Generic selectors
المطابقات الدقيقة فقط
البحث في العنوان
البحث في المحتوى
Post Type Selectors
البحث حسب التصنيف
أحداث جارية
أسماء الله الحسنى
الأذكار
التلون
السيرة النبوية
القصص في القرآن
الكتب
بني آدم والشيطان
بني إسرائيل
تراجم
تربية
تربية
تفسير
جهد الغلبان في تبيان فضائل القرآن
خطب الجمعة
خطو خاتم الأنبياء ما بين اقرأ وإذا جاء
دروس
رمضان 1436هــ - 2015م
سلم الوصول إلى علم الأصول
عقيدة
غير مصنف
كتابات
كلمة التراويح
مسألة الرزق
من قصص كتاب التوابين
من هدي النبوة
مواسم الخير
هذه أخلاقنا

فكيف إذا كان كل الطبيب هو بعض المريض

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. إنه من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا

ثم أما بعد ،،،

فكيف إذا كان كل الطبيب هو بعض المريض.

أي مجتمع من المجتمعات لابد أن تعتريه الأدواء، والآفات والأمراض، ويرتجى له حينئذٍ أن ينصب الله سبحانه وتعالى له أطباء يداون هذه الأدواء، ويساعدون الناس على أن يبرأوا من هذه الأمراض، ولذلك عدّت هذه الوظيفة وما يماثلها وما يقاربها، عدّت في دين الله تبارك وتعالى من فروض الكفايات التي لابد أن يقوم بها من يسدّ تلك الخلّة، ويعالج هذه الأزمة وإلا أثم أهل الإسلام جميعاً، ولكن الآفة كل الآفة، والداء كل الداء أن يصير الطبيب من جملة المرضى، فإذا كان الأطباء مبتلين بما يبتلى به عامة الناس من المرضى فأين المهرب وأين المخرج؟

عبدالله بن المبارك رحمه الله كان يوجّه خطابه إلى أهل الدين والعبادة والعلم، إلى أهل القرآن، يرشدهم ويوجّههم إلى أنهم هم المنوط بهم أن يعالجوا أدواء الناس، فكيف إذا تطرّق الداء إليهم، فكان يقول، يا معشر القرّاء – أهل القرآن – يا ملح البلد، الأكل لابد له من الملح لكي يصلحه فإذا لم يكن كان الأكل غير صالح، قال: من يصلح الملح إذا الملح فسد، إذا كان الملح نفسه، الملح نفسه وصل إليه الفساد، فإذا وضع في الطعام لم يزده إلا فساداً وإفساداً، وبين يدي هذه الكلمات فإني أرجو رجاءً أن ترعوني أسماعكم فإني أتكلم – فيما أظن – أنه أصل الداء وأنه طريق الشفاء، أنى لنا بأمثال هؤلاء.

يقول محمد بن المنكدر رحمه الله – إمام من أئمة التابعين في المدينة من العلماء والعباد والزهاد – أنه كان له في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم سارية – عمود – يصلي إليه ليله، يأتي إليه بعد العشاء، فيصلي حتى يصلي الفجر مع الناس، ثم ينصرف إلى بيته.

يقول: فكحط أهل المدينة يوماً في سنة أصابها الكحط، فخرجوا يستسقون، أي خرج الناس من أهل المدينة في زمان التابعين، خرجوا إلى الصحراء يستسقون، فلم يسقوا، لم يستجب الله سبحانه وتعالى لهم، فلم يمطرهم أو قل أبطأ عليهم المطر.

يقول: فذهبت في تلك الليلة – التي خرجوا فيها نهاراً يستسقون – إلى المسجد فصلّيت ثم استندت إلى ساريتي التي أصلي إليها، يقول: فجاء رجل أسودٌ تعلوه صفرة، أسود فهذا لون بشرته، تعلوه صفره أي عنده أنميا، شاحب يعني.

قد ائتزر بكساء – الإزار هو الجيبة الاسكتلاندي، التي يلبسها المحرم – ووضع على عنقه كساءً أصغر منه – لابس بشكيرين هكذا – يقول: فصلى ركعتين ثم رفع يديه فقال: أي رب استسقاءك أهل حرم نبيّك فلم تسقهم فإني أقسم عليك لما سقيتهم، يقول ابن المنكدر فقلت: مجنون، – هذا شكله أصلا.. – يقول: فلم يلبس إلا قليلاً حتى أرعدت السماء وأبرقت، ثم أمطرت مطراً أهمني معه الرجوع إلى أهلي – مطر شديد ولا أعرف كيف سأرجع لبيتي – يقول: ثم حمد الله تعالى – الرجل الذي دعا هذا – حمد الله تعالى بمحامد لم أسمع بمثلها قط، ثم قال: أي رب ومن أنا وما أنا حيث استجبت لي – أنا ولا حاجة – ولكني عائذٌ بحمدك عائذٌ بطولك، يقول: ثم قام يصلي، فلم يزل يصلي حتى أحسّ الصبح – وقت الفجر سيؤذّن – فسجد وأوتر، ثم صلى ركعتين – سنة الصبح يعني – ثم صلى مع الإمام فصليت معه، ثم خرج من المسجد رافعاً ثوبه – عشان الطينة بره في الأرض نتيجة للمطر – يقول: فخرجت خلفه لأدركه فلم أدري أين ذهب، – أنا حاولت ألحقه بسرعة لكي أحصّله أريد أن أمشي وراؤ – أريد أن أعرف من هذا، قال: فلم أدري أين ذهب، يقول: فلما كانت الليلة الثانية وصليت العشاء الآخرة، وجلست إلى ساريتي التي جلست إليها بالأمس إذا به قد جاء، فوضع كساءه الذي جلعه إزاراً توشّح به، أي تغطّى به، ووضع كساءه الآخر الذي هو الأصغر، على رجليه، أي جعل هذا إزار ووضع هذا هكذا لئلا يظهر، ثم صلى كما صلى في الليلة التي سبقتها، ظلّ يصلي إلى أن شعر بالفجر، ثم أوتر، صلى مع الإمام، يقول: فاتّبعته حتى انتهى إلى دارٍ من دور المدينة أعرفها، يقول: فلما أصبحت صلّيت – صلى الضحى – ثم أتيت إلى تلك الدار، يقول: فإذا أنا برجلٍ اسكافٍ – هذا ماذا يعمل؟ هذا صرماتي – فلما أقبلت إليه عرفني، قال: أبا عبدالله مرحباً بك ألك حاجة، أصنع لك خفّاً – عاوز أعمل لك شبشب، جزمة، صندل – قال: فجلست، – قعدت جانبه – وقلت: ألست صاحبي بارحة الأولى، – أنت اللي شفتك في الجامع أول امبارح – يقول: فاسودّ وجهه، – هو أسمر أصلاً – فاسودّ وجهه، وصاح بي قال: ابن المنكدر، ما أنت وذا – أنت مالك، أنت ايه اللي دخّلك في ده، ليه هطحط نفسك بيني وبين ربنا، ليه عاوز تطلعني من دائرة الخفاء إلى دائرة الشهرة، من دائرة العلاقة الخاصة مع الله إلى دائرة أن يشار إليه بالبنان، قال: فغضب، قال: ففزعت والله من غضبه، وقلت: أقوم من وجهه الآن، – أنا همشي من وشه دلوقتي عشان ممكن يبهدلني، يقول: ثم أتيت إلى المسجد ليلاً – زي كل يوم – فجلست فلم يجئ، – مجاش – فقلت: إنّا لله، ما صنعت – ايه الخيبة اللي أنا خبتها، دا أنا طفّشت الراجل من الجامع – يقول: فلما كان في اليوم الثالث أتيت إلى الدار فإذا الباب مفتوح – البيت الذي كان فيه – وإذا البيت ليس فيه أحد، وإذا أهل الدار – الناس اللي مأجّر منهم – قالوا لي: يا أبا عبدالله ما كان بينك وبين هذا الرجل بالأمس، قال: وما ذاك – قال لهم ايه اللي حصل – قال: ما أن خرجت حتى بسط رداءه في وسط الحجرة – جه في وسط البيت وبسط ردائه – فوضع فيه، كل جلدٍ كان له، وكل قالبٍ كان له – العدة بتعته، الجلد والقوالب اللي بيضبط عليها المقاسات – ثم احتمله فلم ندري أين ذهب – ساب البلد كلها – يقول: فجهدت أن أبحث عنه في كل دارٍ من دور المدينة أعرفها فلم أجده.

نحن نتكلم عن الرب، نتكلم عن صلة الإنسان بربنا سبحانه وتعالى، نتكلم عن الربّانية، كنّا نتكلم عن النقط المضيئة التي نحتاجها أو التي نبحث عنها، أو الذي يفتقد إليها المجتمع، نحن نبحث عن أناس مثل هؤلاء، أين هم؟ وكيف يأتوا؟ وإن لم يكن مجودين ما الطريق الذي نسلكه، ما السبيل الذي نسير فيه لكي نصل إلى هذا أو يكون على الأقل عندنا أناس أمثال هؤلاء.

عطاء السلمي رحمه الله وكان من صالحي زمانه، كان لا يدعو – يعني إذا جلس مع أصحابه مبيدعيش – فإذا دعا بعض أصحابه أمّن على دعائه – ثم حبس بعض أصحابه، – واحد من أصحابه سجن – فقيل له ألك حاجة – الناس يسألوه يزوروه، أتريد شيء – قال: دعوة من عطاء أن يفرّج الله عني، – لا أريد شيء آخر – قال صالح المريّ، قال: فأتيت إليه وقلت يا أبا محمد أما تحبُّ أن يفرّج الله عنكن قلت: بلى والله إني لأحب أن يفرّج الله عني، قال: فإن صاحبك فلاناً قد سُجن، فادعو الله أن يفرّج عنه.

النبي صلى الله عليه وسلم قال في دعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب أن ملكاً يؤمنّ على دعائه ويقول ” آمين ولك بمثل ” وقال صلى الله عليه وسلم ” من فرّج عن مؤمنٍ قربةً من كرب الدنيا، فرّج الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة ” .

يقول: فرفع يديه وبكى وقال: إلهي أنت تعلم حاجتنا من قبل أن نسألها، اللهم فقضها لنا، يا رب أنت تعلم طلبي ورغبتي وحاجتي، يقول صالح: فوالله ما خرجنا من البيت حتى طرق علينا الباب، – الراجل اللى مسجون دا – ، لم يقوموا من المجلس حتى جاء.

يحيى بن شريح رجلٌ من البكائين، يقول خالد بن فزر، يقول: أتيت فجلست إليه يوماً وهو مختلٍ وحده يدعو، – آعد لوحده بعيد عن الناس وبيدعي – ربنا سبحانه وتعالى، فقلت له رحمك الله ألا تدعو الله تبارك وتعالى أن يوسع عليك معيشتك؟!، – هو بيقول أن هو كان ضيق الحال جداً يعني هو مالياً وضعه صعب قوي، فبيقوله وأنت بتدعي طب ما تدعي ربنا أن ربنا يوسع عليك – ، قال: فالتفت يميناً وشمالاً فلم يرى أحداً، ثم أخذ حصاةً من الأرض فوضعها في يديه وقال: اللهم اجعلها ذهباً، أخذ حصاة من الأرض فوضعها في يده وقال: اللهم اجعلها ذهباً، يقول خالد: فوالله إنها في يده لتبرة من ذهب، الذهب الخام، ما رأيت أحسن منها، ثم رمى بها إليه، – حطهاله في إيده – ، وقال: ما خير في الدنيا إلا للآخرة والله تعالى أعلم بما يصلح عباده، – ما هو الحصى دا أنا لو دعيت ربنا دا يتحول، مش احنا اللى بندعي !! – ، قال: فما أصنع بها، قال: استنفقها أعمل بيها أي حاجة، قال: فمن هيبته لم استطع أن أردها عليه، عايز يرجعهاله، قلقت منه، فخدتها ومشيت.

احنا مش بنتكلم عن حاجة أسطورية، احنا بنتكلم عن حاجة كانت موجودة، الحاجة اللى كانت موجودة دي، دي اللى بيها قوام الحياة.

الحسن البصري بيقول: حملة القرآن على ثلاثة أصناف، الناس حفاظ القرآن ثلاتة أقسام، صنفٌ يتأكلون به يتخذونه بضاعة يسافرون به من بلدٍ إلى بلد، أكل عيش يعني، وصنفٌ قد أقاموا حروفه وضيعوا حدودة، حافظ كويس جداً ربما معاه إجازات ومعه أوجه ومعه قراءات لكنه بمعزل عن التأثر بهذا القرآن، استطالوا به على أهل بلادهم، يعني بالحفظ بدل ما الحفظ دا يبقى وسيلة تطامن وتواضع أصبح وسيلة استعلاء، احنا أعلى من الناس بما أوتينا، وأكيد دا ميبقاش قرآن، واستدروا به الولاة، الجوايز بقى، كثر هذا الصنف..، دا الحسن البصري !، في الزمان الأول، كثر هذا الصنف من حملة القرآن لا كثرهم الله.

وصنف وضعوا أو عمدوا إلى دواء القرآن فوضعوه على داء قلوبهم فركدوا به في محاريبهم وحنوا به في بَرَانِسِهِمْ، البرنس البتاعة أبو ظنط دا اللى أنت بتلبسه، فحنوا به يعني انكمشوا كده، دلالة على الخشوع وعلى التخفي، قد استشعروا الخوف فرتدوا الحزن، دا أثر القرآن، ركدوا به في محاريبهم، وحنوا به في بَرَانِسِهِمْ، استشعروا الخوف فرتدوا الحزن، فأولئك الذين يسقي الله بهم الغيث، وينصر بهم على الأعداء وهؤلاء الصنف في حملة القرآن أعز من الكبريت الأحمر، ما أندر هؤلاء !، ودا في الزمان الأول !.

يقول علي رضي الله عنه: وقد صلى صلاة الصبح ثم جلس، يقول أبو أراكة، الراوي، ثم جلس وعليه كآبة حتى طلعت الشمس، ثم التفت، للناس اللى قعدين قدامه، اللى كانوا بيصلوا معه، وجعل يقلب يديه، وقال: لقد شهدت أثراً – بقيه منهم يعني – لقد شهدت أثراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم أرى اليوم شيئاً يشبههم، كانوا يصبحون شعثاً غبراً صفراً، بين أعينهم – من كتر السجود على الحصير – بين أعينهم مثل ركب المعزى قد باتوا لله سجداً وقيماً يتلون كتاب الله يراوحون بين جباههم وأقدامهم، فإذا أصبحوا فذكروا الله مادوا – أي اضطربوا – كما تميد الشجرة في يوم ريح جديد وهملت أعينهم حتى تبل ثيابهم، فكأني بالقوم باتوا غافلين، الناس اللى قدامه دول، يقول أبو أراكة: فما رئي مفتراً يضحك حتى ضربه ابن ملجم، بعد ما قال هذه الجمل لم يضحك حتى قتل رضي الله عنه.

 فعلي نفسه رضي الله عنه يحن ويشتاق إلى زمانٍ كان يصحب فيه أمثال هؤلاء الناس، احنا محتاجين إن احنا أول حاجة نتفق مبدائياً على تعريف للدين، احنا بنا وبين زمان النبوة قرون متطاولة حدث فيها ما حدث واختلط فيها كثير من الموازين واضطربت فيها الأمور وبقى فيه ميت تعريف للدين وميت رؤية للإسلام، احنا عايزين نتفق على تعريف، إيه هو الدين، وبيتبني إزاي؟، وأمتى نقول إن احنا عندنا ميزان أو معيار نقيم فيه نفسنا.

 فأول حاجة علشان يبقى فيه دين لازم يكون فيه علاقة مع الله سبحانه وتعالى، علاقة حقيقية، صلة حقيقية مع الله سبحانه وتعالى، وصلة حقيقية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتزام حقيقي بمنهاجه واتخاذه قدوة حقيقةً كما أمر الله سبحانه وتعالى، ثم سعيٌ لبث هذا في الحياة، احنا لو دا مش موجود؟، أولئك الذين يسقي الله بهم الغيث، وينصر بهم على الأعداء، طب لو مفيش؟.

 سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، والحديث دا قلناه مرة أو مرتين، خال رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن العشرة الذين بشروا بالجنة على لسان رسول الله باسمائهم صلى الله عليه وسلم، وإلا فأهل البشارة بالجنة من الصحابة كتير لكن لما نقول عشرة النبي صلى الله عليه وسلم ذكرهم في محل واحد باسمائهم وأعيانهم، تنصيصاً مش بالصفة، بالاسم.. بالاسم !، وكان من أشد الناس بلاءً في سبيل الله، فرآى – أي سعد – أن له فضلاً على غيره من الصحابة بهذه المكونات مجتمعة، وأن له بلاءً، النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه سهماً يوماً فقال: ارم سعد.. ارم سعد فداك أبي وأمي، مقلهاش لحد تاني !، ودا يكفيه، سيبك من أي حاجة تانية أنا قلتها، كأن أنا مقولتش حاجة، قال: أرم سعد فداك أبي وأمي، مين اللى بيقول؟ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لسعد بن أبي وقاص،، يقول: ارم سعد فداك أبي وأمي.

 فهو بيقول ظن أن له فضلاً على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله…، هو مين اللى بيحكي؟!، المفروض إن أي حد تاني يحكي، هؤلاء لصفاء قلوبهم هم الذين ينقلون إلينا هذه الأخبار، ظن أن له فضلاً على غيره من أصحاب رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: إنَ اللهَ تَعَالى يَنْصُرُ هَذِهِ الأُمَّةَ بِضَعِيفِهَا، الغلابة الناس اللى هي ملهاش غير ربنا، الناس اللى هي ملهاش ملجأ أو مفزع أو سند تستند إليه إلا الله،إنَ اللهَ تَعَالى يَنْصُرُ هَذِهِ الأُمَّةَ بِضَعِيفِهَا بِدَعْوَتِهِمْ وَصَلَاتِهِمْ وَإِخْلَاصِهِمْ.

 أقول قولي هذا وأستغفر الله..

 الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله.

فأين المخرج؟

هذه المحلة، هذا المكان اللى احنا متواجدين فيه قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن خير البقاع في الأرض المساجد، هذه المساجد هي بيوت الله تعالى في أرضه، هي دي ميزان الاستقامة، هي دي إن لو استقامت أو انضبطت تنضبط بها الأمور، وإذا فسدت كان ما هو خارجها أفسد وأفسد، وهي دي إن الإنسان لو ربنا يسر له فكانت سبباً في إنصلاح أحواله وفي استقامة حاله وفي إقامة صلة مع الله سبحانه وتعالى حقيقة حينئذٍ يستقيم حال الشخص ويستقيم حال المجتمع.

 طب المسجد إيه؟!، احنا للأسف بنعاني من صورة من صور الفراغ من المضمون، الشكلية، صور مقامة وموجودة آه لكن الحقائق التي نبحث عنها غائبة مفقودة، النبي صلى الله عليه وسلم قال: هَذَا أَوَانُ يُخْتَلَسُ العِلْمُ مِنَ النَّاسِ حَتَّى لَا يَقْدِرُوا مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ،فَقَالَ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ الأَنْصَارِيُّ: يا رسول الله كَيْفَ يُخْتَلَسُ مِنَّا العلم ونحن نقرأ القرآن، فَوَاللَّهِ لَنَقْرَأَنَّهُ وَلَنُقْرِئَنَّهُ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا، قَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا زِيَادُ، إِنْ كُنْتُ لَأَعُدُّكَ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ المَدِينَةِ، هؤلاء اليهود والنصارى بين أيديهم التوارة والإنجيل فما أغنت عنهم، هي مش مجرد كتب موجودة، كيف نتعاطى ونتفاعل معها، كيف نتأثر بها.

 يقول جُبَيْرٌ بن نفير: فَلَقِيتُ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، فقُلْتُ: أَلَا تَسْمَعُ إِلَى مَا يَقُولُ أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ؟ – راوي الحديث – فقَالَ: صَدَقَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، إِنْ شِئْتَ حَدِّثَتكَ بِأَوَّلِ عِلْمٍ يُرْفَع، الخُشُوعُ، يُوشِكُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَلَا تَرَى فِيهِم رَجُلًا خَاشِعًا، احنا موجودين أهو بنصلي، بس حقيقة الصلاة مش موجودة وبالتالي تأثير الصلاة مش موجود، ما الصلاة دي ميزان هي دي اللى بتنهى عن الفحشاء والمنكر، لو هي مستقامتش، والخطر أن احنا لو بنصلي شكلاً بلا مضمون مش هنعتب على أنفسنا لأن احنا شايفين نفسنا كويسين وبنصلي، ما هي المشكلة هنا على فكرة أنا لو مبصليش خالص أبقى عارف إن أنا مقصر، عارف إن أنا بعيد، عارف إن أنا عندي مشكلة، لكن لما أنا أكون بأدي الحاجة اللى هي المفروض تبقى مثمرة بس هي مش مثمرة هي هنا المأساة، كأني أنا جبت كبسولة وفرغتها من المادة الفعالة وبشرب بلاستكة، أنا أعمل بيها إيه؟، بس أنا بعتقد إن هو شريط برشام، بس هو على فكرة مش كده، ما هي دي المشكلة، لأ، هي مفرغة من المضمون ولذلك هوا الخطر هنا، وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا قلنا هنا إن الاتخاذ دا اعتناء واقتناء واهتمام، يعني هو معايا بس مش معايا، هو متخذ بس هوا في نفس الوقت مهجور، وهي دي المشكلة.

 فالمسجد إيه أحواله؟، لو احنا استطعنا إن احنا نقرب إن احنا نظبطه احنا ممكن نبقى أحسن، ما احنا عايزين نحط إيدينا على أول خطوة، أول خطوة في الطريق إيه؟، أصل أي حاجة لازم تكون ليها نقطة بداية، احنا بنبقى شايفين كده رؤية

إجمالية كلية، احنا عايزين نمشي في سكة معينة، احنا عايزين نبقى كويسين، كلنا عايزين نبقتى كويسين، بس عملياً أعمل إيه؟، أحط رجلي أول خطوة فين؟.مهو لازم كده علشان أوصل لحاجة.

 ممكن تدخل المسجد تلاقي دنيا، أبو مسلم الخولاني دخل المسجد في دمشق، المسجد الأموي، فوجد نفراً جلوس، فرجي أن يكونوا على خيرٍ وعلى ذكر، قلك بس ناس طيبة أقعد معاهم كده أذكر ربنا، فجلس إليهم، فإذا أحدهم يقول: قدم غلام لي وقد أصاب كذا وكذا، يعني أصلاً في واحد مدير أعماله راح بعته في تجارة فجه وجاب معاه كذا وكسب كذا، وقال الآخر: وأنا أرسلت فلاني بكذا وكذا، أنا بقى بعت واحد لتجارة في الحتة الفلانية، فقال: سبحان الله !، أتدرون ما مثلي ومثلكم؟ كمثل رجلٍ أصاب مطراً غزير وابل، مطر شديد، فوجد مصراعين عظيمين، باب حديد كبير بدرفتين كده، فقال لو دخلت إلى هذه الدار فأتقي بها أذى هذا المطر، أخش بس علشان أستظل بظل هذا السقف، فإذا بيت لا سقف فيه !، يعني أنا لسه أخش بقى أدّاره هنا، دخلت لاقيت هنا زي برة بالظبط، لا فرق، قال: جلست إليكم ورجوت أن تكونوا على خير وبر، فإذا أنتم أصحاب دنيا، فقام عنهم، أدي واحد، دي الصورة الأولانية،إن احنا أصلاً استصحبنا الدنيا والقصص الدنيوية بتعتنا جبناها المسجد.

 بلاش دول، ناس تانية بتتكلم في الدين، الشيخ فلان قال، الشيخ فلان عاد، الحزب الفلاني، الجماعة الفلانية، ودا صح ودا غلط، ودا يمين ودا شمال، موجودين بردة دول، قال فرقد: دخلت مع الحسن إلى المسجد، دا بقى مسجد في البصرة، احنا كده بننقل، احنا نقلنا من دمشق للبصرة، يقول: فإذا حلقة جلوس، فجلس إلى جوارهم الحسن فنصت إلى حديثهم، بدأ يصغي لهم ثم التفت إلى فرقد فقال: هؤلاء قوم ملوا العبادة ووجدوا الكلام أسهل عليهم من العمل وقل ورعهم فتكلموا، دا التاني، بيتكلموا في حاجة هما عاملينها دين، هما عاملينها دين، طيب هما عاملينها دين ليه؟ أصل احنا في النهاية حقيقةً الدين اللى هوا الدين احنا مش قادرين عليه، مش عارفين نصبّر نفسنا عليه، نعمل إيه؟ نعمل شكل ديني، حوارات دينية، يبقى احنا ناس متدينين وعاملين صالون ديني في الجامع، وبعدين…، ما هو مش هيحصل حاجة؟!، النبي صلى عليه وسلم قال: إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا هَلَكُوا قَصُّوا، لما هلكوا بترك الالتزام بأوامر الله، قصوا يعني حوّلوا الدين إلى قصص وحواديت، ما احنا لازم يكون عندنا دين برضة، فنخلي الدين قصص وحواديت، هي بتبقى ماشيه كده. دي التانية.

 في أحلى نموذج بقى، ناس جلسوا بيذكروا ربنا فعلاً، بيتكلموا فيما يتعلق بذكر عظمة الله، يقول وهب بن منبه: أقبل الحسن، دا بقى المسجد الحرام، فوجد قوماً عند باب بني جمح، وفي رواية عند باب بني شيبة، احنا فين بقى، احنا نقلنا من دمشق للبصرة جينا أهو عند الكعبة، مفيش أحلى من كده، فوجد قوماً جلسوا يذكرون عظمة الله، دا بقى مفيش أحسن من كده، دا اللى احنا بندور عليه، هما دول الناس، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: إن قوما أسكتتهم خشية الله، خلي بالك هو عايز يقول هي فين الخشية الحقيقية، ماحنا ممكن نتكلم في معاني الخشية بس قلوبنا مش مستشعراها، مبتتأثرش، مبيحصلش حاجة، ميحصلش أثر ولا نتيجة، إن قوماً أسكتتهم خشية الله، من غير عي ولا بكم، يعني هما مش مبيعرفوش يتكلموا، وإنهم لهم العقلاء النبلاء الفصحاء، فإذا تذكروا عظمة الله طاشت لذلك عقولهم وانكسرت قلوبهم، عايز يقول إن أهل الخشية حقيقةً اللى إذا ذكروا عظمة ربنا ظهر أثر دا عليهم بشكل ظاهر، طاشت لذلك عقولهم وانكسرت قلوبهم فإذا سُرِّيَ عنهم فزعوا إلى الأعمال الزاكية، فأين أنتم منهم؟.

 هي دي الصورة، إذا ذكروا عظمة الله بدى التأثر عليهم اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ طاشت عقولهم وانكسرت قلوبهم فإذا سُرِّيَ عنهم، فزعوا – أثر الخشية – وبعدين على فكرة مقلش قاموا، فزعوا إلى الأعمال الزاكية، الأعمال الطاهرة التي تقربهم من ذي الجلال والإكرام سبحانه وتعالى.

 فلازم الأشكال تبقى حقائق، يقول إقبال رحمة الله:

أرى التفكير أدركه خمول ولم تبق العزائم في اشتعال، ” خارت القوى “

وأصبح وعظكم من غير نور ولا سحر يطل من المقال

، الوعظ موجود بس مش مؤثر، لأن منبع الوعظ مش متأثر، ” وعند الناس فلسفة وفكر ” ، هي موجودة مرحتش، ” ولكن أين تلقين الغزالي ” ، فين التوجيه الحقيقي والفكر العميق فعلاً، أو الرؤية الحقيقية، ” وجلجة الأذان بكل حي ولكن أين صوت من بلال ” ، ما هو فيه مؤذنيين، احنا عندنا الحمد لله ربنا رزقنا بالعندليب الأسمر عبد العاطي بن عبد العاطي !، وعند الناس فلسفة وفكر ولكن أين تلقين الغزالي، ” وجلجة الأذان بكل حي ولكن أين صوت من بلال ” ، ” منائركم علت في كل حي ومسجدكم من العبَّاد خالي ” ، دا احنا، دا اللى احنا محتاجينه وبندور عليه، دا اللى ربنا هينقذنا بيه، دا اللى ربنا هيكتبلنا بيه السعادة والنجاة، في الأولى وفي الآخرة، دا مش موجود، نعمل إيه علشان نوصله؟!، إيه الطريق؟ السكة فين عشان نوصل لدا؟، لهذه النورانية، لهذه الربانية الحقيقية.

 الفضيل بن عياض لقي امرأة من العابدات فسألها، أن تدعوا له، قالت: يا فضيل إليس بينك وبين الله ما إذا دعوته أجابك؟!، فجعل يبكي، سألها أن تدعو له، فقالت: إليس بينك وبين الله ما إذا دعوته أجابك؟!.

 آخر جملة، الإمام أحمد أتاه رجلٌ فقال: إن أمي قد أقعدت من عشرين سنة، جالها شلل بقلها عشرين سنة، وقد أرسلتني إليك تسألك أن تدعوا الله لها، فصاح به وانتهره، زعئله، وقال: نحن أحوج إلى من يدعوا لنا، طب هوا بيعمل كده ليه؟، هو مش عايز يحط نفسه في المنصب دا، مش عايز يعرض نفسه للفتنة، هو مش شايف نفسه حاجة أصلاً، فالراجل خرج، شخط فيه، مشي، فلما انصرف، خرجت عجوز من الدار فقالت: قد تركت أبا عبد الله يدعوا لأمك، يعني خلى بالك هو شخط فيه وزعئلة والراجل اتفزع ومشي، وبعد ما مشي رفع إيده إلى الله يدعو للمرأة، هو مش مش عايز يدعي، هو مش عايز يعيش الحياة دي، مش عايز تفضل الناس تعد تملس عليه، وبركاتك يا مولانا، مش عايز يعيش العيشة دي، هو بيهرب من دا، لكنه في النهاية لن يترك فرصة لخير أو بر إلا فعلها، فعاد الرجل إلى بيته فوجد أمه قد قامت ففتحت له الباب، من ساعت ما دعى حتي لما وصل بيته، هي على فكرة دي مش أساطير، أنا مش بحكي أساطير، دا مش في الأولمب، دا موجود، بس دا موجود لناس ليها صفة معينة، النبي صلى الله عليه وسلم بيقول: رُبَّ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لا يُؤْبَهُ لَهُ، وربما قال: مدفوع بالأبواب، محدش بيعبره، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ.

 اللهم أرحمنا فأنت بنا راحم ولا تعذبنا بذنوبنا فأنت علينا قادر، والطف بنا يا مولانا فيما جرت به المقادير، واختم لنا منك بخاتمة السعادة أجمعين.

 يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث، أصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.