الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
مازلنا نتحدث عن ركائز الإيمان وأصول الإسلام وذكرنا أن أول أصل من أصول الإسلام هو العقيدة الأفكار التي بثها الإسلام في نفوس الناس أول هذه الأصول هو أصل التوحيد أو العبودية أو الحرية هذه الكلمات كلمات مترادفة تعطي معناً واحداً وترجع كلها إلى أصل واحد الأصل الأول التوحيد أي وحدانية الله سبحانه وتعالى تعلق الإنسان بإله واحد سبحانه وتعالى الذي هو العبودية من الإنسان أو من الناس لربهم عز وجل التي تساوي حرية الإنسان من الخضوع أو الذل لغير الله تبارك وتعالى..
الإنسان في هذه الحياة بيقى أسيراً بعادات معينة أو أعراف اجتماعية معينة تأسره أو تسيطر عليه يبقى أسيراً لشهوات أو مطامع أو مطامح دنيوية أسيراً لمال لمنصب أو لجاه لأعراف اجتماعية أسير لقوانين ودساتير بشرية تقديس لقومية أو لعرقية أو لتراب أو لقبيلة أو لعشيرة كل هذه القيود والأغلال التي تذل أعناق الناس.. حينما يتعلق الإنسان بربه تبارك وتعالى حينما يدرك معنى وحدانية الله سبحانه وتعالى فإنه يتحرر من كل هذه القيود والأغلال ويبقى فقط متعبداً لربه تبارك وتعالى نبقى لحظات مع إبراهيم عليه السلام وهو يعلم هذا المعنى العظيم قال الله تبارك وتعالى وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ فالله سبحانه وتعالى هدى إبراهيم عليه السلام لمعرفة ربه تبارك وتعالى ونفر قلبه من هذا التعلق وهذه العبودية لهذه الأصنام والأوثان التي يتعبد لها قومه ثم منّ الله عز وجل عليه بزيادة يقين واتساع دائرة التعظيم منه لله تبارك وتعالى عبر رؤية ملك الله سبحانه وتعالى الممتد وعظيم سلطانه الله تبارك وتعالى وعظيم خلقه وعظيم قدرته تبارك وتعالى.
قال تعالى: وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ هذا الملك المتسع الدال على العظمة لله تبارك وتعالى الدال على القدرة الدال على الهيمنة الدال على الكبرياء الإلهي وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين ثم ذكر الله تبارك وتعالى كيف حاول إبراهيم عليه السلام أن يأخذ بأيدي قوم آخرين من قومه ممن يعبدون الكواكب والأقلاك والمجرات يعبدون الشمس يعبدون القمر كيف يحاول أن يأخذ بأيديهم إلى الله تبارك وتعالى فقال بعد ما ذكر أنه وصل إلى ما وصل إليه من اليقين قال: فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا أتى إلى قوم يعبدون نجماً من النجوم فقال: هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ فإذن هنا إبراهيم عليه السلام يريد أن يثير عقول هؤلاء الناس يريد أن يرد هؤلاء الناس إلى ربهم يريد أن يبني في قلوبهم معرفة صحيحة وإيماناً صحيحاً فبدأ معهم في حواره وفي دعوته من باب ما يسمونه التنزل.. التنزل أن تناقش شخص أو تكلم شخص يدعي إدعاء أنت تعلم أن هذا الإدعاء باطل ولكنك تتنزل معه فتقبل منه ما يقول حتى تصل معه عبر النقاش وعبر الجدال وعبر ذكر الآيات والدلائل إلى أن تأخذ بيده لبيان بطلان ما هو عليه وحقيقة ما تأول غليه.
فهم يدعون لهم ربناً هذا النجم الذي يعبدون ويعكفون عليه فهو من باب التنزل والتسليم قال كما يقولون نعم سوف أسلم لكم أن هذا رب ثم انتظر معهم قليلاً حتى غاب هذا النجم فَلَمَّا أَفَلَ حينما غاب قال إبراهيم عليه السلام لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ فإذن إبراهيم عليه السلام سلك مع هؤلاء مسلكاً يقوم على أمرين الأمر الأول هو أنه يحاول أن يثير أذهانهم ليخرجوا من أسر العادة والتخليط ليستعملوا هذه العقول التي من الله عز وجل عليهم بها الأمر الثاني أنه يريد أن يبين لهم أن هذا الإله الذي يستحق أن يعبد لابد أن يكون له صفات تميزه هذه الصفات هي التي تجعله حقيقاً أو جديراً بأن يعبد وأن تتعلق به القلوب فقال لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ لا ينبغي للإله الذي يعبد أن يأفُل أن يغيب أن يختفي فإلهنا الذي نعبد سبحانه وتعالى هو حيٌ قيوم لا تأخذه سنة ولا نوم لا يغفل سبحانه وتعالى لحظة من زمان هو سبحانه وتعالى حاضر رقيب شهيد مع عباده في كل وقت وفي كل حال فهذا هو أول ما قرره عليه السلام أن الإله لابد أن يكون حاضراً شاهداً رقيباً قيوماً على خلقه سبحانه وتعالى ثم..؟ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ هذه هي اللبنة الثانية التي وضعها إبراهيم عليه السلام في صفات الإله الجدير الحقيق بأن يعبد وأن يرجع إليه الخلائق أن هذا الإله لا يمكن بعد أن يخلق هذا الخلق بأن يتركهم سداً أو يتركهم عبثاً أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى فالله سبحانه وتعالى الذي خلق هذا الخلق لابد أن يمدهم بأسباب الهداية لابد أن يأخذ بأيديهم إليه سبحانه وتعالى
قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي يبقى إذن هذا الرب لابد أن يكون قد وضع أسباب الهداية لابد أن يكون قد أخذ على نفسه عهداً وميثاقاً سبحانه وتعالى أن يهدي إليه كل من يريد الهداية وكل من يطلب أن يصل إلى ربه تبارك وتعالى وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فإذن الهداية تأتي من الله فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ وهذه هي الصفة الثالثة التي ذكرها أن هذا الإله ينبغي أن يكون أمبر وأعظم وأجل من كل شيء في هذا الكون الذي خلق وفي هذا الكون الذي صنع هذا أكبر.. فَلَمَّا أَفَلَتْ حينئذ قد أقام عليهم الحجة قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ يبقى إذن في مضمون هذا أنهم يخوفونه من هذه الألهة التي يعبدون من هذه الشمس ومن هذا القمر من هذه الأصنام أنه سوف تسخط عليه وسوف تعاقبه إذا هو خرج عن العبودية لها إلى العبودية لله تبارك وتعالى ولذلك سمى إبراهيم عليه السلام نفسه حنيفاً الحنيف هو المائل مع أن الدين الأصل فيه الاستقامة لماذا سمي حنيفاً أي مائلاً لأنه يميل عن هذا الطريق الذي عليه هؤلاء الأقوام هو انحرف عنهم باتجاه ربه تبارك وتعالى فهو استدبر قبلتهم واستقبل قبلة ربه تبارك وتعالى ولذلك سمي حنيفاً لأنه خالف الطريق المسلوك الذي يسلكه عامة الناس هم يسلكون في طريق فهو قد غاير طريقهم وانحرف عنهم وحيداً فريداً إلى ربه تبارك وتعالى وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ فيجيب الله تبارك وتعالى الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ لم يخلطوا إيمانهم بشرك كما فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ فالله سبحانه وتعالى قد تكفل لعباده المؤمنين الموحدين الذين آمنوا بربهم تبارك وتعالى ولم يخلطوا إيمانهم بتعلق بغيره تبارك وتعالى أنه سوف يمنّ عليهم بهاتين المنتين العظيمتين منة الأمن ومنة الهداية هو الذي يعطيهم الأمن والأمان والسلامة في الأولى والآخرة وهو الذي يعطيهم الهداية في طريقهم في الدنيا والهداية إلى الجنة إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم