والتخلّق، قال الله تبارك وتعالى أَحْصَاهُ اللهُ وَنَسُوهُ أي أحاط به، يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللهُ أحاط به وَنَسُوهُ وقال تعالى وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ما معنى لَنْ تُحْصُوهُ – ليس كمثل الأولى – لن تستطيعوا أن تصلوا طوال الليل، فهنا الإحصاء معناه الإطاقة أو المجاهدة، إذاً الإحصاء لأسماء الله الذي سينال به الإنسان بإذن الله مغفرة ربنا والجنة.
فالإحصاء لكلام الله هذا عبارة عن ماذا؟ عبارة عن تثبيت وتقوية وترقية لمعرفة الإنسان بالله، فهذه الأسماء عبارة عن ماذا؟ عبارة عن وسائط التعريف بربنا سبحانه وتعالى، وسائل اكتساب اليقين في الله تبارك وتعالى، هذا يكتسب عبر ماذا؟ عبر المجاهدة، ولذلك الإنسان إذا وصل بالمجاهدة لمنزلة تداني أو تسامي أو تقارب المنزلة التي وصلت إليها الملائكة بالمعرفة الفطرية، ربنا سبحانه وتعالى يجعل هؤلاء هم خير البرية، قال إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ البرية: الخلق، أسمى درجة من درجات الخلق.
وإذا تنكب السبيل؟ الصورة المقابلة، الإنسان بما أعطاه الله إما أن يصعد أو ينزل، إما أن يصعد لفوق جداً أو ينزل إلى أسفل جداً إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ إذاً ربنا سبحانه وتعالى شرّفه وكرّمه وأعطاه أدوات الرقي، فإذا استخدمها ووظفها وجاهد نفسه فيها سيكون أفضل شيء ربنا خلقها، شيء..، وإذا لم يفعل هذا وتنكب السبيل، لن يظل في مكانه أو ينزل إلى أسفل قليلاً، لا لا لا، سينزل إلى تحت جداً،، وفي المقابل إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ إذاً الإنسان في هذه المحنة الحياتية إما أن يصعد لأعلى جداً أو يهبط لأسفل جداً.
فما معيار هذا أو هذا؟ اتصال العبد،،العبد بالمولى سبحانه وتعالى، ولذلك نحن قلنا اتصالنا بالمولى سبحانه وتعالى نرتجي منه أمرين، أن ربنا يكون معنا في كربات الدنيا، وأن ربنا سبحانه وتعالى يعافينا من كروبات يوم القيامة، أن ربنا سبحانه وتعالى يخرجنا من الضوائق الموجودة، وأنه سبحانه وتعالى لأنه هو المولى ونحن العبيد يعتق رقابنا من النار، هذا ما قلناه الجمعة الماضية.
هذا ما يرتجيه العبد من المولى، أمر في الدنيا، وأمر في الآخرة، فالإنسان ربنا سبحانه وتعالى منّ عليه ورفع من قدره وأعطى له أدوات وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ أدوات الإدراك ومحل الترجمة، محل التقوى، الإيمان هاهنا وأشار إلى صدره ثلاثاً صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات ” التقوى هاهنا، التقوى هاهنا، التقوى هاهنا ” إذا صلُحت المضغة صلح الجسد كله، فهذا محل حلول الإيمان.
هذا العبد الذي منّ ربنا عليه بكل هذه المنن إذا بقي في دائرة القدس في دائرة الطاعة، في دائرة التعظيم، في دائرة الحب، في دائرة الحمد، في دائرة الشكر فهو في دائرة أن يكون مولى لله، وكفى به شرفاً وكفى بها نعمة، لا يوجد ما هو أفضل من هذا.
فإذا صار العبد آبقاً وتولى الشيطان وخرج عن طاعة الله سبحانه وتعالى أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ جاحد وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ هذا العبد الآبق ما محله من المولى سبحانه وتعالى؟ هل ربنا سبحانه وتعالى يخلي العبد الآبق من أسباب الرحمة؟ لا يزال سبحانه وتعالى يوالي على عبده الرسائل تلو الرسائل ويفتح له الباب تلو الباب ويدعوه الدعوة بعد الدعوة لماذا؟ لكي يؤكد له أن دائماً الباب مفتوح، وأنه يستطيع أن يراجع، ويستطيع في أي وقت يطرق باب ربنا سبحانه وتعالى، وأن توبة العبد مقبولة مالم يغرغر، إلى أن تأتيه السكرات هذا الباب مفتوح لكي يرجع يتمتع بنعمة التولي والولاية والمولاة لخالقه سبحانه وتعالى.
