Generic selectors
المطابقات الدقيقة فقط
البحث في العنوان
البحث في المحتوى
Post Type Selectors
البحث حسب التصنيف
أحداث جارية
أسماء الله الحسنى
الأذكار
التلون
السيرة النبوية
القصص في القرآن
الكتب
بني آدم والشيطان
بني إسرائيل
تراجم
تربية
تربية
تفسير
جهد الغلبان في تبيان فضائل القرآن
خطب الجمعة
خطو خاتم الأنبياء ما بين اقرأ وإذا جاء
دروس
رمضان 1436هــ - 2015م
سلم الوصول إلى علم الأصول
عقيدة
غير مصنف
كتابات
كلمة التراويح
مسألة الرزق
من قصص كتاب التوابين
من هدي النبوة
مواسم الخير
هذه أخلاقنا

فبهداهم اقتده

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي المتقين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد:

يقول الله تبارك وتعالى وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ۝ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ۝ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ ۝ وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ ۝ وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ۝ ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ۝ أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ ۝ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ ُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ أمر من الله تبارك وتعالى لنبيه الأكرم صلى الله عليه وسلم أن يتبع هدي هؤلاء النبيين الذين علمه الله تبارك وتعالى سيرتهم وأحوالهم ومواقفهم وبصّره بمواقع الاقتداء في حياتهم.

 كنا نحاول أن نحقق إيماناً بداوود عليه السلام كما أمر الله تبارك وتعالى، وذكرنا أول تسجيل لداوود عليه السلام في سجل الكرامة والشرف في كتاب الله تبارك وتعالى، وذكرنا كيف كان مبدأ أمره عليه الصلاة والسلام، أول أمر داوود أن هيأ الله تبارك وتعالى له أن يرعى غنماً، نحن قلنا في المرة السابقة أن داوود الذي خرج في جيش طالوت كان راعياً للغنم، حسناً، رعاية الغنم هل هو أمر اتفاقي نحن نسميه صدفة، أم أمر له تقدير يرتبط بحكمة؟، يقول جابر بن عبد الله النصاري رضي الله عنه وعن أبيه: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمر الظهران ونحن نجني الكباث، والكباث هو ثمر شجرة الآراك الذي يستخرج منه السواك من الخشب، فهم يجنون هذا الثمر كي يأكلوه، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: عليكم بالأسود منه فأنه أطيبه، قالوا: يا رسول الله كأنك كنت ترعى الغنم، قال: نعم وهل من نبي إلا ورعاها؟، قال: نعم وهل من نبي إلا ورعاها؟، وقال يوماً: ما من نبي إلا ورعى الغنم، قالوا: وأنت؟ قال: نعم كنت أرعاها على قراريط أهل مكة، قراريط تعني ملاليم، أجزاء من الدرهم كان يرعاها على مال قليل جداً، فإذاً بما أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول أن هذا أمر قد قدره الله تبارك وتعالى لكل نبي علمنا أن هذا كان أمراً مقصوداً، حسناً، الأمر المقصود هذا.. كيف يتم؟ لأن هذا النبي لم يأتي له توجيه إلهي قبل النبوة أن اذهب وارعى الغنم، هذا ليس أمراً هذا تقدير وتيسير وتدبير لهذا الأمر، فإذاً من حكمة ربنا سبحانه وتعالى الذي جعل مسيرة الحياة التي تمر بكل نبي من النبيين يجب أن تشتمل على مرحلة يرعى فيها النبي الغنم، لماذا؟.

 فإذاً يجب أن ندرك أولاً أن كل شيء في هذه الحياة هي مدبر بحكمة ربنا سبحانه وتعالى، ولا يوجد شيء يسير بشكل عشوائي، ولا يوجد شيء يجري على خلاف الحكمة أو على خلاف الرحمة أو على خلاف العدل، وأن كل أمر يريده الله سبحانه وتعالى فإنه يقدر له أسبابه، هناك أناس اصطفاهم ربنا سبحانه وتعالى بعلمه وبرحمته، واختارهم للنبوة وللرسالة، هؤلاء الذين اصطفاهم ربنا سبحانه وتعالى قد هيأ لهم طريقهم، وهذا نوع من أنواع التهيئة والتدريب لوظيفة ستأتي في المستقبل، هي غيب محجوب، فالنبي لا يعرفها ولا قومه الذين سيخاطبهم، فالعلم عند من؟ عند ربنا سبحانه وتعالى وحده.

 حسناً، ماذا تحقق رعاية الغنم؟ نحن ليس لدينا إجابة يقينة محددة، لكن الأمر العام بالتفكر والتدبر وتلمس الحكم الإلهية، ماذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم؟ يقول: الفخر والخيلاء في الفدادين أصحاب الوبر، والسكينة والوقار في أهل الغنم، ويقول: الجفاء وغلظ القلوب عند الفدادين أهل الوبر، عند أصول أذناب الأبل، النبي صلى الله عليه وسلم الآن يصف نوعين من الناس وظيفتهم الرعي، أناس رعوا الأبل، وأناس رعوا الغنم، يصف هؤلاء ويصف هؤلاء، فيقول: الفخر والخيلاء في الفدادين، الفدادين هولاء هم الذين يتصايحون، أصواتهم عالية وكثير ما يصيحون، الفخر والخيلاء والجفاء وغلظ القلوب، والسكينة والوقار في أهل الغنم، حسناً، ماذا نفهم من هذا لكلام؟ العشرة تؤثر، منذ زمن بعيد كان الناس يقولون ” من عاشر القوم اربعين يوم، واحد فيهم هيجي يمة التانين، هوا لازم كده، لازم كده “، الآن النبي صلى الله عليه وسلم يتكلم عن أن المخالطة الدائمة لجنس من الحيوان – لا يتكلم عن بني آدم – ستؤثر على الإنسان، فيقول أن هؤلاء القوم يكتسبون التفاخر ويكتسبون الخيلاء ويكتسبون الجفاء ويكتسبون الغلظة.. والآخرين؟ يكتسبون السكينة والوقار، فإذاً رعاية الغنم تكسب صاحبها هاذين الوصفين، الشيء الثاني هو الصبر والقيام بالرعاية وتحمل المسؤولية، الغنم لا يستطيع أن يفعل أي شيء، أولاً تحتاج للحماية، تحتاج للحماية، تحتاج لتوفير المرعى والسقاية والمراح، كل هذه الأشياء، كل هذه الأشياء سيقوم بها الراعي، يجب أن يحميها قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي حتى لا تذهب يميناً أو شمالاً، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية ” ممكن تتوه، هي تايها، ممكن تسرح، ولما تسرح تختفي، ممكن عادي تلاقي اتنين بينطحو في بعض كده فانتا لازم تسلك مابينهم “، أنت دائماً حريص وتقوم بكل شيء، فإذاً هناك سكينة ووقار وهناك مسؤوليات وهناك مراعاة دائمة، وهناك ترفق، من يتعامل مع الغنم يجب أن يتعامل معها برفق، والذي يتعامل مع الأبل؟ يتعامل معها بشدة، ولذلك فإن هذا يملك عصاً صغيرة والآخر يملك عصاً كبيرة، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتكلم على اللقطة ” اللى احنا بنسميها لئطة، يقولك فلان دا لئطة ” ولقطة هي شيء مملوك لشخص، وقد عثرت عليه، فماذا تفعل به؟ فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: اعرف وكاءها وعفاصها، أي أوصفاها, الخيط التي كانت مربوطة به, والوعاء التي أكلت منه، ثم عرفها سنة ثم استمتع بها فإن جاء صاحبها فأدها إليه، فقال فضالة رضي الله عنه: يا رسول الله الإِبِلِ؟ فَغَضِبَ صلى الله عليه وسلم حَتّى احْمَرّتْ وَجْنَتَاهُ، غضب حتى احمر وجهه، قَالَ: مَا لَكَ وَلَهَا؟ مَعَهَا سقاؤها وحِذَاؤُهَاَ، ترد الماء وترعى الشجر حَتّىَ يَلْقَاهَا رَبّهَا، هو الآن يقول له: قد وجدت ناقة، قد وجدت ناقة تائهة، أأخذها؟ فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: ما لك ولها؟ اتركها، هي تستطيع أن تعيش وحدها، ترد الما وترعى الشجر إلى أن يلقاها صاحبها، حتى يلقاها ربها، وإلى أن يلقاها هي لن تضيع، هي تستطيع أن تقوم بنفسها، قال فضالة: فالغنم؟ قال: هي لك أو لأخيك أو للذئب، هذه إن لم تأخذها تضيع، فإما أن تأخذها أو يلحق بها صاحبها أو يأكلها الذئب، هي لك أو لأخيك أو للذئب، فإذاً ما الفرق بين هذه وهذه؟ هذه تقوم بنفسها والآخرى لا تستطيع أن تفعل شيئاً.

 فإذاً رعايته للغنم ماذا تفعل؟ ستحقق أموراً بداخله، في نفس الوقت رعاة الأبل دائماً ما يكونون في مجموعات، أما رعاة الغنم فغالباً ما يكون رجلاً واحداً يرعاها، شيء من العزلة، الخلوة، الهدوء، مساحة للتفكر في جو هادئ ليس به ضوضاء.

 فإذاً ربنا سبحانه وتعالى من حكمته أنه يهئ لكل أمر أسبابه، يهئ لكل أمر أسبابه، وإذا أراد سبحانه وتعالى أن يمن على أحد بمنة يرسم طريق حياته بشكل يهيئه للوظيفة التي يريد ربنا سبحانه وتعالى منه أن يؤديها، ولا يوجد شيء يسير بشكل عشوائي ” ومفيش حاجة ماشية بشكل مش ممسوك “، وأن كل مهمة ولها مقدمات، ” شوف انت عايز تعمل ايه وفكر دا بيترحله إزاي؟ كل حاجة كده “، لماذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ما نبي وإلا رعى الغنم؟ لا يقول شيئاً إلا لحكمة، لا يقول شيئاً إلا وبها درس، لا يقول شيئاً إلا وبه تعليم، ” انت عايز تعمل ايه؟ واللى انت عايز تعمله دا هيترحله إزاي؟، هَيُعد له بإيه؟ ” كل شيء يحتاج تأهيل وكل شيء يحتاج تبيين.

 حسناً قلنا أن هذا الشخص المغمور، هذا الشخص المغمور، الشاب الصغير المغمور، راعي الغنم، أراد ربنا سبحانه وتعالى أن يمن عليه وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ربنا سبحانه وتعالى يصطفي على علم وعلى حكمة، حسناً, ما هو واجب الإنسان؟ أن يضع نفسه في وضع يجعله أهلاً للاجتباء أو أهلاً للاصطفاء، الإنسان يحاول أن يصلح من نواياه، يقيم ويصلح من أحواله، يزكي من نفسه، يطهر من قلبه الذي هو محل نظر الرب سبحانه وتعالى، إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم، هناك أشياء تكون محل نظر الرب سبحانه وتعالى.

 يقول ربنا سبحانه وتعالى في موقف من أغرب المواقف، ولكن هذا هو الرب سبحانه وتعالى، هذا هو الرب سبحانه وتعالى يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إذا رجعت كلمتين إلى لوراء تجد أن ربنا سبحانه وتعالى يقول مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ۝ لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ على ماذا يعاتبهم؟ على أنهم في هذ الموقف العظيم الذي نصرهم فيه ربنا وجعله فرقاناً يفصل بين الحق والباطل كان تركيزهم علي ماذا؟ نحن نريد مالاً، من أجل ماذا نأسر؟ من أجل المال، النبي صلى الله عليه وسلم استشار أصحابه حول ما يفعلونه بهؤلاء، فأراد سيدنا أبوبكر المن، وأراد سيدنا عمر الإثخان، وقد مال النبي صلى الله عليه وسلم لكلام سيدنا أبوبكر، لماذا؟ قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ هذا هو الاختيار الذي يختاره صلى الله عليه وسلم في كل موطن ما أمكن ذلك، ما أمكن ذلك، قال: لعل الله يخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئاً، في أصعب موطن، النبي صلى الله عليه وسلم يقول أن أشد لحظة مرت عليه وهو راجع من الطائف، أشد مواقف الإيذاء، وهو في هذه اللحظات رجع إلى مكة وهو لا يستطيع أن يدخل البيت، لا يستطيع أن يدخل البيت، قد ذهب إلى الطائف يتلمس إيماناً وإجابة فوجد أشد أنواع الصدود والنكران والإيذاء، يذهب ليختبئ في بستان عتبة بن ربيعة من الرجال الذي يجرون ورائه ومن الأطفال الذين يرمونه بالحجارة، ثم خرج ومشي أياماً من الطائف وهو يسير على قدميه، من الطائف لمكة، ثم قال: فلم استفق إلا بقرن الثعالب، من عظم الذهول مما حصل والصدمة ” كان تايه “، يقول أنه لم يدرك أين ذهب إلى أن وصل إلى قرن الثعالب على مشارف مكة، ووقف بالخارج لا يستطيع أن يدخل البيت، يجب أن يجيره أحد كي يدخله البيت، يدخل بيته صلى الله عليه وسلم، يدخل بيته في حماية أحد، ” يروح !!.. يروح في حماية حد !! “، أرسل إلى فلان فأبى، أرسل إلى فلان فأبى، أرسل إلى المطعم بن عدي فقام وشهر سلاحه عند الكعبة، سأجيره وإياكم أن يتعرض له أحد، فالنبي صلى الله عليه وسلم وأمامه هؤلاء الأسرى، سبعون رجلاً ماذا يقول؟ قال: لو كان المطعم بن عدي – مطعم هذا مات كافراً، مات كافراً، عاش كافراَ ومات كافراً – قال: لو كان المطعم بن عدي حياً ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له، ” من غير فلوس، يكلمني بس، يطلب مني طلب “، لأنه قد أجاره حين دخل مكة، فبعث ربنا سبحانه وتعالى العزيز الرحيم سيدنا جبريل ومعه ملك الجبال، ومكة يكثر بها الجبال، ” نتطربئها عليهم وكده خلاص، راحوا يعني “، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا، لعل الله – حتى وإن كفر هذا الجيل – يخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئاً.

 فالنبي صلى الله عليه وسلم قد مال إلى الرحمة، سيدنا أبو بكر اختار الرحمة وسيدنا محمد بطبيعته يميل إلى الرحمة، فلماذا عاتب ربنا سبحانه وتعالى؟ هو لم يعاتب على الرحمة، لأن الأمر يلتبس علينا، فنحن كنا نعتقد أن ربنا سبحانه وتعالى يعاتب النبي صلى الله عليه وسلم ويعاتب سيدنا أبو بكر، لا، ربنا لا يعاتب الرحماء، يعاتب الذي فكر في المال، يعاتب الذي فكر في المال، الذي يبحث عن الرحمة يبحث عن الهداية، والذي يبحث عن الإثخان؟ يبحث عن القوة والعزة، هذا من أجل الدين وهذا من أجل الدين، والذي يبحث عن المال؟ هذا يبحث عن شيء آخر ” ربنا بيقولهم مش وقت فلوس ” حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ” مش وقت فلوس ” .

 فإذاً هذا الأمر ليس صحيحاً، ثم بعد ذلك ماذا يقول سبحانه وتعالى؟ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ يقول له قل للذين تملكهم من الأسرى الكفار إذا رأى ربنا سبحانه وتعالى في قلوبكم خيراً، إرادة للخير، إرادة للتوبة، إرادة للإنابة والعودة إلى الله، إرادة للإيمان، ماذا يفعل؟ يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ من المال، لأن هؤلاء الأسرى سيدفعون مالاً لكي يذهبوا إلى بيوتهم، حسناً، ولما أُسروا؟ لما أُسروا؟ أُسروا لمحادة الله والرسول، لإرادة إطفاء نور الله، وسيدفعون فدية لكي يحرروا، فيقول ربنا سبحانه وتعالى يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ سيعطيهم مالاً هو أحسن مما دفعوه، رغم أنك في الكفالة لا تستطيع أن تقول لأحد أنني سأوعوضك عنها ” هو يحمد ربنا إن هو هيروح أصلاً “، بعد ذلك؟ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ۝ وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ إذا كان هؤلاء الناس وفي هذا الموقف يقول الله لهم هكذا، إذا كان في هذا القلب خير فلابد أن يرزقه الله خيراً، هذا قانون، لا يوجد قلب فيه خير إلا وسيهبه الله سبحانه وتعالى الخير، وهذا الخير يزرع ويوضع، حتى يكون الإنسان أهلاً لإكرام الله يجب أن يصلح بما فيه داخله، ربنا سبحانه وتعالى إذا نظر إلى القلب فرأى فيه خيراً آتاه خيراً إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا من يريد أن يكون أهلاً لأن يجتبيه الله أو يصطفيه أو يغفر له أو يمن عليه أو يرحمه أو يعطيه أو يمنحه أو يهبه ” سكتها معروفة “، الإنسان يصلح ما في قلبه كي يصلح ربنا سبحانه وتعالى أحواله.

 أقول قولي هذا واستغفر الله.

 الحمد لله، لدينا سيدنا داوود في هذا الموقف ظهر بمظهرين، هناك شيء ذكره ربنا في القرآن، وشيء آخر ذُكر في كتب التفسير، أصول هذه القصص عن من أسلم من أهل الكتاب أو عن كتب أهل الكتاب التي غنمها الصحابة أيام اليرموك وفتوح الشام، لأن المنقول هو أمر من أمرين إما أن يكون من أناس أسلموا فيحكون أشيائاً مما كان عندهم، أو كتباً ومخطوطات وجدها الصحابة والذي وجدها منهم كان قد قرأ فيها وروى عنها.

 داوود الذي وصفه ربنا، الرجل الذي عبر النهر، هذه نقطة مهمة، الذي عبر النهر فلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ هؤلاء الناس قادمون على مواجهات صعبة يجب أن يكون عندهم قدر من الإرادة وقدر من الجلد وقدر من الصبر، ربنا يربي، ربنا يعلم، ربنا يزكي، نحتاج إلى المياة والشيء الطبيعي أن نخزن منها لأننا مقدمون على رحلة في الصحراء ولا نعرف أين نجد الماء، فمن الطبيعي ومن المنطقي أن نشرب حتى نرتوي ونخزن المياة، لكن الذي وجه إليه ربنا سبحانه وتعالى شيء ثاني، فإذاً في أمور كثيرة جداً وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ الحكمة التي يريدها الله أبعد كثيرًا من نظر الإنسان في كثير من الأحيان، ينظر ويفكر ولكن إذا وجد الحكمة يجب أن يسلم لها، لا يصح أن يعتقد أن ما يراه أو تفكيره أو عقله سيكون أصدق من العلم الإلهي والحكمة الإلهية، لا يصح ذلك، لا يصح، وإن رأيت عكس ذلك، من المنطقي أن نشرب، نشرب لكي نتقوى، هذا شيء طبيعي، ولكن ليس الأمر كذلك، وما النتيجة؟ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا معه أين داوود؟ هنا ولذلك سيدنا البراء، البراء بن عازب يقول: كنا نتحدث – أي الصحابة – أن عدة أصحاب بدر على عدة أصحاب داوود الذين تجاوزوا معه النهر ثلاثمائة وثلاثة عشر ووالله ما جاوز معه النهر إلا مؤمن، يقول أن الذين عبروا بعد هذه الرحلة الطويلة، أمة كاملة من الناس لم يبقى منها إلا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، نفس هذا العدد كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بدر، نفس العدد بالضبط، يقول البراء: ووالله ما جاوز معه النهر إلا مؤمن.

 ولما كان داوود أعظمهم توكلاً وثقة بالله وحسن ظن بالله كان هو الذي تقدم لمواجهة جالوت، وكان الناس يهابونه، ولكنه تفدم ليواجهه.

 وهناك داوود آخر، داوود هذا ذهب إلى طالوت وقال له: أنا الآن سأخرج لجالوت، ماذا ستقدم لي؟ قال له: ستأخذ نصف المال وسأوزوجك ابنتي، داوود هذا هو داوود الذي في القرآن؟ أم أنه شخص آخر؟ وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ داوود هذا الذي يطلب أجراً على ما يقدمه لله، يتفاوض أولاً، حسناً، ماذا قال له طالوت؟ قال له: سأعطيك نصف المال، وفي رواية أخرى ثلث المال، ثلث المال؟ هم كانوا يقولون وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ هم يقولون أن هذا ليس معه شيء ” فين تلت الفلوس؟ يعني تطلع كام تلت الفلوس دي؟، إذا كان هو محليتهوش يا جماعة ” هم يقولون أن هذا الرجل لا يصلح أن يكون ملكاً وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ هو ليس معه مال، ليس معه مال، سيعطيه ثلث المال ” يعني هيديلو كام؟ ” .

 حسناً، داوود هذا ما الفرق بينه وبين داوود الذي نتكلم عنه أو الذي نؤمن به؟ الآن هذا نبي بني إسرائيل كيف ينظر بني إسرائيل إلى نبيهم؟ وكيف نؤمن بالنبي حقيقة؟، وماذا حدث بعد ذلك؟ قال له حسناً ستأخذ ثلث المال وحلال عليك ابنتي، وماذا فعل بعد ذلك؟ أتى بنبلة ووضع فيها ثلاثة أحجار، وسمى حجر بإسم سيدنا إبرهيم، وحجر بإسم سيدنا إسحاق وحجر بإسم سيدنا يعقوب، ثم دعا ربنا سبحانه وتعالى، قال: بسم الله إلهي وإله أبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ثم وضع يده فخرج معه حجر إبراهيم، فوضعه في المقلاع ثم ضرب به رأس الرجل، فماذا حدث؟، بقية القصة، ماذا حدث؟، هذا المقلاع قد اخترق ثلاثة وثلاثين بيضة، البيضة هي الخوذة التي كان يضعها جالوت، ” بيقولك هو حاطط تلاتة وتلاتين خوذة فوق بعض ” ّ !!، ثم ماذا حدث بعد ذلك؟ اخترق رأسه ثم بعد ذلك مر من رأسه وقتل ثلاثة وثلاثون ألف رجل، بحجر واحد فقط !، ما هذا؟!، ما هذا؟!. حسناً، ما صفات جالوت؟ يقولون جالوت هذا قائد شجاع، حسناً ماذا يفعل؟ يقولون أنه كان يتقدم أمام الجيش، أي أنه في وقت الحرب يسير وحده أمام الجيش، فلا يدركه أصحابه حتى يقتل من قتل ويفر أمامه من فر ” هو بيطلع لوحده بيجري الناس وبعدين عقبال ما يجولو يكون خلاص خلص “، أنت الآن حينما تقرأ هذا.. ما الموقف؟، لماذا نقول هذا الكلام؟ هؤلاء الناس كيف يتعاملون مع الأنبياء، وكيف يرونهم وكيف يفكرون فيهم، وما فائدة هذا الكلام؟ نحن قلنا قبل ذلك كثيراً، ماذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم؟ يقول: لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شبراً بشبر، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى إذا دَخَلُوا جُحْرِ ضَبٍّ دَخَلْتُمْوه، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَال: فَمَنْ؟، الأمة تسلك مسلك بني إسرائيل، في أي شيء؟ في الاعتقاد، في التفكير، في التوجهات، في السلوك، تحذو حذوها مطابقاً.

 فإذاً كل شيء قد وقع فيه هؤلاء القوم سيصبح عندنا أناس يقعون فيه، حسناً، ما خطورة هذا الكلام الذي قلناه؟ دعونا نفكر فيه، ما خطورته؟ هذا الكلام إلى ماذا سيؤدي؟ ولماذا هم يبالغون في الأوصاف؟ لماذا؟ إلى أي شيء يريدون الوصول إليه؟، لكن داوود الذي آمنا به، الشخص الذي أخلص لله، يبتغي مرضاة الله، يطلب الأجر والثواب من الله وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ.

 اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.

 اللهم خذ بأيدينا إليك أخذ الكرام عليك لا تفضحنا بين خلقك ولا بين يديك.

 اللهم ارحم في هذه الدنيا غربتنا، اللهم ارحم في هذه الدنيا غربتنا، وارحم اللهم عند الموت كربتنا، وارحم اللهم في القبور وحشتنا، وارحم اللهم في القيامة ذل مقامنا بين يديك.

 أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.