إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.
إنه من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
ثم أما بعد: فقال وقلنا
يحكي أبوبكرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر مجمعٍ اجتمع فيه الناس في حجّة الوداع التي اجتمع فيها كل أهل الإسلام على سبيل التقريب فعدّوهم فكانوا في حدود المائة والأربعة والعشرين ألف مسلم، بين رجالٍ ونساءٍ صغارٍ وكبار، وهو صلى الله عليه وسلم في هذا الجمع العظيم وفي اليوم العظيم في يوم النحر، فوقف يخطب الناس مودّعا، فقال مخاطباً إياهم وسائلاً، قال: أي شهرٍ هذا، قال أبوبكرة: فقلنا الله ورسوله أعلم، قال: فسكت – أي سكت سكوتاً طويلاً ينتظر منهم أن يجيبوه – ، قال: فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال بعد طول سكوت، قال: أليس ذا الحجّة قلنا: بلى، قال: فأي بلدٍ هذا، فقلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: أليست البلدة الحرام، قلنا: بلى، قال: فأي يوم هذا، قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه فقال: أليس يوم النحر، قلنا: بلى، قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ثم قال: إلى يوم تلقون ربكم، ثم قال: ألا هل بلّغت، قلنا: نعم، قال: اللهم فاشهد، قال: ألا فليبلّغ الشاهد الغائب، فرب مبلّغ أولى من سامع، ألا فلا ترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض.
فقال وقلنا، فهو صلى الله عليه وسلم في هذه الوصية التي يودّع بها المسلمين، يشدد عليهم ويذكّرهم بما حرّم الله عز وجل على المسلم من المسلم، من دم ومال وعرض، ويشبه ذلك بحرمة بيت الله وحرمة الشهر الحرام، فهذه الحرمة كحرمة الأزمنة المحرمة والشهور المحرّمة بل هي أعظم من ذلك كما جاء في حديث ابن عمر.
ثم يقول صلى الله عليه وسلم مؤدياً للأمانة مسلّماً الأمر لله تبارك وتعالى فيرفع إصبعه إلى السماء ويقول اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد، ونحن نشهد أنه صلى الله عليه وسلم قد بلّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الغمّة وجاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين.
قال: فلا ترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض، وفي رواية أخرى، في البخاري أيضاً عن أبي بكرة أنه قال صلى الله عليه وسلم: ألا وإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم فلا ترجعوا بعضي ضلّالاً يضرب بعضكم رقاب بعض، فهو يذكّر عباد الله، يذكّر أهل الإسلام بهذه الحرمات ويذكّرهم أنهم موقوفون غداً بين يدي الله عز وجل، قال تعالى وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ
وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم فلا ترجعوا بعدي ضلّالاً يضرب بعضكم رقاب بعض، وقال صلى الله عليه وسلم فيما روته أم سلمة رضي الله عنها وهو في صحيح مسلم: أيها الناس إني لكم فرط على الحوض، – فرط: أي سابق – فهو صلى الله عليه وسلم يسبق أمته ويسبق اتباعه إلى ربهم تبارك وتعالى وينتظرهم يوم القيامة على الحوض.
قال: فإياي لا يأتين أحدكم فيذبُّ عني كما يذب البعير الضال، أي يأتي بأحد من المسلمين إلى حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشرب ويروى في يوم العطش الأكبر فيذبُّ :أي يدفع عن حوضه صلى الله عليه وسلم، كما يذبُّ، أي كما يدفع البعير الضال، الذي لا يعرف له صاحب، إذا كان رجل يسقي إبل له، ثم جاء بعير من غيرها ليس له صاحب، فإنه يدفعه لئلا يشرب من حوضه ولا يرد مع إبله.
فأقول فيم هذا؟ فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقا، يذاد هؤلاء الناس من المسلمين عن حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتساءل، فيم هذا؟ فيقال له: إنك لا تدري ما أحدثوا وما غيّروا وما بدّلوا وما أفسدوا بعدك، فأقول: سحقاً، أي بعداً، فليذهبوا إلى الهوة السحيقة، نسأل الله سبحانه وتعالى السلامة والعافية.
في حديث أبي هريرة عند مسلم يقول صلى الله عليه وسلم :ترد عليّ أمتي الحوض وأنا أذود الناس عنه، أي: أدفعهم كي لا يشاركون أمته في حوضه صلى الله عليه وسلم، وأنا أذود الناس عنه، كما يذود الرجل إبل الرجل عن إبله، قالوا: يا نبي الله أتعرفنا، قال: نعم، لكم سيما: أي علامة، ليست لغيركم، تردون عليّ غرّاً محجلين من آثار الوضوء،، غرّاً: أي هناك نوراً في الجبهة، وحجّلين: أي نور في المرافق من آثار الوضوء.
وليصدّنّ عني رجال منكم فلا يصلون إليّ، فأقول: إنهم من أصحابي، يعرفهم من سيماهم ومن علاماتهم، فهم من أهل الوضوء ومن أهل الصلاة ومن أهل الإسلام لكنّهم يصدّون عن حوضه صلى الله عليه وسلم فأقول يا ربي إنهم من أصحابي، فيجيبني ملك فيقول: وهل تدري ما أحدثوا بعدك.
في حديث سهل بن سعد عند البخاري: أنا فرطكم على الحوض، من ورد عليّ شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا، وليردنّ عليّ أقواماً أعرفهم ويعرفوني فيصدّون عني، فأقول إنهم من أمتي، فيقال: وهل تدري ما أحدثوا بعدك، وعند البخاري أيضاً عن ابن عبّاس قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا فقال: إنكم محشورون حفاة عراة غرّلا كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَوإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم إلى ذات الشمال، فأقول: يا رب إنهم من أصحابي فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فيقال: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم.
وإذاً فرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يذكر هذا مرّة أو مرتين، لقد اختصرنا نحن على أربع مرار من مرار كثيرة ذكرت في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكم شدد وكم أكدّ وكم كرر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا التخويف وهذا الزجر وهذا التحذير من هذا المشهد العظيم ومن هذا الموقف الشديد، يذكّر بلقاء الله تبارك وتعالى، يذكّر بيومٍ يقف فيه العباد بين يدي الله، يذكّر بيوم العطش الأكبر، يذكّر بحوضه صلى الله عليه وسلم ووعوده ومن يذاد عنه، ويجمع ذلك في أمر واحد ” إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ” .
يقول المغيرة بن شعبة رضي الله عنه وهو يحدّث ملك الفرس كرسولٍ يفاوض وينقل رسالة الإسلام، إذ تكلم النعمان بن مقرّن رضي الله عنه، وقد دخلوا على ملك الفرس، وقبل أن يدخلوا مرّوا بأهل المدائن، أهل العاصمة حتى يصلوا إلى قصر الكسرى، فجعل الناس يتعجّبون منهم، من ثيابهم ومن هيئتهم، من نعالهم، خيولهم الضعيفة، ثم دخل على كسرى فجعل يتعجّب كذلك من مشهدهم، ويتجّب الناس كيف يتثنى لهؤلاء أن يقهروا هذه الجيوش العظيمة مع ما بهم من القلّة والضعف، فجعل يسألهم عن أسماء أرديتهم ونعالهم، ثم بدأوا يكلمونه، فكان أول ما تكلّم النعمان بن مقرن، فقال: إن الله رحمنا فأرسل إلينا رسولاً يدلنا على الحقّ ويأمرنا به ويعرّفنا الباطل وشرّه وينهانا عنه ويرشدنا إلى ما فيه خيرنا في الدنيا والآخرة، ثم جعل يذكر حالهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لكننا نريد أن نتوقف هنا عند هذه الكلمة ” إن الله رحمنا فأرسل إلينا رسولاً ” قال تعالى وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَوكانت من عظيم هذه الرحمة ما قد قدّمنا من نصيحته ومن وصيّته ومن تشديده ومن زجره صلى الله عليه وسلم، ونحن مسئولون عن هذه الرحمة، مسئولون عن هذه المهمة.
ثم تكلم النعمان بكلام طويل ملؤه الحكمة والرحمة، ثمّ ردّ عليه الملك ردّ متكبر متغطرس، فذكر ضعف حالهم وما كانوا عليه من شقاءٍ ومن قلّة العدد ومن فساد البين، وأنهم – أي الفرس – كانوا يجعلون بينهم وبين هؤلاء العرب ملوكاً من العرب لئلا تغزوهم الروم، ثم قال لهم: إن كان إنما جرّأكم عددكم، – كنتم قليلون فكثرتم – فلا يغرّنكم ذلك منّا – احنا أكثر وأقوى – ، وإن كان أصابكم الجهد – يعني أنتم ناس مرتزقة مش لاقين تأكلوا وعندكم ظروف صعبة، يعني خارجين للإرتزاق – صرفنا لكم، أو قدّرنا لكم قوتاً إلى خصبكم – نعطيكم فلوس وأكل إلى أن تتسع الأمور معكم – وأكرمنا سادتكم – أعطيناهم فلوس – وكسوناكم، وأقمنا لكم ملكاً يترفّق بكم.
فأجابه المغيرة، فكان من جملة ما قال، قال: لقد وصفتنا صفةً لم تكن بها عالماً، أما حالنا فقد كنّا في أسوأ حال وأشدّه، أم جوعنا فلم يكن مثل الجوع – أنت بتقول أننا ناس جعانين لا الأمر على أسوأ مما تظن – كنّا نأكل الخنافس والجعلان، والعقارب والحيّات، ونرى ذلك طعامنا – هذا هو العادي، هذا الأكل الذي نأكله – وأما منازلنا فظاهر الأرض – مفيش بيوت، خيم – ولا نلبس إلا ما نسجنا من أوبار الإبل وأشعار الغنم، ديننا أن يقتل بعضنا بعضا وأن يبغي بعضنا على بعض حتى إن أحدنا ليدفن ابنته وهي حيّة كراهية أن تأكل من طعامه، فمازلنا على هذه الحال حتى أرسل الله إلينا رسولاً نعرف نسبه ونعرف وجهه ومولده،فبلده خير بلادنا، وحسبه خير أحسابنا، وبيته خير بيوتنا، وقبيلته خير قبائلنا، وهو في نفسه كان أفضلنا وخيرنا في الحال التي كان فيها، أصدقنا وأحلمنا، فدعانا إلى الله فلم يجبه منّا أحد، أو تربٍ له، أي أول من استجاب له، وأول من صاحبه، كان هو الخليفة من بعده – أبو بكر رضي الله عنه – فقال وقلنا، وصدق وكذبنا وزاد ونقصنا، ولم يقل لنا شيئاً إلا كان كما قال، فقذف الله في قلوبنا التصديق له واتّباعه، فكان فيما بيننا وبين الله تعالى – أصبح الحجّة أو الواسطة بيننا وبين الله تبارك وتعالى في تبليغ الدين والشرائع فما قال لنا فهو قول الله، وما أمرنا به فهو أمر الله، قال لنا إن الله تعالى يقول إني أنا الله وحدي لا شريك لي، كنت إذ لم يكن شيء وكل شيءٍ هالكٌ إلا وجهي، أنا الذي خلقت الخلق وإليّ يصير الخلق، وقد أرسلت إليكم رسولاً به أدركتكم رحمتي، لأدلكم على الخير وعلى الطريق الذي ينجيكم من عذاب يوم القيامة ولأرشدكم إلى دار دار السلام، قال: فما قال لنا فهو الحقّ من عند الحق تبارك وتعالى،،،فقال وقلنا وصدق وكذبنا وزاد ونقصنا ولم يقل لنا شيئاً إلا كان كما قال
فهو يخبر عن هذه النعمة كيف كان حالهم قبل أن يمنّ الله عز وجل عليهم بدينه وبرسوله، من الشقاء الديني والدنيوي في مسكن وملبس وطعام، وفي فساد ذات البين، دينهم أن يقتل بعضهم بعضا، وأن يبغي بعضهم على بعض ثم منّ الله عز وجل عليهم بهذه المنّة العظيمة ثم، إذا بنا نعود على أعقابنا القهقرى ونصير كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كفّاراً ضلّالاً يضرب بعضنا رقاب بعض.
الحمد لله رب العالمين.
ألا ماذا يكون موقفنا بين يدي ربنا غدا، ماذا سيقول كل منّا لربنا تبارك وتعالى إذا وقفنا بين يديه فسألنا عن النقير والقطمير وسألنا عن هذه النعمة العظيمة ويوم يقول مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ وَكَانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيمًا إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثًا فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ – اللي هما احنا – شَهِيدًا يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثًا ولكن، ماذا بعد.
يقول المعري أبو العلاء من معرّة النعمان يعري أحوالنا
قال: إذا كان علم الناس ليس بنافعٍ ولا دافعٍ فالخسر للعلماء
يعني إذا كان المعرفة أو الإدراك أو العلم أو الحجات التي نعرفها أو الأشياء التي نسمعها، لا تنفع فتقدم خير، ولا تدفع شر أو سوء فلا قيمة للكلمات، ولا أثر لها وأخسر الناس حينئذٍ في هذه الأمة هم علماؤها الذين لا قيمة لهم ولا وزن لكلماتهم.
إذا كان علم الناس ليس بنافعٍ ولا دافعٍ فالخسر للعلماء
قضى الله فينا بالذي هو كائنٌ فتمّ وضاعت حكمة الحكماء
وهل يأبق الإنسان من ملك ربه فيخرج من ملك له وسماء
إذا قدّر الله قدراً على أمة من الأمم فلا مردّ له وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ليس هناك من مفزع ولا ملجأ إلا هو تبارك وتعالى ننتظر أن هؤلاء الناس يعقلوا أو الناس دول يهدأوا، ولا أمريكا تتصل، وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فقال وقلنا وصدق وكذبنا فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ.
قال الله سبحانه وتعالى في سورة الطلاق بعدما ذكر أحكاماً أنزلها الله تبارك وتعالى رحمةً لهذه الأمة وقال في أثنائها وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ذَلِكَ أَمْرُ اللهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللهُ لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًاثم قال بعدما أنزل هذا النور وهذه الهداية خاطب قوماً هم نحن أعرضنا عن هذا النور وعن هذه النعم، وعن هذه الهداية قال وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللهَ – فاتقوا الله – يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقًا اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا
يقول حذيفة بن اليمان رضي الله عنه وعن أبيه، قال: وكّلت الفتنة بثلاثة بالجاد النحرير الذي لا يريد أن يرتفع له شيء إلا قمعه بالسيف وبالخطيب الذي يدعو إليه الأمور، وبالشريف المذكور، فأما الجاد النحرير فتصرعه، وأما هذان – الاثنين الآخرين – فتبحثهما فتبلوا ما فيهما.
يقول حذيفة رضي الله عنه إنما تثور الفتن، أو يحمل هذه الفتن على عاتقه واحد من هؤلاء الثلاثة، الجاد النحرير: صاحب العزم والجد والنشاط والسعي الذي لا يريد أن يرتفع له شيء إلا قمعه بالسيف يبالغ في استخدام القوة، يبالغ في استخدام سيفه، هذا أول
وبالخطيب الذي يدعو إليه الأمور، الناس الخطباء أصحاب الكلمة الذين يوجهون الناس، ربما بكلمة يئد فتنة، وبالكلمة يقتل فيها أمم من الناس بالكلمة.
وبالشريف المذكور؛ الناس أصحاب المكانة في المجتمع، اللي الناس بتلتف حواليهم وتمشي على وفق إتجاهتهم، فإذا جاءت الفتنة وكّلت بهؤلاء الثلاثة؛ بالجاد النحرير وبالخطيب، وبالشريف المذكور، أما الأول فتصرعه، يعني هذا في النهاية مآله أنه لابد أن يصرع إما في الأولى وإما في الآخرة، فهو محكوم عليه بأنه يصرع لا محالة، والاثنين الآخرين هذا امتحان، – موقفهم يا كدا يا كدا – فهذا الخطيب هل يتقي الله سبحانه وتعالى في كلماته، هل يتقي الله سبحانه وتعالى فيمن يستمع إليه، هل يتقي الله سبحانه وتعالى فيمن ائتمنه ووثق فيه وفي نقله وفي خبره أم لا يفعل.
وهذا الشريف المذكور صاحب المكانة والمنزلة السياسية والاجتماعية هل يتقي الله سبحانه وتعالى فيمن حوله أم لا يفعل، فعلى حسب هذه الإجابات على حسب ما تصير الأمور.
بقد هاجت فتنٌ في زمان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتجارى فيها الناس، ولم يطق الصحابة الذين هم الصحابة أن يحكموا الأمر أو يئدوه، ولم يكن ثمَّ أعظم ولا أجلّ ولا أقدر ولا أقدر ولا أعلم ولا أحكم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنهم حينما هاجت الأمور لم يطيقوها ولم يملكوا أن يئدوها، فليس لها من دون الله تبارك وتعالى كاشف، لن يوقف سيل هذه المحن إلا أن يتغمّدنا الله برحمة منه وفضل، ولا سبيل لذلك إلا بأن نبث أو نستجلب أسباب الرحمة وأن نستعتب ربنا تبارك وتعالى فنزيل أسباب عتبه علينا وأن ننيب إليه تبارك وتعالى فإن لم نفعل فليس لنا من سبيلٍ غير هذا السبيل وسوف لنخسر الخسران المبين، إذا ما خسرنا كلاءة ربنا، وحماية ربنا وفظ ربنا ورحمة ربنا تبارك وتعالى.
وآخر ما نتكلم به قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث معقل بن يسار رضي الله عنه في صحيح مسلم قال: للعبادة في الهرج كهجرة إليّ، وفي رواية أحمد: العمل في الهرج كهجرة إليّ.
الاجتهاد في عبادة الله في دعاء الله عز وجل وسؤاله، في الضراعة إليه تبارك وتعالى هو بمثابة الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام إذا وقع الهرج والفتنة.
فإذا أردنا مخرجاً فعلينا أولاً أن نتذكّر ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال وقلنا وصدق وكذبنا، وزاد ونقصنا، وأن نتذكّر أننا مسئولون عن هذه الكلمات وعن هذه النصائح التي وضعها صلى الله عليه وسلم في أعناقنا وأننا واردون غدا على حوضه صلى الله عليه وسلم موقوفون غداً بين يدي ربنا تبارك وتعالى فمسئولون، فلنعدّ للسؤال جواباً.
ولنتذكّر أننا لا نجاة لنا ولا رحمة لنا إلا برحمة ربنا تبارك وتعالى فلنطلبها من مظانّها ولنعلم أنه لا يكشف البلاء إلا هو ولا يأتي بالحسنات إلا هو ولا يذهب السيئات إلا هو اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا
من توكّل على عقله ضلّ، ومن توكّل على ماله قلّ، ومن توكّل على جاهه ذل، من توكّل على عقله وعلى خبرته وعلى رؤيته ضلّ، ومن توكّل على ماله يستند إليه قلّ، ومن توكّل على جاهٍ أو سندٍ أو عشيرة أو حزبٍ ذلّ، ومن توكّل على الله فلا ضلّ ولا قلّ ولا ذلّ، وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا
اللهم ارحمنا برحمتك، اللهم ارحمنا برحمة تغنينا بها عن رحمة من سواك، اللهم ارحمنا برحمة تغنينا بها عن رحمة من سواك، اللهم ارحمنا فأنت بنا راحم، اللهم ارحمنا فأنت بنا راحم ولا تعذّبنا بذنوبنا فأنت علينا قادر، ولا تعذّبنا بذنوبنا فأنت علينا قادر، والطف بنا يا مولانا فيما جرت به المقادير، والطف بنا يا مولانا فيما جرت به المقادير واختم لنا بخاتمة السعادة أجمعين، واختم لنا بخاتمة السعادة أجمعين، وإذا أردت بقومٍ فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين.
لا إله إلا أنت سبحانك إنّا كنا من الظالمين، لا إله إلا أنت سبحانك إنّا كنا من الظالمين، لا إله إلا أنت سبحانك إنّا كنا من الظالمين، لا إله إلا أنت سبحانك إنّا كنا من الظالمين، لا إله إلا أنت سبحانك إنّا كنا من الظالمين، لا إله إلا أنت سبحانك إنّا كنا من الظالمين، لا إله إلا أنت سبحانك إنّا كنا من الظالمين
اللهم رحمتك نرجوا فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين واغفر لنا ذنوبنا كلها لا إله إلا أنت، اللهم رحمتك نرجوا فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين واغفر لنا ذنوبنا كلها لا إله إلا أنت، اللهم رحمتك نرجوا فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين واغفر لنا ذنوبنا كلها لا إله إلا أنت.