عودة العبد إلى الله أو تنكب العبد – عياذاً بالله – لطريق الله هل تؤثر على ربنا في شيء؟ هل ربنا سبحانه وتعالى – عياذاً بالله – يضيره أن العبد يأبق؟ يضيره أن يعصي العبد، يضيره أن العبد يتولى عدوه من شياطين الإنس والجن؟ هل يعود على الله سبحانه وتعالى بخير أو بنفع أو مصلحة إذا راجع الإنسان نفسه ورجع إلى الباب الذي قد هرب منه، لكن النبي صلى الله عليه وسلم ماذا يقول في حديث أنس بن مالك، يقول ” لله تعالى أفرح بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرضٍ فلاة وعليها طعامه وشرابه فانفلتت منه حتى أيس منها فأتى إلى ظل شجرة فاضجع في ظلها – سينام – ينتظر الموت، فبين هو كذلك إذ استيقظ فوجدها أمامه وعليها طعامه وشرابه فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح أللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح “
النبي صلى الله عليه وسلم ماذا يوصّف؟ يوصف حالة الإنسان الآبق هذا عندما يرسل إليه ربنا سبحانه وتعالى رسالة التوبة فتصادف في لحظة ما حالة من الرقة أو الاستجابة، هو في النهاية كما قلنا قبل ذلك كثيراً، ماذا قال ربنا سبحانه وتعالى، قال ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ الله إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ربنا سبحانه وتعالى هيّأها لهم، ويسّرها لهم فرجعوا.
فالرسائل تأتي وتأتي ونحن نعرض المرة تلو المرة، المرة تلو المرة وربما في لحظة الإنسان تصادف عنده لحظة من لحظات الندم أو الرقة أو الضيق، إلى متى سيظل في هذا الطريق؟ إلى متى سيظل في هذا الوضع؟ فيفتك نفسه من أسر الشيطان، يهرب ويجري ويرجع لمولاه سبحانه وتعالى حينئذٍ كيف يستقبل؟
النبي صلى الله عليه وسلم يوصّف لحظة الاستقبال من المولى، الرب، الخالق سبحانه وتعالى لعبد آبق يستحق العقوبة بالأساس، هذا العبد الراجع يستحق ماذا، يستحق العقوبة؛ فرّ من سيده إلى عدوه، ممن يحسن إليه إلى من لا يبتغي له إلا العنت والمشقة، فماذا يريد الشيطان للإنسان؟ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا الإنسان هو من يتولى الشيطان، يعتقد ان الشيطان صديق، ولكنه ليس كذلك، وإنما هو يستأسر لعدوه، ثم يمنّ ربنا عليه فيهرب، فعندما يرجع إلى الباب الإلهي، فالنبي صلى الله عليه وسلم يوصف هذا الوصف، يقول شخص مسافر في صحراء ” فلاة من الأرض ” أرض صحراء مترامية الأطراف، هذه أرض مهلكة لأنه ليس هناك أناس ولا زرع ولا ماء، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم ماذا يقول ” تجدون الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة ” يقول أن المائة جمل، المائة جمل لا تخرج منهم راحلة واحدة، ما معنى راحلة؟ الراحلة هي الناقة ذات المواصفات العالية التي تتحمل أن تسافر بها وتعبر بها الصحراء فتعبر بك، ولا تنقطع بك في الطريق، النبي صلى الله عليه وسلم يقول أن الناس هكذا من كل مائة إنسان إذا وجدت شخص يصلح أن تحمّل عليه أعباء أو مسئوليات فلا يخزلك، إذا وجدت شخص في مائة فأنت وجدت، فلماذا الراحلة؟ فهذا العبد ركب راحلته التي لديها القدرة والصبر والتحمل للعطش والجهد التي تستطيع أن تعبر به الصحراء وهذه الصحراء مهلكة، ولذلك العرب كانوا يسموها مفازة، ولذلك العرب حينما يريدوا ان يتفاءلوا يسموا الشيء بعكس وصفه، شخص لدغ يسموه سليم رجاءً أن يعافيه الله، شخص داخل للصحراء الأصل أنه لن يخرج فيسمّوها مفازة لعل الله أن يكرمه.
