إن الحمد لله نحمد ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
ثم أما بعد
يقول تعالى وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّـهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ ۚ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۚ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ۖ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ ۗوَاللَّـهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَىٰ أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِّكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ ۗ وَاللَّـهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَىٰ طَائِفَةً مِّنكُمْ ۖوَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّـهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ۖيَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الْأَمْرِ مِن شَيْءٍ ۗ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّـهِ ۗيُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبْدُونَ لَكَ ۖ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا ۗ قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ ۖ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّـهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۗ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ
يعقب ربنا تبارك وتعالى على أحداث جسام ومواقف عظام في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحياة صحابته الكرام, خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صعيد أحد لمنازلة المشركين ووضع رماته على تل بجوار جبل أحد لكي لا يلتف المشركون على المسلمين من ورائهم, فما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يترك من جهد ولا ليقصر في سعي لكي يحفظ أتباعه من المؤمنين من كل شر وسوء واقع أو مرتقب, فجرى الأمر على وفق موعود الله وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ , فالله لا يخلف وعده إِنَّ اللَّـهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ , وإنما يأتي الخلف والتقصير منا نحن أما الله تبارك و تعالى فهو صادق الوعد وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّـهِ حَدِيثًا, وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّـهِ قِيلًا , وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّـهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ أي تحصدونهم حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ
وقع التنازع ووقع الفشل ووقعت المخالفة لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أمر رماته ألا يبرحوا أماكنهم حتى يأذن لهم سواءً رأوا إخوانهم قد إنتصروا أو رأوهم قد إنهزموا, حتى لقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وإن رأيتمونا تتخطفنا الطير فلا تبرحوا اماكنكم. حتى لو رأيتم هؤلاء يستأصلوننا إستئصالاً أيضاً لا تبرحوا أماكنكم حتى آذن لكم. فلما رأوا فرار العدو ورأو المغانم أراد أكثرهم أن يترك موقعه ليجمع هذا المغنم, فذكرهم أميرهم عبد الله ابن جبير بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم, وما كان للمؤمنين وهم ما زالوا مؤمنين أن يردوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا كفاحاً, فيقول لهم ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا فيقولون لا شأن لنا بهذا, هذا لا, وإنما هم تأولوا الأمر على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أراد طالما أن الحرب على قدم وساق, فإذا ما حسم الأمر وإنتهت المعركة نفعل ما نشاء, فهم حينما يخالفون يتأولون ويفسرون كلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم على غير وجهه ومحمله وما كان لهم وهم مؤمنون أن يردوا الأمر رداً مباشراً مواجهاً صريحاً, لكن هذا التأويل وهذا الإعتذار لم يكن له وجه لأن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كان نصاً واضحاً صريحاً بأن لا يبرحوا حتى يأتيهم الإذن ولم يكن هناك إذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يبرحوا أماكنهم.
حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ وإذاً فالمخالفة لأوامر الله سبحانه وتعالى المخالفة لأوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم, المعصية للأمر هي سبب الخلل وسبب الفساد الذي يعتري أهل الإيمان, ليس ثمة سبب آخر إلا هذا السبب وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّـهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ ۚ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۚ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ۖ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ ۗوَاللَّـهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ , هم صرفت أبصارهم ولم ينتبهوا لهذا الإلتفاف الذي إلتفه عليهم خالد ابن الوليد رضي الله عنه ومن معه من المشركين, هم يفرون باتجاه مكه يلاحقهم الصحابة هؤلاء ينزلون من على الجبل ليجمعوا الغنائم, يلتفت خالد بن الوليد وهو رجل عقله معه لايفارقه لحظه, وهو يفر يدرك تماماً المحل الذي يضع فيه قلبه, فهو يلتفت في هذه اللحظات الحرجة ليرى هذه المخالفة, هذا النزول, فحين إذ يلتف من وراء الجبل فيطوق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء ظهورهم, فيرى المشركون ذلك فيعودون, فهم بين فكي رحى, هؤلاء يعودون وهؤلاء يلتفون, وحين إذ كان الإضطراب الشديد وعدم الإتزان, أشبه ما تكون بيوم الناس هذا, إضطراب وتخبط وإتجاهات متنازعة متضاربة, عندما وقع الخلل حدث الإضطراب ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ۖ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ ۗوَاللَّـهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مع تقصيركم والله ذو فضل إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَىٰ أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِّكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ ۗ وَاللَّـهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ تفرون صعداً باتجاه المدينة, فحين إذ إضطرب المسلمون في الموقف, منهم من فر في إتجاه المدينة, ومنهم من ألقى سلاحه وجلس لما سمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل, ومنهم من إلتف حول رسول الله صلى الله عليه وسلم, ومنهم من بقي يقاتل, وإضطربت أمورهم حتى أنهم لا يدرون صديقهم من عدوهم, لا يدرون من الذي معهم ومن الذي عليهم حتى أنهم في إلتباسهم أصبح بعضهم يضرب بعضاً, حتى أنهم قد قتلوا حسين ابن جابر اليمان رضي الله عنه أبو حذيفة ابن اليمان وحذيفة يصيح فيهم أبي أبي, هم لا يبصرون لا يدركون, يضرب بعضهم بعضاً, حتى تقول الرواية إختلفت فيه أسيافهم, ليس واحد فقط الذي ضربه بل كثير وهو يصيح أبي أبي, فلم يعرفوه حتى قتلوه, وحين إذ يجئ أنس ابن النضر في هذه اللحظات الحرجة ويمر على جمع من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار وهم جلوس, فيقول: ما يجلسكم, فيقولون: قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم, فيقول أنس: إن كان قد قتل فقد بلغ, فما تصنعون بالحياة بعده, قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم قال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء, و أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء. ثم إستقبل المشركين فلقيه سعد ابن معاذ, فقال: يا سعد واهاً لريح الجنة إني أجد ريحها دون أحد, ثم تقدم في نحور المشركين.
الآن المشهد على ما نرى, إضطراب تلبس تخبط حتى إن الصحابة ليضرب بعضهم وجوه بعض, ثم يصيح الشيطان ألا إن محمداً قد قتل, فيقول الله تبارك وتعالى وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّـهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّـهُ الشَّاكِرِينَ وهذا من أعظم ما يكون من حكمة الله عز وجل وتدبيره وتقديره, أن الله في هذا الموقف العصيب هيأ هذه القلوب المؤمنة لتلقي هذا الحدث الذي سوف يحدث يوماً ما, جعلهم الله عز وجل في بعض وقتهم وفي بعض لحظات حياتهم يستشعرون الحياة في غيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال الله تبارك وتعالى إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ فالله عز وجل هيأهم لهذه المصيبة التي سوف تصيبهم بالفعل وفي الحقيقة بعد ثمان سنوات من هذه اللحظة العصيبة الفارقة, لكي يتقبلوا الأمر ويتحملوه حينما تأتي لحظة الحق ويلحق رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى, فهذا كان من عظيم فضله وكرمه ومنته على عباده المؤمنين أن هيأهم لهذا الحدث, ومع ذلك لما وقعت الواقعة إضطرب الصحابة إضطراباً شديداً حتى أن عمر رضي الله عنه, وعمر عمر, لا يتحمل قلبه نبأ وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيشهر سيفه ويتوعد بالقتل من يزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات, فيقول الله عز وجل موجهاً ومعلماً إنما الرسول وكل رسول إنما هو رسول يحمل رسالة ويحمل ديناً فيبلغه لعباد الله لكي يحملوا هذا الدين فإذا إنتهت مهمته وأدى رسالته فقد قضى ما عليه فيقبضه المرسل سبحانه وتعالى إليه, ولذلك لما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب في الناس في يوم عرفة في حجة الوداع وهو يخاطبهم بكلماته التي لم يعقبها موقف آخر له في هذا المكان, ختم كلمته بقوله: ألا هل بلغت اللهم فاشهد, ألا هل بلغت اللهم فاشهد, ألا هل بلغت اللهم فاشهد. يرفع يده وينكتها إلى الناس.
فالله عز وجل يقول إنما محمد رسول يبلغ رسالة, يرتبط الناس بالرسالة وبالحق وبالدين والمنهاج ولا يرتبطون بشخص حتى لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم, فالاشخاص يزولون والأشخاص يموتون, والأشخاص خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم المعصوم المؤيد بالوحي من الله يحتمل قولهم خطأً وصواباً, فالإستمساك إنما يكون بالدين وبالمنهاج, أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّـهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّـهُ الشَّاكِرِينَ فيقول أنس: إن كان قد قتل فقد بلغ, هو يتصور هذا المعنى ويدركه حق الإدراك, هو صاحب رسالة, إن كان كما تقولون وأنه قد قتل فعلاً فهذا يعني أن القرآن المتنزل من عند الله قد إكتمل, وأن رسالة الله للعالمين قد تمت, وأن مشعل الحق عليكم إذاً أنتم أن تحملوه لتتموا هذه المهمة, إن كان قتل فقد بلغ, ثم يقول: فيم جلوسكم, فما تصنعون بالحياة من بعده, هو يريد أن يقول وهل تطيب لكم حياة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم, هل تطيب لكم حياة بعد أن يفارقكم رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم نضيف ونقول هل تطيب لنا حياة بغير أن نحيا في كنف الله تبارك وتعالى, هل تطيب لنا حياة إن نحن بعدنا عن منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم, هل تطيب لنا حياة بغير عبودية الله تبارك وتعالى, هل تطيب لنا حياة بغير إلتزام بجناب الله تبارك وتعالى؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر أنه في يوم الحشر لا يقي الناس حر الشمس الحارقة إلا ظل عرش الله تبارك وتعالى, وكذلك في هذه الدنيا حر المخالفة والمعصية والشقاء والتعاسة والذل والهوان والفرقة والإنقسام, لا يقينا من كل هذه الحرور إلا الإستظلال بظل الله تبارك وتعالى, فمن إستظل بهذا الظل ههنا حق له أن يستظل بهذا الظل الذي هناك, فهو يقول إنه لا قيمة ولا معنى للحياة من دون رسول الله صلى الله عليه وسلم, ومن دون منهاجه ومن دون طريقه ومن دون سبيله وسمته وهديه صلى الله عليه وسلم, فمقتضى العقل أن يقوموا حتى يلحقوا به حيث السعادة والهناءة والنعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول, قوموا فموتوا على ما قد مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم, هو قد مات على صورة مرضية من الله تبارك وتعالى, إن كان قد قتل في هذا الموقف فقد ختم له بخير ختام, فاسعوا جميعاً على أن يختم لكم بخير ختام, فجميع الناس ميتون مردودون إلى الله تبارك وتعالى ولكن فرق أي فرق بين موت وموت بين خاتمة وخاتمة بين نهاية ونهاية, لذلك قال قوموا فموتوا على هذا, على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم خاطب ربه قائلاً: اللهم إني أعتذر أليك مما صنع هؤلاء وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء.
فههنا إعتذار وهناك براءة, فرق ما بين هذا وهذا, هؤلاء المسلمون خالفوا وقصروا وأما المشركون فإنما جاءوا بقوتهم وحدهم وحديدهم لكي يبطلوا نور الله تبارك وتعالى يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّـهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّـهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ , فهو يعتذر عن هؤلاء من صنيع الذي صنعوا من فرار من فر وقعود من قعد, فهؤلاء وإن أخطأوا فهم لا زالوا في إطار عبادة الله تبارك وتعالى وفي إطار إلتزام دينه ومنهاجه وشرعه, ولكنهم يخطئون, وهو يعتذر إلى الله تبارك وتعالى من خطئهم, أما هؤلاء الآخرون الذين يحادون الله تبارك وتعالى ودينه ونوره وشرعه ومنهاجه, فهو يتبرأ إلى الله تبارك وتعالى منهم ومن سبيلهم ومما جاءوا به, ففرق وأي فرق بين هذا وبين هذا, ثم يترك هؤلاء الذين يعتذر عنهم لأنه يراهم لا يقومون بالحق الذي أوجب الله عز وجل عليهم, فيتحرك إلى حيث يريد, حيث الجنة, وهذا عجب من العجب, لنا أن نتخيل هذا الموقف, ناس يفرون صوب المدينة وناس ألقوا ما في أيديهم وأناس أخرون إختلط بعضهم ببعض, وهو في هذه اللحظات والمشركون يجيئون هكذا وهذا الرجل يتحرك هكذا – يتجه نوح المشركين – يتحرك في هذا الإتجاه وحده, لم يفت في عضد هذا الرجل فرار من فر وقعود من قعد لأن الحق أمامه واضح بين جلي, وهذا هو ما ينبغي أن يكون عليه كل إمرء مسلم لأن الله عز وجل قد أنار له طريقه بكتابه وقد بين له سبيله بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم, فهو لا يستوحش من أن يبقى سائراً في طريقة واحداً فريداً, ثم تأتي المنة والتأييد والتثبيت من الله تبارك وتعالى, هذا الرجل وهو يطأ الأرض بقدميه هو يشم حقيقة رائحة الجنة, هو قد رحل إليها بقلبه قبل أن يرحل إليها ببدنه, الله عز وجل جعله يشم رائحة الجنة قد يثبته ويثبت قلبه في هذه اللحظات العصيبة لحظات الكربة الشديدة والغربة الشديدة, فيقول سعد ابن معاذ: فما إستطعت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أصنع مثل ما صنع, وإذاً فحينما يكون ثمة إضطراب حينما يكون ثمة ألتباس حينما تختلط وتضطرب الأمور نحن أحوج ما نكون إلى هداية الله وإلى نور الله الذي أنزل وإلى تثبيت الله تبارك وتعالى, خاصة حينما ينقسم الناس في هذه اللحظات إلى أناس هم منسوبون إلى الإيمان تحتاج أن تعتذر عن فعالهم وآخرون محادون لنور الله تبارك وتعالى تحتاج إلى أن تتبرأ منهم ومن فعالهم, فيكاد الناس الفاعلون في مجتمعنا هذا ينقسمون إلى هذين الفريقين ربما لا تجد ثالثاً لهما, الفاعلون, المؤثرون, ينقسمون إلى أناس تحتاج أن تعتذر إلى الله من فعالهم وأناس تحتاج أن تتبرأ إلى الله منهم ومما أتو به.
فإنا نبرأ إلى الله تبارك وتعالى من كل شخص يشنأ أو يكره أو يبغض نور الله تبارك وتعالى, يبغض هدايته ونوره ودينه من حيث هو دين, الدين الذي هو الدين, أي القرآن, هذا هو الدين, القرآن الذي أنزله الله على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاشه رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلاً وطبقه حالاً وسلوكاً ومعه عاشه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكل من يبغض وكل من يشنأ وكل من يحاد وكل من يحارب الدين, الدين الذي أنزله الله على رسوله, فنحن نبرأ إلى الله عز وجل منه ومما جاء به كما تبرأ قبل أنس ابن النضر رضي الله عنه, ونعتذر إلى الله تبارك وتعالى من فعل أناس ينبغي أن يكونوا حاملين لراية الحق ذابين عن الدين ذابين عن الدين قائمين به حق القيام من فعال يفعلونها ربما تشوه صورة الدين وصورة المنهاج الحسن البهي الجميل الذي أنزله الله على قلب محمد, لذلك واجب علينا جميعاً أن نميز تمييزاً واضحاً بين الدين الذي هو الدين وبين المنهاج الذي أنزله الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بفضل الله سبحانه وتعالى واضح بين جلي. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك”, لأنه لا عذر له, نميز بين هذا وبين أشخاص وذوات الذين ينتسبون إلى الدين, لم يجعل الله عز وجل شخصاً كائناً من كان بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة على دين الله عز وجل إنما يحاكم الناس كل الناس إلى المنهاج يحاكم كل الناس إلى الوحي المنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم, وليس بعقل وليس بدين أن نحاكم دين الله عز وجل إلى أفعال البشر, إلى كلمات فلان أو أفعال علان, هذا لا يمكن أن يتصور, وإنما يحاكم البشر إلى الدين, قال علي ابن ابي طالب رضي الله عنه للحارث ابن حوط وهو يقول له: أترى أنا نظن أنك على الحق وأن طلحة والزبير على الباطل, فقال له علي رضي الله عنه: يا حارث إنك ملبوس عليك – الأمور مختلطة مضطربة في عقلك – إن الحق لا يعرف بالرجال. هذه هي القاعدة, الحق لا يعرف بالرجال – إعرف الحق تعرف أهله.
الحق قليل, الله عز وجل هو الحق المبين, الله سبحانه وتعالى هو الأول, فالحق الذي أنزله الله تبارك وتعالى أيضاً هو أول, هو الميزان الذي نزن به, هو الحاكم الذي نحاكم أليه, فالناس كل الناس يحاكمون إلى المنهاج ولا يحاكم المنهاج أليهم, فهذا أمر ينبغي ألا نغفل عنه خاصة في هذه اللحظات, حيث الأضطراب والتخبط والإلتباس حتى إن الناس يضرب بعضهم رقاب بعض شعروا أو لم يشعروا, ” إعرف الحق تعرف أهله “, فإذاً هذا التمييز لابد أن يكون تمييزاً واضحاً, هذا أولاً.
الأمر الثاني, أحتاج فيه على خلاف المعتاد وعلى خلاف ما أحب أن أذكر موقفاً قد حدث منذ أسبوع مضى, أحتاج إلى ذكره أضطراراً إليه, أخاطب شخصاً فيما يتعلق بالإنتخابات والإختيارات, ثم هو يتكلم عن حزب النور السلفي ويعترض على أمور من أمور هذا الحزب وبينما هو يتكلم, إذا بشاب لا أعرفه ينطلق من الخلف في هجوم حاد عنيف, فيقول: فجأة وهذه الأكياس التي توزعونها أليست رشوة, يقصد المساعدات التي يوزعونها على الناس, أليست رشوة لكي تأخذ أصوات الناس؟
فالتفت إليه, وحكى لي من كان واقفاً ما قد حدث:
قلت له: أنت تعرفني؟ أنت هل رأيتني من قبل؟
قلت له: رسول الله صلى الله عليه وسلم أكان ذو لحية كثة؟
قال: نعم
قلت: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, هل كانوا ذوي لحى؟
قال: هم يتبعون النبي.
قلت: هل كانوا ذوي لحا؟
قال: نعم,
قلت: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في حزب النور؟ هل كان من الدعوة السلفية؟
هذا التفكير السطحي لابد أن يختفي من حياتنا, أناس من الناس, أنا لا أتكلم أصابوا أو أخطأوا, ولكن أتكلم عن السطحية في التفكير, رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل فعلاً وأمرنا بفعله وجعل هذا من سنن الفطرة, وأمر في غير ما حديث بإعفائها وتوفيتها, فأنت تتبع ما أمرك به رسول الله صلى الله عليه وسلم, تلتزم ما تعتقد أنه دين, هل يعني هذا أنك بهذه الصفة وهذا الشكل وهذه الهيئة لابد أن تكون من المنتمية إلى فصيل وإلى حزب معين؟ هذه سطحية في التفكير ينبغي أن تزول, وكان أمر من هذا أن الشخص الذي أكلمه قال له: أنت تعرف هؤلاء؟ قال: لا. هو أصلاً لا يعرف عن هؤلاء شيئاً, فإذاً نحن نريد أن نفصل بين الدين وبين الناس وفعالهم, حتى لا تكون هذه الأفعال أصابت أو أخطأت حكماً على دين الله تبارك وتعالى.
الثاني أن نميز في أفعال الناس بين ما هو دين وأمر يلتزمون فيه ويدينون بأفعالهم لله, وبين ما هو من مجال الأجتهادات أو الرؤى الشخصية التي تحتمل الخطأ والصواب, وأنه ليس كل من إلتزم هدياً نبوياً كان هذا علامة على أنه ينتمي إلى حزب أو فصيل بشكل أو بآخر, ولذلك قلت له في ضمن كلامي: وعلى فكرة أنا أيضاً في هذه الإنتخابات أنتخبت الوسط وليس النور.
أصلاً هو يتكلم إلى أن أبين له أنه لا يدري شيئاً, هذا ينبغي أن يزول, النقطة الأخيرة وقد ذكرتها قبل ذلك مراراً أن الدين وإقامة الدين والحياة في هذا الدين هي مسئولية على كل مسلم, واجب علينا جميعاً, ليس هذا منوطاً بفصيل أو بأحزاب أو جماعة معينة هي المنوط بها إقامة الدين أو هي المسئولة عن الدين, إذا أقامته أقيم وإذا لم تقيمة لم يقم, وإن هؤلاء إذا أخطأوا أو خالفوا أو تنكبوا الطريق أصبح الواجب علينا نحن بسبب مخالفتهم أعظم وأعظم وأعظم, لأنه إذا كان هناك فرض من الفروض أو واجب من الواجبات التي جعلها العلماء كفائية, أي إذا قام بها البعض سقط عن الباقين, فإذا لم يقم بها أحد كان الإثم على الجميع, إذا كان هؤلاء الذين تصدروا لهذه الأمور ليسوا أهلاً ليها أو قد خالفوا وتنكبوا طريق الحق فيها, أصبحنا نحن , لأننا نشترك جميعاً في أننا مسلمون نشترك جميعاً في أننا أتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم نشترك جميعاً في أننا مأمورون بهذا الأمر وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّـهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ أن أقيموا الدين بمعناه الكلي الكبير الشامل ولا تتفرقوا فيه, إن تفرقتم فيه أو تفرقتم في إقامته فأصبحتم شيعاً وأحزاباً فهذه هي الطامة الكبرى, وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصَّابِرِينَ.
فإذاً واجب علينا جميعاً أن نقوم بأمانتنا التي إئتمننا الله عز وجل عليها, يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّـهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ, وإذا رأينا قصوراً أو تقصيراً وهو واقع فإنه لزاماً علينا أن نسعى لرأب الصدع أن نسعى لإزالة هذا الخلل, لأن هذا الصف هو صفنا جميعاً ليس صف السلفيين وليس صف الإخوان, هذا الصف هو صف أهل الإسلام جميعاً, واجب علينا أن نسد الخلل وإذا إضطرب هذا الصف أو تنكب الطريق وجب علينا نحن أن نسد هذه الثغرات, لأن الدين ديننا جميعاً موقوفون جميعاً بين يدي الله مساءلون جميعاً عن هذا الدين, ولذلك علينا أن لا ننسى أن هذه أمانة إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا
و محصلة الأمانة ينقسم الناس أقسام, لِّيُعَذِّبَ اللَّـهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّـهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّـهُ غَفُورًا رَّحِيمًا لِّيُعَذِّبَ اللَّـهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ هذا فصيل يظهر الإيمان ويبطن خلافه, وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ هذا فصيل يظهر المحادة لله والرسول, وَيَتُوبَ اللَّـهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ
إذاً محصلة هذه الأمانة ثلاثة أقسام, أهل نفاق نسأل الله السلامة من طريقهم, وأهل شرك نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيذنا من سبيلهم, وأهل إيمان يحتاجون إن يتوب الله عز وجل عليهم, نحن وإن بلغنا أي مبلغ مقصرون في حق الله عز وجل مقصرون في هذه الأمانة محتاجون أن ينظر الله إلينا نظر الرحمة والمغفرة, لم يقل يعذب وينعم إنما يعذب ويتوب, نحن دائماً في تقصير, ولذلك لا نجاة لنا إلا برحمة الله عز وجل, “لا يدخل أحدكم الجنة بعمله, قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ – الذي غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر – قال: ولا أنا, إلا أن يتغمدني الله منه برحمة وفضل”.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا.
واهدنا سبل الرشاد وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
اللهم اهدنا واهدى بنا واهدى لنا واجعلنا سببا لمن اهتدى.
اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم