Generic selectors
المطابقات الدقيقة فقط
البحث في العنوان
البحث في المحتوى
Post Type Selectors
البحث حسب التصنيف
أحداث جارية
أسماء الله الحسنى
الأذكار
التلون
السيرة النبوية
القصص في القرآن
الكتب
بني آدم والشيطان
بني إسرائيل
تراجم
تربية
تربية
تفسير
جهد الغلبان في تبيان فضائل القرآن
خطب الجمعة
خطو خاتم الأنبياء ما بين اقرأ وإذا جاء
دروس
رمضان 1436هــ - 2015م
سلم الوصول إلى علم الأصول
عقيدة
غير مصنف
كتابات
كلمة التراويح
مسألة الرزق
من قصص كتاب التوابين
من هدي النبوة
مواسم الخير
هذه أخلاقنا

فاتقوا الله ما استطعتم 2

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي المتقين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

ثم أما بعد ،،،

كنا في حديث عن المسلم وكيف يعيش إسلامه في ظروف وفي أزمنة صعبة، وبعد الخطبة الماضية تلمست مواضعها ومواقعها فوجدت أن عظم المستمعين لم يدركوا الرابط الجامع بين هذه الكلمات وبين ما سبقها من كلمات، فنجمل الحديث حول المشكلة وحول حلها.

إن المشكلة أن مسلماً يتسائل: كيف يمكن في ظل الضغوط المادية واستغراق الإنسان في العمل لدنياه واكتسابه لرزقه الذي يستغرق عامة يومه، فيعود من عمله مكدوداً متعباً، كيف يمكنه أن يقوم بحق الله عليه من تلاوة لكلمات الله ومن صلاة ووقوف بين يدي الله ومن ذكر لله ومن قيام بحقوقه سبحانه وتعالى، وهو يشير أن الصحابة كانوا في ظروف هي أحسن من ظروفنا بكثير، إذ كانوا في حال من الفراغ، وكانت الحياة في أزمنتهم حياة بسيطة ليس فيها هذا التعقيد الذي يعانيه المسلم المعاصر، فهو تسائل من يبحث عن الحل وعن المخرج، وقد كانت الإجابة تمر بنقاط متسلسلة ومراحل متتابعة.

أولاً أن الله سبحانه وتعالى العليم الحكيم قد جعل دينه وهدايته ومنهاجه سعادة للإنسان وصلاحاً وإصلاحاً له من حين ما أنزل الله هذه الكلمات إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها، هذه حقيقة يقينية يجب على كل مسلم أن يقر بها طالما يدرك أن الله سبحانه وتعالى هو العليم الحكيم الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وأن كل المجريات والمستجدات والمتغيرات، كانت معلومة في علم الله تبارك وتعالى قبل أن يخلق هذا الخلق، لن أقول منذ أن أنزل الله هذه الكلمات، وإنما قبل أن يخلق الله سبحانه وتعالى هذا الخلق.

 لقد ذكرنا قبل مراراً أن الله تبارك وتعالى قد تكلم بهذه الكلمات قبل أن يخلق الإنسان وإنما أنزلها تبارك وتعالى للإنسان حينما شاءت حكمته وإرداته سبحانه وتعالى أن يخاطب بها الإنسان، قال تعالى وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ هذه الكلمات التي خاطب الله بها الإنسان هي في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق الله الإنسان، قال تعالى الرَّحْمَنُ ۝ عَلَّمَ الْقُرْآنَ ۝ خَلَقَ الْإِنْسَانَ ۝ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ هذه هي أول ركيزة.

 الركيزة الثانية، هي أن القانون العام الذي يخاطب الله تبارك وتعالى به الإنسان هو قانون فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا ربنا سبحانه وتعالى لا يكلف الإنسان إلا ما هو قدر وسعه وطاقته، قال الله تبارك وتعالى لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ثم أمرنا تعالى أن نناجيه فنقول رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا فأجاب الله في عليائه فقال: قد فعلت، ثم أمرنا أن نقول رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا فقال الله في عليائه: قد فعلت، ثم أمرنا أن نقول رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ فقال الله في عليائه: قد فعلت، ثم أمرنا أن نقول وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ قال الله في عليائه: قد فعلت.

ثم عرجنا على حال الصحابة، وكيف كانت حياتهم غاية في الصعوبة والمشقة ومثّلنا على ذلك بأمثلة كثيرة لا مجال لإعادتها الآن، وذكرنا أنه كفا أن تدرك قدر ما كانوا فيه من الخوف والفزع ومن عدم الأمن الذي استدام لهم من حين أن بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم إلى حين صلح الحديبية، عامة حياته صلى الله عليه وسلم إنما كانت كذلك، وأن الصحابة قالوا له يوماً: يا رسول الله أبد الدهر نحن هكذا؟ في خوف وذعر واضطراب والناس كلهم إلباً واحداً علينا طيلة العمر، لن يأتي وقت نشعر فيه بالراحة والطمأنينة ونستطيع أن ننام؟، فأنزل الله تبارك وتعالى وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ.

ثم النقطة المحورية هي أزمة الفصل ما بين عمل دينوي وما بين عمل أخروي، وهذا ليس موجوداً في الدين، هنا الأزمة، هي أن دنياي تستغرق حياتي فلا وقت لديني وآخرتي، هنا أصلاً الإشكال، هذا ليس موجوداً في الدين، عمل المسلم وحركة المسلم وسعي المسلم، كله في سبيل الله وكله من عبادته لله، لكن العبادة منازل ومراتب، والخطبة السابقة كانت تتكلم عن هذا، هذا أساس الموضوع، فالخطبة الأولى كانت تمهيداً له، لأنه من أين تأتي الأزمة؟ من أين يأتي الصراع النفسي؟ من أين يأتي الخلل والاضطراب؟ من إحساس الإنسان أن هناك صراعاً ونزاعاً بين أمرين؟ وهناك أمر يغلب على الأمر الآخر نتيجة للضرورات الحياتية، أنت لا تستطيع أن تختزل وقت عملك أو وقت المواصلات، لا يمكنك أن تحدد وقتاً لوصولك إلى العمل أو رجوعك منه، هذا شيء مستحيل، حسناً، هل تستطيع أن تسيطر عليه؟ غالباً لا تستطيع، وإذا كنت ذو عمل خاص ليس لك ساعات عمل محددة فسيكون الأمر أصعب، ” لأن الموظف يعرف يفصل دماغه، أما غير الموظف لا يستطيع أن يفصل دماغه، هيعاني أكتر ” ، ثم أن هناك إحتياجات أخرى، والتزامات أسرية، والحاجة إلى الإخلال للراحة والنوم، فمتى أفعل ما ينجيني عند الله؟ هنا الأزمة.

فذكرنا في الجمعة الماضية أن الصحابة حينما رأوا شاباً ذو جلد أحبوا أن يكون جلده في نصرة دين الله، فقالوا لو جعل هذا الشاب شبابه ونشاطه وقوته في سبيل الله، فالنبي صلى الله عليه وسلم صحح مفهوم في سبيل الله، فيقول أن هذا إذا كان يسعي على ولده، على أولاده الصغار، ليكفيهم ويكفلهم، قال: فهو في سبيل الله، وإن كان يسعى على أبوين شيخين كبيرين قد طعنا في السن ويحتاجا إلى من يرعاهما ومن ينفق عليهما، ومن يشكر إحسانهما إليه سابقاً وسلفاً، قال: فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه، يعفها كي لا يسأل أحداً ولا يحتاج إلى أحد ولا يذل نفسه لأحد، قال: فهو في سبيل الله، فالأزمة تكمن في نقطين، أولاً أن يحاول الأنسان أن يكون عمله ليس فيه شيء يغضب الله، وأن يبتعد عن المحرمات وعن الشبهات، حتى يكون في سبيل الله، وكما قلنا أن القانون فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ سيجتهد وسعه أن يبعد عن أي شبهة تجعل عمله يخرج عن ( في سبيل الله ).

 النقطة الثانية، نؤجلها قليلاً لأنها الأخطر، لأن الأزمة هنا فعلاً وليس في الكلام الذي نتكلم فيه، لكننا سنؤجلها.

فالنبي صلى الله عليه وسلم قال أن هذا في سبيل الله وقال أيضاً وهو يتكلم عن صور الإنفاق، قال: دينار تنفقه في سبيل الله، قلنا في سبيل الله في الجهاد، ودينار تنفقه على المساكين، وهذا جعله النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون في سبيل الله أيضاً، ودينار تنفقه على أهلك، فالنبي صلى الله عليه وسلم ذكر هؤلاء، فقال أن أحسن دينار وأفضلهم الذي ستنفقه على الأهل، حسناً، هل معنى ذلك أن هذه الأشياء ليس لها قيمة؟ نحن قلنا أن ربنا سبحانه وتعالى يعلم الإنسان أن هناك ترتيباً في الواجبات، أن هناك أولويات، هناك أشياء هي أوجب علي من أشياء أخرى، فأنا إذا قمت بها فأنا سأنال الأجر والثواب من الله، قال صلى الله عليه وسلم: إذا أنفق الرجل على أهله، يحتسبها، يطلب ثواب ذلك من الله، فهي له صدقة، وقال صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، قال: إنك لن تنفق نفقه تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في فيّ امرأتك، هو لم يترك شيئاً تنفقها إلا جعلها في سبيل الله إذا كنت تحتسب الثواب من الله او تطلب الأجر من الله أو تبتغي وجه الله.

وذكرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً، فيأكل منه إنسان أو طير أو بهيمة، إلا كان له به صدقة، حتى أنه ذكر أن ما سُرق منه فهو له صدقه، ما أكلت منه السباع فهو له صدقة، ما أكلت منه الطير فهو له صدقة، ما رزيء منه شيء، أي نقص، فهو له صدقة، وقلنا هنا أن الذي يزرعه والأشياء التي تسرق منه هل يحتسبها؟ لا، ولكن الزرع الذي زرعه المسلم والغرس الذي غرسه هو خير، سيأخذ ثوابه في أي شيء ينقص أو يخسرها منه، أدرك ذلك أم لم يدرك، احتسبه أو لم يحتسبه.

نحن تكلمنا قبل ذلك عن مسألة الواجب على المسلم، هناك فروض عينية وفروض كفائية، فمثلاً الزرع أو كثير من أعمال الصناعة، أو كثير من أعمال الخدمات، أو المهام الطبية أو بعض الأعمال الهندسية، هذه الأشياء في الدين تسمى فروضاً كفائية، ما معنى فروض كفائية؟ ما معنى فروض؟ أي واجب، واجب على الأمة، هناك واجب عيني على كل إنسان، فرض عليه أن يقيمه في أداء الحقوق الشخصية، وهناك أشياء ربنا يخاطب فيها الأمة، وهي تفعلها تتعبد لله بإقامتها، يجب أن يكون ذلك موجوداً، ولو لم تقم؟ لأثم الجميع، من كان يستطيع أن يقوم بهذه المهنة لأنه لم يقم بها، والذي لا يستطيع أن يقوم بها لأنه لم يدفع من كان يستطيع أن يقوم بهاأن يقوم بها.

نحن لدينا فصيلين، فصيل يعزلك عن الحياة، وفصيل يغرقك فيها، وهذه أزمتنا، الذين دعونا إلى الدين أرادوا أن يعزلوننا عن الحياة، وأناس آخرين أرادوا أن يغرقونا في الحياة، يقول ربنا وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا هناك طريق في الوسط بين من يغرقونك في الدنيا وبين من يعزلك عنها، قلنا قبل ذلك أنه لا يوجد شيء يسمى علم شرعي وعلم غير شرعي، ما هو العلم الشرعي؟! التوحيد، الفقه، مصطلح الحديث، أصول الفقه، علم البلاغة، علم النحو، علم الصرف، حسناً، هذه العلوم الشرعية.. والعلوم الآخرى؟! حين تقول أنها شرعية فما تكون الآخرى؟ ليس لها علاقة بالشرع، ليس لها علاقة بالدين، أين نضع الطب إذاً؟، هذا الكلام مختل تماماً، هناك شيء يسمى علوماً نافعة وعلوماً غير نافعة، العلوم النافعة منها ما هو فرض عين ومنها ما هو فرض كفاية، واجب على الشخص بذاته وهذا ما ينجيه عند ربنا سبحانه وتعالى ويجب عليه أن يتعلمه، ولذلك سيدنا عمر كان يوجب على من يتاجر أن يتعلم أحكام البيع والربا، يلزمه ذلك، أصبح فرض عين عليه.

 وفرض الكفاية؟ يجب أن يكون لدينا من يصلي بنا الجمعة، ومن يفتي الناس، ومعلمون يعلمون الناس، وأطباء، وصيادلة، ونحتاج علماء في كل مجال المفترض أن يدخل في باب وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وإلا فكيف يتم ذلك؟، أليس ذلك أمر؟ أليس واجب خوطب به المسلمين يجب أن يقوموا به؟، مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فكل شيء تفعله تنفع به الناس أو علم يخدم الأمة، هذا دين وليس شيئاً خارجاً عن هذا، هذه عبادة بذاتها.

فالذي يزرع هذا في النهاية يكفل الناس، رغم أنه يبيع، ولكنه إن لم يفعل ذلك لن نجد ما نأكل، ولكن كيف يقصر الإنسان؟ أنه كان من الممكن أن يكون عبادة ولكنه جعل عمله بنيته للأسف عمل وضيع، أنت بهذا العمل كان من الممكن أن تتقرب به إلى الله، أنت جعلته من أجل المال، هو هو نفس العمل، هو هو نفس اليوم، هو هو نفس السعي، من الموفق والسعيد؟ الذي يجعل نفس العمل في سبيل الله، ولن تجعل هذا العمل في سبيل الله إلا إذا كان ربنا في قبلك أصلاً، لن تفتعل ذلك، إن لم يكن الله بداخلك كيف تجعل عملك في سبيل الله؟، إن لم أرى أمامي إلا الدنيا لن أقدر أن أجعل عملي في سبيل الله، فأصلاً يجب أن يشعر الإنسان بداخله بالإيمان والارتباط بالله وأن الله غاية، وهذا ينتج بعد ذلك، ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، هي ستفرز وتنتج تلقائياً.

فكل عمل تعمله به خير أو خدمة فهو في سبيل الله، نفترض أنه ليس فرضاً، ما تنتجه، النبي صلى الله عليه وسلم حين ذكر الشخص الذي يحتطب ماذا قال؟ سيتصدق أو يستغني عن الناس، وقلنا في الجمعة السابقة أن خالة جابر بن عبد الله حين كانت في العدة وكانت تريد أن تحصد ثمار النخل فقال لها رجل لا ينفع أن تخرجي لأنك في العدة، فذهبت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم كي تستفتيه، فماذا قال لها؟ قال: بلى.. بلى، فجدي نخلك، أخرجي فاجمعي الثمرة، لماذا؟ قال: فإنك عسى أن تصدقي أو تفعلي معروفاً، لكي تفعل خيراً حتى وإن افترضنا أن عملك لا تستطيع أو توظفه هكذا، ما ينتجه من مال سيكون خيراً، لا يوجد شيء يخرج من دائرة أنك تعيش مع الله أو تتعبد لله، نهائياً.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أن رجلًا من أهل الجنة استأذن ربه في أن يزرع فقال الله تبارك وتعالى له أولست فيما شئت ) هل أنت محتاج لشيء؟ ( قال بلى ولكني أحب أن أزرع ) هل تستطيع أن تفهم هذا؟ ما معنى ( ولكني أحب أن أزرع) وانتبه أن هذا في الجنة، في الجنة، فما الذي كان يمثله هذا الزرع في الدنيا لكي يكون في الجنة يكون من متعته أنه يريد أن يفعل هذا، فهذا الأمر كان عميق الأثر في نفسه، لأن الزرع عندما كان يزرعه في الدنيا كان له امتدادات نفسية عميقة بداخله، ليس مجرد أنه يعمل، لأنه إذا كان مجرد أنه يعمل لا يصلح أن يكون في الجنة يقول يا رب أريد أن أزرع، ( قال: أولست فيما شئت، قال: بلى ولكني أحب أن أزرع فبذر، فسبق الطرف) أي مدة أن طرفت عينه، (نباته واستوائه واستحصاده فصارت كأمثال الجبال ) في ثانية، ( فقال الله: دونك يا ابن آدم ) اجمع واحصد ( فإنه لا يشبعك شيء) هذا هو الإنسان ( دونك يا ابن آدم فإنه لا يشبعك شيء، فقال رجل يا رسول الله: والله ما أراه إلا قرشيًّا أو أنصاريًّا فإنهم أصحاب زرع، وأما نحن – هو من أهل البادية – لسنا بأصحاب زرع) أي أن هذا الرجل مؤكد أنه ليس منا تمامًا.

(ما أراه إلا قرشيًّا أو أنصاريًّا ) ” أنصاريًّا ” مفهومة، أما كيف ” قرشيًّا “؟ قريش؟ مكة ليست أرض زرع، هو يقصد مهاجري، المهاجرين عندما انتقلوا إلى المدينة كانوا يعملون في الزرع كما كان الأنصار يعملون، ( فما أراه إلا قرشيًّا ) يقصد مهاجريًّا، (قال: يا رسول الله ما أراه إلا قرشيًّا أو أنصاريًّا فإنهم أصحاب زرع، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعقّب).

والنقطة الأخيرة التي وقفنا عندها؛ أنه على قدر العناء والمشقة التي يعانيها الإنسان في تطلب مرضاة الله، على قدر الأجر والثواب عند الله، وقلنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أن هناك أناس إذا كانوا في أزمنة أصعب من زمان الصحابة، وبالطبع هذا الكلام عندما استقر الإيمان وإلا فلن يعاني أحد معاناة الصحابة في البداية أو يتألم آلام الصحابة.

فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول أن هناك زمن النبي صلى الله عليه وسلم أسماه ” زمن الصبر ” ما معنى زمن الصبر؟ قوامه الصبر، لن تستطيع أن تعيش أو تتمسك بالذي عليك أو تعبد ربنا إلا أن ربنا يفرغ عليك من الصبر، قال ( الذي يقبض على دينه كالذي يقبض على الجمر ) وهذا توصيف غاية في الصعوبة، لماذا؟ فهذا معناه أنه يتألم في كل لحظة، فلو أن شخص أمسك كتلة من النار في يده، ما معنى هذا؟ معناه أن يده تحترق دائمًا، وبالتالي كل لحظة، كل لحظة هو يتألم، ويوجد ما هو أصعب من هذا وأشد من هذا وهذه هي الخطورة، عندما يكون في يدك شيء يحرقك ألن تحدثك نفسك أن ترتاح، فتلقيها من يدك فترتاح، تتخلص منها فترتاح، تبعدها عنك فترتاح،، هذا طبيعي، وهذه هي المشكلة الأكبر، ليست المشكلة الكبرى أن يدك الآن يدك متعبة، أو تحترق، المشكلة أن يداك وهي تحترق نفسك تحدثك أن تمنع هذا في المستقبل، فماذا تفعل؟ تتركها من يدك، ولكن يقول لك لا، هؤلاء الناس ناس تمسك هذا في يدها رغم أنها في كل لحظة تتألم، فهؤلاء ثوابهم سيعطيهم لهم ربهم على قدر المعاناة.

فأين جعل المحور في هذه الأزمة قال ( إنهم لا يجدون على الخير أعوانًا) أين الخطورة؟ أن تعيش في بيئة لا تساعدك على الخير، فلو الموضوع هكذا؟ فكل لحظة عناء تعانيها ربنا سبحانه وتعالى لن يضيع أجرها أو ثوابها، لن يضيع أجر من أحسن عملًا.

ولذلك عمر بن عبد العزيز كتب لسالم بن عبد الله بن عمر، قال له اكتب لي سيرة عمر، ماذا كان يفعل عمر في حكمه؟ يقول لسالم ابعث لي كيف كان جدك يفعل في إمارته؟ فسالم كتب له وقال (إنك لن تستطيع ذلك) ولم يكتب له، فلتكتب له !!، لا، لم يكتب له شيئًا، وقال له أن هذا صعب، فقال له عمر لماذا؟ لماذا صعب؟ قال: (إنك إن عملت في زمانك ما كان يعمل عمر في زمانه، فأنت أفضل من عمر، لأن عمر كان يجد من يعينه على ذلك، وأنت لا تجد من يعينك على أمر) لم يكتب له أصلًا، لم يكتب له، لماذا لم يكتب له، قال له: أنت لن تستطيع أن تقيم ما كان عمر يقيمه، لماذا لن تعرف؟ لأن البيئة لن تساعدك، ولماذا لن تساعدك البيئة؟ لأنه لا يوجد أحد حولك يدعمك، ولا يوجد حولك من يساعدك.

النقطة الأخيرة: مفهوم العبادة، ما مفهوم العبادة؟ يوجد شيء يسمى شعائر تعبدية، ما معنى شعائر تعبدية؟ أنني أؤدي عمل هو بذاته تقرب إلى الله، مثل الصلاة، مثل الصيام، مثل الصدقة، قراءة القرآن، الدعاء لله سبحانه وتعالى، ويوجد أشياء ستكون عبادة حسب الأحاسيس الموجودة بداخلي، وبالتالي كل شيء في حياتي من الممكن أن تكون عبادة لله لو ربنا سبحانه وتعالى في قلبي أبتغي مرضاة الله وأراقب الله سبحانه وتعالى في القول وفي العمل، لذلك ربنا قال وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ جعل العبودية وظيفة تشمل كل لحظات حياة الإنسان، فأكيد لا يقصد أن نصلي أو نصوم، لأن هذا لا يمكن أن يستغرق حياتك أو وقتك قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۝ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم

الحمد لله رب العالمين

سنخرج عن النسق المعتاد، نحن في العادة ماذا نتكلم في إطار الخطب؟ نتلكم عن ما يتعلق بتأسيس الإيمان وتأسيس اليقين، نحن قلنا أن الدين لابد أن يمر بمراحل، ما هي هذه المراحل؟ أول شيء أن الإنسان في فطرته معرفة ربنا سبحانه وتعالى، هو ماذا يدرك أول شيء، يدرك أن هناك غاية أو رسالة في الحياة، تقوم على أنه يتعرف على الله سبحانه وتعالى، ويسعى إلى التقرب إلى الله ونيل مرضاة الله سبحانه وتعالى ويتعرف على الدار الآخرة والحياة المستقبلية للإنسان ثم يسعى لامتثال أمر الله سبحانه وتعالى الذي أنزله إليه، فأولًا الإنسان يؤمن ويوقن بالله سبحانه وتعالى، ويوقن بلقاء الله ويوقن برسالة الله، ويؤمن بأنبياء الله سبحانه وتعالى، ثم يسعى لامتثال أوامر الله سبحانه وتعالى في الحركات والسكنات؛ بفعل ما يأمر الله به واجتناب ما ينهى الله عنه، لا يصلح أن تؤسس حركة على غير يقين وإيمان، هذه هي الأزمة، فما الفرق بيننا وبين الحياة التي أسسها النبي صلى الله عليه وسلم؟ أنه أسسها بالشكل الطبيعي، مثلما أمر ربنا وكما أُنزل الإسلام، أما نحن؟ نحن قلنا أننا ورثنا الإسلام وراثة، لم نبني حقائق الإيمان واليقين في قلوبنا، فماذا أصبح الإيمان واليقين؟ أصبح أنه عبارة عن مجموعة من الأوامر والنواهي، ربما هذه الأوامر لا توافق أهواء النفس، وربما النواهي تأتي على خلاف مراد النفس، فحينئذٍ تحدث الأزمة، لماذا الأزمة؟ لأن الأوامر والنواهي التي لا تُؤسس على يقين إيماني، لن تكون مثمرة، نحن قلنا أن ربنا سبحانه وتعالى في القرآن إنما خاطب المؤمنين، أي شيء يأمر أو ينهى فيها يقول يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لم يقل ( يا أيها الإنسان) ولا ( يا أيها الناس) ولا (يا أيها الذين أوتوا الكتاب) ولا ( يا أيها الذين كفروا) إن لم توجد الذين آمنوا كأصل، لن تستطيع أن تبني شيئًا، فنحن نتكلم عن الأصل، ولذلك لا نتعرض للفروع ولا للتفاصيل، فعلام ستبنيها؟ وعلام تؤسسها، وفي نفس الوقت إن الخلل في الأصل يخرج العبد من الإيمان.

الإنسان إذا وقع عنده خلل في فرع من الفروع أو ممارسة من الممارسات؟ إذا كان غير مقصر أو يجهل هذا الحكم فلا شيء عليه، فإذا كان عنده نوع تقصير؟ سيكون عليه نوع من المسائلة، لكن نوع المسائلة هذه في النهاية لا ترقى في الخطورة إلى درجة ضياع الإيمان أو عدم وجود اليقين في القلب، أو عدم وجود المحبة والإحساس بنعمة ربنا على الإنسان، هذا هو الأساس الذي لو وقع الخلل فيه كل شيء يضيع، وإذا وجد أي شيء آخر سيكون سهلًا.

نحن الآن سنتكلم عن مسائل فيما يتعلق بالفروع، ليس من أسلوبنا ولا من منهجنا – في الحقيقة – لكن ربما نحتاج إليها، أول مسألة فيهم نحن تكلمنا فيها قبل ذلك – أظن منذ خمس سنوات – وهي أنك إذا أتى عليك يوم وصليت فيه العيد وقالوا لك بعدها بقليل أنه يوجد صلاة جمعة ماذا ستفعل؟ أصبح الشائع أنك لو صليت العيد لا مشكلة ألا تصلي الجمعة، أصبح هذا هو العرف الشائع السائد في السنوات الأخيرة، وهذا موضوع فيه قدر من الخطورة، ولذلك يحتاج للتنبيه عليه، ونحن تكلمنا عنه قبل ذلك منذ خمس سنوات وأظنه أيضًا كان أضحى.

هل أنا إذا صليت العيد يجوز ألا أصلي الجمعة؟ ولو لم أصل الجمعة هل سأصليها ظهر أم لا أصلي شيئًا؟ هذه هي المسألة الأولى؛ نحن تكلمنا قبل ذلك أن ربنا سبحانه وتعالى جعل فريضة الجمعة حتم – حتم – لازم ونداء يجب تلبيته على كل إنسان مسلم ولم يرد في دين الله سبحانه وتعالى ما يستثني من ذلك شيئًا.

النعمان بن بشير رضي الله عنه يقول (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيدين وفي الجمعة بـسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية وربما اجتمعا في يوم واحد فصلى بهما في الصلاتين جميعًا) فهو ماذا يقول؟ يقول أنه يصلي العيد ويصلي الجمعة بـسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية، نحن لدينا هذا، ولكن لأن القراء لا يتقنون الحفظ فيصلون بها، ولكن في السنة النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بهما.

لكن حينما يأتي العيد والجمعة في نفس اليوم؟ يقول يصلي بهما هنا وهنا، أي أنه يصلي هذه ويصلي تلك، طيب.

ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء ثابت في عكس هذا؟ هل يوجد حديث نستطيع أن نعتمد عليه في عكس ذلك؟ لا يوجد حديث صحيح ثابت يعارض هذا الأصل، فما الذي ورد؟ الذي ورد أن سيدنا عثمان رضي الله عنه صلى صلاة العيد في يوم أضحى، وبعدما صلى صلاة العيد في الخطبة قال لأهل العوالي أن من شاء أن ينتظر الجمعة فلينتظر، ومن شاء أن ينقلب أو يرجع إلى أهله فقد أذنت له.

ماذا يعني هذا؟ أن الناس التي تسكن في البادية أو تسكن في العوادي – أربع أو خمس أميال من المدينة – هؤلاء الناس كانوا يأتون ليصلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم وتصلي مع الخلفاء رضي الله عنهم، تصلي معهم صلاة العيد، ثم سينقلبون إلى أهلهم، ثم سيأتون مرة أخرى ليصلوا الجمعة، فلأجل المشقة الزائدة على هؤلاء الناس، ولئلا يتحول يوم العيد إلى يوم عناء وهو يوم عيد، فأنا الآن سأصلي وسأرجع، فإلى أن أصل هناك تكون الساعة التاسعة، وبعد ساعة سأتحرك لكي أكون هنا الساعة الثانية عشر، وإلى أن أرجع تكون الساعة الثالثة، رخّص لأهل العوالي – كشخص يسكن في البرج ويريد أن يصلي في لوران – فهذا لا يصلح أن يأتي مرتين، فيقال لهم شيء من أمرين، يا جماعة من يستطيع أن ينتظر ليصلي، فهذا سيكون أفضل، ومن لا يستطيع لا يلزمه أن يبقى جالسًا، هل سيظل جالس من السابعة صباحًا أو الثامنة إلى الساعة الثانية عشر،، وهذا يوم عيد، فهؤلاء الناس رخّص لهم ألا يأتون المدينة.

أما الآن والمساجد بين البيوت ! يكون جالسًا في البيت والمسجد تحت بيته والأذان يؤذن ! والخطيب يتكلم، فأنت ستكون جالسًا في البيت ما العذر الذي يبيح للإنسان ترك الجمعة؟ أين الشيء الذي يستند عليها الإنسان.

الأمر الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقيم الجمعة، طيب حينما يقيم الجمعة من المخاطب في شهود الصلاة؟ الآن نحن لدينا شيء اسمه الأصول في الدين؛ الآن حينما يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن تقام الجمعة لابد أن يكون هناك أناس مخاطبين بالتزام الصلاة، فأنا الآن سأخطب، فيقولون أن الإمام يجب عليه أن يقيم الصلاة،، فسأقيم الصلاة، فحينما أقيمها من الذي سيصلي معي؟ افترض أنكم جميعًا قررتم أن تترخصوا، فأنا سأصعد المنبر سأتكلم مع من؟ لابد أن يوجد دائرة مخاطبة بإقامة العبادة، ودائرة تقع في الرخصة فستكون مفهومة، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال ( وإنا لمجمعون ) أي نحن أهل المدينة سنصلي الجمعة، نحن سنصلي الجمعة، من يريد أن يشهدها معنا فليشهد، ومن لا يريد أن يشهدها، فليصبلي الظهر جماعة في باديته،، هذه هي المسألة الأولى.

المسألة الثانية: تتعلق بمن يريد أن يذبح وماذا عن شعره وأظافره.. يوجد حديث عن أم سلمة رضي الله عنها أنه (إذا دخل هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئًا) هذا حكم، ماذا يراد به؟ حكم يراد به أن المضحي يتشبّه بالحجيج، فيشاركهم في شيء من أحوالهم ولكن كان من الرحمة ألا يلزمك ما يلزمهم، أي أن الإنسان يستطيع أن يلبس أي لباس، ولكن المحرم لا يجوز أن يلبس إلا الملابس الغير مفصلة، فأناس يقولون أن المحرم لا يلبس المخيط،، فليس المخيط أي الذي به خيط، لا، بل المخيط هو المتفصل، متفصل على تفاصيل الجسم،، فتجد شخص يلبس ” شبشب ” ويقول إن هذا به خيط،،، فليكن به خيط، المخيط هو المتفصل، فما الذي يجوز أن يلبسه؟ يلبس ما يشبه ” الملاية ” أي عندما تريد أن ” يتفرد ” ” يتفرد ” .

ففي النهاية غير المحرم لا يطالب بهذا، ومن الممكن أن تتطيب، وعلاقته مع الناس ليس فيها مشكلة، ولكن ذكر شيء لكي يقع الإنسان في دائرة من دوائر هذا التشبه، وهذا التشبه غير ملزم، لكن يكره لك إذا أردت أن تضحي، يكره لك أن تأخذ من الشعر أو الأظفار.

فإذا وقع نوع من أنواع الإيذاء، أنك تأذيت بشيء وتضررت منه؟ فلا حرج أن يأخذ من شعره أو من أظافره، لكن إذا الإنسان تمكن أن يفعله فالأفضل – الأفضل – أن يفعله.

المسألة الأخيرة: الأعمال الصالحة في عشر ذي الحجة، النبي صلى الله عليه وسلم قال ( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه العشر، قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله، قال: ولا الجهاد إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء).

طيب، أليس الجهاد من العمل الصالح، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول أن أفضل شيء في هذه الأيام هو العمل الصالح، فقالوا له: فماذا عن الجهاد؟ ألا نسمي الجهاد – الجهاد – عمل صالح ! – تكلمنا عن هذا في الجمعة الماضية – نحن قلنا أن سبيل الله – سبيل الله – لها معنى خاص ومعنى عام، هذه نقطة مهمة جدًا في الدين، يوجد كلمات يكون لها معنيان بدلالات الاتساع، معنى واسع ومعنى ضيّق.

فمثلًا حينما تقول ” الفقير ” فالفقير: هو كل شخص محتاج، وحينما تقول ” المسكين ” : هو كل شخص محتاج، لكن حينما يقول ربنا إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ فهنا ربنا سبحانه وتعالى فرّق، ولما فرّق أصبح لكل كلمة دلالة جزئية، فأصبح الفقير الذي لا يملك تمامًا، والمساكين: هم ما يملكونه لا يغطي احتياجاتهم ولا يكفيهم، فلما تقول الفقر، الفقر يشير إلى ماذا؟ إلى الجانب المادي؛ أنني لا أملك، وحينما تقول المسكين؛ تشير إلى الجانب المعنوي، فالمسكين هذا هو المنكسر، فالفقير: النظر إلى الجانب المادي، هو في حالة من الفقر والفاقة، فهو لا يملك، أما المسكين: هو من كسر الفقر قلبه، فحينما تقرأ ( اللهم أحيني مسكينًا) فهل النبي صلى الله عليه وسلم يطلب الفاقة؟ لا، هو يطلب التواضع، وانكسار القلب كحال المساكين، لا متكبر ولا مستعلي، ” يا رب أحيني مسكينًا وأمتني مسكينًا واحشرني في زمرة المساكين ” الغلابة، الذي يسميهم النبي صلى الله عليه وسلم ” الضعفاء ” ( إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها، بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم) الغلابة؛ يقول يا رب اجعل قلبي قلب الإنسان الغلبان، الذي هو دائمًا منكسر ومتواضع، ودائمًا مفتقر إلى الله.

فأنت الآن حينما تقول ( العمل الصالح) يُقصد هنا: الصلاة والذكر والدعاء والقرآن بالمعنى الضيق، فهم فهموا هذا، فقالوا ( ولا الجهاد، قال: ولا الجهاد ) ثم استثنى.

في حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن ( ما من أيام أحب إلى الله ولا أعظم عند الله ولا أحب فيهن العمل من هذه الأيام، قال: فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد) فهو إلام يشير، فنحن عندنا مفهوم العمل الصالح هو مفهوم واسع، لكن النبي صلى الله عليه وسلم علام حث أكثر، ماذا ينبغي علينا أن نركّز عليه؟ التهليل – قول لا إله إلا الله – التكبير – قول الله أكبر – والتحميد – قول الحمد لله – ، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال ( خير الأيام يوم عرفة، وخير ما قلت) إشارة إلى أن تدعو به في هذا اليوم أكثر ( وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) كأنه يقول لك تمسك بهذا، في هذا اليوم ادعو كثيرًا بهذه الكلمات (لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير).

والصيام؟ الصيام في هذه الأيام، يوجد صيام يوم عرفة وهو مسنون، صيام بقية الأيام ( من يوم واحد إلى اليوم الثامن) هذا الصيام مشروع وليس مسنونًا، فما الفرق بين الاثنين؟ المسنون: هو الذي واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعمله، أما المشروع؟ هو الذي يدخل في جملة العمل الصالح، حينما تقول (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله ) فالصيام عمل صالح، فسيدخل في جملة العمل الصالح، ولكنه ليس مسنونًا، فما معنى ليس مسنونًا؟ أي أنك لا يلزم أن تصوم كل الأيام، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصوم كل الأيام، بالعكس، فالسيدة عائشة تقول في صحيح مسلم ( ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائمًا في العشر قط) المراد: أنه لم يكن يصوم العشرة – وبالطبع يوم النحر مستثنى – لم يكن يواظب على صيام العشرة أو يسردهم، فهو لم يكن يفعل ذلك.

الآن هذا الكلام ما أهميته؟ الآن أنت أولًا ستضع الأشياء في مكانها، لماذا في مكانها؟ النبي صلى الله عليه وسلم حثّ على أشياء تفعلها، والصيام من جملة الأعمال الصالحة، لكن إذا وقع ثمّت تعارض فماذا ستقدّم؟

أي لو أنني أصوم والصيام مرهق جدًا بالنسبة إليّ، فهل الصيام أفضل أم قراءة القرآن وذكر ربنا أفضل؟ فهذا مهم لذلك، ما الذي حثّ عليه، وما الذي لا، ما المسنون؟…. فيوم عرفة ستصوم حتى إذا كنت متعب، فلو نمت طوال اليوم فستصوم، أما بقية الأيام؟ لو الصيام لا يؤثر عليك فهذا أمر حسن، لكنه مشروع وليس سنة،، فلو كان يشق عليك؟ فلابد أن تختار الأفضل، وهذا هو الفقه.

عبد الرحمن بن يزيد يقول أن ابن مسعود كان لا يكاد يصوم، تقريبًا نهائيًّا، وإن صام صام من الشهر ثلاثة أيام، فماذا يقول؟ يقول ( إن الصيام يضعفني عن الصلاة والصلاة أحب إليّ من الصيام) لماذا؟ في النهاية الهدف من العبادة أن يجد الإنسان قلبه مع الله، هو يقول أن الصلاة تؤثر فيّ إيمانيًّا، والصيام وإن كان عبادة وعبادة عظيمة تضعفني وتضعف الصلاة، فماذا أفعل؟ هل أصوم وأنام، أم أفطر وأصلي؟ فهو يقول: لا، أنا سأفطر وأصلي، لماذا؟ لأن الصلاة ستؤثر فيه أكثر من الصيام، فلو فطرنا ولم نصل؟ فلنصم،، فنحن إذا كنا لن نفعل شيئًا مع الإفطار، فالصيام والنوم أفضل، إن لم نفعل شيء حسن، أما إذا فعلت أو ستفعل، لذلك لابد أن يفقه الإنسان هذه المسائل، كل شيء ما مرتبتها في الدين، كل شيء ما مكانته في هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعندما يحدث تعارض بين شيء وشيء ماذا سيؤثر؟، أهم شيء في هذه الأيام كثرة ذكر الله تبارك وتعالى وتلاوة كلمات الله، فإذا تماشى الصيام مع هذا ويدعمه فهو أفضل، وإذا عرقل منه فلن يكون أفضل، فكل شخص ينظر إلى حاله، وإلى ما يكون أقرب له أو يقربه أكثر من الله سبحانه وتعالى، هذه نقطة مهمة جدًا، قضيىة أن يفقه الإنسان في دين ربنا سبحانه وتعالى، كل شيء مبني على علة وحكمة على الإنسان أن يدركها، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم ( من يرد الله به خيرًا يفقه في الدين) علامة أن ربنا يريد خيرًا بالإنسان أن يفهم عن الله ويفهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه

اللهم فقهنا في ديننا، اللهم فقهنا في ديننا، وزهدنا في دنيانا، اللهم فقهنا في ديننا، وزهدنا في دنيانا.

اللهم إنّا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا وتتوب علينا وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين

اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب كل عملٍ يقربنا إلى حبك

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.