الْحَمْدُ لِلَّهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَّدُنْهُ انزل على عبده الكتاب قيماً هذه الاستقامة استقامة كاملة تامة بحيث لا يكون فيها شئ من العوج لكنه سبحانه وتعالى نفى العوج أولا ثم ذكر الاستقامة ثانيا فأمره تعالى وكلامه كخلقه تبارك وتعالى قال عزمن قائل مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ ذكرنا قبل ان الله عز وجل انما فضل شهر رمضان لانه شهر التنزيل شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ وبذلك كان طبيعيا أن يزيد الليلة التى بدأ فيها نزول القرآن بدأ فيها تنزيل النور الالهى بمزيد فضل على غيرها من الايام فإذا كان الله عز وجل قد فضل شهراً كاملاً بالتنزيل كان طبيعياً أن يكون أفضل هذا الشهر هو هذه الليلة التى أنزل الله فيها كتابه فأكرم الشهر إكراماً لهذه الليلة التى ذكر الله عز وجل أنها خير من ألف شهر كما قال الله تبارك وتعالى وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ فالله عزوجل أكرم هذه الذرية بفضل أعمال صالحة لابآئها بأن ألحقهم بهم فى الدرجة فى جنة الرضوان فى ثواب الله وعزجل ورحمته رغم أنهم ليسوا مثلهم فى العمل ولكن ألحقهم بهم ألحاقا بهم فى الفضل والفضلية قال الله تبارك وتعالى إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ هذه الكلمة ليلة القدر .. القدر .. والقدر هو المكان والمكانة والشرف والمنزلة الرفيعة كررها الله عز وجل فى هذه الكلمات القليلة كرر نفس هذه الكلمة ثلاث مرات إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ الاولى وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ الثانية لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ الثالثة فالله سبحانه وتعالى لم يلتفت فى بيان فضلها بأن وصفها بهذه الكلمة كلمة القدر الدالة على الفضل بل انه سبحانه وتعالى زاد هذا تبيانا بأن كرر ونوه ونبه على هذه الفضلية بهذا التكرار قال تبارك وتعالى إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ والله سبحانه وتعالى لم يذكر هاهنا الشئ المتنزل .. لم يقل إنا أنزلنا القرآن فى ليلة القدر ولكنه ذكره بهاء الضمير لأن القرآن ينبغى أن يكون حاضراً غير غائب مذكوراً غير مغفولاً عنه بحيث لا يحتاج ربنا تبارك وتعالى أن يذكره تنصيصاً ولذلك اكتفى سبحانه وتعالى بقوله إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وقال الله تبارك وتعالى حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ فالله عز وجل انزل كتاباً مباركاً اختص بتنزيله ليلة مباركة كثير بركتها وخيرها.
إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ إنما أنزل الله عز وجل الكتاب المبارك فى الليلة المباركة ليكون للعالمين نذيراً تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا
إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ فالله سبحانه وتعالى جعلها ليلة قدر أى عظيم قدرها وجعل من عظم قدرها ومن إجلال الله عز وجل لها بأنه يفرق فيها كل أمر حكيم. الله سبحانه وتعالى يقضى فيها أو ينزل فيها قضاءه الذى يقضيه لعام مقبل من هذه الليله إلى الليله التى تليها كل أمر يقدره الله عز وجل ويقضيه فى كونه إنما ينزله فى هذه الليله فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ كل أمر الله عز وجل حكيم، حكيم أى محكم لا تبديل فيه وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ
وهو حكيم اى له سبحانه وتعالى فى كل قدر يقدره الحكمه البالغه سبحانه وتعالى.
فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ
إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ الله سبحانه وتعالى ينبه على فضل هذه الليله بأنه إنما نزل فيها كتاب الله ثم أكد هذه الفضيله بأنها لا يقادر قدرها ولا يعرف مقدار عظمها بقوله وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ
وما أدراك هذه الكلمة إنما تورد فى كتاب الله وتقترن فى كتاب الله بالأمور العظيمة التى لا يبلغ عقل الانسان أن يدرك مقدار عظمتها فكأن الله عز وجل يقطع طمع الإنسان أن يدرك المقدار الحقيقى لهذه الأشياء التى تذكر كما قال الله تبارك وتعالى الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ . أى يوم القيامة التى تحق فيه الحقائق وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ . وقال تعالى الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ كأنما تطلق هذه الكلمة فى كتاب الله على الشئ العظيم الذى لا يستطيع الانسان أن يدرك مقدر عظمته أو مقدار خطرة أو مقدار هوله وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ فالانسان علمه قاصر ونظره محدود وإنما يعلم بمقدار ما يعلمه الله عز وجل له سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ .
ثم ذكر الله عز وجل من مقدار فضلها إنه سبحانه وتعالى جعلها فى الأجر والثواب والفضل والمثوبه على العباد بمقدار يزيد ويربو على ألف شهر ثلاثه وثمانون من السنين فالله عز وجل يخلق ما يشاء ويفضل ما يشاء سبحانه قال سبحانه وتعالى وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا فالله سبحانه وتعالى يفضل أشخاص وأمكنة وأزمنة على وفق علمه سبحانه وتعالى وعلى وفق حكمته فقال تعالى هذه الليله جعلها الله عز وجل خيرا من ألف شهر وإذن فالميزان ليس ميزان العدد وليس ميزان الأيام والسنين فالله سبحانه وتعالى قد يجعل برهه أو لحظه من عمر الانسان بما ينزله الله سبحانه وتعالى أو بما يعطيه فيها من البركة تربو وتزيد على سنين متطاولة ولذلك لما وقف خالد بن الوليد رضى الله عنه فى يوم اليرموك فى قبالة الروم قال رجل من المسلمين وقد نظر إلى كثره عددهم وكانو مئتى ألف أو يزيدون وكان عدد المسلمين ثلاثون ألف لا يزيدون فقال هذا الرجل وقد نظر الى هذا العدد وقد هاله قال: ما أكثر الروم وأقل المسلمين. فقال له خالد: بل قل ما أقل الروم وما أكثر المسلمين. ثم علل فقال إنما ينصر الناس بالنصرة ويهزمون بالخزلان. يريد أن يبين لهم أن المعيار ليس معيار العدد بل كما قال الله تعالى كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ . فالله سبحانه وتعالى ذكر هاهنا أمران الاذن والمعية.
إن الفئه القليلة وكم هاهنا للتكثير أن هذا كثيرا ما يقع على خلاف الحسابات الماديه كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ إن الأمر كله لله وأن القوة لله جميعا ما الذى يرجح كفه على كفه إذا كان الله عز وجل مع هؤلاء فهم منصورون واذا لم يكن معهم فهم مخذولون كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ولذك قتيبة بن مسلم لما حارب الترك وكان عددهم كثير .. الترك هم التتر عددهم كثير وأكثر الناس شراسة فى القتال .. فلما نظر إليهم هاله أمرهم لكثره عددهم وقوة شكيمتهم فماذا فعل؟ حينما وقع فى قلبه الاحساس بالخوف أو القلق من هذا الجيش المقابل سأل سؤال قال أين محمد بن وازع هذا محمد بن وازع ماذا يصنع فى قبالة هذه الأعداد قالوا هو هنالك فى الميمنة ممسك بقوسه يبصبص باصبعه الى السماء – بيعمل كده – يعني بيدعي وبيرفع صباعه إلى السماء فقال قتيبة بن مسلم: لهذه الأصبع أحب إلي من مائة ألف سيف شهير وشاب طرير، أي شاب فتي صغير السن. فهو يقول هذه الأصبع التي ترفع إلى السماء يدعو بها ربه تبارك وتعالى وجودها هاهنا في هذه اللحظات أحب إلي وأكثر كمأنينة لقلبي من مائة ألف سيف يحملها شاب قوي جلد قادر على الاستخدام. ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله ينصر هذه الأمة بضعيفها. وسبب إيراد هذا أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يقول عن نفسه أنه رأي أن له فضلاً على غيره من الصحابة لبلائه في القتال وجودة رميه وأنه لا يخطأ سهما فماذا قال له رسول الله؟ قال: إن الله ينصر هذه الأمة بضعيفها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم إنما ينصر الله عز وجل هذه الأمة وقال في حديث آخر: وهل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم.
هؤلاء المساكين الذين ليس لهم الا الله والذين يلجئون ويفزعون في كل أوقاتهم إلى رب العالمين تبارك وتعالى فإذاً هذه الخيرية وهذه الأفضلية ولذلك جاء في معجم الطبراني عن سلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس من شيء أفضل من ألف مثله إلا الأنسان. يعني ربما يكون شخص واحد أفضل في ميزان الله سبحان وتعالى من ألف أنسان ولذلك معيار العدد لا يمكن أن يكون معيار صحيحاً في أي شيء ولذلك قال الله تبارك وتعالى قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ .
ففي الشورى وفي أخذ الآراء في الملمات لا يمكن أن تكون القضية أو يكون المعيار معياراً عددياً صرفاً بعدد الرؤوس فالله سبحانه وتعالى لم ينزل أهل العلم منزلة أهل الجهالة وفقدان البصيرة والعلم بل جعل الله عز وجل هذا شيئا مستنكراً فذكره في صيغة الأستفهام الأستنكارية أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ .
الله سبحانه وتعالى في هذه الأية لم يذكر في مقدمتها علم الله سبحانه وتعالى ذكر عبادة وتهجداً وخشية لله أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ قائم آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا ما الذي حمله على هذا السجود والقيام خشيته لله يحذر الاخرة ويرجو رحمة ربه قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ يبقى إذاً هذا هو العلم يعني هذا القيام الذي كان سببه ومبعثه خشية الله عز وجل هو حقيقة العلم يبقى اذاً الذين يعلمون هم الذين يتقون الذين أورثهم هذا العلم تقوى وخشية لله عز وجل أما إذا لم ينفعهم فهذا إنما يكون حجة لله عز وجل عليهم ليس أكثر ولذلك قال الله تبارك وتعالى مبيناً ميزان العلم قال كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ فميزان العلم الذي وضعه الله تبارك وتعالى في كتابه هو أن العلم يورث للأنسان خشية الله عز وجل ولذلك قال الله تبارك وتعالى وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فخشية الإنسان لله تجعله موفقا مسدداً من الله تبارك وتعالى فالله عز وجل وصف هذه الليلة ووصف قدرها بأنها خير من ألف شهر.
ثم عدد سبحانه وتعالى بعد ذلك بعض فضائلها تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ ، فالله سبحانه وتعالى ذكر من فضل هذه الليلة تنزل الملائكة وتنزل الروح جبريل عليه السلام الذي كان واسطة الوحي الذي نزل بالقرآن على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان من فضل هذه الليلة كثرة الملائكة ومخالاطتهم بالمؤمنين عباد الله تبارك وتعالى ونزول الملائكة إنما يقترن بالسكينة والطمآنينة فإذا من فضل هذه الليلة كثرة تنزل الملائكة ومقارنة ومصاحبة الملائكة للمؤمنين في عبادتهم يبقى إذا من علامات الفضل وجود أهل الخير أو أهل الصلاح فكان من فضل هذه الليلة وفضل العبادة في هذه الليلة اقتران المؤمنين بأهل الصلاح وأهل البر من الملائكة الذين يتنزلون بشهود وحضور هذه الليلة وهذا الوجود للصلاح والصالحين انما هو عصمة للناس أجمعين ولذلك كان ذهابهم ذهاب الخير وحلول الشر قال الله تبارك وتعالى وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ فالله عز وجل إنما يحفظ أهل الأرض بأمرين لكثرة أهل الصلاح فيهم وبكون الناس اذا أذنبوا تابوا وأنابوا وأستغفروا ولذلك قال الله تبارك وتعالى وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذًا لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً لو فعلوا, أخرجوك من هذه الأرض إذا لو فعلوا ذلك لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً سنة لم يكن هذا أمراً عارضاً بل هذه سنة الله عز وجل في المؤمنين وفي المرسلين أنهم إذا أوذوا وأخرجوا حلت العقوبة لمن أذاهم وأخرجهم وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل لذلك حداً فقال في حديث زينب بنت جحش رضي الله عنها في صحيح البخاري وقد خرج يوما فزع فقال: ويل للعرب من شر قد أقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه. فقالت زينب بنت جحش: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم اذا كثر الخبث.
لذا قال الله تبارك وتعالى وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ فكان من فضل هذه الليلة ومن خيريتها هذا التنزل للملائكة والروح الأمين عليه السلام على عباد الله المؤمنين تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم من فضل الله عز وجل ومنته ورحمته مِّن كُلِّ أَمْرٍ فتنزلهم يصاحبه نزول كل أمر من أمور الخير والبر فالله سبحانه وتعالى بفضله يستجيب دعاء الداعين وينزل على عباده المؤمنين في هذه الليلة من كل أمراً من أمور الخير والبر، فهو يقبل التوبة، يقيل العثرة سبحانه وتعالى، ويشفي المريض، ويرشد الحيران، ويهدي الضال، ويأمن الروعان وينصر المظلومين ويجازي المحسنين، ولذلك قال الله تبارك وتعالى جامعاً كل هذا وما هو فوقه تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ .
ثم قال سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ هذا التنزل للملائكة على المؤمنين وهذه الإجابة وهذه الأمور من أمور الخير إنما أختص الله عز وجل بها عباده المؤمنين من جملة أهل الأرض فغير المؤمنين ليس لهم في هذا حظ ولا نصيب ولذلك إذا كان العبد مؤمنا تقياً صالحاً أختصه الله عز وجل بكثير من أمور الخير والفضل التي لا يشاركه فيها غيره ربما تعثر الأمور على كثير ربما تضرب أحوال الكثيرين لكن الله سبحانه وتعالى قد يصطفيك من بينهم فتكون أنت في خير حال ومن حولك جميعا لا يشاركونك في هذا الخير فالله سبحانه وتعالى يختص برحمته من يشاء فالله عز وجل أنزل هذه الرحمات وأنزل هذا الفضل العظيم على أهل الأرض ولكنه أختص به من يستحقه به من يستحق.
في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينا رجل يسير في أرض فلاة – واحد ماشي في صحرا – إذ سمع صوت في سحابة : أن اسق حديقة فلان. رجل ماشي في الصحرء ففيه سحاب فوق منه فسمع صوت ، هذا صوت ملك السحاب الذي يسوق السحاب، أن اسق حديقة فلان ، سمع اسمه فتتبع بعينيه السحاب ، يقول ابو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فتنحى ذلك السحاب يعني كله تحرك هكذا، ثم نزل في حرة ، حرة أرض زراعية وحواليها أرض فيها حجارة ، فانصب هذا السحاب في حرة فإذا شرجة، شرجة يعني مجرة ميا واحدة .. حتة أرض كبيرة متقسمة طبعا يعني ايه يملكها ناس كثيرين ، مجرة ميا واحدة استوعبت كل المطر اللي نازل ، فإذا شرجة من هذه الشراج قد استوعبت الماء كله، فالراجل ماشي بيتتبع الميا والسحاب بعد ما سمع، فوصل لهذا المكان فإذا رجل يحول الماء بمسحه، راجل معاه فاس وقاعد ايه بيجري الماء كده وكده عشان يسقي ، فقال له يا عبد الله : ما اسمك؟ قال: فلان . قال ابو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للاسم الذي سمعه في السحاب ، هو اسمع اسم حديقة فلان، فقال له انت اسمك ايه؟ قال له نفس الاسم اللي سمعه ، فقال: يا عبد الله لم تسألني عن اسمي؟ قال إني سمعت صوتاً من هذا السحاب أن اسقة حديقة فلان باسمك الذي ذكرت. فماذا تصنع؟ ليه ربنا سبحانه وتعالى اختصك بهذا المطر من دون هؤلاء الناس الذين حولك جميعاً؟ قال أما وقد قلت ما قلت .. طالما أنت بتسألني وأخبرتني بهذا أنا سوف أخبرك … إني أنظر إلى ما يخرج من نتاج هذه الأرض فاقسمه ثلاثة فاتصدق بثلث وآكل أنا وعيالي بثلث وارد فيها ثلث، فهذا الرجل لما كان حاله هذه الحال وكان محسناً متصدقاً فإن الله عز وجل قد اختصه بأن ساق له سحاباً من دون هؤلاء الخلق الذين حوله أجمعين.
فإذن الإنسان كلما كان قريباً من الله ، كلما كان محسناً، قال الله تبارك وتعالى هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ فكلما كان الإنسان قريباً من الله وكلما كان الإنسان محسناً، كلما اختصه الله عز وجل بفضله ومنه وكرمه فربما بات الناس في قلق وخوف وهو آمن بتأمين الله تبارك وتعالى له، فإذن هذه الليلة اختصها الله عز وجل بهذا الفضل العظيم، كما قلنا اقتراناً بتنزيل كلام الله وذكر الله عز وجل لها من الفضل والشرف تنويهاً لكي يلتفت المؤمن إلى هذه الفضيلة ولكي ينتفع بها ولذلك تقول عائشة رضي الله عنها : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر ويقول التمسوها – أي ليلة القدر – في هذه العشر الأواخر. فكان صلى الله عليه وسلم يجمع في تطلبها بين شرف الزمان وشرف المكان، شرف الزمان وهو ليلة القدر وشرف المكان بأن المساجد كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هي أحب البقاع إلى الله، ونحن في يومنا هذا تكلمنا عن شرف الزمان وفي لقائنا القادم بإذن الله نتكلم عن المكان الشريف عن بيت الله تبارك وتعالى، فرسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمع له في تطلبها شرف المكان وشرف الزمان.
في موطأ الإمام مالك أنه قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نظر في أعمار من سبق أو نظر في أعمال من شاء الله عز وجل له أن ينظر فيه في أعمار من سبق من الأمم فتقال أعمار هذه الأمة في مقابل أعمار غيرها من الأمم يعني رأي أن عمر أمة الإسلام وعمر أفرادها قصير بالنسبة لعمر غيرها فهم لن يبلغوا من العمل بمقدار ما بلغه غيرهم لقصر أعمارهم وطول أعمار غيرهم، فأعطاه الله عز وجل ليلة القدر خيراً من ألف شهر.
في الصحيح عن عبيدة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ليخبر الناس عن ليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين – فيه اتنين من المسلمين وقع بينهم مشاحنة ومشاجرة – فرفع علم هذه الليلة فقال رسول الله: قد كنت خرجت لأخبركم متى ليلة القدر فتلاحى فلان وفلان – اتنين اتخانقوا – فرفع علم هذه الليلة ، يبقى إذن الذي يحجب عنا الخيرات والفضائل ، الذي يصرف عنا الخير والبر المتنزل من الله تبارك وتعالى إنما هو المخاصمة والمنازعة والمشاحنة ، فهذه تفسد قلب العبد وتفسد ما بين العبد وبين إخوانه وتمنع عن العبد الخير المتنزل من الله عز وجل وقد ذكرنا مراراً قوله تبارك وتعالى وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ .
اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
في المسند عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يارسول الله إذا وافقت ليلة القدر ما اقول؟ قال: تقولين اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.
فهاهنا عائشة رضي الله عنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو الدعاء أو ما هو الشيء الذي تحرص عليه إذا وفقها الله عز وجل لشهود هذه الليلة فأرشدها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طلب العفو، أن تقول اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا. كل هذا المفهوم إنما يعود إلى الرب ولا يعود إلى العبد منه شيء، فتحت إنما نتضرع ونتوسل إلى الله بفضله وبمنه وبكرمه، ليس لنا من أنفسنا شيء، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لن يدخل أحدكم الجنة بعمله. قالوا: ولا انت يا رسول الله؟ قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل. فرسول الله صلى الله عليه وسلم أرشد عائشة إلى أن تتوسل إلى الله، إلى أن تدعو الله عز وجل لأنه سبحانه وتعالى هو الذي يحب هذا. ليس أن الإنسان هو الذي يستحق عفوا وغفراناً، ولذلك قال الله تبارك وتعالى وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ .
فإنما يمن الله عز وجل علينا بفضله ومنه، ليس لشيء من أعمالنا، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه وقد جاءه فقال، هذا كلام رسول الله يقوله للصديق خير هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم قال : يارسول الله علمني كلمات أدعوا بها في صلاتي. فماذا قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك. وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم.
جاء العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يارسول الله أنا عمك وقد كبرت سني واقترب أجلي ، فمرني بشيء ينفعني عند الله عز وجل : يارسول الله أنا عمك اولى الناس بأن تخصني بفضلك وموعظتك ونصيحتك ، خاصة وقد كبر سني واقترب أجلي ، قد دنا موتي. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت عمي ولا أغني عنك من الله شيئاً ولكن سل ربك عز وجل العفو والعافية في الدنيا والاخرة، ثم قال ثم قال ثانية: ولكن سل ربك عز وجل العفو والعافية في الدنيا والآخرة ، ثم قال ثالثة: ولكن سل ربك عز وجل العفو والعافية في الدنيا والآخرة.
في المسند أنه جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال يا رسول الله: أي الدعاء أفضل؟ قال: أن تسأل الله عز وجل العفو والعافية في الدنيا والآخرة. ثم جاءه من الغد فقال: أي رسول الله أي الدعاء أفضل؟ قال أن تسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة ، ثم جاءه في اليوم الثالث فقال: أي رسول الله أي الدعاء أفضل؟ قال أن تسأل الله العفو والعافية في الدنيا والاخرة فإنك إذا أعطيتهما في الدنيا – أي العفو والعافية – وأعطيتهما في الآخرة فقد أفلحت. ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في كل صباح ومساء : اللهم أني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة ، اللهم استر عوراتي ، اللهم آمن روعاتي ، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي ، وعن يميني وعن شمالي ، ومن فوقي وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي ..
اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة
اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة
اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة
اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا
اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا
اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لنا وترحمنا وتتوب علينا
وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين
اللهم إنا نسألك حبك وحب نت يحبك وحب عمل يقربنا إلى حبك
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم