الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي المتقين، وأشهد أن محمد عبده ورسوله خاتم الأنبياء وصفوة المرسلين؛ صلى الله عليه وعلى وصحبه الطيبين الطاهرين ثم أما بعد:
ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ذي الذكر؛ ذي الشرف والرفعة والعلو والعظمة، والذي يبقي من يؤمن به شريفاً رفيعاً راقياً كريماً مذكوراً لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ولما كان القرآن موصوفاً بأنه ذي الذكر؛ ذي الشرف في نفسه وذي الرفعة لمن تمسك به، قال الله تبارك وتعالى بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ لما كان القرآن بهذه المثابة؛ كيف يكفر به من كفر؟ وكيف يجحده من جحد؟ فيجيب الله تبارك وتعالى بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ استعلاء وتكبر عن طاعة الله وعن الخضوع له وعن الانقياد لأوامره تبارك وتعالى، ولما كانوا في عزة كانوا ولابد في شقاق، الشقاق أن يكون العبد في شقٍّ وفي جانب محاداً لله عز وجل ولرسوله ولأوامره ولنوره ولدينه؛ إلى متى؟ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ نادوا: استغاثوا بكل ما يمكنهم أن يستغيثوا به، وأذعنوا للإيمان حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ
فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ ليس وقت مندم ولا مهرب ولا محيص، وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ يتحسر كل عبد على ما فرّط وعلى ما فات منه، ولكن إذ قضي الأمر وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ، وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ غاية في العجب وغاية في النكران وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ هو يزعم أنه رسول من عند الله، هم ينكرون كلام الله، ينكرون توحيد الله، ينكرون إفراد الله عز وجل بالعظمة بالإجلال والعبادة والكبرياء، مع أنهم يزعنون أنه ليس من خالق إلا الله وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ ولكنهم مع ذلك يقولون أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إذا كان ما ثم إلا خالق واحد، وما ثم إلا رازق واحد، وما ثمّ إلا مدّبر واحد، وما ثمّ إلا ربٌّ واحد، فكيف يجعل الناس لله أنداداً، ثم يتعجبون ممن يدعوهم إلى أن يوحدوا ربهم.
مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ في ملة النصرانية التي يزعم محمد أنه قد أتى برسالة من عند الله كما أتتمهم، هم لا يقولون بتوحيد بل يقولون بتثليث، مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا حسنٌ؛ هل هناك ذكر؟ أم أنه لا يوجد ذكر، أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا أي أن ربنا سبحانه وتعالى حينما يريد أن يصطفي، حينما يريد أن يختار؛ لا يختار إلا هذا الفقير اليتيم ! وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ العباد سيفرضوا على ربنا سبحانه وتعالى من يصطفي ومن يختار وماذا يفعل وماذا لا يفعل؟!، نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ.
بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ حسن؛ هل هذا جديد؟ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ هم ماذا ينتظرون؟ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ أن يحق عليهم كلمة العذاب كما حقت على من سبق، فليس لهم من مهرب ولا من ملجأ ولا من مفزع ولا من منجا، وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ إذا كان الله تبارك وتعالى يحذر هؤلاء من مصير من سبق، ومن مآل هؤلاء الأحزاب، كيف كان جوابهم؟ فليأتنا حظنا وقسمنا من العذاب الآن،، إذا كنت تقول أن هناك عذاب، عجّل به،، وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا في الدنيا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ
بعد كل هذا البيان يعقّب سبحانه وتعالى اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَما يقولون هذا، عبارة عن ماذا؟ ربنا سبحانه وتعالى ذكر عظمة القرآن، ذكر الكفر بالقرآن، ذكر علّة هذا الكفر، ذكر التكذيب بالرسالة، ذكر إنكار وحدانية الله تبارك وتعالى، ذكر الإزراء على الرسول صلى الله عليه وسلم، ذكر وصفه بالسحر وبالكذب وبالاختلاق، ذكر تحقيرهم للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم استعجالهم للعذاب واستخفافهم واستهزائهم بتحذير ربهم تبارك وتعالى لهم، وقع الكلمات على البشير النذير صلى الله عليه وسلم، كيف تكون؟ فقال الله تبارك وتعالى له اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وبعد ذلك، ذكر إعانة على الصبر اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ما علاقة اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ بداوود، اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ القوة إِنَّهُ أَوَّابٌ دائم الرجوع إلى الله تبارك وتعالى، دائم الإنابة إلى الله تبارك وتعالى، قانتٌ لربه تبارك وتعالى آناء الليل وأطراف النهار، اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
الحمد لله رب العالمين، اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ نريد أن نفهم هذه، ربنا سبحانه وتعالى يقول فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ ما الحل؟ ما الدواء؟ ما الشفاء؟ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ هذا الخطاب لمن؟ لمن قال له ربه تبارك وتعالى أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ هو يخاطب عبده الذي قد شرح له صدره، ومع ذلك يقول له وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ إذاً كيف يكون الصدر مشروحاً ضائقاً؟ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ بماذا؟ ما الذي يجعل الإنسان صدره ضيق؟ وما الذي يشرح للإنسان صدره ويوسّعه؟ فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ بالإيمان، بالهداية، بالقرآن، بحسن الصلة بالله تبارك وتعالى، بالسعي لإرضاء الله، بالعمل للآخرة بإدارك حقيقة الحياة الدنيا، هذا شرح الصدر،، وفي المقابل.. مَا يَقُولُونَ مما فسّر الله تبارك وتعالى، يترتب عليه أن هذا الصدر الواسع يعتريه الضيق، لأن الصدر ما الذي شرحه؟ الإيمان، إذا جاء الكفر! ضيّق الصدر الواسع، ما الذي شرح الصدر؟ الهداية فإذا جاء الناس بالضلال ضاق الصدر الواسع، بماذا ينشرح الصدر؟ بالإقبال على الله، فإذا أصرّ الناس على الإدبار ضاق الصدر الواسع، بماذا ينشرح الصدر؟ بالعمل لجنة عرضها السماوات والأرض لا تضيق بمن يسعى لها، فما الذي سيضيّقه؟ التنافس والتكالب على الدنيا الضيّقة، فهذا الصدر الواسع المنشرح قد ضاق بما يقولون، فعندما يضيق ماذا يحدث؟ كيف تستطيع أن ترجعه لحاله؟ كيف تذهب عنه الضيق الذي حلّ به، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ فهذا ليس عمل مؤقّت فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ هذا سيذهب الضيق العارض، ولكي يستمر الصدر مشروحاً، لا يصلح حينما تزول هذه الحالة أرجع لحال الغفلة أو للغياب عن الذكر، لأن الموضوع سيعود مثلما كان، ولذلك أمره سبحانه وتعالى فقال وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ فهذا واحد.
فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ ما معنى لغوب؟ تعب، قالت يهود: خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استراح في يوم السبت من كد ما عانى فلا توجد إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فالذي يستريح يكون قد بذل جهداً بدنياً وذهنياً فأتعبه وأثقله فاستراح، فــ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ كيف تقع موقعها في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ إذا كان محباً لربه معظماً له مقدساً له، لأن هذا الكلام سيؤلم المؤمن وعلى قدر إيمانه، وإن لم يكن ثم إيمان؟ لن يحدث شيء ولن يحتاج أن يقال له شيء، فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى لَعَلَّكَ تَرْضَى إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا مِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا، فحين نقول اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ نفهم الذي يقال، ربنا سبحانه وتعالى وجه عبده ونبيه صلى الله عليه وسلم في غير ما موضع من كتاب الله قرن ما بين الصبر والتسبيح، والتسبيح هذا تسبيح بحمد لله أي تسبيحاً مقروناً بالحمد، الشيئين معاً، أمره بالصبر، ما الذي سيعينه على الصبر؟ وما الذي سيذهب وحل الصدر؟ وما الذي سيشرح الصدر ويسكنه؟ أن يسبح بحمد ربه آناء الليل وأطراف النهار.
حسناً، فإذاً لماذا ذكر داوود؟ القدوة، القدوة في التسبيح، القدوة في التسبيح، فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ حسناً ولماذا ذكر داوود؟ لأنه سيأتي معنا إن شاء الله الجمعة القادمة أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما كان يتحدث مع عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه وعن أبيه وصف داوود فقال: وكان أعبد الناس، ولذلك وصفه ربنا بأنه ذا الأيد، الصبر والقوة على طاعة الله والاستدامة على ذكر الله تبارك وتعالى.
حسناً، ما معنى كلمة التسبيح؟ ولماذا تم اختيار كلمة التسبيح ” بالذات “؟ لأن التسبيح وصف وحال، الاثنين معاً، أي حينما أقول سبحان الله.. ما معناها؟ معناها تعظيم وإجلال وتنزيه ربنا تبارك وتعالى عن أي توهم لأي شيء فيه نقص أو عيب بأدنى درجة بأي وجه من الوجوه في أي شيء يتعلق بالله سبحانه وتعالى، وصف الله سبحانه وتعالى، نور ربنا سبحانه وتعالى وهدايته، أحكام ربنا سبحانه وتعالى وتوجيهه، أقدار ربنا سبحانه وتعالى وأفعاله، حين يتوهم الإنسان أي شيء أو يرى أي شيء أو يسمع أي شيء فيه أدنى شوب لنقص أو عيب في حق ربنا تبارك وتعالى عياذاً بالله يقول: سبحان الله، نحن نستخدم سبحان الله في موضوعين، في موضع حين ترى شيئاً يثير إعجابك، أو شيء يثير استنكارك، إذا رأى الإنسان شيء يستعظمه يقول سبحان الله لأنه من خلق من ليس في خلقه تفاوت ولا نقص ولا عيب، مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ لا تستعجل، أعد مرة أخرى، ” موراناش حاجة ” ، أعد مرة أخرى، أبحث، أبحث كما تريد ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ وفي النهاية ماذا يحدث؟ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ، أو يقول لك شخص جملة ليس لها معناً ” فتحس إنها جملة ضايعة ” فتقول له: سبحان الله ما الذي تقول؟ فما معنى سبحان الله؟ معناها أنه قال شيء ترى أنه معيوباً جداً فتتذكر من ليس في كلامه عيب ولا في تصرفه عيب، لأن هذه الكلمة خرجت من إنسان والأصل في الإنسان النقص، الأصل في الإنسان الخلل، ومن الذي لا يعتريه نقص أو خلل سبحانه وتعالى؟ الله تبارك وتعالى، فتقول سبحان الله حينئذ لكي تذكر أن التنزيه متعلق بالله وفقط سبحانه وتعالى.
حسناً، لماذا كلمة التسبيح؟ لأن التسبيح هذه من السباحة، تعوم وتنساب وتسرح، فالتسبيح عبارة عن أن يسرح الإنسان في هذه الكلمات، لا يسرح وهو يذكرها كما نفعل، يسرح أي يذهب، يترك لنفسه العنان في أن يتفكر في آلاء الله وعظمته، يسرح، يذهب بعيداً، فتنساب نفسه في معنى التسبيح والتنزيه فيرجع بحاله من التقديس، لذلك قال ربنا ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ سيرجعه التسبيح في حاله من الإنابة، حالة من التعظيم والإجلال لله سبحانه وتعالى، حالة من الارتباط، حالة من مزيد الحب، مزيد التعلق ومزيد الإخبات، فعندما كان كذلك فكان من الطبيعي أن يقول ربنا سبحانه وتعالى إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ ليس وحده، فإذا ماذا يوجه ربنا سبحانه وتعالى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟ أن يقتدي بهذا العبد لكي يرفع عن نفسه ضيق الصدر، حتى لا تضايقه الأمور التي تضايقه، والأمور التي تتعبه لا تتعبه.
لماذا التسبيح مع الحمد؟ وما المقصود بالحمد؟ كلمة الحمد لله.. ما معناها؟ الحمد ذكر محاسن من تحمده على وجه المحبة له، فالحمد أن تتذكر الآلاء والنعم وأوجه الجمال لله تبارك وتعالى تعبيراً عن محبتك لله، فإذاً حين تقول سبحان الله وبحمده أنت تزيل أي شيء لا يصلح وتضع مكانه كل ما هو حسن وجميل في حق الله تبارك وتعالى، فأنت إذاً تجمع في سبحان الله ووبحمده ما بين الجلال والجمال لله تبارك وتعالى، وهذا لكي يؤثر يجب أن يكون سبحاً، إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا مساحة، مساحة، لكي يحقق التسبيح أثره ويثمر نتيجته يجب أن يأخذ من الفكر والوجدان والوقت مساحة فَسُبْحَانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وبعد ذلك عاد سبحانه وتعالى فقال وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ فإذاً فَسُبْحَانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ.. وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ مع الحمد فَسُبْحَانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ هذه مضافة إلى سبحان، وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كل ما في السماوات والأرض يجعلك تقول الحمد لله.. إذا كنت أراها وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ فإذاً ما التوجيه الذي يريد ربنا سبحانه وتعالى أن يعلمنا إياه؟ لن ينشرح صدر الإنسان ولا يطمئن باله ولا يسكن ولا يهدأ إلا بالتسبيح والحمد، حسناً، من قدوتنا في التسبيح والحمد؟ القدوة التي جعلها الله أو أرادها أو اصطفاها لنكون قدوة لخير الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، جعل الله سيدنا داوود قدوة، ليس لنا، ولكن ربنا جعله قدوة لسنا محمد صلى الله عليه وسلم، فما بالك بعظمة هذه القدوة، ليست قدوة لنا نحن ولكن قدوة بواسطة، نحن سنقتدي بسيدنا محمد الذي كان يقتدي بسيدنا داوود، أو الذي أمره ربنا أن يقتدي به، فماذا قال له؟ وَاذْكُرْ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ تذكره، ثم بدأ يذكره به، فإذاً َاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ هذه معناها أنه يعرفه لكن ربنا سبحانه وتعالى يذكره به لكي يحيي في قلبه معنى الاقتداء به، فالمفترض لكي تنصب قدوة يجب أن تعرفها أولاً ثم ستنساها فتحتاج أن تتذكرها، ليس شيئاً جديداً، لذلك نحن قلنا أنه بما يصف ربنا سبحانه وتعالى الإيمان والرسالة؟ بالتذكرة إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ قلنا أن التذكرة هي أن تقول لشخص شيء هو يعرفه، شيء ليس جديد عليه، هو يعلمه ولكن ضاع منه، أو غفل عنه او أعرض عنه أو رأى أشياء أخرى لها أولوية عنه، فأنت تريد أن تذكره وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ، وماذا سيحدث حين يذكر النبي صلى الله عليه وسلم سيدنا داوود عليه السلام؟ يتابعه على التسبيح، وحين يتابعه على التسبيح يرجع صدره منشرحاً كما كان ويزول عنه الضيق الذي أصابه الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ ليس شيئاً آخر، أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ قلنا كثيراً قبل ذلك أن القلوب هنا ليس فيها استثناء، فالطبيعي الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن قلوب المؤمنين، المفترض أن تكون كذلك، وقلوب الآخرين تطمئن بأشياء أخرى، ولكن ربنا لم يقل ذلك، قال: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ إن لم يوجد ذكر لا يوجد اطمئنان، فإذاً الناس نوعين، أناس يذكرون الله فسيكون عندهم طمأنينة، وأناس لا تذكر الله فلن يكون عندهم طمانينة، وليس عندهم طمأنينة بشيء آخر ” مفيش حاجة تانية أصلاً ” ، الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم أجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، اللهم أجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ولا تجعلنا من الغافلين، ولا تجعلنا من الغافلين.
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، متعنا اللهم بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا، أبداً ما أحييتنا، واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا، ولا تجعل اللهم إلى النار مصيرنا، واجعل اللهم الجنة هي دارنا.
اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب كل عملٍ يقربنا إلى حبك.
اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق، أحينا ما علمت الحياة خير لنا وتوفنا إذا كانت الوفاة خير لنا.
اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الفقر والغنى ونسألك الرضاء بعد القضاء، ونسألك برد العيش بعد الموت، ونسألك نعيماً لا ينفد وقرة عين لا تنقطع، ونسألك اللهم لذّة النظر إلى وجهك الكريم، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرّة ولا فتنة مضلّة.
اللهم زيّنا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين، اللهم زيّنا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين، اللهم زيّنا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين.
أقول قولي هذا واستغفر الله.