Generic selectors
المطابقات الدقيقة فقط
البحث في العنوان
البحث في المحتوى
Post Type Selectors
البحث حسب التصنيف
أحداث جارية
أسماء الله الحسنى
الأذكار
التلون
السيرة النبوية
القصص في القرآن
الكتب
بني آدم والشيطان
بني إسرائيل
تراجم
تربية
تربية
تفسير
جهد الغلبان في تبيان فضائل القرآن
خطب الجمعة
خطو خاتم الأنبياء ما بين اقرأ وإذا جاء
دروس
رمضان 1436هــ - 2015م
سلم الوصول إلى علم الأصول
عقيدة
غير مصنف
كتابات
كلمة التراويح
مسألة الرزق
من قصص كتاب التوابين
من هدي النبوة
مواسم الخير
هذه أخلاقنا

كلام حول الدين 2

الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي المتقين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين ومن تبعهم بإحسان وسار على نهجهم إلى يوم الدين. ثم أما بعد،.

لازلنا في حديث حول الدين، تحدثنا في الجمعة الماضية حول العلم، ومن يستحق أن يستقي منه المسلم دينه، وذكرنا أن الله تبارك وتعالى إنما اختص وراثة النبوة بالعلماء دون غيرهم، وأن العلماء لهم وصف يختصون به، وأنه لا ينبغي للمسلم إذا كان معظماً لدينه حريصاً عليه أن يصغي إلى كل أحد أو أن ينصت إلى كل متكلم فإنه بذلك إنما يعرض دينه للخلل والخطل والاضطراب.

في تاريخ الإسلام وجد ما سماه العلماء بالقصاص، والقصاص هم قوم يجلسون بعد صلاة العصر يذكرون الناس وينصحونهم،يعرفون بالوعاظ والقصاص والمذكرين، فأما المذكرين فهم من يذكرون الناس بنعم الله عليهم وشكر هذه النعم،وأما الوعاظ فهم من يخوفون الناس من وعيد الله وعذابه وأما القصاص فهم من يذكرون قصص السابقين وأحوالهم وقصص الزهاد والعباد وغيرهم.

وقد ظهر القصص أول ما ظهر في زمان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنرى أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وكان يقيم في الكوفة، طلب منه أهل الكوفه أن يجلس إليهم فيعظهم ويذكرهم فأبى علي ثم ألحوا عليه فجعل لهم موعداً يوم الخميس بعد صلاة العصر يذكرهم، ثم قال لما طلبوا منه أن يزيدهم على ذلك قال: كان رسول صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة مخافة السآمة علينا، ما معنى يتخولنا بالموعظة؟ أي لا يكثر علينا منها، لماذا؟ مخافة أن نسأم أي نمل وهل يتصور أن يمل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من كلامه؟، حسناً، ماهية الموعظة، النبي صلى الله عليه وسلم هو معلم هؤلاء الصحابه الخير، وهل هذا التعليم يكون في وقت دون وقت؟ أي أنه يعلم طول الوقت سواءً بأقواله أو بأفعاله أو بتوجيهه او بسلوكه، فإذاً التعليم شيء والموعظة شيءٌ آخر.

الموعظة أن تجلس مجلس تقصد به أن تذكر الناس بأمر من الأمور أو ان ترهبهم من شيء، فإذاً هناك فرق بين الوعظ والتذكير وما بين التعليم.

الوعظ هو أن تذكر شخص بشيء يعلمه، فتؤثر فيه حين يتذكره، ثم ينسى وتذكره مرة أخرى، أما العلم، العلم أن تبني داخل الشخص أصول على وفق هذه الأصول يتعامل ويفكر ويتخد القرارات.

حسناً ما الفرق بين العالم والواعظ؟ الأول في زمان الصحابة كان العلماء هم الوعاظ، تميم الداري رضي الله عنه استأذن عمر بن الخطاب في أن يقص فلم يأذن له عمر، ثم استأذنه بعد أن يقص فلم يأذن له عمر، ثم استأذنه بعد في أن يقص فأذن له وأشار بيده هكذا، إنه للذبح، وما معنى الذبح؟ يريد أن يقول أن هذه مسئولية كبيرة تعرض نفسك لها وربما تقع في موقع الفتنة فيكون ذلك بمثابة الهلاك لك.

حسناً لمن يقول عمر هذا الكلام؟ يقول هذا الكلام لتميم الداري، ومن تميم الداري؟ يقول معاوية بن حرمل، معاوية بن حرمل هو زوج ابنة مسيلمة الكذاب، وكان فاراً من حين ما دخل خالد بن الوليد رضي الله عنه اليمامة، ثم قدم المدينة مسلماً تائباً فبقي فيها ثلاثة أيام لا يذوق فيها طعاماُ ثم أتى إلى عمر فقال: يا أمير المؤمنين تائبٌ من قبل أن تقدر عليه، قال: ومن أنت؟ قال: أنا معاوية بن حرمل، قال: فاذهب إلى خير المسلمين، خير المسلمين يقصد به عمر تميم الداري، أي الشخص الذي قال له عمر أنا أخشى عليك من القصص. هو من يعده عمر خيرِ المسلمين، أو سماه خيرَ المسلمين، فيقول معاوية: فصليت إلى جنبه، ومن عادة تميم الداري حين يصلي العشاء يأخذ من هم على يمنيه وشماله أياً كانوا إلى بيته ويعطيهم طعاماً، فجاء معاوية وصلى على يمينه حتى يذهب معه إلى البيت، ففعلاً صلى على يمينه فأخذه وأخذ من على شماله وذهب بهم إلي بيته، فلما علم بحاله استضافه عنده، يقول: فبقيت عنده أياماً، ثم نشبت نار عظيمة في الحرة، الحرة في طرف المدينة اشتعلت فيها نار عظيمة، فأتى عمر إلى تميم الداري فأخبره أن ناراً قد نشبت في الحرة فقال: قم إليها، قال: يا أمير المؤمنين ومن أنا؟ وما أنا؟، من أنا كي تطلب مني هذا الطلب؟، فلم يلبث عمر أن كرر عليه وردد عليه حتى قام معه، فيقول معاوية: فاتبعتهم، سرت وراءهم، يقول: فإذا بنار عظيمة تخرج من شعب في الحرة، فتقدم إليها تميم الداري فجعل يحوشها بيده حتى خلت في فم الشعب ثم دخل وراءها، وجعل عمر يقول: ليس من رأى كمن لم يَر، ليس من رأى كمن لم يَر، ليس من رأى كمن لم يَر، هذا هو هو تميم الذي أمره عمر أن يأتي ويطفئها، هو هو هذا الشخص الذي أشار بعلامة الذبح له بعدما أذن له بالقصص.

يقول الحارث بن معاوية الكندي: أتيت إلى عمر، قدم عليه من الشام استأذنه في القصص قال: ما شئت، أنت وما تريد، قال: إنما أتيتك لأستشيرك وأعمل برأيك، يقول له أنني أتيت من الشام إلى المدينة لكي أخذ رأيك، بما تنصحني؟ وما رأيك؟ قال: إني أخشى عليك أن تقص فترتفع، أي تشعر بأن لديك مكانة، يقول: ثم تقص فترتفع حتى يخيل إليك أنك فوقهم بمنزلة الثريا، كلما تكلمت كلما سمع الناس كلامك ويشعر الإنسان بما لديه وربما تبالغ الناس في مدح الشخص فيظن أنه بمنزلة عالية، قال: حتى يخيل إليك أنك منهم بمنزلة الثريا فيضعك الله يوم القيامة تحت أقدامهم بمنزلة ذلك، على قدر ما شعرت بالارتفاع على قدر ما توضع تحت أقدام هؤلاء يوم القيامة، فامتنع الرجل.

فإذاً سيدنا عمر لأي شيء كان يوجه؟ كان يوجه أولاً لخطورة هذا الأمر على الشخص وأنه ربما يعرض نفسه بهذا التصدر لفتنة ربما لا يتحملها، ابن مسعود رضي الله عنه كان إذا مشى فصار خلفه أحد، هو إمام ووراءه تلاميذ تسير خلفه، فكان يقول لهم: ارجعوا فإنه ذلة للتابع وفتنة للمتبوع، هذا فيه مشكلتين، ما معنى ذلة للتابع؟ أي أنه نوع من أنواع الضعة والنقص، وهم لا يريدون أن يربوا الناس على الضعف والضعة والنقص، وهو أيضاً في مقابل ذلك فتنة للمتبوع لأنه ربما تعالى وتعاظم في نفسه.

دخل علي رضي الله عنه المسجد فرأى قاصاً يقص، فقال له: هل علمت الناسخ من المنسوخ؟ قال: لا، قال: هل علمت المحكم من المتشابه؟ قال: لا، قال: هلكت وأهلكت، أي أنه لو لم يملك هذا العلم يهلك نفسه ويهلك الناس بأن يخبرهم أو يقص عليهم ما يخالف الحق والثواب فيضل ويضلون.

فإذاً هذا القصص أمر بخلاف العلم، أبو حنيفة رحمه الله وكان إماماً في الفقه، فيقول حُجر بن عبد الجبار: كان في مسجدنا رجل يقال له زُرعة، وكان قاصاً وكان يسمى زُرعة القاص، حتى عُرف مسجدنا به، المسجد في الأصل يسمى مسجد الحضرميين وبوجود زُرعة وقد اشتهر فأصبح المسجد يسمى مسجد زُرعة القاص، فيقول أن أم أبي حنيفة أرادت أن تستفتي في مسألة، مسألة تريد أن تعرف حكمها، فقال أبو حنيفة: الحكم فيها كذا وكذا، قالت: لا حتى أسأل زُرعة القاص، هي لا تقتنع بقول ابنها أبو حنيفة !، إمام فقهاء أهل الكوفة، تراه أمه لا يعلم هذه المسائل، حسناً ستأسل من؟ زُرعة القاص، فأخذ والدته وذهب إلى زُرعة القاص، فقال له: إن أمي قد أتت إليك تستفتيك في كذا وكذا، قال: أنت أعلم وأفقه فافتها، قال: قد أبت إلا أن تستفتيك، قال: وماذا قلت لها؟، قال: كذا وكذا، فقال لها: حسناً هو كما قال لك أبو حنيفة، فحينئذٍ رضيت أمه وانصرفت.

الآن، من أعلم ومن أفقه، ابنها أم القاص؟ حسناً لماذا ترى القاص أعلم وأفقه غير أنه ابنها وبالتالى لا تراه شيئاً؟، بعيداً عن هذه النقطة، أن زُرعة القاص يحضر مجلسه أناس كثر، كم شخص يجلس في حلقة ابنها؟ تلاميذه المقربين فقط، فلو كانت بالعدد فهذا الشخص يحضر له عشرة أنفار، والثاني يحضر له سبعمائة نفر، فمن أعلم؟ من أكثر دراية؟، حسناً، لماذا يحضر مجلس أبو حنيفة هذا العدد من الناس؟ لأنه مجلس مدارسة، أي أنه سيطرح المسألة ويتدارسون فيها،وربما ارتفعت أصواتهم وأدلى كل واحدٍ منهم برأيه وذكر كلاً منهم مستنده، من الذي سيحضر حلقة مثل هذه؟، فأنا إذا أتيت ورأيت هؤلاء وهؤلاء أيهما أكثر علماً؟.

يقول ابن الجوزي: أن أناساً من هؤلاء الوعاظ صنفوا كتباً في الوعظ والتذكير والتفسير، فحشوها بأحاديث وقصص باطلة، ثم جعل الناس يقرءون من هذه الكتب ويقصونها على الناس، فيخرج الناس يقولون قال العالم كذا، يقول: والعالم عند العامة كل من صعد المنبر، هنا المشكلة، ما الميزان؟، كيف تميز مقدار علم الشخص أو معرفته؟ وهل تستقي العلم منه أم لا؟، ابن الجوزي ماذا يقول؟ يقول أن كل شخصٍ صعد المنبر هو في نظر العامة عالم يستقى منه ومن قوله، وهذا خطر.

حسناً، ما حقيقة العالم؟ قلنا المرة السابقة عن حقيقة العالم، قلنا أن أول شيء الخشية، والثاني العلم بالوحي والعلم بأقوال العلماء ومذاهبهم ومآخذهم، هذا الذي يصح أن يسمى عالماً.

الحسن البصري قال يوماً في مسألة قولاً فقال له رجل: يا أبا سعيد ما هكذا يقول الفقهاء، الفقهاء يخالفونك في هذا، قال: وهل رأيت فقيهاً قط، إنما الفقيه الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة البصير بأمر دينه المداوم على عبادة ربه، وقال علي رضي الله عنه: الفقيه حق الفقيه ما لم يقنّط الناس من رحمة الله ولم يرخص لهم في معاصي الله ولم يؤمنهم من عذاب الله ولم يدع كتاب الله رغبة عنه إلى غيره، ألا إنه لا خير في عبادة لا علم فيها ولا خير في علم لا فهم فيه ولا خير في قراءة لا تدبر فيها، ثم يقول الشعبي قولاً هو ميزان فيما نقول، يقول الشعبي: أدركت الناس وهم يقولون إنما يطلب هذا الأمر من اجتمعت فيه خصلتان، العقل والنسك، فمن كان عاقلًا ولم يكن ناسكًا قال: هذا أمرٌ لا يناله إلا النساك فلا يطلبه، ومن كان ناسكًا ولم يكن عاقلًا، قال: هذا أمرٌ لا يطلبه إلا العقلاء، أو لا يناله إلا العقلاء فيتركه، ولقد رهبت أن يكون يطلبه الآن، – الشعبي يقول في زمانه وهو إمام التابعين – أن يكون يطلبه في هذا الزمان من ليس فيه خصلة من الخصلتين؛ لا عقل ولا نسك.

فهو يقول من الذي يصلح أن يطلب العلم؟ شخص لديه نسك، فما معنى نسك؟ أي رجل من أهل العبادة، والعقل؟ رجل من أهل الفطنة والذكاء، فهو يقول أن الناس زمان عندما كانوا يأتوا ليتعلموا، إذا كان شخص لديه صفة من الصفتين، فكان يقول: لا، أنا لن أستطيع أن أدخل في هذا لأنني لن أحصل عليه إلا إذا كنت يجتمع فيّ الأمرين؛ العقل والنسك، فالذي يستحق أن يوضع في مصاف العلماء من يجمع عقلًا ونسكًا، الذي يستحق أن نصفه بأنه عالم، وأن ننصت له ونصغي، لابد أن يكون جامعًا بين العقل وبين النسك.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم

الحمد لله رب العالمين

نحن الآن ما المطلوب منّا؟ أو ما الواجب علينا؟ أول شيء: قال أنس بن مالك رضي الله عنه: – والحديث في سنن ابن ماجة – قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ). يوجد حد من معرفة الدين واجب على كل إنسان مسلم أن يسعى لتحصيله، ” فريضة ” أي حتم ولازم، كل ما تحتاج إليه في معرفة الإيمان، وفي معرفة العبادة الواجبة عليك، وفي الفروض العينية المتعلقة في الإنسان إذا كان يوجد عنده معاملات مالية معينة لابد أن يعرف أحكامها، في علاقاته الاجتماعية في علاقاته مع أرحامه، ما الذي يطلبه منه ربنا سبحانه وتعالى؟ فهذا يلزمه أن يعرفه، هذه النقطة الأولى

النقطة الثانية: أن الإنسان يدرك قيمة وعظمة الدين، وأن يربأ بدينه على أن يجعله عرضة لكلام كل متكلم، من الذي يستحق أن أصغي إليه؟ ابن سرين يقول: (إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم ) لازم على الإنسان أن يكون حريصًا على هذا، الإمام النووي يقول أن الشخص حينما يستفتي عليه أن يجتهد في أن يبحث عن الأعلم والأوثق في حدود معرفته، لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا فالعالم عليه أن يجتهد في معرفة الصواب، والشخص العادي الغير عالم عليه أن يجتهد في معرفة الأعلم، أو الأوثق، فهو محتاج أن يبحث ويجتهد، إذا اجتهد وبذل وسعه في البحث عن الأعلم والأتقى والأورع وسأله وأخطأ عليه فلا شيء عليه، قانون.

فماذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم؟ يقول: ( إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر ) فهذا قانون الاجتهاد، كل شخص اجتهد وبذل وسعه في معرفة الحق والصواب، فإن الله سبحانه وتعالى يغفر له خطأه إن أخطأ، طالما أن هدفه إرادة الصواب.

النقطة الثالثة: الإيجابية والسلبية؛ ما معنى الإيجابية؟ أنني من المفترض أنني أحاول أسعى وأبحث وأعرف، لكي أفهم ما الذي يرضي ربنا سبحانه وتعالى فأفعله، أما السلبية؟ السلبية أن أوقد التلفزيون وأحضر بعض من كاجو وفسدق، وأي شخص أي شخص يقول أي شيء في أي برنامج، أنا أستمع إليه، فهذا لا يصلح، لا يصلح أن يصغي الشخص إلى كل ما يلقى إليه، خاصةً إذا كان الموضوع يأخذ شكل الخوض، قال تعالى وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. يقول عليّ رضي الله عنه وكذلك قال ابن مسعود، نركز في هاتين الكلمتين، عليّ ماذا يقول رضي الله عنه، يقول: إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا فظنوا برسول الله ما هو أهيؤه وأهداه وأتقاه. هو ماذا يقول؟ يقول أنا إذا قلت لكم حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا الحديث ربما احتمل في أذهانكم عديد من المعاني أو التأويلات، فهو ماذا يقول؟ يقول: فظنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو أهيؤه أي أحسنه، وما هو أهداه وما هو أتقاه، لأنه لن يخرج منه صلى الله عليه وسلم إلا ما هو أهيأ وأهدى وأتقى، فلو عرض عليك ما ليس بأهيأ ولا أهدى ولا أتقى ونسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو إلى دين الله؟

الفكرة: ما ظن المسلم بدينه؟ قال صلى الله عليه وسلم ( سيكون في آخر الزمان دجّالون كذّابون يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم لا يضلونكم ولا يفتنونكم، قال صلى الله عليه وسلم: ( إن أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلين ) قال أبو عثمان النهدي رضي الله عنه: كنت جالسًا تحت منبر عمر رضي الله عنه وهو يخطب الناس فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافقٍ عليم اللسان ) ” كل منافقٍ عليم اللسان ” منافق: أي أن قلبه ليس فيه من الإيمان وإنما يظهر الإيمان وليس في باطنه منه شيء، ولكنه عليم اللسان، ما معنى عليم اللسان؟ أي لديه علم، وهذا العلم موجود على لسانه، ففيم يوظف العلم؟ فالنبي صلى الله عليه وسلم لماذا يخاف علينا منه؟ فهذه الكلمات ما موضعها عندنا؟ أنت حينما تسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول هذا ويحذر هذا التحذير وينبه هذا التنبيه، فهو يتكلم أولًا عن شيء موجود أم مفقود؟ أي أنه يخاف علينا من الوهم أم من الحقيقة؟ من شيء سيأتي أم شيء غير موجود؟ من شيء خيالي لم يحدث ولن يحدث؟ فهذه الكلمات ما موضعها عندنا؟ أين سنزلها؟ ولذلك نحن تكلمنا الجمعة الماضيىة عن الفرق بين تربية المسجد وتربية الجامعة، قلنا أن المسجد هو المكان المهيّأ المؤهل أن يخرج الناس الذين يوسمون بالعلم، وقلنا لماذا، ليس لمجرد أنه مسجد، وإن كان هذا شيء كبير، وقلنا لماذا مسجد، لماذا؟ لأن المسجد هو المكان الذي يعمر بالعبادة، المكان الذي يحضره الملائكة، المكان الذي يخشع فيه الإنسان ويعظم ربنا سبحانه وتعالى، فلما يتلقى علم، يتلقاه بالنفسية التي من المفترض أن يتلقى بها المؤمن العلم، وقلنا الأمر الثاني: أن العلماء كانوا يعتنوا بالتلاميذ، ولهم بهم صلة مباشرة، يدركوا علمهم ومعرفتهم ومستوياتهم، ويوجهوا كل واحد لما يصلح له، ويتابعوهم ولا يأذنوا لأحد أن يتكلم إلا أن يكون أهل لهذا الإذن، كل هذه الأشياء مجتمعة من الممكن أن تخرج عالمًا، فالمسجد من الممكن أن يُخرج الخضر حسين، يُخرج عبدالحليم محمود، يُخرج متولي الشعراوي، يُخرج عطية صقر، ماذا أخرجت الجامعة؟ ماذا أخرجت؟ وبعد ذلك ما يأتون إلينا من الجامعة من يريدون أن نراه، وليس الموجود في الجامعة، فمن الذي ينتقى ليخرج في التليفزيون؟ الذي اتصلنا به لكي يأتي، فقط، أتى ليكلمنا في ماذا؟ ماذا يقول لنا؟ يكلمنا في ما نحتاج إليه؟ فالآن خرج إلينا يعقوب والحويني والعدوي،، هؤلاء الناس لماذا ظهروا والناس أنصتوا إليها ولم ينصتوا للناس الذين خرجوا من الجامعة؟ مع أن الجامعة يعد فيها الذي من المفترض أن يخرج منها الداعية الذي سيكلم الناس، فلماذا؟ لأن هؤلاء الناس في خطابها كانوا أقرب لما نحتاج أن نسمعه من الناس الأخرى الذين يتكلمون في كلام ربما نكون لسنا فاهمين له، لا نفهم ماذا يقولون، فهذه الثغرة وهذه الفجوة لابد أن تعالج، لماذا لازم أن تعالج؟ لماذا لازم أن تعالج؟ لأن قيام الأمة إنما يكون بقيام دينها، ولا قيام لدينها إلا إذا عرفت كيف تتناول دينها، وكيف تتعلم دينها، وكيف تتمسك بدينها، وهذا لن يتم إلا أن يوجد لديها ميزان، ميزان أهلية الشخص للعلم، من الذي يستحق ويستأهل، قلنا أن هناك من يسمى بالعالم، هذا هو فقط، هذا فقط من يصلح أن تصغي إليه، قلنا لا يوجد ما يسمى بالداعية ولا مفكر ولا كاتب، لن تمنع أحد أن يكتب، فشخص يريد أن يكتب خوطره، يكتب أشياء هو تأثر بها، فليكتب، يكتب، لا مانع من أن يكتب، لكن هذه الكتابة لابد أن تعرض في النهاية على ميزان العلم، لكي يقول، ما من هذه الكتابة صحيح، ومنها ربما أن يكون به خلل، ما المضبوط منها وما هو الغير مضبوط.

أما بلاغ الدين: قال صلى الله عليه وسلم ( بلغوا عني ولو آية ) كل مسلم عليه أن ينصح، ( الدين النصيحة؛ قلنا لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله وللأئمة المسلمين وعامتهم ) واجب على كل مسلم، كل شيء عرفه أو تعلمه أن ينصح، لكن النصيحة أمر،، نحن نتكلم عن التصدر، التصدر، من الذي سيجلس في مجلس الإمامة، ومن الذي يستحق أن تضعه الأمة في منصب القيادة؟ أما أن أتكلم أو أنصح، فأي شخص يعرف شيء لابد أن يقوله، فهذا واجب عليه، هذا أمر ( بلغوا عني ولو آية ) أي شيء في الدين أنت تعرفه لابد أن تقوله، فهذا حق المسلم على المسلم، أنه يلزمه أن ينصحهم، يلزمه أن يرشدهم، يلزمه أن يوجههم، ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) وهذا في الدين أعظم من الدنيا، نحن قلنا قبل ذلك كثيرًا، لا يأتي في ذهننا إلا حب الأشياء الدنيوية، أنت يكون لديك كذا فهو يكون لديه كذا، ولكن أعظم من هذا، أعظم أمر، أنك تحب لنفسك أن تكون قريب من ربنا، أن ربنا يكون راضيًأ عنك سبحانه وتعالى، أن تكون سائرًا على طريق الجنة، فلابد أن تحب لكل المسلمين هذا، ولكي تحب لهم هذا فعليًّا، لابد أن توصل لهم هذا وتقربهم منه، أما الصدارة؟ سنصغي لمن؟ لابد أن نفكر، فلان هذا، أنا أرى أنه أهل أم لا؟ يصلح أن أجعله حجة بيني وبين الله أم لا؟

آخر جملة: الإمام مالك وعبدالعزيز الماجشون كانا يحضرا عند عبد الله بن يزيد بن هرمز، رجل من علماء التابعين لكنه لم يكن مشهورًا لأنه لا يحب الظهور، فهو دائمًا جالسًا في بيته، فهما كانا يذهبان لبيته، ومعهما أناس كثير، فكان عندما يسأل مالك وعبد العزيز يسألا ابن هرمز كان يرد عليهما، والباقون حينما كانوا يسألونه لم يكن يرد عليهم، فواحد منهم ساءه ذلك، فكلمه وقال له لماذا تفعل هذا؟ لماذا ترد على فلان وفلان عندما يسألانك، ولا ترد علينا حينما نسألك؟ فقال له: هذا الكلام وقع في قلبك؟ قال له: نعم، قال: أحزنت؟ قال له: نعم، فقال له: أنا كبر سني ووهن بدني ورق عظمي، وأخشى أن يكون قد أصاب عقلي ما أصاب بدني. فلا يكون تركيزي واستيعابي مثل الأول، ومالك وعبد العزيز علماء فقهاء فإذا ألقيت إليهم أمرًا أخذوا حقه وردوا باطله، وأما أنت وأصحابك فكل ما ألقيته إليكم أخذتموه. ماذا يقول هذا الرجل؟ يقول أنا أجاوب على فلان وفلان لأنهم سيعرفون أن يفلتروا ما أقوله لو ربما كان فيه خطأ، فهم لديهم آلية أن ينقوا هذا الكلام من خطؤه، أما غيرهم؟ فأنا سأجيب هؤلاء ولن أجيب هؤلاء، لماذا؟ ليست مفاضلة عشوائية، ولكن لأن في النهاية هؤلاء سيعرفون أن يضبطوا الكلام.

وهذا ما نتكلم عنه، أن هؤلاء مجموعة من طلبة العلم عند شيخ معين، وهو يتعامل يعرف كل شخص ما وضعه بالضبط، وما مستواه، وما عقله، وأستطيع أن أقول ماذا لمن، ولا أقول ماذا لمن، قال عبد الله بن مسعود ( ما أنت بمحدث قومًا حديثًا لا تيلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة ) وأشد من هذا: قال عليّ رضي الله عنه: ( حدثوا الناس بما يعرفون – حدثوا الناس بما يعرفون – أتحبون أن يكذب الله ورسوله ) فأنت من الممكن أن تقول لهم شيئًا هو صحيح، ولكنهم لا يفهمونه، فيظنونه باطلًا، فيكذبونه، فلما يكذبونه علام يقع التكذيب؟ يقول ( حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله ورسوله ).

فبما أنه لا يوجد أحد حريص عليك، وبما أنه لا أحد حريص على دينك، وبما أنه لا أحد حريص على أن يحافظ عليك، فأنت كن حريصًا على نفسك، أيها المسلم إذا لم يكن أحدٌ يعنيه شأنك ولا أمرك ولا دينك ولا علاقتك بربك ولا تميزك بين الخطأ والصواب وبين الحق والباطل فوجب عليك أنت أيها المسلم أن تعمل على أن تحفظ نفسك، أن تحفظ لنفسك دينك، لا أحد سيحافظ عليك، لا أحد يهتم بك، نحن لا قيمة لنا عند أحد، فعليك أنت أن تحافظ على دينك، لا أحد سيحافظ عليك، لا داعي أن نضع الثقة في غير محلها لأن هذا نوع من أنواع الغفلة، ولا ينبغي للمسلم أن يكون غافلًا، قال عمر رضي الله عنه ( لست بالخَب وليس الخَب يخدعني ) أو الخِب على وجهين في اللغة، أي الماكر المخادع، يقول عمر: لست أنا بالخب، أنا ليس الشخص الذي طبيعته الخداع والمكر لأن هذا ليس من طبيعة المؤمن، ولكن ليس الخب يخدعني، لست أنا الشخص الغافل الذي يمكن لأهل المكر والخديعة أن يخدعوه، لأن هذا يتنافى مع الدين، مثلما يتنافى الأول مع الدين، مثلما لا يصلح للمؤمن أن يكون مخادعًا، كذلك المؤمن بصفة الإيمان لا يصلح أن يخدع، قال صلى الله عليه وسلم ( إن المؤمن لا يلدغ من جحر واحد مرتين ) لماذا قال المؤمن؟ الطبيعي: ” الفطن، العاقل، الذكي، النبيه ” ، هو لم يقل هذا، قال ( إن المؤمن ) فهو له ارتباط بالإيمان، الإدراك والوعي والفهم والبصيرة لها علاقة مباشرة بالإيمان، فالإنسان المؤمن كما أنه يتسم بمكارم الأخلاق فهو أيضًا يتسم بالنضج وكمال العقل، هذا يعطيه الإيمان، وهذا يعطيه الإيمان، أما نحن لدينا لا، نحن لدينا الإيمان يعطي فقط مكارم الأخلاق، ولكنه لا يعطي ذكاء ولا عقل ولا فهم ولا فطنة ولا بصيرة وهذا خطأ، هذا خطأ، ” إن المؤمن لا يلدغ ” ” المؤمن ” الإيمان، الإيمان يعطي الإنسان كل ما يحتاجه، يعطي الإنسان كل ما يحتاجه، الإنسان المؤمن إذا آمن حق الإيمان، إذا آمن حق الإيمان، وإذا ارتبط بالباري سبحانه وتعالى حق الارتباط، إذا تعلّم من كتاب الله حق التعلم، إذا كان تلميذًا في مدرسة النبوة حقًّا فهو الشخص الكامل علمًا وعملًا وفهمًا وذكاءً وخلقًا وسلوكًا، لا يصلح أن يكون به جزء ناقص، وكل نقص هو نتيجة لنقصنا نحن في التناول، ونقصنا في التناول نتيجة لنقصنا في الاعتبار.

فأنت لكي تأخذ من شخص شيئًا، لابد أن تكون أنت في نظريتك وفي عقلك أنه لديه هذا الشيء ليعطيه لك، نحن ندخل في الدين نأخذ أشياء معينة، لأننا نعتقد أن الدين لن يعطينا إلا هذه الأشياء، وبقية الأشياء نكملها من الخارج، كل ما يحتاجه البنيان الإنساني، كل ما يحتاجه البنيان الإنساني الكامل لكي يعيش حياة متسقة طيبة يعطيه له القرآن وتعطيه له السنة، ما ترك صلى الله عليه وسلم من خيرٍ إلا وأرشدنا إليه، وما ترك من شرٍّ أو سوء إلا وحذرنا منه، قال صلى الله عليه وسلم ( تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ) قال الله تبارك وتعالى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ بهذا الإكمال وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ – وَرَضِيتُ – لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه

اللهم خذ بأيدينا إليك أخذ الكرام عليك لا تفضحنا بين خلقك ولا بين يديك

اللهم خذ بأيدينا إليك، اللهم خذ بأيدينا إليك أخذ الكرام عليك لا تفضحنا بين خلقك ولا بين يديك

اللهم يا وليّ الإسلام وأهله مسّكنا الإسلام حتى نلقاك عليه، اللهم يا وليّ الإسلام وأهله مسّكنا الإسلام حتى نلقاك عليه، اللهم يا وليّ الإسلام وأهله مسّكنا الإسلام حتى نلقاك عليه

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.