فهذا الرجل معه الراحلة والراحلة عليها الطعام والشراب وذهبت منه، حاول أن يأتي بها فلم يقدر، حتى أيس منها، يأس أن ترجع، فالآن إذا كانت الراحلة موجودة وفقد الطعام والشراب من الممكن أن يصبر إلى أن يصل إلى مكان به أشخاص أو بها طعام أو شراب، أو أن الراحلة تذهب ولكن الأكل والشراب – الزاد – موجود فسيستطيع أن يتزود بها إلى أن تمرّ قافلة أو شخص ينجده،، لا، الراحلة ذهبت وعليها الطعام والشراب، فاضجع تحت ظل شجرة ينتظر الموت، فماذا سيفعل، ربنا يرحمه ويموت وينتهي، وفجأة فتح عينيه ووجدها أمامه، ماذا فعل حينما وجدها أمامه؟ قفز ومسك الحبل، هذا هو البني آدم هو يريد أن يطمئن أنها لن تفلت مرة أخرى، فمن الذي أرجعها له؟ ربنا من أرجعها له، هي لم ترجع لوحدها، لكن هذا هو البني آدم يقلق، فحينما يقلق هو يخاف أن يتكرر الموقف، فقام فقفز ومسك بخطام الناقةظن ثم بدأ يشكر، هو لم يحمد الله أولاً، هو أولاً مسك خطام الناقة لكي يتأكد أنها الحمد لله، ثم بعدما مسك بخطامها ماذا قال، قال من شدة الفرح – فهو ملوش – لا يعرف من فوق ممن تحت، هو يهزي من شدة الفرح، قال ” اللهم أنت عبدي وأنا ربك ” – ضايع خالص – فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول ” أخطأ من شدة الفرح ” فهذا الخطأ ايه؟ فالإنسان حينما يكون لا يدري ما يقول.. فهو يريد أن يقول لربنا الحمد لله فماذا قال؟ قال الصيغة العكسية، فماذا كان يريد أن يقول؟ ” اللهم أنت ربي وأنا عبدك ” كان يريد أن يقول هكذا صحيح؟ فلماذا لم يقل الحمد لله وقال اللهم أنت ربي وأنا عبدك؟ هذا ما نتحدث عنه، هو يشكر المولى، الرب مصدر النعم والعبد مصدر استمداد النعم، من الذي أرجعها له؟ ربنا، فهو يقول لربنا سبحانه وتعالى حمداً لكن بصيغة تدل على الأصل أن الرب هو الذي ينعم أما البني آدم..
هذه هي صورة هذا الإنسان، فلماذا مثّل النبي بهذا؟ لأن الإنسان لا يوجد صورة من صور الفرح والسرور ستلحقه أكثر من الأمل في الحياة بعد الإياس منها، لا يوجد أكثر من هذا.
فربنا سبحانه وتعالى يفرح بتوبة الآيس مثل هذا؟ لا لا لا، النبي صلى الله عليه وسلم قال أشد، ليس مثل هذا، مقدار أعلى لا نستطيع أن ندركه، فماذا؟
لأن أصل علاقة الرب سبحانه وتعالى بالعباد مبنية على الحب وإرادة الرحمة والبر، إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ
فالإنسان بالغباء المعتاد هو يخرج من إطار الرحمة إلى إطار النقمة وربنا سبحانه وتعالى يريده أن يعود إلى إطار الرحمة، إلى إطار الإحسان، إلى إطار استحقاق النعمة، وهو لا يريد، فعندما يكرمه ربنا ويريد، لأجل هذا هذا هو الذي يترجم أو يفسّر ما معنى يوم عرفة، وفي المقابل في المقابل يعكس مقدار البؤس الذي وصلنا إليه، يوم عرفة ما هو عند ربنا، ويوم عرفة ماذا يحدث في عرفة، أو الناس معظمها – لن أقول كل الناس – الناس معظمها ماذا تفعل هناك؟ هل هي تكون مترجمة ماذا تفعل؟ للأسف لا، فما هو عند ربنا؟
السيدة عائشة تقول: ما من يوم أكثر من أن يعتق الله به من العباد من يوم عرفة وإنه ليدنو – يقترب منهم – ثم يباهي بهم الملائكة ويقول ماذا أراد هؤلاء – الناس هذه ماذا تريد – ، مجموعة كبيرة من الناس العصاة الآبقين يتضرّعوا لربنا سبحانه وتعالى أن يتولّاهم ويعتق رقابهم، وربنا يستجيب، ما من يوم أكثر من أن يعتق الله به من العباد من يوم عرفة، ولذلك في حديث عبد الله بن عمرو: أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، هذه حالة لأن هذه حالة، إذا لم يدركها الإنسان.
” وإنه ليدنو – يقترب منهم – ثم يباهي بهم الملائكة ” هل يستطيع أن يشرحها، التعبير الذي استخدمه النبي صلى الله عليه وسلم ماذا استعمل ” وإنه ليباهي ” ربنا سبحانه وتعالى يباهي بهؤلاء الذين هم أصلاً آبقين وعصاة ويطلبوا الرحمة، ربنا يباهي بهم الملائكة، هل يستطيع أحد أن يشرح كلمة يباهي؟ لا أحد يستطيع أن يشرحها، فحاول أن تتخيل معناها، أنت تعرف معنى يباهي، فمثلاً شخص لديه ابن أصبح وظيفة كبيرة، وهو يجلس وسط أقاربه، فهو عندما يباهي لا يجلس وسط أعدائه، يجلس وسط أقاربه وإخوته ثم يتكلم عن ابنه بأنه فعل وذهب وراح وجاء… فماذا فعل هؤلاء؟ لم يفعلوا شيء، الرب المولى يباهي بهؤلاء الآبقين العائدين، يباهي بهم الملائكة، يقول ” ماذا أراد هؤلاء ” ماذ يريدون، مجتمعين هنا ماذا يريدوا؟
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الحمد لله رب العالمين
النقطة الثانية: الكعبة؛ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ المكان الذي جعله ربنا سبحانه وتعالى في الأرض لكي يفيء إليه العباد، لكي يؤوب إليه كل عبد آبق، رحمة ربنا سبحانه وتعالى اقتضت لأنه ليس متيسّر لنا أننا نأوي إلى هذا البيت للمشقة وللبعد وللمرض ولعوائق مالية وغيرها، ربنا سبحانه وتعالى وضع نماذج مصغّرة لهذا البيت بثّها في هذه الأرض وهي هذه الأماكن – المساجد – لأجل كل من أبق من ربه سبحانه وتعالى يرجع ويأوي إلى هذه النماذج المصغّرة؛ النبي صلى الله عليه وسلم ماذا يقول، يقول: ” من نفّث عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفّث الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ماكان العبد في عون أخيه ” ما الذي يعلّمنا هذه الأشياء ” ومن سلك طريقاً يبتغي به علماً سهّل الله له به طريقاً إلى الجنة ” لأن هذا الذي يورث هذه الأخلاق، وهذه المكارم والفضائل، ” وما اجتمع قومٌ في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفّتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده – في الملأ الأعلى – ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه ” وقال صلى الله عليه وسلم ” من تطهّر في بيته ثم أتى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله كانت خطواته إحداها تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة.
إذاً هذا المكان، هذا المكان هو بيت لربنا سبحانه وتعالى في الأرض، فهذا البيت لماذا وضع؟
النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أنس الأعرابي الذي بال في المسجد، فالنبي صلى الله عليه وسلم بعدما انتهى الرجل، فأراد النبي أن يعلمه، قال: ” إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من البول أو القذر، وإنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن، لماذا وجد المسجد، ولماذا جعل بالأساس؟ لهؤلاء الثلاثة أشياء إعلاء ذكر الله سبحانه وتعالى، إقام الصلاة، تلاوة كلام الله سبحانه وتعالى.
إذاً هذا المحل، ولذلك استحقّ أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول عليه في حديث سيدنا أبوهريرة في صحيح مسلم ” أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها ” أحب موضع لربنا سبحانه وتعالى في هذه الأرض هي المساجد، هذه أماكن تنسب إلى الله، أماكن تنسب إلى الله؛ يقول سيدنا سلمان رضي الله عنه: من توضّأ في بيته فأحسن الوضوء ثم أتى إلى المسجد ليصلي فهو من زوّار الله وحقٌ على المزور أن يكرم زائره.
فنحن الآن هنا ماذا نفعل؟ نحن من المفترض في ضيافة ربنا سبحانه وتعالى، ولكي نستحق كرم الكريم سبحانه وتعالى لابد أن نتعامل مع هذا البيت بالحيثية التي تتناسب معه، لابد أن نعظّمه لأن تعظيمه من تعظيم صاحب هذا البيت سبحانه وتعالى، وشكراً لنعمة ربنا أن ربنا بثّ بيوته في الأرض لكي نستطيع أن نرجع لها ونأوي إليها، فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ تشرّف وتكرّم وتطهّر وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ الله وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ قال الله تبارك وتعالى وَلَوْلَا دَفْعُ الله النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ دفع أهل الشر بأهل الخير، ماذا سيحدث لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ الله كَثِيرًا ربنا هنا جمع كل الأماكن التي وضعت لذكر الله، ما كان منها مبنيّاً على الإيمان والتوحيد الخالص وما كان مشوباً بشركٍ أيضاً لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ الله كَثِيرًا فنحن لابد أن نقدر هذه النعمة لكي يمنّ علينا ربنا سبحانه وتعالى بالمدد والمنّ والإكرام.
الجمعة الماضية بعدما انتهت الصلاة مباشرةً، جاء رجل أعتقد أنه عابر سبيل، أظن أوائل الأربعينات، أو أوائل الخمسينات، وكان في قمة الغضب والاستياء وحق له ذلك؛ أنه بعد اتهاء الصلاة، لم يستطع أن يسبح ولم يستطع أن يصلي، لماذا؟ بالطبع معروف وضع المسجد وما يحدث بعد الصلاة، وتكلمنا فيه كثيراً، تكلمنا فيه كثيراً.
ربنا سبحانه وتعالى يقول وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ الله أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أول ما تتلى يأتي في أذهاننا نوعية معيّنة من البشر، وما يدرينا هل نحن من الممكن أن يكون لنا من هذه الآية نصيب إذا فعلنا هذا مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ الله أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ إذا أنا الآن آذيت شخص أو شوّشت عليه ومنعته أن يفعل ما وضعت له المساجد؛ ذكر الله والصلاة وقراءة القرآن أين سأذهب؟ هذا داخل في هذا مَنَعَ مَسَاجِدَ الله أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ
وأما الثانية: قابلت شخص من كذا شهر، رجل من الناس القريبين كان يصلي دائماً بداخل المسجد إما هنا أو هنا – وأشار إلى عمودان من عمدان المسجد – وبعد شهور من عدم تواجده في المسجد فقابلته وقلت له لماذا لا تأتي؟ قال لي: المسجد بعد الصلاة…، فقلت له: هذا هو العادي هنا، قال: لأ لأنها أصبحت سوق أنا لا أستطيع أن أفعل شيء بعد الصلاة، فذهب.
فالآن عندما يذهب شخص بسبب أشياء معينة من المسجد ألا يكون ذلك جزء من وَسَعَى فِي خَرَابِهَا لابد أن نركّز قليلاً، أين نحن والأدب المستحق لبيت ربنا سبحانه وتعالى ما هو؟
على فكرة من هو خارج المسجد معرضاً ربما يكون أحسن حالاً من الذي يأتي لمكان معظّم ولا يعظّمه، الذي يأتي لمكان مكرّم ولا يكرمه، أنت إذا جاء شخص عندك وصنع ضوضاء في الشارع ليس كمن يأتي البيت ويسيء الأدب في البيت، أسوأ عليك ممن يصنع ذلك في الشارع، أسوأ بكثير.
الجملة الثانية التي قالها – وهذه كانت أصعب – قال ” وأنا بصلي في مساجد عوام ومبيحصلش فيها كدا والجو بيبقى هادي وبعرف أصلي ” وهذه كانت صدمة، ما معنى مساجد عوام، هو يريد أن يقول أن هذا المسجد خواص، لأنه عندما يقول مساجد عوام إذاً المساجد تنقسم عوام وخواص، فما معنى عوام وخواص هي كلها بيوت ربنا، ما معنى عوام وليس عوام،،، هو يريد أن يقول أن هنا المسجد به دقون، والمسجد الذي فيه دقون هذا أولى بالهدوء وأولى بالخشوع من جوامع الناس التي ليس بها دقون،، بناءً على ماذا؟
المساجد كلها من الفترض أن يكون لها أدب ولها حكم واحد ولكن هو الآن هذا التعبير ماذا يقصد به؟ الذي نسميه؛ يوجد ناس عادية وهم المواطنين، ويوجد ما يسمى ” إخوة ” وهم الناس الملتحون، ويوجد مساجد للناس العاديين ويوجد مساجد للناس العاديين وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للهِ فلا يوجد هذا، لا يوجد هذا أصلاً، سؤال: ما الفرق بين الشخص الذي لديه لحية والشخص الذي ليس له لحية؟ نحن تكلمنا قبل ذلك عن نقطة مهمة اسمها الفهم والتفهم، فأنت حينما تأتي تحاول أن تفهم شخص أو تتعرف عليه لابد أن تفهم تفكيره – تفهم دماغه – ، الشيء الثاني: لابد أن تتفهم إدراكاته ونفسياته، فالآن أين المشكلة؟ نحن كمواطنين عاديين نعتقد أن اللحية هي صورة من صور تكميل التدين؛ فأنا من المفترض أنني فعلت كل الفرائض وكل السنن وأريد أتشبّه شكليّاً بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالتالي من الفترض أن من فعل هذا الشكل هو قبل ذلك بنى بناء طويل من التربية الإيمانية والحضور والخشوع الإيماني والأخلاقي؛ فنحن نقيسها على القسيس، لا ليست كذلك
فأنت لكي تفهم الحياة لابد أن تفهم كيف يفكّر الناس،، الملتحي لماذا التحى؟ الملتحي التحى لأنه أول ما جاء إلى المسجد قالوا له إن إعفاء اللحية واجب، اللحية مثل الصلاة، وأنت إن لم تربي ذقننك ستأثم، فالرجل قرر أن يلتحي فهو مضطر أن يلتحي، فهذه اللحية كانت فريضة هو التزم بها، ليس لها علاقة بأي شيء،، فنحن نعتقد أن هذا يدل على الكمال، لا لا لا هذا أمر عادي.
ثم إن إعفاء اللحية هذا أمر سلبي، فأنت تترك ذقنك فيكبر شعرها، فأنت لا تفعل شيء، فمتى تكون أمر ديني أو به أجر؟ عندما تنوي بها التشبّه فقط، لكنه في النهاية هو فعل سلبي وليس إيجابي لا يبني شيء،، ما الذي يبني؟ مجاهدة النفس، تهذيب الأخلاق.
وبعد قليل من الممكن أن يظن الشخص لأنه ملتحي أنه مميّز بلحيته، لا يوجد شيء هكذا،، وهذا ما قاله الرجل، قال أنني أصلي في جامع عوام،، فهؤلاء مميّزين في ماذا؟ هل باللحى، هل اللحية تميّز شخص عن شخص، هذا منطق غريب جدّاً جدّاً.
أولاً المسجد؛ المسجد بيت ربنا لا ينسب إلى أحد وروّاد المسجد ليس من يحدد وضع المسجد، والناس كلها تشبه بعضها، واللحية لا تفرق بني آدم عن بني آدم.
ما الذي يفرق شخص عن شخص؟
مقدار الجهد الحقيقي الذي بذله على نفسه تهذيباً لأخلاقه، زيادة في إيمانه، علاجاً لآفات النفس، فهذا هو الموضوع، هذا هو الموضوع، الأزمة هنا، يوجد كثير من المفاهيم الموجودة عندنا محتاجة لأن تراجع، ونحتاج لأن نتفكّر.
وللأسف هذا الكلام يصنع آثار عند أصحابه مع الوقت، فيوجد صورة من صور الاستعلائية في التعامل مع الناس، واعتقاد بعض الناس بأشياء معيّنة هم يفعلوها أنهم طبقة فوق البشر، فلا يوجد مثل هذا في الحياة، لا يوجد هذا.
فهذا المكان نعمة من أكبر نعم ربنا علينا لابد أن نشكر النعمة، أو على الأقل، على الأقل لا نسيء لأحد جاء بيت ربنا سبحانه وتعالى يريد أن يكرمه ربنا بهذه الضيافة وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا فإيذاء المسلم محرّم، فإيذاء الذاكر أو المصلي أو قارئ القرآن ما حكمه في الدين؟ ما حكمه؟ هذا المكان ما ترجمته؟ أين نحن لابد أن نفهم أين نحن؟ لكي نستطيع أن نتعامل مع النعم والمنن الذي منّ ربنا سبحانه وتعالى علينا بها.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه
اللهم خذ بأيدينا إليك، اللهم خذ بأيدينا إليك، اللهم خذ بأيدينا إليك أخذ الكرام عليك لا تفضحنا بين خلقك ولا بين يديك
اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا
اللهم تب علينا لكي نتوب، اللهم اغفر لنا الذنوب واستر منا العيوب وتب علينا لكي نتوب.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم