الحمد الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارا به وتوحيدا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وعلى آله وصحبه تسليما مزيدا، ثم أما بعد.
نشهد حوارا قديما طوته السنون والأحقاب والدهور، كان محله هذه المدينة التى نسكنها أو نقطن فيها، يحكى المغيرة بن شعبه رضي الله عنه أنهم قدموا إلى الأسكندرية ودخلوا على المقوقس وكان مقر العاصمة فى هذا الوقت فى مصر فى هذه المدينة، والمقوقس هو حاكم مصر وكان فى هذا الوقت تحت الإدارة الرومانية.. فيقول المغيرة أنهم دخلوا على المقوقس فسألهم فقال: كيف خلصتم إلىّ من طائفتكم ومحمد وأصحابه بينى وبينكم؟ قالوا لصقنا بالبحر ولقد خفناه على ذلك.
التوقيت الذى جرت فيه هذه المحاورة هو ما بين غزوة الأحزاب إلى صلح الحديبية – أى حوالى سنة 5 من هجرته صلى الله عليه وسلم – قريش رجعت عن المدينة والأوضاع فى حال من السكون النسبى إلى حين ما خرج صلى الله عليه وسلم إلى العمرة فى الحديبية. فى هذه الفترة خرج المغيرة وجماعة من بنى مالك – من ثقيف – إلى مصر. فالمقوقس يسألهم كيف وصلتم لدى ولم يعرض لكم فى طريقكم محمد صلى الله عليه وسلم واصحابه.
المقوقس موجود فى الإسكندرية. هل لهم أى صلة بالجزيرة وما يجرى فيها؟ هل بعث لهم النبى صلى الله عليه وسلم رسالة أو كتاب ولا الإتصال فى هذا الزمان بهذا المستوى من التيسير أو التداخل ما بين أقطار الأرض الموجود حاليا.. لكن المقوقس وهو فى مدينته كان على علم بما يجرى فى جزيرة العرب ولذلك هو يسألهم كيف مررتم وخرجتم من مكة مرورا بالمدينة – فى طريق التجارة – إلى حيث بلاد الشام ثم إنتقلتم إلى مصر فقالوا له نحن لم نفعل ذلك لقد جئنا عن طريق البحر – خرجوا من مكة ثم إلى جدة ثم إلى الشام حتى الإسكندرية – قال وبرغم ذلك لقد خفناه على ذلك كنا خائفين أن يعرض لنا.
فسألهم المقوقس وكيف صنعتم بما دعاكم إليه؟ قال ما تبعه منا ولا رجل واحد.. المغيرة رجل من ثقيف وهى القبيلة التى تسكن الطائف.. فهو يسأله ما موقفكم من محمد فقال له لم يتبعه أحد من قبيلتنا قال: ولم؟ قال جاءنا بدين محدث لا تدين به الآباء ولا يدين به الملك ونحن على ماكان عليه آباؤنا، هو يسأله لماذا أخذت هذا الموقف فقال له لقد أتى بأمر جديد – وهذا فى حد ذاته ليس مشكلة – ولكنها ليست وفقا لما نحن عليه ولا آباؤنا وأيضا ليست وفقا لدين الملك.. وهى مجاملة سياسية.. فهو لا يوافق ديانتك فالمفترض أن الأمر غير ذى أهمية لديك فنحن على ما عليه الآباء. قال كيف صنع قومه قريش؟ قال إتبعه أحداثهم – صغار السن – وقد لاقاه – حاربه – من خالفه من قومه وغيرهم من العرب فى مواطن تكون الدبرة عليهم تارة وتكون لهم تارة.. أى دخلوا معه فى صراع ينتصر هو مرة وينتصرون هم مرة. فقال المقوقس ألا تخبرونى وتصدقونى إلى ماذا يدعو؟ ما رسالته؟ قال يدعو إلى أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئا ونخلع ما كان يعبد الآباء.. ويدعو إلى الصلاة والزكاة. فقال المقوقس وما الصلاة والزكاة؟ ألها وقت يعرف وعدد ينتهى إليه؟ هو يعرف ما الصلاة والزكاة ولكنه يسأل هل هو يدعو إلى معانى مرسلة.. يقول صلوا أو تقربوا أو تصدقوا أم جاء بدين يمثل منهاج واضح ونظام متكامل وتفصيلى ودقيق. قال وما الصلاة وما الزكاة هل لها وقت يعرف وعدد ينتهى إليه؟ قال يصلون فى اليوم والليلة خمس صلوات كلها بمواقيت وعدد ثم سماهم له – شرحوا له مواقيت الصلاة وأوقاتها وعدد ركعاتها – هؤلاء ثقيف وعلاقتهم بالنبى صلى الله عليه وسلم التكذيب.. من أين أتوا بالمعلومات التفصيلية عن الصلاة؟ إذن فهم لديهم دراية، إطلعوا على الأمر وعندهم به معرفة وخبرة تفصيلية، ثم قالوا ويؤدون من كل مال بلغ عشرين مثقالا نصف مثقال، ومن كل إبل بلغت خمسا شاه… هذا الكلام عن الزكاة نحن لا نعرفه… ثم قالوا له صدقة بقية الأموال كالزروع والركاز وشرحوا له كل شىء عن الزكاة – وهم ثقيف المفترض أنهم لا يعرفون شيئا – فسأل وقال أفرأيتم ما يأخذ من هذه الأموال أين يضعها؟ يريد أن يعرف كيف يتصرف فى هذه الأموال ليعلم هل هو نبى أم ملك. فالنبى سيضعها حيث أمر أما الملك فسيتصرف فيها حسب أريحيته الشخصية فالملك يملك ويتصرف كما يريد. قالوا يردها على فقرائهم – أى يعطيها للفقراء – ويأمرنا بصلة الرحم ووفاء العهد وتحريم الزنا والخمر ولا يأكل مما ذبح لغير الله، إذن فهم يفهمون بشكل تفصيلى دقيق، فقال هو نبى مرسل.. هو نبى مرسل إلى الناس كافة ولو أصاب القبط والروم إتبعوه، أى لو أحسنوا التفكير لدخلوا معه فى دينه.
القبط هم المصريون… فالقبط جنس كالروم والعرب والبربر وليسوا ملة ولا دين وإنما هو جنس.. فالأقباط هم المصريين كجنس فلا يصح أن نقول قبطى ومسلم فكأنما نقول مصرى مقابل مسلم. فهو يقول لو أصاب القبط والروم لاتبعوه وقد أمرهم بذلك عيسى بن مريم.ثم يقول بعد ذلك.. ولسوف يسود أمره حتى لا ينازعه أحد ويظهر دينه إلى منتهى الخف والحافر ومنقطع البحور.. آخر مكان يصلى إليه الجمل والحصان والحمار ونهاية المعمور من الأرض.. وليوشكن قومه أن يدافعوه بالراح – أى يدفع يده بيده – أى يضعفوا عن المقاتلة ويتركوا ما بيدهم من سلاح ويدفعوه بالأيدى كما حدث وآل إليه الأمر فى فتح مكة.فهو قال ” أى المغيرة ” لو دخل الناس كلهم معه ما دخلنا، فأنغض المقوقس رأسه وقال أنتم فى اللعب – أنتم بتهرجوا – فأنتم تتعاملون مع قضية فى غاية الخطورة بطريقة فى منتهى السفه. ما نريد أن نتكلم عنه هو ما فعله المقوقس.. أنغض رأسه وقال أنتم فى اللعب… فهو مدرك لعظم هذه القضية، مدرك خطر وعظمة هذه المسألة، ومدرك ما معنى النبوة وما معنى الرسالة وما أثرها الدينى والثقافى والحضارى والسياسى الذى سيغير وجه الأرض.. بينما هم يأخذون الأمر مكابرة وعندا ويقولون لو كل الناس دخلوا معه فلن نتبعه. ثم سألهم كيف نسبه فى قومه؟ قالوا هو أوسطهم نسبا.. قال كذلك المسيح والأنبياء تبعث فى نسب قومها. قال كيف صدقه فى حديثه؟ ما أحواله فى الصدق والكذب؟ قالوا ما يسمى إلا الأمين فقال انظروا فى أمركم أترون أنه يترك الكذب فيما بينكم وبينه ثم يكذب على الله؟ ثم قال فمن اتبعه قالوا الأحداث قال: هم – والمسيح – أتباع الأنبياء قبل.
ثم سألهم السؤال الأخير.. قال ما فعلت يهود يثرب فهم أهل التوراة؟ فقال المغيرة خالفوه فأوقع بهم فقتلهم وسباهم فتفرقوا فى كل وجه. لكن هل هذا ما حدث بالفعل؟ كلمة خالفوه فأوقع بهم معناها أنه أوقع بهم لمجرد المخالفة فهل هذا ما حدث؟ أم أنهم نقضوا عهدهم مع النبى صلى الله عليه وسلم وخانوا الأمانة وأرادوا قتل النبى صلى الله عليه وسلم ومالئوا عليه قريشا وفتحوا لهم ديارهم ليأتوه من ظهره؟ لكنهم ليسوا منصفين لأنهم مناوئين فقالوا أن اليهود خالفوه فأوقع بهم فقتلهم وسباهم وتفرقوا فى كل وجه.. فقال المقوقس هم حسدة حسدوه، ألا إنهم يعرفون من أمره مثل ما نعرف. يقول المغيرة فخرجنا من عنده وقد سمعنا كلاما ذللنا لمحمد صلى الله عليه وسلم وأخضعنا له، خرجوا بحالة نفسية مختلفة تماما، وقلنا.. ملوك العجم يصدقونه ويخافونه فى بعد أرحامهم منه ونحن أقرباؤه وجيرانه لم ندخل معه وقد جاءنا داعيا إلى منازلنا.. نحن كنا الأولى بشكر النعمة فهو قد أتانا يدعونا ويرشدنا إلى الله تبارك وتعالى، وهؤلاء على بعد أماكنهم موقفهم منه غير الموقف الذى اتخذناه. لو أردنا أن نحلل هذا الموقف فأول شىء نجد أن المقوقس رجل ذو علم ودراية سواء بما يجرى حوله أو بأخبار الرسل والنبيين وهذا يعطى المعايير لتقييم المناهج والأفكار. لكن ما يعنينا بالأساس هو المغيرة رضي الله عنه وبنى مالك وقبيلة ثقيف.. هؤلاء الناس أليس لديهم معرفة بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم؟ هم لديه معرفة بدليل أنهم أخبروه تفصيليا بمضمون رسالته صلى الله عليه وسلم سواء كان الأصل العام وهو توجه الناس إلى الله وعبادة الله تبارك وتعالى أو كانت العبادات أو كانت الأخلاق الفاضلة المأمور الإنسان باتباعها أو الفواحش المأمور الإنسان بتركها.. كل هذا هم يعلمونه جيدا. لكن لماذا لم يأخذوا الموقف الذى كان عليهم اتخاذه؟ هذا هو التعليم الذى ذكره المقوقس حين قال أنتم فى اللعب.
ما معناها؟ ما المقصود باللعب وما حقيقته؟ اللعب هو أن الإنسان يتصرف فى الأمر خارج إطار المسئولية التى كان ينبغى أن يتعامل بها مع القضايا ذات الوزن والخطر والقيمة وهذا ما نريد ان نتكلم عنه.. نحن ورمضان. هل نحن نتعامل مع رمضان فى إطار المسئولية أم سيصدق علينا ما قال المقوقس، أنتم فى اللعب، فهو واحد من أمرين إما أن نكون فى إطار المسئولية وفى إطار إدراك التبعة والعظمة والنعمة والقيمة أو نكون فى إطار اللعب.. إطار لا يتماشى مع العلم والإدراك بالقيمة مثل ثقيف التى كان لديها علم ويدركون جيدا وشرحوا الأمر بالتفصيل للمقوقس ولكن ممارستهم كانت فى إطار آخر خارج إطار المسئولية.. وهذه هى حقيقة اللعب.
فنحن نريد أن نحدد ما هو موقفنا ولكى نفعل ذلك لابد أن نعرف ما المفروض أن نفعله. نريد أن نعرف ماذا يعنى رمضان وما قيمته وبالتالى مفروض أن نعرف ما المفترض عمله وفى المقابل نعرف ما الذى نفعله بالفعل.نستطيع أن نقول أن رمضان هو الفرصة التى يأخذها الإنسان المسلم لكى يعيد إكتشاف ذاته.. هذا أولا.. ويعيد بناء ذاته ثانيا. يعيد إكتشاف ذاته.. ماهى هذه الكينونة.. وما المفروض أن يفعله.نحن نتكلم بالأساس على معنى الرب ونتكلم عن تربية الرب.. نريد أن نعتبر رمضان نموذجا لتربية الله تبارك وتعالى للإنسان المسلم. فنحن منذ بداية ظهور ” الكحك ” فى شوال لنهاية شعبان نعيش بنسق معين يسوده حالة من القصور والتقصير والضعف عموما، وغلبة الضغوط المادية وجفاف الجانب الروحى والوجدانى فى الإنسان.. هذا هو ما نعيشه فى 11 شهر..
ثم تأتى صورة مباشرة من التدخل الإلهى لتحسين هذا الوضع وإعطاء الإنسان فرصة جديدة لاستعادة ذاته وروحه وإحياء وجدانه. النبى صلى الله عليه وسلم يقول فى حديث ابى هريرة رضي الله عنه إذا كان أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن وفتحت أبواب الجنة حتى لا يغلق منها باب وغلقت أبواب النار حتى لايفتح منها باب ونادى مناد يا باغى الخير أقبل ويا باغى الشر أقصر.. ثم قال ولله عتقاء فى رمضان وذلك فى كل ليلة.النبى صلى الله عليه وسلم يتكلم عن قرارات وأوامر عظمى ستتنزل فى ميعاد محدد.. أول شىء يصدر الله تبارك وتعالى أمرا بتصفيد الشياطين التى توسوس لنا ليل نهار فتقيد لأنها من أسباب الضغط علينا – وهذا ليس بعذر – لكن فى النهاية طبيعة الإنسان الضعف فننهار أمام وسوستها – فتصفد الشياطين لكى ننطلق نحو الطاعة فلو كنا صادقين فى رغبتنا التقرب إلى الله تبارك وتعالى فها هى الفرصة سانحة دون معوقات. وهنا تتضح حقيقة موقفى هل كان لدى إرادة قوية حقيقة ولكننى كنت أعانى من الضعف أم أننى ليس لدى العزيمة أصلا. ثم نجد قوله صلى الله عليه وسلم فتحت أبواب الجنة التى تساوى أبواب الخيرات وفرص الطاعة لله تبارك وتعالى كلها مفتوحة فلا يغلق منها باب، وأبواب الشهوات ضيقت وغلقت فلا يفتح منها باب، وينادى مناد يا باغى الخير أقبل ويا باغى الشر أقصر، باغى الخير.. الشخص الذى يريد أن يسلك مسلك الخير ولكنه كان يعانى سابقا من ضعف يحجزه فهذه فرصته ليقبل إلى الله.. وباغى الشر هو نفس الشخص الذى يعانى من الضعف لكن هذا الضعف يؤزه فى اتجاه المعصية.. فالضعف يمنعنى من الخير.. والضعف يجعل الشيطان يدفعنى ويتملكنى فى اتجاه الشر.. نفس الشخص. فيا باغى الخير هذه فرصتك فأقبل.. ويا باغى الشر أبواب الشر غلقت فأبصر هذه فرصتك لكى تكف عن الشر. هذا هو ما يجرى فى هذا الوقت. إذن فالله تبارك وتعالى يعطينا الفرصة لكى نعود إليه تبارك وتعالى. الأمر الثانى فى إطار التربية.. فذلك التدخل الإلهى فى إدارة اليوم فبدلا من قضاء اليوم كيفما كان، يكون لديك برنامج إلتزامى من الفجر للمغرب به إلتزامات محددة، من هنا إلى هنا.. أستعيد معنى العبادة واللجوء إلى الله فى ترتيب أمور الحياة. وفى الليل أحاول أن أصف قدمى بين يدى الله. وكما قال الله تبارك وتعالى كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ لماذا ذكر العلة؟ لكى نتلمسها ونبحث عنها ولا نتجاهلها.هل الصيام فقط للإمتناع عن بعض المباحات فى زمان محدد؟ هل هو عقوبة وتضييق على الإنسان أم أن المقصود منه حكمة بعيدة؟ أنا من الفجر للمغرب سأمتنع عن حاجات أحتاجها وأمور اعتدت فعلها ولكننى أدركت اننى من الفجر للمغرب لدى القدرة على الإمتناع..
وفى الليل لدى القدرة على الفعل. فلو أننى صليت بالليل فهذا معناه أننى لدى القدرة على الفعل ولو إمتنعت بالنهار فمعناه أننى لدى المقدرة أن أقول لا.. ولو أننى ظللت ثلاثين يوما كل يوم من الفجر للمغرب أقول لا وأمتنع فهذا معناه اننى لدى المقدرة على الفعل والإمتناع عنه، ولكن الله يعلمنا بالتجربة وليس بمجرد الكلام.. فمهما استمعت إلى مواعظ ومحاضرات فلن يعلمنى سوى الممارسة والتجربة وهى الدليل العملى الواضح. إذن فأنا أقدر وأستطيع أن أفعل أو ألا أفعل. الأمر الآخر تجديد الصلة بينى وبين الله تبارك وتعالى.. تجديد عهد الإيمان مع الله وعهد الإلتزام بأوامر الله تبارك وتعالى وأننى لازلت عبد وسأطيع أوامر الله تبارك وتعالى بدقة.. ولذلك النبى صلى الله عليه وسلم جعل السنة أن نأكل أول ما يؤذن للمغرب وأن نتسحر فى آخر الوقت قبل الفجر وذلك للتأكيد على أننى عبد وأننى أنفذ الأوامر فى الأوقات المحددة وإن الإمساك عن الأكل ليس هو المقصود.. فهو ليس تعذيب.. ولكن المقصود أننى عبد أتنقل بين حدين.. آكل أول آذان المغرب لأننى عبد ألتزم بالحد المقرر وأستمتع بما أحله الله تبارك وتعالى إلى أن يأتى وقت المنع الذى حدده الله سبحانه وتعالى.. حتى لو تسحرت فى وقت مبكر فالأفضل أن أشرب ولو جرعة ماء فى الوقت المحدد فأنا أريد أن أقول لنفسى وأجدد العهد مع الله تبارك وتعالى بأننى عبد وسألتزم بذلك.. لو أنا فعلت هذا وأنا كنت أفهمه وأديره بعقلى أثناء ثلاثين يوم فأعتقد أن يوم 1 شوال سأكون مختلفا عما كنت عليه أول رمضان. لو أننى أتعقل قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ
فالله تبارك وتعالى منّ علينا ورفعنا إلى مكانة أن نكون عاقلين وفاهمين وليس مجرد الفعل بدون فهم. الله تبارك وتعالى لم يكن ملزما بإخبارنا ماذا ولماذا.. ولكنه يريد منا أن نفهم وندرك ماذا نفعل ولماذا نفعله وبالتالى نعلم كيف نحققه ونعلم أن هناك غاية وحكمة مرادة من وراء كل أمر وبالتالى نتوافق مع الإرادة الإلهية ونصل إلى النتيجة التى يريدها الله تبارك وتعالى لنا.أقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم. الحمد لله رب العالمين…من الأشياء التى يفترض أن نحققها، إكتساب الإنسان قدر أعلى من الصبر والحلم وسماحة النفس، النبى صلى الله عليه وسلم يقول فى ذكر الصائم فإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إنى امرؤ صائم.. معنى هذا أن الصيام نفسه سيتدخل ويفرض علىّ سلوك معين أو يوجهنى باتجاه سلوك معين أو سيعدل سلوكى لاتجاه معين. النبى صلى الله عليه وسلم يقول من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه – فالأمر كما سبق وقلنا ليس بتعذيب – هذه هى الغاية المقصودة.. قول الزور والعمل به والجهل وهو السفه، فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه.الأمر الآخر وهو الشق الإجتماعى.. الإحساس بالآخرين والإحساس بالمعاناة والفقر والحاجة ولذلك كان النبى صلى الله عليه وسلم أجود ما يكون فى رمضان وكان جبريل عليه السلام يدارسه القرآن ولذلك هناك علاقة بين القرآن وبين رمضانشَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ
وهناك علاقة أخرى بين رمضان وبين الإحسان. أخيرا وجماع الأمر.. نحن فى النهاية إزاء نعمة كبيرة من المفترض أن ينتج عنها أمر كبير أساسى فى إعادة إكتشاف أنفسنا وفى نفس الوقت بناء جوانب التربية والإرادة والأخلاق الفاضلة وإستعادة روح الإنسان هذا ما يجب أن يحدث.لو حدث هذا تكون النتيجة هى المغفرة.. أن يعفو الله تبارك وتعالى عما سلف منا من زلل وخطأ وتقصير وجناية وهذا شىء نحن فيه. ولو لم نفلح فى هذا سنظل فى دائرة خطر أكبر وأعظم ولذلك نحن نقول أن أمامنا أمر من إثنين إما أن نكون مثل المغيرة وبنى مالك والعياذ بالله وندخل فى إطار ” أنتم فى اللعب ” أمر كبير جدا وعظيم ونحن موقفنا منه به قدر كبير من السطحية واللامبالاة.. أو نكون فى إطار المسئولية فننتفع بالنعمة. فلو لم ننتفع بها ماذا سيحدث؟ قال صلى الله عليه وسلم أتانى جبريل فقال من أدرك رمضان فلم يغفر له فأبعده الله فقال صلى الله عليه وسلم آمين.. المشكلة أننى لو لم أنتفع بهذا سأكون من المبعدين.. لو لم أنتفع بثمرة النعمة واتخذت منها موقفا سلبيا فسأهبط أما لو كان موقفى إيجابيا فسأرتفع قال الله تبارك وتعالىإِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ الْعَالَمِينَ لماذا؟ لأن كلما تأتى منّة جديدة فهى نعمة جديدة بمسئولية جديدة لو أننى لم أنتفع بها فإننى أخسر وأهبط.. هل نريد أن نهبط ونكون فى دائرة من أبعده الله؟ جبريل عليه السلام يدعو والنبى صلى الله عليه وسلم يؤمن على دعائه…من منا يريد أن يكون كذلك ويصبح فى النهاية واقفا أول شوال فى دائرة من أبعده الله؟ أكيد لا أحد منا يقبل ذلك ولا أحد يتعقل الأمور يريد أن يصبح كذلك.. ولكن ماذا نفعل لكى ننال المغفرة؟ لا يمكن أن نخاطر بها.
قال تعالى وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى أول خطوة لو أنا اريد أن أنال المغفرة أن أتوب.. أن أنظر خلفى أنظر فى سجلاتى ما حالها.. ثم أتخذ الخطوات باتجاه أن يمحو الله تبارك وتعالى ما فى هذه السجلات ويبدل ما فيها من سيئات إلى حسنات، فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً فأول شىء أن أحاول أن أنظر خلفى وأستغفر الله تبارك وتعالى مما فعلته وأتعهد بأن أكون أفضل فى المستقبل وأننى لا أريد أن أعود لما فعلته.. لو فعلت ذلك فلن ينسلخ رمضان إلا وأنا أفضل.فأنا أريد أن يغفر لى الله تبارك وتعالى ما مضى وأن أريد أن أصبح أفضل وأن أنتفع من هذه الفرصة، تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى الثبات على هذه الصورة وطلب التساهيل وطلب الحفظ والعناية والرعاية من الله تبارك وتعالى، قال صلى الله عليه وسلم رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ فلم يغفر له.. رغم أنفه أى ذل وأصابه الهوان، هل نريد أن نكون كذلك؟ أن نكون ممن أبعده الله أو ذل وأصابه الهوان؟ أكيد لا.. ماذا نفعل إذن؟ كيف ننال مغفرة الله تبارك وتعالى؟ لابد أن أعدل المنظومة وأتخذ قرارا بأن أعيش رمضان كما أراد الله تبارك وتعالى لى أن أعيشه وأن أنتفع بالنعمةوأشكرها لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ
ولذلك وجهنا الله تبارك وتعالى للصيام والقيام، قال صلى الله عليه وسلم جاءكم رمضان شهر مبارك تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب الجحيم وتصفد فيه الشياطين فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم… هذا هو المحروم الحقيقى.. فالمحروم هو من كان لديه فرصة أن ينتفع ولم يستطع أن يحصلها.. من كان لديه فرصة أن يرتقى فأضاعها.. كان لديه فرصة أن يدنو إلى جناب الله ولكنه أفسد هذا.لكى نتجنب هذا لابد أن ننتفع من النعمة التى أعطانا الله تبارك وتعالى.. ولكى ننتفع لا بد أن نؤديها بصورة مرضية. إذن فنحن قلنا أننا فى نعمة لا نريد أن نعاملها باللعب ولكن نريد أن نعاملها بإطار من المسئولية وأن نركز فى كل أمر ربنا وجهنا إليه ونحاول أن نؤديه وفقا لحكمة ربنا تبارك وتعالى فيه.. أن نتعامل مع الله تبارك وتعالى بقلوبنا، قال صلى الله عليه وسلم من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.. نحقق الصيام بالإيمان والإحتساب.. ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ماتقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.ربنا تبارك وتعالى يوجه النبى صلى الله عليه وسلم بأن يكلمنا عن حالة قلبية وليس مجرد ممارسة.. إيمانا واحتسابا أى حالة إيمانية.. إيمان أى تعظيم وإجلال وخضوع وطاعة لله وأن نستقبل الصيام بهذه الطريقة…إستسلام العبد المسلم الراضى بأمر الله المحب له. واحتسابا أى يتمنى أن يؤجره الله تبارك وتعالى…أن يعفو الله عنه ويتقبل منه وأن يخرجه من رمضان أفضل مما دخل، فإذا كان كذلك غفر له ما تقدم من ذنبه لأن الله تبارك وتعالى لا يخلف وعده فهى قوانين محددة وليست هلامية لا يمكن إدراكها.. هى يسيرة ولكنها تحتاج من الإنسان أن يوليها الإهتمام والعناية والتثبيت..
هل نحن لدينا أشياء أخرى أهم فى حياتنا؟ هل هناك ما هو أهم من الله تبارك وتعالى والقرب منه وبناء إرادة الإنسان وتكافل الناس وتراحمهم بعضهم مع بعض وإستعادة الناس لجانب الروح والوجدان والمشاعر الذى نضب أو كاد أن ينضب؟ لو كان لدينا ما هو أكثر أهمية من هذا فنحن نحتاج إذن إلى إعادة ترتيب. ولو لم يكن فلا بد أن تكون ممارستنا على قدر المستوى الذى نقتنع به وإلا فنحن كما قال المقوقس ” أنتم فى اللعب ” . ولذلك واجب علينا أن ننتفع بهذه النعمة ونشكرها لأننا سنقف غدا بين يدى الله تبارك وتعالى وسيسألنا عن كل نعمة وعن كل فرصة فماذا سنقول؟ ماذا سنقول عن رمضان؟ قال تعالى وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ أمر كبير وجلل وليس بهين. نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا إلى الإنتفاع بالنعمة والمنة وأن نكون من الشاكرين ولا نكون من الجاحدين.. وأن يمنّ الله تبارك وتعالى علينا بأن يضعنا فى إطار أهل المغفرة، والمغفرة ليست أمرا عشوائياً وإنما لها توجهات معينة ومسلك نسلكه وأسباب لابد أن نأخذ بها.
اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا..
اللهم اغفر لنا ذنوبنا، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا فى أمرنا، وإسرافنا فى أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.
اللهم إنا نسألك رحمة من عندك تجمع بها شتات أمرنا وترد بها غائبنا، اللهم إنا نسألك أن ترحمنا برحمة تغنينا بها عن رحمة من سواك، اللهم إنا نسألك أن تتغمدنا برحمة تغنينا بها عن رحمة من سواك.
اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا، اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا
اللهم تقبل منا الصيام اللهم تقبل منا القيام، اللهم تقبل منا الصيام اللهم تقبل منا القيام
اللهم اجعلنا من عتقائك من النار واجعلنا اللهم من المقبولين
أقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم.