إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.
إنه من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
ثم أما بعد:
يبيّن صلى الله عليه وسلم مستقبل المعاني والقيم والمبادئ والعقائد التي تمثّل دين الإسلام فيقول صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر رضي الله عنه وعن أبيه ” بدأ الإسلام غريباً ويعود غريباً كما بدأ “
” بدأ الإسلام غريباً ” مفهوم الغربة هو شعور الإنسان بعدم القدرة على التواؤم وإحساس الإنسان بالوحدة والوحشة، هذا معنى الغربة، وترتبط في أذهاننا عادةً بمغادرة الإنسان أو مفارقة الإنسان لأوطانه أو منشأه، لماذا؟ لأن هذا هو المكان الذي درج فيه، الذي به أهله وبه أقاربه وبه أصدقاؤه الذي هو من المفترض متوائم ومتوافق معهم لأن الطبيعي أن الإنسان في بيئته يكون يوجد قدر من التوافق فكرياً ودينيّاً وثقافيّاً بينه وبين الناس، فحينما يذهب غلى بيئة أخرى، هذه البيئة الأخرى مختلفة في الدين أو في الثقافة أو في الفكر أو في الأسلوب، أو يعتبروا أنه رجل ليس من هذا المكان فيشعر بقدر من الوحشة وقدر من الوحدة وقدر من الغربة.
لكن النبي صلى الله عليه وسلم يتكلم عن أي غربة؟ يتكلم عن غربة أهل الإيمان في مكة، هذه غربة داخل إطار الوطن وهذه أصعب، لماذا أصعب؟ لأن الأخرى منطقية والإنسان يؤهّل نفسه لهان فهو وهو مسافر يدرك أنه سيعاني من هذا فليس هناك أزمة، ولذلك ورقة بن نوفل رضي الله عنه والنبي صلى الله عليه وسلم يعرض عليه الذي حدث معه في الغار ويسأله ويسشيره عن الذي حدث له، فقال له في نهاية كلامه قال ” ليتني أكون حيّاً إذ يخرجك قومك ” فالنبي صلى الله عليه وسلم تعجّب أاشد التعجب، قال ” أومخرجيّ هم؟ ” فلماذا؟ لماذا سيفعلون ذلك معي؟ قال ” لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً ” – هذا هو العادي – .
هذا سنن الأمم والمجتمعات مع الأنبياء والمرسلين، وهذا بالضبط الذي حدث معه صلى الله عليه وسلم وإن كان هو في البداية وهو يكلمه هو لا يستوعب أن هذا من الممكن أن يحدث، فهو يخبر صلى الله عليه وسلم عن أن بداية الإسلام هو الشعور بالغربة.
هذه الغربة نتيجة لم؟ أسلوب تفكير الشخص، طريقة رؤيته للأمور، الأخلاقيات التي يتحلى بها، السلوك الذي يسلكه، ترتيبه لأولوياته مختلف تماماً عن البيئة المحيطة.
هل هو كان مختلف من البداية؟ لا، ولكن ربنا سبحانه وتعالى منّ عليه بالإيمان وبدأ وجدانه وعقله وفكره وسلوكه يتشكّل بالإيمان، والمجتمع لازال كما هو، فيشعر مع الوقت أن المسافة تتّسع وأن القدرة على التفاهم أو التوافق أو التواؤم تقّل، هذه هي البداية، ثم يخبر صلى الله عليه وسلم عن أن بعد توالي الأزمنة والقرون والدهور، الدورة تدور فيعود الحال كما كان عليه في البداية ” وسيعود غريباً كما ” كما كان غريباً في البداية سيعود غريباً في النهاية، هذه الغربة علام تنصب؟ هي في النهاية تنصبّ على الناس، المعاني نفسها لا يكون فيها، المعاني لا تشعر بالغربة، من الذي يشعر بالغربة؟ الشخص المؤمن بهذه المعاني الذي يريد أن يعيشها في واقع الحياة.
ولكنه مع ذلك صلى الله عليه وسلم وعد هؤلاء المتمسكين بعهده بأن لهم الحياة الطيبة على عكس ما نظن.
فالطبيعي، الطبيعي أن الذي يقع عليه الأثر النفسي للغربة يكون هو الذي يعاني، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقول ذلك، يقول ” فطوبى للغرباء ” الحياة الطيبة إنما وعد بها هؤلاء الغرباء المتمسكين بالعهد الأول وليس العكس، فكان الطبيعي من الصحابة رضي الله عنهم يسألوا عنهم، قالوا ” ومن الغرباء يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ” فذكر ثلاث أوصاف أو ثلاث جمل قال ” النزّاع من القبائل ” وقال ” الذين يصلحون إذا فسد الناس ” وقال ” هم أناسٌ صالحون في أناس سوء كثير من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم ” ثلاث جمل، سنرجع لهم إن شاء الله.
وذكرنا قبل ذلك أيضاً أن إبراهيم الحربي رحمه الله، وكان في جمع من أصحابه فسألهم قال ” من تعدّون الغريب في زمانكم؟ ” أي أنتم برؤيتكم من الشخص الذي تطلقوا عليه هذا الوصف؟ قالوا ” الغريب من نأى عن وطنه ” وقال بعضهم ” الغريب من فارق أحبابه ” فماذا قال؟ قال ” لكنّ الغريب في زماننا – برؤيتنا نحن – رجلٌ صالح عاش بين قومٍ صالحين – رجلٌ صالح عاش بين قومٍ صالحين – إن أمر بمعروف أعانوه ” يريد أن يوجّه إلى خير فيجد من يدّعمه ” وإن نهى عن منكر آزروه ” يريد أن يحد من شر فيجد من يسنده ” وإن احتاج إلى أمر من الدنيا مانوه ” أعطوه ما يحتاج إليه، ساعدوه ماديّاً، فهم يدعّموه معنويّاً وماديّاً، قال ” ثم ماتوا وتركوه ” هؤلاء الناس ذهبوا وبقي وحده مفرد عن هؤلاء الناس، فهو يقول أن هذا هو الغريب حق الغريب.
عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قطع عليه الخوارج خطبته – عملوا دوشة ومنعوه أن يكمل الخطبة – فهو ماذا قال؟ قال شيئاً غريباً جدّاً جدّاً.
يقول كان – هذه هي الإجابة، فهذا هو ردّ فعله إزاء الذي حدث، فهم شوشروا في الجامع حتى أن عليّ، عليّ نفسه وهو أمير المؤمنين لم يستطع أن يكمل الخطبة، فهو ماذا قال؟
قال ” كان ثلاثة أثوار في أجمة ” ثلاث ثيران في غابة ” أبيض وأحمر وأسود ومعهم أسد، فقال الأسد للأحمر والأسود إن هذا الأبيض قد فضحنا في هذه الأجمة فلو خلّيتما بيني وبينه ” فهم الآن أسد وثلاث ثيران، ألوانهم أبيض وأحمر وأسود، فهو جاء للأسود وللأحمر قال لهم نحن نشبه بعضنا ولكن هذا الأبيض شكله مختلف وهو يفضحنا هنا، فشكله أبيض وجميل فاتركوني،،، فتركوه.
وبعد فترة – ليس مباشرةً – بعد فترة جاء للأحمر قال ” إن لوني على لونك ” نحن نشبه بعضنا، والأسود مختلف فاتركه لي، ” وبعد فترة أراد هذا الثور الأحمر ” فقال له اترك لي فرصة أصيح ثلاثاً، أنا أريد أن أصيح ثلاث صيحات، فقال له كما تشاء،، فماذا قال؟ قال ” ألا إني أكلت يوم أكل الثور الأبيض، ألا إني أكلت يوم أكل الثور الأبيض، ألا إني أكلت يوم أكل الثور الأبيض، ” فعليّ قال رضي الله عنه بعدما حكي هذه القصة، قال ” ألا إني وهنت يوم قتل عثمان، ألا إني وهنت يوم قتل عثمان، ألا إني وهنت يوم قتل عثمان ” ما معنى هذا الكلام بالعربي؟
هذا بالضبط ما نتكلم عنه، هو ظهره انكسر يوم قتل صاحبه، فالدنيا فسدت وستستمر بالفساد، فهذا هو حقيقة الشعور بالاغتراب، ومع هذا الشعور النبي صلى الله عليه وسلم يعطي هؤلاء هذا الوعد، هو قال من هؤلاء؟
قال هم النزاع من القبائل، فما معنى ” النزاع من القبائل “؟ أي أن القبيلة كلها يسلم فيها شخص أو اثنين، كلها، وهذا أشد ما يكون من الشعور بالوحشة والغربة وصعوبة الأمر أنهم كأنهم ينزعوا نزعاً لصعوبة ما يأتونه من مغايرة أحوال هؤلاء، هذا الوصف الأول.
الثاني: ” الذين يصلحون إذا فسد الناس ” الدنيا تتغيّر باتجاه ماذا؟ باتجاه زيادة الشر والفساد، وهم يحاولون أن يكفكفوا المجتمع عن هذا، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم عبّر بالإصلاح ولم يعبّر بالصلاح، ونحن تكلمنا قبل ذلك كثيراً عن الفرق بين هذا وهذا، فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ ولذلك نحن قلنا قبل ذلك زينب بنت جحش رضي الله عنها حينما قال صلى الله عليه وسلم ” ويلق للعرب من شرٍّ قد اقترب فُتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، قالت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون – الصالحون – قال:نعم إذا كثر الخبث ” فعندما يكثر في الناس الفساد يحاولون أن يصلحوا.
وقال ” هم أناسٌ في أناس سوءٍ كثير ” هم قليل والباقي كثير ” من يعصهم أكثر ممن يطيعهم ” إذاً هم يحاولوا أن يرأبوا الصدع وهناك أناس تستجيب ولكن أقل كثيراً من الناس الرافضين للاستجابة.
بناءً عليه، فالنبي صلى الله عليه وسلم يبيّن أو يوضّح لنا،، فهذا الكلام متى قيل؟ هذا الكلام قيل من زمان جداً، قيل في هذا الزمان الطويل لأننا سنحتاجه أمس واليوم وغداً، وهذا من عظيم منّة ربنا علينا بهذا النبي الكريم العظيم، قال أبوذر رضي الله عنه ” لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما من طائرٍ يحرك جناحيه في السماء إلا أذكرنا منه علماً ” لا يوجد شيء نحن نحتاج إليه كبير أو صغير يصلح أحوالنا في أمر الدنيا والآخرة إلا بيّنها ووضّحها وفصّلها، ما ترك من شيء يقرّب من الجنة إلا ونبّهنا عليه وما ترك من شيء يقرّب من النار إلا حذّرنا منه لكن نحن نتفاوت في مدى إدراك هذه النعمة ومدى التجاوب والشكر لهذه المنّة.
فحديثنا كان يدور حول ماذا؟ حول أن نستعيد معرفتنا وإيماننا بربنا سبحانه وتعالى وانتهينا إلى ذكر محورية الحياء كخلق من أخلاف المؤمنين، واقتران الحياء بالإيمان، الارتباط الوثيق المباشر بين الحياء والإيمان في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الكلام تكلمنا فيه الخطبة الماضية والتي قبلها – فلن نعيده – ، فهذا الكلام عندما نأتي لنسقطه على حديث الغربة يدرك الإنسان إلى أي مدى التي هي من المفترض أنها أساسية جداً ومحورية جداً ومرتبطة بالإيمان تبدأ مع الوقت تبهت وتضعف بشكل كبير حتى أن الإنسان يشعر مع الوقت بقدر كبير من التغيّر، فأنا شخصياً – الذي أتكلم – سني لا يعتبر كبير – 43 سنة لا يعتبر كبير – لكن من الآن لو قلنا عشرون سنة فاتت، أو قلنا خمس وعشرون سنة فاتت، أين ذهبنا، فلن نذهب بعيداً،، نحن من ربع قرن هل مثلنا الآن، وإلى متى؟؟ أين نذهب؟ ما الذي يحدث؟
ربنا سبحانه وتعالى يقول يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ لو واحد ملي، أنا أحقن بواحد ملي كل يوم، بعد عدد من السنين أتحول إلى شخص آخر تماماً، ولكن الفكرة أن الأمور تسير بالتغيّر يوم وراءه يوم، يوم وراءه يوم، أنت لا تستطيع أن تشعر بذلك أو تدرك أثره، حينما تنظر على الأمس أو أول أمس، لا ارجع إلى الخلف قليلاً، وفكّر كيف كانت تسير الدنيا، وكيف هي اليوم وغداً إلى اين تسير.
فهذا الخلق العظيم الذي روي أنه خلق الإسلام الأوثق، ” إن لكل دين خلقاً وإن خلق الإسلام الحياء ” هذا صمام الأمان الاجتماعي، وبما أنه أثر ونتاج للإيمان فعندما يحدث فيه قدر كبير من الاضطراب فأصل الاضطراب أين يرجع؟ لمستوى الإيمان المجود في المجتمع، هذا الإيمان إذا ضعف أو اختلّن ماذا يحدث؟
فنحن مصروفين عن هذا بماذا؟ نحن مصروفين عن هذا بأمرين، الأمر الأول: الاستغراق في الاحتياجات أو المشاغل أو الضغوط المادية، الإنسان في ظل هذه الانشغالات أو الرغبة في تلبية الاحتياجات، أو نتيجة للتعرض لهذه الضغوط، فهو غير منتبه ليفكر في شيء آخر، عندما يكون مستغرق في أسر المادة لن ينظر إلى المعنى، لن ينظر إلى القيمة.
ولكن هنا يوجد مشكلتين، المشكلة الأولى: هل التغيّر والتدهور القيمي والمعنوي والإيماني والأخلاقي لن يؤثّر بالسلب أيضاُ على الحالة المادية.
هل ربنا سبحانه وتعالى له علاقة بعالم المادة، أم أن ربنا ليس له علاقة إلا بعالم الروح؟ أي نحن الآن حينما نكون في ضغوط أو مشاكل، هذه المشاكل لها علاقة بمستوى علاقتنا مع ربنا، هل الإنسان حينما يلجأ إلى ربنا أكثر أو أن علاقته بربنا أفضل كفرد أو مجتمع يؤثر على حالته المادية أم لا يؤثر؟ هل نحن علافتنا مع ربنا سبحانه وتعالى حينما تتراجع هل هذا لن يفسد الحياة الدنيوية حتى لو أننا لا نفكر إلا في الحياة الدنيوية، الموجود في القرآن عكس هذا تماماً؛ أن كل شيء مرتبط بمدى علاقة الإنسان وعلاقة المجتمع كمجموع من البشر مع ربنا سبحانه وتعالى في كل شيء.
إذاً الذي يستهدف أن يصلح حياته المادية لا يستطيع أن يتجاهل الدين أو يتجاهل علاقته مع ربنا سبحانه وتعالى هذا هو الأمر الأول.
ولذلك ربنا سبحانه وتعالى يقول مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا أنا أريد هذا فَعِنْدَ اللهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أنا أريد هذه، أنا لا أريد الأخرى، سنفترض هذا، أنني لا أريد الآخرة، أنا ممن يؤثر الأولى على الآخرة، لا أريد الآخرة، فمن أين سآتي بها؟! التي أريدها هذه من أين سآتي بها؟ هي مفاتيحها بيد من؟ خزائنها عند من؟ فكلها شيء واحد، مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
الأمر الثاني: المفهوم الضيق جداً الذي نسميه أنانية؛ أن الإنسان طالما دائرته الضيقة – ماشية وعايشة مش مهم والدنيا تولع – وهذا ليس منطقاً تماماً، لأن هذا أيضاً – أيضاً – عكس الذي وجّهنا ربنا سبحانه وتعالى إليه وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً نحن قلنا الآن ” أنهلك وفينا الصالحون؟، قال: نعم إذا كثر الخبث ” ” كمثل قومٍ استهموا على سفينة ” وطبعاً ناهيك أن هذا يتنافى مع مفهوم الإيمان الذي ينطوي على الشعور بالرحمة والشعور بالحرص على الناس والشفقة عليهم سواءً فيما يتعرضوا له من ضغوط دنيوية أو فيما يخاف عليهم من آثار مستقبلية ” لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ” ” مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد ” هذا هو الموجود في الكتاب، أين نحن من الكتاب، هذا هو مفهوم الغربة، نحن بعيد جداً عما من المفترض نكون عليه، فنحن لكي نستعيده محتاجين أن نرجع لنعيد المفاهيم الصحيحة التي كانت موجودة في الكتاب الذي من المفترض أن نتربى عليهم.
وبعدما يمنّ الله على الشخص ويدرك ما المكان الذي من المفترض أن يذهب إليه ثم ينظر حوله فيستشعر الغربة وأن الناس لا تريد أن تذهب المكان الذي يريد أن يذهبه ماذا سيفعل؟ فهذا هو الذي سيحدث، عندما يمنّ الله علينا بأن ندرك كيف من المفترض أن نعيش، سنكتشف أن معظم الناس لا تريد أن تعيش هكذا، فماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم، قال أن من سيحاول أن يصلح ربنا سبحانه وتعالى يكفل له أن يحيا الحياة الطيبة.
من الذي قال هذا الكلام؟ الذي قال ربنا عليه وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى إِنَّ اللهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ لَا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
الحمد لله رب العالمين
قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ
كان وصفه صلى الله عليه وسلم كما يصفه أبوسعيد الخدري رضي الله عنه يقول ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشدّ حياءً من العذراء في خدرها، فهذه أعلى صورة من صور الحياء، فالنبي صلى الله عليه وسلم ليس هكذا فقط، بل فوق هذا، النبي صلى الله عليه وسلم أعلى من هذا ولذلك يقول ” كان إذا كره شيئاً عرفناه في وجهه ” لا يتكلم، عندما يوجد شيء لا يحبه لا يواجه الناس أنه لا يحب ذلك، هم يدركون من تغيّر وجهه أنه غير راضي عن هذا او غير مرتاح له.
فلما انتهك هذا كان طبيعي أن قوام الحياة الذي هو الأساس المرتبط بالإيمان أن ينتهك، وربنا سبحانه وتعالى ماذا يقول؟ يقول أن الخروج والمخالطة مبني على الحاجة وهذه الحاجة نوعان ولكنها لابد أن تكون حاجة حقيقية، حاجة مادي للشخص، أو حاجة اجتماعية، أي أن المجتمع محتاج لعمل هذا الشخص في هذه الوظيفة، أو الشخص نفسه محتاج للاكتساب، ولذلك سيدنا موسى هو يسألهم – لأن هذا وضع غريب – وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً أناس كثيرة جداً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ معهم القليل من الغنم ويبعدوا الغنم لئلا يختلطوا بالغنم الأخرى المملوكة للناس الذين يسقون،، – منظر غريب – قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ يعني لابد أن ينتهي الناس فيتقدمون ناحية البئر، فما الذي حملهم على هذا؟ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ رجلٌ كبر في السن ولا يستطيع أن يقوم بهذا العمل وليس لديهم إخوة رجال، وليس متزوجتين، وبالتالي أصبحوا في حالة ملجئة إلى أنهم سيتعاملون خارج إطار هذا الحصن، فعندما يتعاملوا هم يضعون حدود وقيود للتعامل.
فماذا فعل سيدنا موسى؟ فَسَقَى لَهُمَا هو دخل وسقى، إذاً هذه الخلطة يكون لها صورة ولها شكل ومبنية على احتياجات، فلا يوجد ما يسمى أنه شيء لمجرد إثبات الذات، لا يوجد هذا، لا يوجد هذا، أو أنني أخذت شهادة فماذا أفعل؟ يوجد أشياء غريبة جداً، هذا يخالف الفطرة الطبيعية للبني آدمين، يوجد حاجة.
فالآن؛ من المفترض أن الحياء وصف أساس للمؤمنين رجالاً ونساءً وفي النساء أكثر، فعندما يبدأ في الضعف، فالاختلاط بهذه الصورة لابد مع الوقت يؤدي إلى هذا، وبعد ذلك، – هو ضعف فعلاً وليس سيضعف – ولكن كل شيء ينزل وينزل وينزل، وبعد ذلك!
وربنا سبحانه وتعالى لماذا حكى لنا هذا في القرآن؟ والمجتمع وضع المروءة العامة فيها ضعيف، أليس هؤلاء أمة من الناس، ما معنى أمة من الناس؟ جمع كبير جداً على البئر، وهم يرون هؤلاء صحيح؟ لا يفعلون شيئاً، هم ليس شأنهم هذا،، وهذا رجل جاء من مكان بعيد جداً، ودخل لينقذ الموقف، وهؤلاء الناس الذين يقفون؟ ليس لهم شأن، كل شخص يسوي أموره،،، هذا ليس له علاقة بدين، لا يوجد دين هكذا، لا يوجد دين هكذا.. التكافل جزء أساسي من الدين، إذا أردنا أن يوجد دين فعلاً، فالدين عبارة عن ماذا؟ الدين عبارة عن ماذا؟ القليل من الطقوس الذي يؤديها الناس وانتهى؟ حتى هذه الطقوس التي هي شعائر العبادة، إذا كانت شعائر عبادة صحيحة لابد أن تورث نتائج معينة، ربنا ماذا يقول؟ يقول أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ما العلاقة ما علاقة شخص لا يؤمن بلقاء الله بأنه يفعل ذلك؟ فهذا هو أول وصف، هذا أول وصف مباشر، فأنت ستضع آلاف الافتراضات غير الذي ذكره الله، أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ عندما تريد أن تعرفه، ما صفته؟ إذا أردت أن تراه فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ هو يصلي؟ نعم، لكنه لا يدرك معنى الصلاة، فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ أي صورة من صور المساعدة للناس وإن كانت بسيطة، هذه مرتبطة بالتصديق أو التكذيب بالدين.
آخر شيء؛ عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً وموقوفاً ” استحيوا من الله حق الحياء، قالوا إنا نستحي والحمد لله، قال: ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء ” كلمة ” حق ” كلمة ثقيلة، ليست بسيطة، عندما تقول أنا سأفعل هذا الشيء بحقه، أو أن اعطيت هذا الشيء حقه، هذه كلمة ثقيلة ليست بسيطة، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم في أحد قال ” من يأخذ هذا السيف بحقه ” لم يقل يأخذه وفقط، قال يأخذه بحقه.
قال الله تبارك وتعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ نقولها في كل خطبة تقريباً، هذه ثقيلة، ثقيلة جداً، حق تقاته، ليس مطلق التقوى، حق تقاته.
ابن مسعود يقول هذه ما تقدر؟ قال ” إن حق تقاته أن يشكر فلا يكفر وأن يطاع فلا يعصى وأن يذكر فلا ينسى ” حق التقوى ثلاثة أشياء: دوام الشكر لنعم ربنا سبحانه وتعالى، ملازمة الطاعة، ملازمة الذكر.
حق الحياء: ذكر أربع أشياء: حفظ الرأس وما وعى،، هذه أداة الوعي، يوجد فكر ويوجد بصر وسمع ومنطق، الإنسان الذي يستحي من الله سبحانه وتعالى عليه أن يضع هؤلاء في دائرة الحفظ أفكاره، بصره، سمعه، ومنطقه.
ويصون بطنه عن المحرم وفرجه عن المحرم، ” والبطن وما حوى، وتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ” فعلاً ” ترك زينة الدنيا ” فما الفرق بين ” ترك الدنيا ” و ” ترك زينة الدنيا “؟ الدنيا عبارة عن شيئان: احتياجات ورغبات.
ما معنى احتياجات؟ الأشياء الأساسية التي بها قوام حياة الإنسان الضرورية، أما الرغبات: هي الشهوات أو الأشياء التي يريد أن يشبعها الإنسان أو يتمنى أن يحيط بها.
الذي يريد الآخرة سيترك الدنيا؟ فهو له بها احتياجات،،، سيترك زينة الدنيا، الأشياء التي يتكبر أو يتجمل أو يتزيّن بها، والتي لو استغنى عنها لن يضيره شيئاً، الذي يريد الآخرة يترك زينة الدنيا، من سيفعل هذا هو الذي يستحق أن يوصف بأنه يستحي من الله حق الحياء، وهو ليس سهلاً، ولذلك ربنا سبحانه وتعالى حينما أنزل في بداية ما أنزل إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ليس أن تقرأ، فهذا سهل، ليس أن تحفظ، فهذا سهل،، لكي أقيم هذا فعلاً وأستمر عليه وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ هذا ليس سهلاً.
ربنا أسماه هكذا قَوْلًا ثَقِيلًا وقال أن هذا ليس تهريجاً، قال إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ هذا ليس تهريجاً إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا الموضوع ليس بسيطاً.
فالآن الإنسان الذي سيحدث نفسه أن يسير على السنن النبوي ماذا سيفعل؟ أولاً نحن ليس لدينا في الحقيقة اختيار، إذا كنّا نتكلم عن المنطق الصحيح، ليس عندنا اختيار، نحن بما أننا اخترنا أو رضينا بالله ربّاً سبحانه وتعالى، ورضينا بالإسلام ديناً، ورضينا بمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، فنحن ليس لدينا اختيارات في أننا نلتزم هدي النبوة أو نخالفه، ولو آمنّا بأن السعادة كما أخبر الله تبارك وتعالى في اتّباع الهدى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى فنحن ليس لدينا خيارات في أن نسلك سبيلاً آخر، من المفترض إيمانيّاً هو مسار إجباري، فإذا كان مسار إجباري ماذا أحتاج؟ محتاج أن أدرك طبيعة الحياة النبوية، وطبيعة الفقه النبوي.
الأمر الثاني: أن أحاول قدر المستطاع أن أسلك هذا المسلك، فلو دخلت في دائرة الاغتراب تأكد وتيقّن أن ربنا سبحانه وتعالى سيعطيك الذي وعدك به نبيّك صلى الله عليه وسلم فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ هذا وعد ربنا سبحانه وتعالى، الإنسان لن يستطيع أن يعيش في جزيرة بمفرده، لا يستطيع، ونحن وصلنا لأوضاع من أسوأ ما تكون عليه أوضاع أمة من الأمم، لكن تبقى الثقة في أن ربنا سبحانه وتعالى لا يترك دينه ولا يهمل عباده، ولكن متى؟ لا القدرة الإلهية ولا العظمة الإلهية ولا الكلاءة الإلهية ولا العناية الإلهية ولا المعيّة الإلهية لازالت ولا ضعفت ولا نقصت، ولكن الفكرة هي أننا ماذا نفعل لكي نستمد من الله فقط.
على مقدار الإنابة إلى الله، على مقدار الكلاءة والحفظ والعناية والرعاية الإلهية وَقَالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَقَالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ لكن متى وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ هذه الآية ليست ملغية ولن تلغى، لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ هم اتخذوه دين فعلاً الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ في القرآن، والقرآن لا يتغيّر لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ
خلاصة الموضوع كله في كلمة واحدة فقط ” فطوبى للغرباء ” .
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه
اللهم إنّا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا وتتوب علينا وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين
اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب كل عملٍ يقربنا إلى حبك
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم