الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضاه، وأشهد أن لا إله إلا الله لا رب غيره لا معبود بحق سواه، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله أشرف عبدٍ وأطهره وأزكاه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتّبع هديه واهتدى بهداه …
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ الله فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا
لتكن الحياة كما أراد الله، ولكي تكن حياة العباد كما أراد الله لابد أن تستمدّ هذه الحياة من نور الله تبارك وتعالى قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ الله نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ الله مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
كنا في حديثٍ عن القلب المضغة التي تمثّل حقيقة الإنسان، محل تفعيل الروح التي نفخها الله عز وجل في هذا الإنسان إنما تكون بحركة هذا القلب على وفق ما يرضي الله تبارك وتعالى، هذ القلب إنما أعدّ وهيّئ ليستقبل الإيمان وليتفاعل مع التقوى، قال صلى الله عليه وسلم ” التقوى هاهنا، التقوى هاهنا، التقوى هاهنا، وأشار إلى صدره ثلاث مرار ” هذا القلب أقام الله عز وجل جسراً بين حقائق الإيمان وبينه لكي تصل هذه الحقائق إليه، القلب محلّ مستعدّ وقابل للإيمان وللتقوى وللبر وللخير، لكنه في المقابل هو مستعد وقابل لأضداد ولعكس ذلك، فأقام الله عز وجل جسراً بين حقائق الإيمان التي تصلح القلب وبين القلب، هذا الجسر هو هذه الآيات التي يخاطب الله عز وجل يها الإنسان، هذا الجسر إنما أقامه الله تبارك وتعالى لكي تدلف هذه الحقائق الإيمانية لهذا القلب، فما المطلوب من القلب؟ أن يفتح مغاليق الأبواب لاستقبال هذه الخيرات التي تأتي إليه عبر هذا الجسر الإلهي العظيم، ولذلك قال الله تبارك وتعالى مستنكراً على من يغلق هذه الأقفال ويوصد هذه الأبواب أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا فما المطلوب؟ أن تفتح مصاريع أبواب القلب لاستقبال هذه الخيرات التي ترد إليه عبر هذا الجسر الإلهي العظيم، ولكي تكون الحياة كما أراد الله، لابد أن ندرك ماذا أراد الله تبارك وتعالى لعباده، فنحن منذ فترة نتكلم عن كلمة، وهي أن أول شيء أراد الله سبحانه وتعالى أن تستقر في قلوب العباد هي إدراك حقيقة الخالقية، ولكنها الحقيقة الحيّة النابضة للخالقية،، هذا هو الإيمان، الإيمان شيء ينبض في قلب الإنسان يتأثّر بها ويتحرك على وفقها، وقلنا قبل ذلك كثيراً أن ما نريد أن نصل إليه أننا نحوّل المعارف الموروثة التي تلقّيناها إلى حقائق إيمانية نحن نستشعرها ونعيشها، كل الموضوع في هذه النقطة، أن هناك أشياء تسمى معارف عقلية، معلومات ذهنية، وهناك أشياء تسمى حقائق إيمانية، المعرفة شيء والإيمان شيء آخر، فما الفرق بين الاثنين؟
المعرفة هي المعلومات التي ينبغي أن يؤمن بها العبد، عندما تكون متحصّلة في الأذهان أستطيع أن أسردها وأقولها وأشرحها،، هذا موضوع، وأنني أعيشها، هذا موضوع آخر تماماً، هذا هو الإيمان؛ أن هذه الحقائق تستقرّ في القلب فتحدث آثارها في حياة الإنسان، ولذلك فرّق العلماء بين المعرفة وبين التطبيق، فقالوا المعرفة هي الإدراك وهذه يشترك فيها المؤمنين والكفار، كان عليها إبليس وكان عليها فرعون وقومه، كما سطّر الله تبارك وتعالى لنا في كتابه، إبليس لم يكن لديه مشكلة إدراكية، هو كان لديه مشاكل في التعظيم لربنا سبحانه وتعالى وفي الاستجابة بالتالي لأوامره وإدراك عظمة حكمته قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ هو ليس فقط مؤمن بالله، هو مؤمن بعظمة ربنا سبحانه وتعالى وبعزّة الله، وأنه لكي يستمرّ أو يؤدّي الدور الذي أراد أن يؤدّيه ويرتب آثار الحسد الذي انطوت نفسه عليه تجاه آدم وتجاه ذريّته طلب من الله تبارك وتعالى أن ينظره لأنه يعرف أن الله إن لم يمدّه بهذا.
وقلنا قبل ذلك مراراً أن ربنا سبحانه وتعالى ذكر فرعون وقومه وموقفهم من الآيات، قال وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ، فما هو التطبيق؟ هل التطبيق أن أصدّق أن هذا هو الصواب؟ لا،، أن القلب يتقبّل هذه الحقائق ويحبها ويميل إليها ويستسلم لها، قال تعالى فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ متى أسماه ربنا أنه مصدّق، هو رأى الرؤيا ورؤيا الأنبياء حق، وأدرك أن لها مغزى، فمتى ربنا سبحانه وتعالى وصفه بهذا الوصف؟ قال تعالى فَلَمَّا أَسْلَمَا يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى وقلنا أن إبراهيم عليه السلام سيمتثل التوجيه الذي وجّهه له ربنا سبحانه وتعالى على ما فيه من الصعوبة والمشقّةن استجاب الولد أو لم يستجب، فهو ماذا يريد أن يفعل؟ يريد أن يرفع الولد لنفس الدرجة من التسليم والتصديق والانقياد والإيمان، فعرض عليه، فارتفع إسماعيل عليه السلام إلى حيث أراد أبوه الخليل صلى الله عليه وسلم قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ليس ما ترى افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ الله مِنَ الصَّابِرِينَ إذاً هو عزم على الصبر وعلى الامتثال لأمر الله، لكن النفس ربما لا تقوى على ذلك، لابد أن تأتي المشيئة لأنها تمثّل المدد والعون والتدعيم الإلهي للإنسان لكي يقوى على فعل ما عزم عليه، ستجدني إن شاء الله من الصابرين، ولم يقل ” من الصابرين إن شاء الله ” ستجدني ” إن شاء الله ” أولاً ” من الصابرين ” فَلَمَّا أَسْلَمَا وبعد ذلك وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وضعه على وجهه، وقلنا لماذا وضعه على وجهه؟ لأن ربنا سبحانه وتعالى لم يرد من الإنسان أن يتجرد من إنسانيته، فهو أب لن يستطيع أن ينظر إلى وجهه ولا ينظر إلى عينيه في هذه اللحظات، فوضعه على وجهه، فهو سيذبح من قفاه، فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ حينئذٍ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ لا يوجد اختبار آخر، هذا هو آخر اختبار وأصعب اختبارن وهذه طبيعة الامتحانات، أنك تنتقل من درجة لدرجة من الأسهل للأصعب، من الأسهل للأصعب إلى أن تكتمل الاختبارات فيحصل العبد على الاجازة التي يبحث عنها والتي يستحقّها، فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ حينئذٍ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا فمتى هو كان مصدّق؟ عندما تفاعل واستسلم ونفّذ، إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ إذاً نحن نريد أن نصل إلى ماذا؟ نريد أن نحوّل المعارف التي أدركناها إلى حقائق نحن نعيشها، هذا الكلام كيف سنصل إليه؟ عبر التفاعل مع كلام ربنا سبحانه وتعالى، نحن الآن نريد أن نعرف ربنا سبحانه وتعالى ماذا أراد لنا، قلنا أننا لن نعرف هذا إلا من خلال إدراك ما الذي وجّهنا إليه ربنا سبحانه وتعالى وخاطبنا به، فقلنا أننا سنكتشف، ولم نكن قد اكتشفنا قبل ذلك، سنكتشف الآن ولم نكن قد اكتشفنا قبل ذلك، رغم أننا نقرأ قرآن كثير، أن قضية الخلق هذه قضية من العظمة، وأن ربنا سبحانه وتعالى حفل بها في كتابه بما ربما لا تدركه عقولنا ولا تدرك منتهاه، نحن نقرأ، ولكننا إذا قرأنا بخلاف ما نقرأ سنكتشف أشياء نحن لم نكن اكتشفناها.
في القرآن ربنا سبحانه وتعالى كم يتكلم ربنا سبحانه وتعالى عن الخلق، نحن بالنسبة لنا هذه قضية مسلّمة، حتى فيما نسمّيه خطاب ديني الذي اندرجنا عليه سنين طويلة، نحن لم نكن نتكلم في هذا، ولا نفكّر فيه ولا نعيشه، هذه قضية مسلّمة ادخل فيما بعدها، فهذه قضية معروفة والمشركين أقرّوا بها فهذه موجودة، لأن ربنا قال هذا في القرآن وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ الله إذاً ربنا سبحانه وتعالى ذكر أن هذه قضية مسلّمة، حتى المشركين مقرّين بها، إذاً يوجد شيء بعد ذلك.
لكن القرآن ليس هكذا، القضية العظيمة الأساسية التي أرادنا ربنا سبحانه وتعالى أن نؤمن بها بالأساس هي إدراك الخلق وعظمة الخلق، إدراك عظمة ربنا سبحانه وتعالى، إدراك رحمة ربنا، إدراك حكمة ربنا، إدراك لطف ربنا سبحانه وتعالى وعمله وقدرته من خلال عظمة الخلق الذي نراه من حولنا، سواءً خلق الإنسان نفسه، أو ما حوله، وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ كثير جداً في كتاب ربنا سبحانه وتعالى.
فهل قضية الخلق هذه، هل إن ربنا سبحانه وتعالى خلق هذا، مجرّد أن ربنا سبحانه وتعالى خلق المخلوقات وأوجدها أم أنها أوسع من هذا وأعظم؟ فنحن محتاجين أن نعيد بناء البنية الفكرية والنفسية والقلبية والإيمانية مثلما أراد ربنا سبحانه وتعالى، مثلما أراد ربنا سبحانه وتعالى، مثلما وجّهنا ربنا سبحانه وتعالى، لتكون الحياة كما أراد الله، لابد أن تتسق هذه الحياة مع التوجيه الذي وجهنا إليه ربنا سبحانه وتعالى.
قال تعالى أَتَى أَمْرُ الله فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ هذه صورة متناقضة، من المفترض أن الإنسان المخلوق هذا الخلق، أصل علاقته مع الله سبحانه وتعالى التعظيم والإجلال والتسليم والإذعان،، لا وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا
أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاس
أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ التي لا نستطيع أن ندرك أبعادها، وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لَا تُبْصِرُونَ أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ ربنا سبحانه وتعالى ” إن الله جميلٌ يحب الجمال ” الخلق، الخلق ليس منفعة فقط، منفعة وتلذذ واستمتاع وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ كنا تكلّمنا مرة زمان عن هذه الصفة، صفة الجمال الإلهي، وقلنا أن هناك فرق بين الإتقان والإحسان، وقلنا أن الإتقان في الخصائص الذاتية، عناصر القوة أو الأشياء التي تحقق المنفعة من الشيء، أما الإحسان فيشتمل فوق ذلك على الجمال في الشكل وفي الصورة، ولذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم ” إن الله كتب الإحسان على كل شيء ” هو أعظم دلالة وأعظم معنىً مما روي ” إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه ” الإحسان فوق الإتقان ” إن الله كتب الإحسان على كل شيء ” وبعد ذلك ذكر أشياء لا يأتي في عقلك أنها تدخل في هذه الدائرة، ” فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته “
وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ وَعَلَى الله قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ الله لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الله لَغَفُورٌ رَحِيمٌ وَالله يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ الله لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ لَا جَرَمَ أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ …
تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا …
كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِالله وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً …
إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ الله مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ تِلْكَ آيَاتُ الله نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ الله وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آيَاتِ الله تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ الله أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ الله الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون …
هَذَا خَلْقُ الله فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
الحمد لله رب العالمين
هذا غيضٌ من فيض آيات الله التي يخاطب الله عز وجل بها الإنسان يريده أن يستحضر وأن يستشعر وأن يحس بقدر عظمة الله تبارك وتعالى وبقدر نعمة الله عز وجل عليه ليشكر نعم الله عليه، هذه هي الغاية، هذا هو الهدفن ونحن قلنا على مدار الخطب التي سبقت أكثر من مرة، قلنا هذا الكلام زمان، أن هذا المعنى الذي ذكره الله تبارك وتعالى في خاتمة سورة الطلاق معنى غاية في العظمة والجلال، أن ربنا سبحانه وتعالى في عليائه يخاطب عباده فيبيّن لهم سبحانه وتعالى علّة هذا الخلق، أن ربنا سبحانه وتعالى يرفع من شأن الإنسان ويرفع من قدره فيبيّن له علل وحكم ما يصنع، هو سبحانه وتعالى لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ فحينما يعظّم الله عز وجل هذا المخلوق ويرفع من قدره فيبيّن له علّة خلقه وعلّة وجوده بل علّة خلق ربنا سبحانه وتعالى لكل مخلوق، لا ينبغي أن تمضي هذه الكلمات هباءً، فربنا سبحانه وتعالى يذكر أن علّة الخلق وعلّة التنزيل وعلّة ما قرأنا من القرآن ومالم نقرأ هو الإيمان واليقين هذا هو المطلوب، هذه هي الغاية النهائية الله الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا لا نملّ من ترداد هذه الكلمات لأن هذا هو الموضوع الله الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ هذا الكون العظيم وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ لا تستطيع أن تصل إل آخره، ولا يمكن أن ندركه الله الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ الأمر الذي يدبّر به ربنا الكون، والأمر الذي هو الوحي الذي أنزله لنا ربنا لكي يعلّمنا، لم كل هذا؟ لِتَعْلَمُوا لنوقن، نؤمن ونوقن بكلمتين، هم كلمتان لِتَعْلَمُوا أَنَّ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ الله قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا فقط، هذا غاية كل شيء، إذاً الإيمان واليقين هو غاية الغايات، ارتباط الإنسان بالله، تعظيم الإنسان لله، الإحساس الإنساني الدائم بالوجود الإلهي معه في الحياة، برقابة ربنا سبحانه وتعالى وحفظ ربنا سبحانه وتعالى وشهادته سبحانه وتعالى هذا هو كل شيء، لِتَعْلَمُوا أَنَّ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَمَا كَانَ الله لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ لِتَعْلَمُوا أَنَّ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ الله قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا فإذا انتهى الإنسان إلى اليقين بهذا العلم الإلهي العظيم، وبهذه القدرة الإلهية المعجزة حينئذٍ قد انتهى الإنسان إلى غايته، بل إلى الغاية التي من أجلها خلق الله عز وجل الكون وأنزل الله تبارك وتعالى الوحي.
إذاً هذا الأمر ليس أمراً بسيطاً، ربما تكون الكلمات، الكلمات التي نعبّر بها كلمات بسيطة، لِتَعْلَمُوا أَنَّ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ الله قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا كلمات بسيطة، لكن لو هذه الكلمات هي علّة الخلق، فهي أعمق بكثير مما نظنّ، ونحن قلنا قبل ذلك، ربنا سبحانه وتعالى يقول قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا وقلنا أن الكلام ككلام لا يككون ثقيل، مضامين هذا الكلام تنوء به الجبال، لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ هل سيتحمله؟ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ الله وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ من خشية الله، ثم التفسير، ما موجبات الخشية؟ هُوَ الله الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ هُوَ الله الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ الله عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ الله الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ هل هؤلاء فقط لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ إذاً هذه الكلمات ليست كلمات بسيطة، فماذا نفعل لكي نقترب منها؟ هذا من المفترض أن يكون في أولويات العبد، في أولويات العبد، نحن كلما قلنا وتكلمنا قبل ذلك كثيراً عن دولاب الحياة الذي يحيط بالإنسان، ونحن كلنا هكذا، نحن حينما نخرج من المسجد نرجع للشواغل الأسبوعية التي تستغرق الفكر والوجدان والعمل والحركة – كل حاجة – ، هذه أصبحت طبيعة الحياة التي نعيشها، سواءً كانت الحياة منتجة في المجتمعات التي تنتج، أو غير منتجة كما في مجتمعاتنا، في النهاية نحن مستنزفين تماماً، وبعد ذلك؟ لابد أن يكون هناك حل، لابد أن يكون هناك مخرج، إذا كان ارتباطنا بربنا ومعرفتنا بالله سبحانه وتعالى هي غاية الغايات فلابد أن يكون لها مساحة من حياتنا، ولذلك ربنا سبحانه وتعالى وجهنا كثيراً للتفكر في خلق الله ولتدبّر آيات الله، نحن محتاجين هذا، هذا هو قوام حياة الإنسان وَالله يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ربنا سبحانه وتعالى وجهنا لهذا، إذاً الاستقامة، السعادة، السكينة، الطمأنينة، الهدوء الذي نبحث عنه هو موجود هنا، طالما نحن منشغلين عنه بأشياء أخرى فلن نصل إليه، لابد أن نبحث عن مخرج، ربنا سبحانه وتعالى ذكر خطة الشيطان، قال ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ هذا حصار كامل من الأمام ومن الوراء، يمين وشمال، وبالتالي أنت محاصر بهذه الوساوس والهواجس الشيطانية بشكل مستمر، وبالتالي وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ فالإنسان إذا لم يخترق الجدار الشيطاني الذي يقيمه حوله، ستظلّ تستنزفه الحياة، وتستنزفه، وتستنزفه، وبعد ذلك، ستأتي اللحظة التي قضاها الله تبارك وتعالى ليخرج الإنسان من هذه الدنيا، ربما لا يجد معه شيئاً، لا يجد معه زاد تزوّد به لهذا السفر الطويل، وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فلماذا فزعوا؟ هو أمر لم يكن على باله، لم يكن يفكّر فيه، كان غافل عنه، كان ناسيه، وفجأة ظهر، وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ خلاص وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ خلاص لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ لأن هذا هو أكثر شيء وأسهل شيء وأيسر شيء، طالما الأقوال تسجّل، فالأفعال والأعمال أولى وأولى، وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ تزوغ، فلماذا نحيد؟ لأن هذه الفكرة نفسها نشعر معها بقدر من الضيق أو بقدر من الاكتئاب، لأن الإنسان بطبيعته يحب الدنيا، لا يريد أن يغادر.
هل صرف الفكرة عن ذهننا هل سيحل المشكلة؟ لا لن يحلّها، وهي طالما قادمة فالمنطق أني أعمل لها وليس العكس، وهل إذا سعيت للعمل للآخرة هل يضرّ هذا بالدنيا؟ هذا سؤال مهم، إذا سعيت للعمل للآخرة هل سأضيّع الدنيا؟ أم أن من المفترض أن ما رسمه لي ربنا من منهاج فيه خير الدنيا والآخرة، وأن الإنسان كلما اقترب من ربنا سبحانه وتعالى، كلما أمدّه الله سبحانه وتعالى من أسباب رزقه، وأن الرزق يزداد مع الطاعة ويقلّ مع المخالفة، فهي كيف تكون؟ المشكلة أننا لابد أن نترجم أشياء كثيرة، ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ الأشياء التي كتبت مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا أما اليوم؟ فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ما أسمعهم وما أبصرهم وما أوعاهم وما أعقلهم يوم لقاء الله، لكن اليوم أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ متى؟ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ فلابد أن يكون هناك مساحة نستطيع أن نفتحها ونوسّع لكي نبني أو نضع الذي وجّهنا إليه ربنا سبحانه وتعالى، وإلا فإنا لن نكون واثقين في التوجيه الإلهي، ألسنا مؤمنين بأن ربنا سبحانه وتعالى هو واسع الرحمة التي وسعت رحمته كل شيء، وهو أرحم بعباده من الأم الشفيقة بولدها، وانه لا يريد بالعباد إلا خيراً، والخير كله بيديه والشر ليس إليه، وهو الذي وجهنا أن نهرب تجاهه، قال تعالى فَفِرُّوا إِلَى الله ليس منه، فَفِرُّوا إِلَى الله إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ الله إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ إذاً لابد في هذه البوتقة المغلقة هذه لابد أن نفتح مسار لهذا، لابد أن نفتح مسار لهذا، أول شيء مطالبين أن نفعله، مثلما قلنا الجمعة الماضية، النبي صلى الله عليه وسلم ماذا قال؟ قال ” ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكّر فيها ” وقلنا أن هذه الجملة ليست سهلة، لا يصلح أن نمرّها، ” لقد نزلت عليّ الليلة آيات ” هذا النبي صلى الله عليه وسلم يعلل البكاء الشديد الذي بكاه من أول الليل إلى الفجر، هو لماذا يبكي، يقول ” لقد نزلت عليّ الليلة آيات ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكر فيها إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ” هذه من المفترض أن تأتي بهذا، هي لا تأتي معنا بهذا،، ونحن لن ننصل إلى مقام النبوة، ولكن يجب أن نسير في هذا المسار، لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو الله وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ الله كَثِيرًا النبي صلى الله عليه وسلم قدوة لنا جميعاً، لكن من الذي سيقتدي، من الذي سيوفّقه الله للاقتداء؟ لمن به هذه الصفات لِمَنْ كَانَ يَرْجُو الله أعظم شيء لديه أنه يريد أن يرضي ربنا، هذه مقدّمة عنده عن أي شيء آخر وَالْيَوْمَ الْآخِرَ الآخرة أمامه وَذَكَرَ الله كَثِيرًا من به هذه المقومات الثلاثة، هذا الذي يهيّئه ربنا أو يوفّقه أن يستطيع أن يتأسّى أو يقتدي بصاحب الوحي صلى الله عليه وسلم، فنحن قلنا قبل ذلك كثيراً أن آخر كلمة ربنا سبحانه وتعالى وجهها لنا، آخر كلمة ماذا قال لنا؟ آخر شيء ختم الله به القرآن، كلمة واحدة وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ هذه خاتمة المواعظ القرآنية، آخر شيء ربنا سبحانه وتعالى جمع بها هذا الجمع العظيم، آخر جملة ينبغي أن تكون أمامنا، نصب أعيننا، آخر شيء هي هذه، وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ
اللهم ارحمنا فأنت بنا راحم ولا تعذّبنا فأنت علينا قادر والطف بنا يا مولانا فيما جرت به المقادير واختم لنا بخاتمة السعادة أجمعين
اللهم ارحم في هذه الدنيا غربتنا، وارحم اللهم عند الموت كربتنا، وارحم اللهم في القبور وحشتنا، وارحم اللهم في القيامة ذل مقامنا بين يديك
اللهم إنا نسألك من كل خيرٍ سألك منه عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم وعبادك الصالحون، ونعوذ بك اللهم من كل شرٍ استعاذك منه عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم وعبادك الصالحون
اللهم اقسم لنا من خشيتك ماتحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، متعنا اللهم بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا، أبداً ما أحييتنا، واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا، ولا تجعل اللهم إلى النار مصيرنا، واجعل اللهم الجنة هي دارنا
اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب كل عملٍ يقربنا إلى حبك
اللهم اجعلنا هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضليين، سلماً لأوليائك، حرباً لأعدائك، نحب بحبك، ونعادي بعداوتك من خالفك
اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.
اللهم خذ بأيدينا إليك أخذ الكرام عليك لا تفضحنا بين خلقك ولا بين يديك
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم