بسم الله والحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
لازلنا نتحدث عن هذا العنوان العظيم سمو الإسلام لا نسأمه ولا نمله تمحورت الأفكار التي تكلمنا فيها قبل ذلك حول أن السماء هي أعظم قيمة وأعظم معنى في هذا الكون الفسيح الذي نعيش فيه وأن الإنسان هذا المخلوق الأرضي إنما انطوت نفسه على روحٍ لا تستقر ولا تسكن إلا بالاتصال بالسماء وأنه لا صلة بالسماء إلا عبر كتاب الله عز وجل ولذلك قال الله عز وجل وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا
سمى الله عز وجل كتابه حبلاً لأنه حبلٌ وسببٌ مدودٌ موصولٌ بين الأرض وبين السماء فلا يستطيع الإنسان أن يصل إلى ربه عز وجل في السماوات إلا إذا ارتقى إليه عبر هذا الحبل الموصول المدود وليس هناك ثمَّ سبب ولا حبل أخر يصل بين الأرض والسماء إلا هذا القرآن فما عدا القرآن إما كتب بطلت نسبتها إلى السماء بسبب التحريف والتبديل والتغيير الذي لحق بهذه الكتب وإما أفكارٌ ومذاهب أرضيه وضعها البشر المحدودون بعقولهم القاصرة التي وصفها الله عز وجل بقوله إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا هذه هي الصفات الأساسية الثابتة الراسخة للإنسان لا يتحول عنها إلا بمدد ووحي ونور من الله عز وجل الجهل وهو عدم العلم بمصالحه الحقيقة والظلم الذي هو الهوى الذي ينحرف بالإنسان عن الحق الذي يعلمه إلى الباطل الذي تهواه نفسه ولذلك قال الله عز وجل مستنكراً على من يحيد عن كتاب الله عز وجل إلى غيره فقال أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا ولكن لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ فسمى الله عز وجل الحكم الذي يحاد إليه عن حكم الله عز وجل سماه حكماً جاهلياً فكل ما عدا نور الله سبحانه وتعالى فهو جهلٌ وظلمٌ وظلام ولكن الله سبحانه وتعالى فرق بين هذه الكتب التي بطلت نسبتها إلى الله عز وجل وإلى الأفكار الأرضية التي لا تمت إلى السماء بسبب فرق بينهم في بعض الأحكام فقال الله سبحانه وتعالى وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ فأباح الله سبحانه وتعالى لأهل الإسلام ذبائح أهل الكتاب وأباح لهم نكاح العفيفات الحرائر من نساء أهل الكتاب تمييزاً لهؤلاء وإن كانت نسبتهم الاعتقادية إلى السماء باطلة لكنه سبحانه وتعالى ميزهم عن غيرهم بهذه الأحكام وهذا المعنى هو الذي التفت إليه أهل الإشراك من مشركي قريش حينما وقع الاقتتال بين الفرس وبين الروم بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بسنوات والنبي صلى الله عليه وسلم لازال مقيماً في مكة فقد دانت دولة الفرس التي هي دولة مجوسية مشركة تعبد النار على دولة الروم التي كانت تنتسب إلى ديانة النصرانية وإن كانت قد صارت ديانة شركية محرفة مبدلة فقال المشركون من قريش للنبي صلى الله عليه وسلم والصحابة إن هؤلاء الفرس قد تغلبوا على الروم وهؤلاء الروم أقرب نسباً إلى أهل الإسلام من الفرس وإنه كما تغلب أهل الإشراك المحض على هؤلاء فإننا أيضاً سوف نغلبكم وسوف نقهركم فأنزل الله عز وجل الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ
وإطلاع بأحوال العالم من حولهم فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان الصحابة على علم بمجريات الأحوال في العالم ومما يشهد لذلك شهادة بليغة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما اشتد الأمر على أصحابه في التضييق والتشديد عليهم في مكة أمرهم أن يخرجوا من مكة إلى الحبشة قال ” لأن فيها ملكاً لا يظلم عنده أحد وهي أرض صدق ” فالنبي صلى الله عليه وسلم حينما أمرهم أن يخرجوا من مكة حيث التضييق والتشديد أمرهم أن يخرجوا إلى الحبشة التي هو وراء البحار لأن ملك الحبشة موصوف بعدل وهم لن ينالهم ظلم ولا ضيم عند هذا الملك فنقلهم إلى مكان يعلم صلى الله عليه وسلم طبيعة هذا المكان ويعلم صلى الله عليه وسلم طبيعة الملك والوضع السياسي في هذا المكان ولذلك نقلهم من مكة إلى الحبشة لعلة معينة وهي تخفيف الضغط عليهم وإن كانت هذه أرض شرك وهذه أرض شرك أيضاً ففرق صلى الله عليه وسلم بين هذه الدور التي هي دور شرك من حيث إقامة العدل أو وجدود الظلم في هذه الديار فرأى أن هذه الدار التي هي دار العدل وإن كانت دار شرك خير من هذه الدار المكية في هذا الوقت التي كانت تجمع بين الشرك والظلم والعسف جميعاً فأنزل الله عز وجل غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ الملك لله والأمر لله سبحانه وتعالى يحكم ما يشاء ويقضي ما يريد وأن هذا الكون كله في قبضته سبحانه وتعالى وتحت حبل سلطانه المسلمون منهم والمشركون أهل الطاعة وأهل المعصية الأبرار والفجار كلهم لا يخرجون عن سلطان الله عز وجل مثقال ذرة قال تعالى وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يوم يدال للروم على الفرس يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله في هذا التوقيت الذي ينتصر فيه الروم على الفرس في ذات الوقت أيضاً ينصر الله عز وجل جنده المؤمنين في معركة بدر على المشركين فيتزامن نصر الروم على الفرس مع نصر أهل الإيمان على أهل الشرك في واقعة بدر وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ هو العزيز الذي لا يغلب وهو الرحيم بعباده المؤمنين ينصرهم ويؤيدهم قال تعالى: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ وقال تعالى: حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ
يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم