إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.
إنه من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
ثم أما بعد ،،،
يقول الله تبارك وتعالى وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ أمر الله نبيه إبراهيم عليه السلام بعدما استتم من بناء بيت الله تبارك وتعالى أن يدعو عباد الله تبارك وتعالى لتلبية نداء الله، ونحن اليوم لنتحدث عن التلبية، شعار الحج الذي شرعه الله تبارك وتعالى.
يقول جابر بن عبد الله رضي الله عنه في ذكر خروجه صلى الله عليه وسلم من المدينة في أصحابه متوجهاً إلى مكة لكي يلبي نداء الله تبارك وتعالى يقول جابر فأهلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوحيد ” لبيك اللهم لبيك؛ لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ” يقول جابر: وأهلّ الناس بما كانوا يهلون به فلم يرد عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً من ذلك ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته.
هذه التلبية من أين ستبدأ وكم ستستمر؟ المسافة ما بين المدينة وبين مكة حوالي 225 ميل ستقطع في حوالي عشرة أيام من ذي الحليفة أهلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ولبى ولبى أصحابه وبقوا على تلبيتهم حتى طالعوا بيت الله تبارك وتعالى.
إذاً هم سيسيروا في مسيرة عشرة أيام إلى أن تبحّ أصواتهم تماماً، سيسيروا في مسيرة عشرة أيام ليس لهم هجيرة – شيء يرددوه ويكرروه – إلا هذه الكلمات، فلن يقولوها مرة وانتهى، هم سيظلوا طوال الطرق – طوال الطريق – يقولوا هذه الجمل، هذه الجمل ما معناها ولماذا تكرر كثيراً؟
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحج والمشركون يطوفون حول البيت يقولون: ” لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك ” فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ويلكم قد قد ” أي قفوا، كفى، فيقولون: ” إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك “
إذاً هذه التلبية تاريخ ورثها هؤلاء عن المؤمنين من آبائهم، وبعد ذلك أدخلوا على التلبية التعديل الذي يتماشى مع ما أحدثوا في دينهم، أي إنهم انتقلوا من توحيد ربهم وتعظيمه إلى الإشراك به فوضعوا بداخل التلبية ما يومئ وما يشير إلى ما أحدثوا وإلى ما غيروا وإلى ما بدلوا، فماذا كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم؟ كان يحاول أن يوقفهم، ” قفوا هنا ” لكنهم لا يقفوا.
ونحن تكلمنا قبل ذلك كذا مرة عن التغيرات التي أحدثها الناس في المناسك وأن عامتها أو أغلبها كان يرجع إلى الأشياء التي أدخلتها أو أضافتها قريش باعتبار أنهم أهل الحرم وأهل الرعاية للحجيج وأهل الخدمة للبيت، وأنهم اختصوا أنفسهم بأشياء غير بقيت الناس، فقريش لا تقف بعرفة، قريش تقف بالمزدلفة، يقف الناس جميعهم بعرفة وهم يقفوا في المزدلفة، والنبي صلى الله عليه وسلم نفسه من قبل بعثته كان يقف كما كان يقف إبراهيم عليه السلام، ولذلك كان يستغرب من يراه ” من الذي أوقف هذا الرجل القرشي مع الناس الأخرى “
قريش هذه لا تخرج لتقف في عرفة ويقفوا في مزدلفة يقولون أن الحرم أعظم وأجل من الحل، فالمزدلفة داخل حدود الحرم أما عرفة خارجه، فنحن لا نخرج من الأشرف للأقل شرفاً، فلن نأتي ممن هو فوق لمن هو أدون، أما الناس الآتين من الخارج فهم أناس آتين من الخارج أصلاً فهم إذا وقفوا في الخارج فهذا أمر طبيعي لكننا نحن أهل حرم الله لا يصلح أن نخرج من الحرم المعظم للحل الذي هو أقل حرمة وتعظيماً.. يبدو الكلام منطقي، الكلام شكله منطقي، أي حينما تفكر فيه هو ليس سيئ لكن هل هذا هو الدين الذي شرعه ربنا سبحانه وتعالى للناس، فأحياناً الناس تحدث أشياء وهي تراها منطقية، فأنت حينما تفكر في موضوع تشعر أنه منطقي.
ربنا يقول سبحانه وتعالى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا أي اقتصادياً، حينما نحلل الموضوع هم يرون أن هذا مثل هذا ولا فرق، ولذلك لن يكون منطقياً أن تعطي هذا حكم وتعطي هذا حكم يغايره، إما أن يكون الاثنان حلال وإما الاثنين حرام، قال الله تبارك وتعالى وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا.
فهم يقولون ” لبيك لا شريك لك ” فما معنى ” لبيك ” ما معنى هذه الكلمة؟ هذه الكلمة التي يعبر بها الإنسان على أنه يهرع لتلبية النداء، حينما ينادي شخص على شخص، والشخص المنادي ذو مكانة أو ذو منزلة أو ذو قدر وله تعظيم وتقدير في نفس المجيب يعبّر عن هذا التقدير بالتلبية، فكلمة ” لبيك ” هذه تعني الإجابة لداعي الله تبارك وتعالى ولذلك هذا شعار النسك، يوجد نداء من ربنا سبحانه وتعالى، يوجد دعوة من الله تبارك وتعالى لعباده، والعباد يستقبلوا الدعوة الإلهية بالتعظيم والإجلال والمسارعة للإجابة بالتلبية.
يقولون ” لبيك اللهم لبيك ” ، ” اللهم ” هذه ما معناها؟ ” اللهم ” هذه معناها: يا الله، اللهم تعني يا الله، فهم يلبون نداء ربهم ويكررون العزم على الاستجابة ” لبيك اللهم لبيك ” ثم يكررون العزم مرة أخرى، ونحن نتخيل أنك تظل طوال هذه المسافة تردد هذه الكلمات، لماذا؟ ماذا سيفيد تكرارها؟ أنت الآن دُعيت فأجبت، فلماذا تكرر الإجابة؟ لماذا ستكرر هذه الكلمات، أنت فكّر الآن إذا خرجت من البيت وذهبت إلى برج العرب وحينما خرجت قلت ” سبحان الله وبحمده ” ماذا تختلف عنك حينما أن تكون منذ أن خرجت من البيت إلى أن وصلت برج العرب يلهج لسانك بقولك ” سبحان الله وبحمده ” ، هذه عم تختلف عن هذه، وهو نفس المضمون، التكرار على هذه المسافة الطويلة ماذا يحدث من أثر في الإنسان، هل حينما أقولها مرة مثلما أقولها ألف مرة؟ وستختلف بمستوى الإدراك ومستوى الحضور، فأنا لماذا أكرر هذه الكلمات؟ لأنني أثبّت في قلبي أو أحيي في قلبي معاني معينة.
إذاً هذه التلبية ماذا تساوي؟ تساوي إجابة المؤمنين لنداء ودعاء ربهم تبارك وتعالى، فإلام يدعو ربنا سبحانه وتعالى قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا هذه هي التلبية، هذه الاستجابة هي التلبية، وَاللهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ هذه هي الدعوة الإلهية وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.
” لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك ” كلمة التلبية تتكر دائماً، لذلك سيدنا جابر ماذا سماها؟ قال: أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ ” التوحيد ” ، وكلمة التلبية أصلها: فلان لبّ بالمكان أي: أقام واستقر واطمأنّ فيه، إذاً التلبية ما معناها؟ لزوم الطاعة، وليس مجرد الإجابة، ليس مجرد الإجابة؛ المسارعة بالاستجابة ولزوم الطاعة.
وبعد ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: ” إن الحمد والنعمة لك ” الحمد كله لله تبارك وتعالى ولذلك نحن نبدأ مناجاتنا لربنا سبحانه وتعالى في كل ركعة بأن نقول الحمد لله، أول شيء ” الحمد لله ” وقلنا أن هذه أول كلمة – أول كلمة – أجراها ربنا تبارك وتعالى على لسان الإنسان سيدنا آدم ربنا سبحانه وتعالى نفخ فيه الروح فعطس فقال الحمد لله، قال الله تبارك وتعالى: يرحمك ربك يا آدم، هذه أول كلمة؛ الحمد أول ما لهج به لسان الإنسان، أقدم كلمة في تاريخ الإنسان، ومثلما قلنا قبل ذلك؛ النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي حينما يقوم من الركوع يقول ” أحق ما قال العبد ” أحق وأصدق كلمة الإنسان يقولها ” الحمد لله ” ” أحق ما قال العبد ” .
” إن الحمد والنعمة ” الحمد كله لربنا سبحانه وتعالى وهذا مبني على أمرين أساسيين؛ أن النعم كلها من الله وأن الملك والأمر لله، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم يقول دائماً في الدعاء يقرن بين هاتين الكلمتين ” له الملك وله الحمد ” ” له الملك وله الحمد ” ” له الملك وله الحمد ” ، لماذا هاتان الكلمتان وراء بعضهما؟ لأن كل تدابير الملك الإلهي بك تفاصيلها وبكل جزئياتها تستحق الحمد، لا شيء يخرج خارج دائرة الحمد، ” إن الحمد والنعمة ” وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا
ثم يكرر صلى الله عليه وسلم حقيقة التوحيد ” لا شريك لك ” هم ماذا كانوا يقولون؟ ” لا شريك لك ” ثم ” إلا شريكاً هو لك ” بغض النظر هو من كان، ثم يجدونها لا تصلح، هم يجدونها لا تصلح فيقولون ” تملكه وما ملك ” شيء ليس له معنى.
تعظيم ربنا سبحانه وتعالى فطرة في الإسلام، هذه الشعيرة هي مقام التعظيم والإجلال لله، فهم وهم يقولون فالكلام يجدونه لا يصلح معهم، يجدونه لا يصلح معهم، شيء يناقض الفطرة ويناقض التوجيه ويناقض الحالة والجو والطواف، كل هذه الأشياء تسير في شكل وفي صورة وفي حالة وما يقولوه يسير في طريق آخر لا يستطيعون أن يكملوه، ولذلك يخرجون متناقضين ويقولون كلام ليس منطقياً وغير مفهوم.
” إلا شريكاً هو لك ” هل هو شريك فعلاً؟ لا ” تملكه ” وتملك ما نعتقد أنه يملكه، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم كان يحاول أن يوقفهم ” قد قد ” هي من المفترض أن يُوقف هنا، ولكنهم يكملوا.
النبي صلى الله عليه وسلم ماذا كان يقول؟ كان يقول هذه الكلمات، سيدنا جابر كان يقول أن النبي صلى الله عليه وسلم لزم هذه الكلمات، طول هذه المسافة بقي صلى الله عليه وسلم يردد ويردد معه أصحابه هذه الكلمات العظيمة، التي ماذا تشكل؟ إذاً هذه الكلمات ماذا تقول؟ تجدد عهد الإنسان مع الله، استجابة الإنسان لداعي الله تبارك وتعالى يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ، فهل هذه مختصة بالحج؟
النبي صلى الله عليه وسلم يقول في استفتاح الصلاة يقول ” لبيك وسعديك والخير كله بيديك والشر ليس إليك، أنا بك وإليك تباركت وتعاليت أستغفرك وأتوب إليك ” بعدما يكبر صلى الله عليه وسلم يقول دعاء طويل كان يقوله في استفتاح صلاته؛ ففي آخر الدعاء النبي صلى الله عليه وسلم يقول هذه الكلمات، يقول ” لبيك، لبيك وسعديك ” ” لبيك ” هذه الاستجابة، و” سعديك “؟ العزم وبذل الجهد في الامتثال، أي أن الإنسان لن يدخر طاقة في إرضاء الله، إذاً الأولى: العزم على تلبية نداء الله، والثانية: العزم على بذل كل الجهد في إرضاء الله.
” لبيك وسعديك والخير كله بيديك ” إذاً أنت ترتجي حينما تلبي نداء الله سبحانه وتعالى أن ينيلك الله كل خير من خزائنه سبحانه وتعالى في الأولى وفي الآخرة، أنك حينما تلبي نداء ربنا لن تجد إلا الخير، أما الشر فلا يوجد من جهة ربنا شر، لا يوجد في حكمة ربنا وفي لطف ربنا وفي تقدير ربنا سبحانه وتعالى شر، لا يوجد في اختيارات ربنا سبحانه وتعالى شر، فأنت تذكّر نفسك بأن هذه التلبية هي التي ستقودك للخير، وتنتظر منها الخير وترتجي منها الخير، وتأمل من ربنا سبحانه وتعالى أن يعطيك الخير.
” لبيك وسعديك والخير كله بيديك والشر ليس إليك، أنا بك وإليك – أنا بك وإليك – ” هذه الكلمات حينما يقولها النبي صلى الله عليه وسلم ماذا تفعل؟، أي نتخيل أننا سنقول هذه الكلمات في بداية الصلاة أو خارج الصلاة لكن سنقول هذه الكلمات ونحن نقولها من قلوبنا، ونشعر بها فعلاً، أنت تقول هذا ” لبيك وسعديك والخير كله بيديك والشر ليس إليك، أنا بك وإليك ” ” أنا بك ” هذه ما معناها؟ أنني بدون ربنا سبحانه وتعالى لا شيء، أنا بدون ربنا سبحانه وتعالى لا شيء، بدون كلائة ربنا ورعايته وحفظه وتدبيره وتيسيره لاشيء، وفي نفس الوقت توجهاتك لله، إذاً قيامك بالله وتوجهك وإرادتك لله، أنت تقوم بقيومية الله وتسعى مخلصاً لإرضاء الله، أنا بك وإليك ” تباركت ” كل البركة من الله ” وتعاليت ” كل العلو والعظمة لله، ثم تذكر الخطيئة والسعي للتوبة، والتكفير وحظ السيئات ” أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت أستغفرك وأتوب إليك ” .
فيقول جابر رضي الله عنه: ” فأهلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوحيد لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، وأهلّ الناس بما كانوا يهلّون به فلم يرد عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً من ذلك ” وسمعهم يقولوا تلبية ويقولوا فيها كلام آخر، ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته.
إذاً الناس تُلبي، تجيب النداء، وكل شخص وهو يجيب يقول شيء من داخله، أو شيء هو يشعر به، أو شيء هو متأثّر به، أو شيء يريد أن يناجي بها ربنا، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يستنكر على أحد شيئاً طالما أنهم انقطعوا عن تلبية المشركين، طالما هم أزالوا ” إلا شريكاً هو لك ” ويتوجهوا لله سبحانه وتعالى فهو لا يستنكر عليهم، فيقول جابر: يزيدون ” لبيك ذا المعارج ” وفي رواية ” لبيك ذا المعارج لبيك ذا الفواضل ” وغير ذلك.
يقول أن من الأشياء التي كان يسمعها النبي صلى الله عليه وسلم ولا يستنكرها قولهم ” لبيك ذا المعارج ” الدرجات العليا؛ رفعة القدر وعلو الشأن، لبيك ذا الفواضل: ذا النعم التي تغمر العباد، يقول ابن عمر رضي الله عنه وهو يحكي تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وكنت أقول – أي أنه يقول هذا وبعد ذلك يقول – ” لبيك لبيك، لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء إليك والعمل ” الرغباء: أن الرغبة كلها لله أي الطلب والتوجه والتعلق والمسألة واللجوء والاستغاثة لا تكون إلا لله، سأعلّق حاجتي بربنا سبحانه وتعالى، سأعلّق مسألتي بالله، سأعلّق رجائي كله بربنا سبحانه وتعالى.
” والرغباء إليك والعمل ” طاعة خالصة لوجهه تبارك وتعالى، أنا لا أريد أن أرضي أحداً آخر، ولا أريد أن يشاهدني أحدٌ آخر، ولا أريد أن يثني عليّ أحد آخر، أنا لا أرى إلا هذه الوجهة؛ الجهة العليا، ” والرغباء إليك والعمل ” .
يقول عمر رضي الله عنه ” لبيك لبيك، لبيك ذا النعماء والفضل لبيك مرهوباً ومرغوباً إليه ” ، ” لبيك ذا النعماء والفضل لبيك مرهوباً ” يخشى ويخشى عذابه ويخشى سخطه سبحانه وتعالى إذا تنكّب العبد أمره، وفي نفس الوقت مرغوباً إليك، التوجه كله لله تبارك وتعالى.
يقول أنس رضي الله عنه: لبيك حقاً حقاً تعبّداً ورقّاً؛ تلبية حقيقية أي من قلبه ليس من لسانه، ” لبيك حقاً حقاً ” فما حقيقة التلبية؟ الخضوع لله سبحانه وتعالى، ” لبيك حقاً حقاً تعبّداً ورقّاً ” ، إذاً التلبية هذه ماذا تمثّل؟ التلبية هذه شعار الحجيج لكنها ليست مختصة بهم، هذه التلبية شعار المؤمن، شعار المؤمن في الاستجابة لنداء الله – شعار المؤمن في الاستجابة لنداء الله – المسارعة حباً ورغبةً وشوقاً، حركة القلب التي تتبعها حركة القدمين، هذه تأسيس لطبيعة العلاقة بين العبد والرب، تلبية العبد لنداء الرب تبارك وتعالى
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
الحمد لله رب العالمين
المآل؛ المآل النهائي للتلبية، أي أن هذه التلبية لأصحابها أو لأربابها أو للصادقين فيها، إلام تصل بهم في النهاية؟
يقول صلى الله عليه وسلم: ” إن الله تبارك وتعالى ينادي أهل الجنة فيقول: يا أهل الجنة فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا ألا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك، فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك، يقولون: وأي شيءٍ أفضل من ذلك؟ – يوجد ماذا أفضل من هذا! – فيقول سبحانه وتعالى: أحلّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً ” هذه آخر طريق التلبية، آخرها النهائي هناك، – نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من أهل الجنة – آخرها النهائي هناك أن ربنا سبحانه وتعالى ينادي هؤلاء المصطفين الأخيار فيقولون: لبيك، إلى هنا، إلى أن وصلوا لهناك، هم مستصحبين هذا إلى أن وصلوا لهناك، هذا شعارهم، شعار المؤمنين في التعامل مع الله، هو هكذا دائماً، هناك، ” يا أهل الجنة؛ لبيك ربنا وسعديك ” فهم هنا لا يفعلون شيئاً، هم هنا في دار الجزاء، هم لا عليهم خطاب يلبوه، ولا التزام يلتزموه، لكن هذه طبيعة، طيبعة، طبيعة قلب المؤمن في التعامل مع الله ” لبيك ربنا وسعديك، فيقول: هل رضيتم؟ قالوا: ربنا وما لنا ألا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك ” فربنا سبحانه وتعالى يقول: ” فأنا أعطيكم أفضل من ذلك ” هم لا يتخيلون، ما ما الذي سيكون أعلى أو أعظم أو أجلّ أو أرقى من ما أمدّهم به ربنا من النعيم فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ في تفسيره صلى الله عليه وسلم ” فيها ما لا عين رأت، ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر ” نحن قلنا قبل ذلك أكثر من مرة أن النعيم شيء يرى فالشخص يتمنى مثله أو أكثر منها، أو شيء يسمع، ودائرة السماع أوسع من دائرة الرؤية، وبعد ذلك دائرة التخيل، شيء لم يخلق أصلاً، فوق مستوى النعيم الذي يُرى أو يُسمع ” ولا خطر على قلب بشر ” فربنا يقول لهم فوق ذلك، ” أنا أعطيكم أفضل من ذلك ” شيء أفضل من كل هذا، شيء أفضل من كل هذا، فهم ” ماذا!! ” ماذا يكون أفضل من كل هذا، فربنا سبحانه وتعالى يرشد إلى ذلك، إلى ما أخبر في القرآن سبحانه وتعالى، قال تعالى وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ مثلما قال ربنا في الصلاة وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ هذا شيء عظيم، يوجد شيء أكبر بكثير وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ، فربنا يقول وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ قال: ” أحلّ عليكم رضواني ” ، فلا مقطع ولا ممنوع، ” فلا أسخط عليكم بعده أبداً ” .
إذاً ما نريد أن نقول أن كلمة التلبية هذه، هذه شعار العبد المؤمن في علاقته مع الله، لابد أن نكون مستوعبين لها، ولابد أ نفقهها، لأننا من المفترض أن نعمل – نعمل – على أساسها، علاقة الإنسان بربنا سبحانه وتعالى مبنية على هذا، لذلك حينما نقول أن ربنا سبحانه وتعالى جعل التلبية شعار الحج نعرف لماذا، نعرف لماذا، لا يوجد شيء هكذا، لا يوجد شيء عشوائي، أو تُقال لأنه موجود في الكتاب أنها تُقال، لا يوجد شيء هكذا، ربنا سبحانه وتعالى العليم الحكيم، الرؤوف الرحيم، كل شيء ربنا وجّهنا إليها، فهذه شيء عميقة التأثير في قلب الإنسان، هذا شيء موجود لكي يبني شيء كبير أو تحيي شيء في القلب، ولذلك نحن محتاجين أن نستوعب كل شيء يمرّ بنا، مثلما قلنا كثيراً، نحن ليست مشكلتنا الأساسية أن لدينا نقصان في المعرفة أو نقصان في مساحة العمل، نحن نريد أن يمنّ ربنا علينا نفقه ما نعمل ونُحسن ما نعمل، وتحضر قلوبنا فيما نعمل، ونخشع فيما نفعل، وحينئذٍ يكون العمل نستطيع أن نقول أننا نطمع أن يرفع إلى السماء.
لأن ما الشيء الذي يستحق أن يُرفع إلى السماء، وربنا سبحانه وتعالى يتلقاه بالقبول؟ ليس أي شيء، إذا كنّا مدركين أننا نتعامل مع الله ومدركين معنى كلمة الله ولو بنسبة، لا أحد يستطيع أن يدرك تماماً معنى كلمة الله، ولكن ربنا علمنا أشياء من الممكن أن نتقرب بها من شيء من الإدراك، كلما نزيد من هذا الإدراك كلما نزيد في هذا الإحساس سندرك كم نحن محتاجين أن نرتقي لكي نرقى لمستوى الإيمان والتقرب إلى الله، من الذي يستحق أن يفتح له ربنا الباب لكي يتقرب منه، أي شخص وبأي شيء !! ربنا يقول وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ للهِ وَقَارًا عظمة ربنا سبحانه وتعالى، الإنسان سيتعامل مع ربنا على قدر ما يشعر بعظمة ربنا سبحانه وتعالى هو مع من يتعامل، هذه الأشياء ضعُفت جداً ضعُفت جداً، وطالما هي ضعيفة جداً ستظل أوضاعنا متردية جداً جداً جداً، هذا طبيعي، المقدمات تؤدي إلى نتائجها.
أعظم نعمة، أعظم نعمة علينا ربنا منّ علينا بها؛ أن ربنا سبحانه وتعالى جعل كل شيء كل شيء في دائرة الجلاء والوضوح والبيان التام، أي أن الآن أنا إذا أردت أن أتقرب من ربنا، هذا الموضوع ليس به تشويش ولا ضبابية وليس به عدم وضوح، القوانين واضحة جداً، أنت تريد أن تتقرب من ربنا، واضح جداً ماذا ستفعل وكيف يتعامل ربنا مع العباد، كل شيء واضح، كل شيء قوانينه واضحة، الشكر له قوانينه والجحود والكفر له قوانينه، الطاعة لها قوانينها ومترتباتها والمعصية لها قوانينها ومترتباتها لا يوجد شيء هكذا.
سبحان الله ليس كالبني آدمين، البني آدم يعجزك أن تُرضيه، فهو يتقلب فوق وتحت، الشيء الذي كان يسعد به أمس يتضايق بها اليوم، الشيء الذي كان يُعجبه أصبح زاهد فيه، فأنت لا تعرف، هكذا هو، البني آدم هكذا قلبه متقلب لا تعرف أن تُرضيه، أما ربنا سبحانه وتعالى أسهل شيء أن تُرضيه لأن مراضي ربنا واضحة وحالة مستقرة، واضحة جداً وبيّنة وهذه من نعمة ربنا علينا، أنت تريد أن تسير في أي طريق واضح جداً في كلام ربنا كيف تسير الدنيا، وماذا سيؤدي إلى ماذا، وماذا سيؤول إلى ماذا، ربنا قال هذا لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ تكون الدنيا واضحة، واضحة جداً.
فتعظيم الإنسان لله، تقديس الإنسان لله، وبالتالي حسن تلبية الإنسان لنداء الله هذا هو لُبّ وحقيقة الإيمان، نحن تهنا عن هذه الأشياء، أصبحنا بعيدين، أصبحنا بعيدين جداً، والإنسان كلما بعد أكثر يصبح إدراكه أضعف لأن منارات السكة التي كان يسير فيها حينما يبعد لا يصبح يراها، فأنا إذا ملت ميل غريب، إذا كنت قريب قليلاً سأعود وأنظر سأرى من أين ملت، أما إذا بعدت جداً ونظرت للوراء لن أرى شيئاً، فكلما بعدنا أكثر كلما أصبحت الدنيا أصعب، لكن من رحمة ربنا أن الرجوع سهل، ومتيسّر وباب مفتوح دائماً، ولا يحتاج إلا أن يتحول الإنسان الذي في دائرة الإدبار يتحول ويكون في دائرة الإقبال فقط، فقط لا شيء آخر، ولكن لابد أن نعرف نضع أيدينا أين مشاكلنا وأين أزمتنا، وما هي الأشياء التي هي أسباب حقيقية؟ وما هي الأشياء التي هي أعراض أو نتائج لأشياء؟
أي أنت حينما تأتي لتعالج مشاكل من أين ستبدأ؟ لابد أن تبحث أين جذر المشكلة لتبدأ في علاجه، لا يوجد منطق يقول أن أترك المرض وأنشغل بعلاج العرض، هذا لا يصلح ولن ينتهي، أنت أول شيء أن يوفقك ربنا فتشخّص المرض وهو في كتاب ربنا سبحانه وتعالى متشرح وواضح، لكن إذا تكلمنا بشكل شخصي كل شخص محتاج أن يجلس مع نفسه لكي يعرف من أين يُؤتى؟ أين مشكلته؟ أين نقاط الضعف التي لدي؟ أو أين الأشياء التي بداخلي التي تجعلني أرى طريق القرب لكنني لا أأخذ خطوة القرب لماذا؟ يوجد حواجز، حواجز وهمية ولكن يوجد حواجز لابد أن تزال، لابد أن يزيلها الإنسان وحينما يزيلها لا تسل عن الرحمات التي ستتنزل على الإنسان من ربنا سبحانه وتعالى.
لا أحد يرضى عن الحال العام الاجتماعي، لكن الحال العام الاجتماعي هو في النهاية عندما نفكه أجزاء صغيرة لابد أن يبدأ من الوحدة الشخصية ” أنا ” أولاً ” أنا ” لا داعي للكلام بالصيغة الجمعية المجتمعية، فهذا لن يصلح شيئاً، في النهاية الحساب الإلهي على مجموع الأنا، كلما يصلح منها قليلاً كلما زادت الرحمة وكلما قلّ السخط، أنا بالنسبة إليّ – هذه الأنا – وحدة من هذا المجموع، إذا أنا أصلحت جزء الأنا فأنا أخذت المجتمع كله على نسبتي أيّاً كانت بإتجاه أن يكون أفضل، لا حل آخر، لا يوجد حل آخر.
ربنا سبحانه وتعالى حينما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأعظم وأثقل واجب عليه قال فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا هو ولا هم، لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ أنت ستُسأل عن شخصك، أما دورك مع الآخرين؟ الحث والتوجيه والتشجيع والصبر وَحَرِّضِ وبعد ذلك، هذا يستجلب ماذا؟ أن تأتي رحمة من عند ربنا عَسَى اللهُ ربنا سبحانه وتعالى هو الذي يكف ليس أحدٌ آخر، ليس نحن أصلاً، أنت تقوم بالواجب الذي ترضي به ربنا سبحانه وتعالى وفي النهاية للهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ.
فالقضية: كلمة التلبية هذه لابد أن توضع في مكانها الذي تستحقه في حياة الإنسان المؤمن، أين نحن من أوامر ربنا سبحانه وتعالى، أين نحن من توجيهات ربنا سبحانه وتعالى لنا؟ أين نحن من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، نحن تبع ” لبيك وسعديك ” أم أننا في مكان آخر؟ هذا هو الموضوع، نحن هنا أم في مكان آخر.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، متعنا اللهم بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا، أبداً ما أحييتنا، واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا، ولا تجعل اللهم إلى النار مصيرنا، واجعل اللهم الجنة هي دارنا
اللهم يا مقلّب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم يا مصرّف القلوب صرّف قلوبنا على طاعتك
اللهم ارحم في هذه الدنيا غربتنا، وارحم اللهم عند الموت كربتنا، وارحم اللهم في القبور وحشتنا، وارحم اللهم في القيامة ذل مقامنا بين يديك
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم