إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. إنه من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
ثم أما بعد،.
حديثنا اليوم بإذن الله ليس حديثاً في الدين ولكنه حديث حول الدين، تلمس في واقعك الذي تعيش فيه ولا أقول في واقعك الذي تحياه، تلمس في واقعك الذي تعيش فيه كثيراً من الاضطرابات والشبهات والشكوك التي تتعلق بكثير من قضايا الدين، سواءً ما كان منها من قضايا الإيمان التي تسمى قضايا الأصول أو ما كان منها من الأحكام والتي تسمى قضايا الفروع، هذا أولاً، وأما ثانياً فقد مرت بنا في السنوات الماضية كثيراً من مظاهر التخبط والتشوش والاضطراب في المواقف والآراء، والتي نسبت إلى ما يمكن أن يسمون بالإسلاميين أو الجماعات الدينية التي كان يظن منها ويرتجى لها أن تكون أكثر رشداً وأكثر فهماً وأكثر إدراكاً لحقيقة الدين، ونحن اليوم نحاول أن نعرض لهذا الدين.
أولاً الواجب عليك أيها المسلم من حيث أنك مسلم أن تسعى جاهداً أن تحفظ عليك دينك، هذه مسئولية كل شخص عن نفسه وعن مستقبله في الدنيا وفي الآخرة، قال تعالى: وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا كل إنسان مسؤول عن أن يحفظ نعمة الله عليه، أعظم نعمة منّ بها الله تبارك وتعالى على العبد هي نعمة الإيمان ونعمة الإسلام، نعمة الهداية إلى الله، نعمة معرفة الله تبارك وتعالى، ما الذي يفعله المسلم لكي يقيم دينه أو أن يحفظ دينه ويحافظ عليه؟ من الذي يستحق أن تصغي إليه وأن تسمع حديثه وهو يحدثك عن دينك؟ هل كل من تكلم استحق أن ينصت إليه، هل هناك معايير للشخص الذي يمكن أن تأتمنه أيها المسلم على دينك؟ أم أن القضية عشوائية، يصغي المرأ إلى كل من هب ودرج، عندنا شيء ينبغي أن نقف معه وقفة لأنه سبب أساس من أسباب ما نعاني، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: العلماء ورثة الأنبياء، الدين يمثله نموذج النبوة، من الذي يرث هذا النموذج؟ يقول صلى الله عليه وسلم: العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر، إذاً وراثة النبوة إنما هي لأهل العلم، حسناً حين نقول أن هذا الرجل كاتب إسلامي، أو مفكر إسلامي، أو داعية إسلامي، هذه الكلمة ليس لها ترجمة، هو في النهاية وراثة النبوة إنما هي في العلماء والعلماء فقط.
والعلماء لهم أوصاف، الوصف في الشخص لكي يعد عالماً، يصح لك أن تصغي إليه، لأننا في النهاية لسنا متخصصين في علوم، لابد أن تتحقق من وجود شرع، لا نقدر أن ندرك بعض الأمور من تلقاء أنفسنا، نحتاج في بعض الأمور – وليس كلها – لمن يرشد ولمن يوجه ولمن يصوب ولمن يرشد، حسناً من هذا الشخص؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ قال ابن عباس: هم أهل العلم، قال مجاهد: هم أولوا العلم والفقه، قال جابر بن عبد الله رضي الله عنه وعن أبيه: هم أولوا الفقه وأولوا الخير، نحن أمرنا أن نطيع ربنا سبحانه وتعالى ونلتزم أمره ونطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى ونلتزم أمره وتبعاً لطاعة الله والرسول يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وليس وأطيعوا أولي الأمر.. لا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ لم يكرر لفظ الطاعة سبحانه وتعالى لأن هذه الطاعة ملحقة بالطاعة الأخرى لأنهم هم الذين يفسرون ويشرحون ويوضحون ويبينون ما هي طاعة الله وما هي طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ ماذا يحدث إذا حدث اختلاف أو تباين؟ ماذا نفعل؟ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا قال الله تبارك وتعالى آمراً نبيه صلى الله عليه وسلم: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ما هي سبيله صلى الله عليه وسلم وسبيل من اتبعه؟ أن يرشد الناس إلى الله، يجذب الناس إلى الله، يهدي الناس إلى الله، يأخذ بأيديهم إلى الله، أدعوا إلى الله لا إلى شخص أو أي شيء آخر، هذه الدعوة لابد أن تكن على بصيرة، عمق العلم والفهم.
ما الفرق بين الجامع والجامعة؟ هذه النقطة مهمة جداً وربما نكون قد ذكرناها قبل ذلك، الفرق بين الجامع والجامعة، العلم في أصله كان مكانه الجامع ثم انتقل من الجامع إلى الجامعة وهذا فرق كبير جداً جداً جداً، ما الفرق؟ الجامع هو بيت الله تبارك وتعالى، حينما يأتي الشخص ليتعلم دين الله في بيت الله فهو يأتي إلى مكان بالأساس له عظمة وقدسية، تحدث أثراً من التعظيم والخشية والخشوع في قلب الشخص الذي أتى إلى بيت الله يتعلم دين الله تبارك وتعالى ويشتمل إتيانه للمسجد على إتيانه للصلاة وشهوده مع الجماعة وأن يصلي النفلة وأن يذكر الله تبارك وتعالى، هذا الخليط ما بين العبادة والخشوع والتعلم والسكينة، ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم ) أين يجتمعون؟ وماذا يفعلون؟ ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وحفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله فيمن عنده )، فهذا المكان هو المكان المهيأ لاجتماع العلم والإيمان وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وهذا في المسجد يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ لكي يستمعوا كلهم إلى تعليم رسول الله صلى الله عليه وسلم وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ هذا أول شيء.
الشيء الثاني، كيفية الإجازة في المسجد، أنت حين تجالس العاِلم تتعلم من هديه ومن أدبه ومن سلوكه ومن علمه، وذكرنا قبل ذلك أن أحمد بن حنبل حينما صار إماماً مشهوراً كان المسجد في مجلسه يرتاده خمسة آلاف إنسان، عشرهم أصحاب المحابر، قدموا ليكتبوا الأحاديث والأسانيد التي يرويها أحمد بن حنبل، والتسع أعشار الآخرين يتعلمون من هديه وأدبه وسمته وخلقهة، أتوا ليروا أسلوبه، كيف يتعامل وكيف يتكلم، طريقة كلامه وسيره وطريقة تعليمه وطريقة تعامله مع الناس وكيف يجيب من يسأله، هؤلاء الناس لديهم قدر كبير من الرشادة، جاء إلى المسجد ويعلم ماذا يريد، هذا المسجد به عدد كبير من الناس، ينقسمون في النهاية إلى نوعين يعلمون جيداً لماذا يأتون هنا، فالذي جاء للتعلم لم يأت للتعلم فقط ويترك الأدب والسمت لكنه جاء ليأخذ ذلك خصيصاً، وهناك شخص أخر يعلم أنه ليس من أهل الحديث والرواية، هذا ليس بابه ولن يبرع فيه، لكنه يحتاج من هذا الشخص، يحتاج منه أن يضبط سلوك الإنسان المؤمن.
النقطة الأهم، أنهم كانوا يتبنون الشخص تبنياً، فمثلاً سأدرس لفلان شيء معين ثم أوجهه لفلان في المجلس يدرس معه كذا، والذي يعلم ويوجه يتابع، فهمت أم لم أفهم، أدركت أم لم أدرك، ثم حين يصل الشخص إلى مستوى معين يوجهوه إلى تخصص معين لأنه يجيد في هذا المجال، ولا يفتي أحد أو يتكلم حتى يأذن العلماء له، الأمام أحمد يقول أنه لن يتكلم حتى قال له سبعين عالماً أفتي يا أبا عبد الله فإنه قد آن لك أن تفتي.
والحلقة أو مجلس العالم، كان يرثه أولى الناس به، الأمام الشافي حين حضرته المنية تطلع تلامذته وكبراء تلامذته إلى أن يرثوه، وطمح لها عبد الله بن عبد الحكم، فماذا قال لهم الإمام الشافعي بعدما رأى منهم هذا التشوف؟ قال: الحلقة للبويطي، البويطي هو الذي يستحق أن يخلف الشافعي في حلقته، فإذاً هو نفسه قبل أن يغادر الحلقة إلى لقاء الله هو يقول من الذي يستحق أن يجلس مكانه.
أين كل هذه الأمور في الجامعة؟ ” الجامعة فيها ايه من المسجد؟.. أو فيها ايه من العلاقة؟ ” ، يأتي الدكتور ويعطي محاضرة وهو نفسه لا يعلم من يجلس أمامه، فيهم من يتكلم ومن هو نائم، لا توجد أية صلة، الصلة عبارة عن امحتان تحريري ولا أعلم إن كان قد غشه أم نقله أم يعرفه، والدرجات العلمية؟ لا توجد مشكلة أن تجلس سنتين أو ثلاث سنوات ” تعمل كوبي بيست لبعض المسائل وتجمع كلمتين تقولهم ” هذا ليس علماً هذا في النهاية ليس معياراً لأي شيء، ليس معياراً للتقوى أو معياراُ للعلم، التقوى هي معيار أساسي، قال الله تبارك وتعالى إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ معيار أنك تملك علماً أو تستحق أن تنسب لعلم أن يؤثر فيك العلم .. تعظيم وخشية لله رب العالمين.
إذاً لكي أتلقى الدين الذي هو أعز وأغلى شيء يجب أن أستوثق، لمن اسمع؟ وهذا الشخص هل أمين على الدين أم لا؟ لأن الذي يسمع من أي شخص فهذا الشيء بالنسبة له ليس له كبير شأن أو كبير أهمية أو كبير قيمة، وقلنا ذلك كثيراً قلنا أن أكبر آفة نعاني منها في الحقيقة هي استخفاف المسلم بدينه،الاستخفاف عكس التعظيم والتقديس والتوقير، لأن التعظيم والتقديس والتوقير يستتبع أموراً تظهر مدى حرص الإنسان على التمسك بدينه، مدى حرصه على التأكد من أنه يسير بشكل صحيح أو أنه يؤدي العبادة بشكل صحيح، أو يتقي الله كما يحب ربنا سبحانه وتعالى.
نحن قرأنا في بداية الخطبة اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ أنا في النهاية أرى أن هذا الموضوع على هذا القدر من الأهمية أم لا؟ وأرى أن هناك أشياء أخرى أولى، ولذلك نحن في أشياء أخرى أقل كثيراً، نحن حين نحب أن نفعل أي شيء فيما يتعلق بشئون الدنيا نستوثق ونسأل مرة ومرتين وثلاثة ولا نصغي لأي أحدٍ، ولا نسمع لأي أحد ولا نأخذ مشورة أي أحد فلا ينفع أن يكون الدين عند المسلم أهون كثيراً من الدنيا.
أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه غفور رحيم.
الحمد لله رب العالمين، كلماتٌ هاديةٌ فاستهد بها، ذكرنا قبل مراراً أن علي رضي الله عنه قسم الناس إلى ثلاثة أقسام لا رابع لهما وقبله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل ما بعثني الله به من الهدي والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً، ما وظيفة الغيث؟ الغيث هو المطر الغزير المتتابع، وظيفة الغيث أنه يحي الأرض بعد موتها ويرزق الله سبحانه وتعالى به الإنسان الحياة لنفسه وللزرع وللحيوان، فقوام الحياة هو هذا الغيث، فالوحي الذي أنزله الله تبارك وتعالى هو لقلوب العباد بمثابة المطر بالنسبة إلى أبدان وأجساد العباد، فالحياة الروحانية تتوقف على الوحي كما أن الحياة الجسمانية تتوقف على المطر، وما موقف الناس منه؟ النبي صلى الله عليه وسلم قال أنه ثلاثة أقسام، وصف الطائفة الأولى أنها طائفة طيبة، الطيبة الأرض التي تتجاوب وتشكر، أي أنها أرض بها صلاحية أنها تنبت، الأرض الطيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثر، هذه الفئة الأولى والثانية؟ أجادب، أمسكت الماء فنفع الله بها الناس، فسقوا وزرعوا، فالأولين استوعبوا هذا الوحي وهضموه وعلموا الناس وأفتوهم وأرشدوهم، والآخرين؟ حفظوا هذا العلم لكي ينتفع به أناس آخرون، أرض صخرية أمسكت الماء فالذي يريد أن يسقي أو يشرب أو يزرع يجد الماء موجود، يجده حين يحتاجه، ( وأصاب طائفة أخرى فإنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تبت كلاً، فهذا مثل من نفعه الله بما أرسلت به، فعلم وعلم ومثل ما لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به ) هذه كلمات قوية جداً، مثل من لم يرفع بذلك رأساً، لم يلتفت إليه ولم يهتم به ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به، فإذاً عدم التفاعل مع الوحي صوره رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنه عدم قبول لنعمة الوحي، يقول على رضي الله عنه،: الناس ثلاثة، عالم رباني ومتعلم على سبيل نجاة وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم ولم يركنوا إلى ركن وثيق، الناس ثلاثة، عالم، كما قلنا، الشخص الذي يصلح أن نرجع إليه في العلم هو العالم لا يوجد اسم آخر، الأسماء الأخرى وضعت لكي تدخل من ليس مؤهلاً وتقحمه في عداد المؤهلين، أي شخص ليس عالماً لماذا نضع هذا الاسم، نقول أن هذا الشخص مفكر إسلامي وهذا الشخص داعية، أي كلمة من الكلمات هذه، لماذا؟ لأنك لا تقدر أن تصفه في النهاية على أنه عالم في الحقيقة فأنت تريد أن تدخله في دائرة وفي زمرة العلماء أو تأذن في الكلام في دين الله بمن ليس مؤهلاً لذلك، هذا لا يصلح، لأن في النهاية العلم هو الميزان.
حسناً، قال عالم رباني، من هو العالم الرباني؟ الرباني المخلص للرب والداعي الناس إلى عبادة الرب سبحانه وتعالى وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ والرباني الذي يربي الناس على هذا الوحي، هذه وظيفة النبوة، وظيفة النبوة تعليميه وتربوية، التعليمية أن تقول لي بشكل ممنهج ومرتب القواعد التي أسير عليها، والتربية؟ أن تساعدني أن اضبط الأخلاق والسلوك والممارسات على وفق ما فهمته، هناك شيئين، أن أستوعب جيداً كيف أسير، ثم اضبط سلوكي وأخلاقي وأعالج آفات نفسي على وفق ما أمر الله تبارك وتعالى وأحب، ولذلك قلنا كثيراً قول الله سبحانه وتعالى لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ منهم يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ وقلنا التزكية أولاً ثم التعليم، التزكية التطهير للنفس، فوظيفته قبل التعليم أنه يزكي ثم يعلم، يعلم ماذا؟ يعلم الكتاب، نفهم كلام ربنا، ويعلم الحكمة كيف ننفذ ونطبق كلام ربنا، هذه هي الوظيفة.
فهو يقول أن أول شخص هو العالم الرباني، العالم الرباني الذي يجمع بين العلم والإخلاص والخشية والتربية إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا وهل النبي يحتاج أن يقال عليه مسلم؟ النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا أهل الاستسلام التام لله وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ الأنبياء أولاً ثم الربانيين ثم الأحبار، وما الفرق؟ الرباني هو العالم المربي، والحبر هو العالم المفتي، قدم الله سبحانه وتعالى العالم المربي على العالم المفتي لأن حاجة الناس إليه أكثر ولأنه ألصق بوظيفة النبوة التي هي التزكية والتعليم.
حسناً، وبعد ذلك، شخص يتعلم؟ يتعلم ماذا؟ متعلم على سبيل نجاة، هو يريد أن يتعلم ما ينجيه غداً من عذاب الله سبحانه وتعالى ويورثه رضوان ربنا سبحانه وتعالى والجنة وبالتالي هذه نيته والذي لا يقل أهمية عن نيته ما الذي سيتعلمه كي يصل إلي هذه الغاية؟ قبل أن يقرأ أو أن يسأل عن شيء يبحث أولاً عن ما ينجيه، لن يبحث عن أشياء أخرى ولا يتعلم أشياء أخرى، هو يريد أن ينجو، هو لن يتعلم لكي يصبح معلماً أو شيخاً أو مفتياً، هو يتعلم لكي ينجيه الله، وهذا سينفعه الله بما يقرأه وما يتعلمه.
وإن لم يكن هذا ولا ذلك؟ يكون التخبط، ( همج رعاع أتباع كل ناعق ) أي إنسان يسوقهم في أي مكان يذهبوا معه ( يميلون مع كل ريح ) لماذا؟ لأنهم لم يستضيئوا بنور العلم الذي يبصرهم ولم يركنوا إلى ركن وثيق، لم يستندوا إلى شيء، فأي شخص يأخذهم يميناً أو شمالاً، قال ابن مسعود رضي الله عنه: لا يكن أحدكم إمعة يقول أنا مع الناس إن أحسن الناس أحسنت وإن أساءوا أسأت، ولكن وطنوا أنفسكم، أي ثبت أقدامك في مواطن الخير، إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم، وهذا كيف يتم إن لم يكن لدي معيار التمييز بين الإحسان والإساءة؟ أنا لا أعرف، إن أردت أن أسير في طريق الصواب بغض النظر عن توجهات الفئام العام من أي مجتمع يجب أن يكون لدي من العلم والبصيرة والفهم ما يجعلني أثبت في مواطن الحق سواء كان الناس يسيرون هكذا أم لا، ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فالعلم هو واجب للخشية والهداية ولمعرفة طريق ربنا سبحانه وتعالى، لكن كيف أتناوله؟.
لذلك نحن قلنا في نفس الكلام أن سيدنا علي وهو يتكلم يقول: إن ها هنا علماً لو أصبت له حمله، وأشار إلى صدره، هو يقول أن لدي علم، قد منّ علي الله وعندي علم أريد أن أعلمه للناس لا أعرف كيف أعلمه للناس، علي بن أبي طالب في زمانه، وبقية الصحابة متوافرون في الزمان الأول يقول أن لديه مشكلة أن العلم الذي رزقه الله إياه لا يجد مكاناً يضعه فيه، وهذا معناه أنه واجب عليك إنا أعطاك الله معرفة أن تتلمس مواضعها التي تستحقها فتضعها، وإن لم تجد موضعاً لها لا تقول ” لو ملقتش متقولش ” لأنها أمانة ومسئولية، إن هاهنا علماً لو أصبت له حمله، ثم قال: بلا أصبته لقناً غير مأمول عليه، يقول أنه وجد أناساً تريد أن تعلم وتعرف وقدراتها العقلية تسمح أن تستوعب، لكن هؤلاء ليسوا أمناء، لماذا؟ لأن جانب الإيمان والخشية والحذر والخوف من ربنا سبحانه وتعالى وأن الإنسان دائماً يفكر في المساءلة يوم العرض الأكبر ليس موجوداً عنده، فإن أعطيته العلم ماذا يفعل به؟ ماذا يقول علي رضي الله عنه؟ يقول يستعمل آلة الدين التي أعطيتها إياه للدنيا، يجعلها مطية ووظيفة يصل بها لأعراض الدنيا، يستظهر بحجج الله علي آياته، أي أن الأشياء التي يعلمها تجعله يضرب كتاب الله ببعضه ببعض، وبنعمه على عباده، أعطاه الله نعمة ماذا يفعل بها؟ يستعلي بها على الناس، إذاً لما أعلمه؟ لكي يفعل ماذا؟ لأنني أيضاً مسؤول.
والثاني؟ أو منقاداً لأهل الحق لا بصيرة له في أحنائه، ينقدح الشك في قلبه لأول عارض من شبهة، لا هذا ولا ذاك، هذا لا يصلح والآخر أيضاً لا يصلح.
هو يقول أن هذا الرجل طيب، منقاد لأهل الحق، يصحب مؤمنين ويسير معهم لكنه لا يملك البصيرة، فهذا – يقول علي – ينقدح الشك في قلبه لأول عارض من شبهة، حين تعرض له شبهة يهتز داخلياً لأنه ليس لديه من العلم والرسوخ ما يستند إليه، حسناً علمه لكي يكتسب العلم؟ لا.. إمكانيات إدراكه لا تستوعب.
فإذاً لن يقول لهذا ولا ذاك، وبعد ذلك؟ لن يقول أصلاً، حسناً وهل يجوز أن لا أقول العلم؟ نعم يجوز إن لم يكن هناك أهل لتلقي العلم، وكيف يعرف؟ معنى ذلك أنك يجب أن يكون لديك دراية عميقة بالأشخاص التي تتعامل معهم لك تقدر أن تقيم كل شخص، فهذا الكلام كله كان بناءً على تقييم مجتمع المسجد فوجده في النهاية يغلب عليه إما هذا الصنف أو الصنف الآخر، الذكاء دون خشية أو ورع، والطيبة دون عقل وفهم عميق، ليس لديه الآلة.
وخارج المسجد؟ قال: أو منقاداً للذات سلس الانقياد للشهوات، أو مغر بجمع المال والادخار ليس من رعاة الدين في شيء، قال أولاً الصنفان اللذان في المسجد، وخارج المسجد؟ الذين لا يحضرون إلى المسجد شخصان، شخص لا يشغله إلا الشهوات وإشباعها، وشخص لا يشغله إلا المال وجمعه، فهذين الرجلين ليسا من رعاة الدين في شيء، ليس لديهم رعاية أو اهتمام للدين،لماذا؟ لأنه ليس في دائرة أولوياتهم، ولذلك عقب علي قائلاً: ولذلك يموت العلم بموت حامليه، في النهاية سيموت والعلم في صدره لن يعطيه إلى أحد، فتنقطع الوراثة، قال صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يقبض العلم إنتزاعاً ينتزعه من صدور العباد وإنما يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبقي عالماً اتخذ الناس رءوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا، فالناس لابد لهم من موجهين ومن قيادات وأناس تهديهم وترشدهم، إن لم يكن هناك علماء سيقتدون بأشباه العلماء ومن يتشبهون من العلماء، وما الثمرة؟ ضلوا وأضلوا.
إذاً نحن نحتاج شيئين، نحتاج أن نكتسب قدراً من العلم نحيا به، ونحتاج أننا حين نسأل أو نسترشد يجب أن نستوثق بمن نسأل وبمن نسترشد ” لازم نستوثق هو احنا هنسأل مين؟ ” ، والعلماء اشترطوا أن الذي تستفتيه يكون أعلم من تجد وأورع من تجد، ليس فقط لديه قدر من العلم والورع، أكثر شخص تعرفه على قدر عالي من العلم وعلى قدر عالي من الورع والخشية والتقوى حتى لا يفتي على وفق الهوى ولكي يفتي على وفق العلم، يجب أن يجمع بين الاثنين، قدر من الورع وقدر من العلم وهؤلاء من أنعم الله عليهم، غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ من لديهم علم دون خشية، وأهل الضلال الذين لا يملكون علم ولا رؤية فحتي إذا أراد أن يسير في سبيل الخير سيسلك الطريق الخطأ، لأنه يسلك غير السبيل.
اللهم أرنا الحق حقاً وأرزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم فقهنا في ديننا وزهداً في دنيانا.
اللهم خذ بأيدينا إليك أخذ الكرام عليك، لا تفضحنا بين خلقك ولا بين يديك.
اللهم ارحم في هذه الدنيا غربتنا، وارحم اللهم عند الموت كربتنا، وارحم اللهم في القبور وحشتنا، وارحم اللهم في القيامة ذل مقامنا بين يديك.