الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً به وتوحيدا، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً مزيدا
ثم أما بعد:
عبرة اليوم ” ما كان لله بقي “، عبرة اليوم ” ما كان لله بقي “، الدرس الذي نريد أن نتعلمه أو نتذكره إذا كنا نعلمه ” ما كان لله بقي “.
عزم الإمام مالك على تصنيف موطأ، كتاب يجمع أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وآثارا عن الصحابة وكلام لعلماء أهل المدينة من التابعين وتعليقات وتعقيبات لمالك رحمه الله فيما يتعلق بأحكام العبادة والمعاملة، وبقي في تصنيف كتابه زمانا طويلا فلما شرع في تصنيفه عمل من كان بالمدينة من أهل الحديث كتبا ككتابه، أسرعوا في تدوينها وتصنيفها وترتيبها ونشرها وبقي هو يصنف كتابه الذي قد أمضى في تصنيفه ما يقرب من عشرين عام. فالناس سألوه مستغربين: أنك تكتب في كتابك هذا مدة طويلة والآخرين كتبوا كتبهم ونشروها ودرسوها أيضا، فقال الإمام مالك: ما كان لله بقي. هذا هو الدرس، ما كان لله بقي.
أبو عبد الرحمن السلمي رحمه الله يقول: شهدت جنازة أبي الفتح القواص، رجل من علماء الحديث ومن العباد والزهاد، ومعنا أبا الحسن الدارقطني إمام العلل والحديث، يقول فلما رأى الجمع جمعا كثيرا، ناس كثيرة في الجنازة، فنظر الي هذا الجمع الغفير وقال: سمعت أبا الحسن سمعت أبا سهل بن زياد القطان يقول سمعت عبد الله بن أحمد يقول سمعت أبي يقول لأهل البدع: بيننا وبينهم يوم الجنائز. بيننا وبينهم يوم الجنائز.
هذه الكلمة لها خلفية كبيرة، لو لم نعلمها لم نفهمها، فما هي هذه الخلفية؟
أحمد بن حنبل كان من علماء الحديث في بغداد فلما كان المأمون وكان معجبا برأيه مفتونا بعقله، وكان له رأي ومذهب فجمع حوله أو اجتمع حوله نم كان على رأيه ومذهبه فولوا المناصب وآل اليهم القضاء فكانوا رجال الدولة وأصحاب السلطة. فلما كانوا كذلك غرهم هذا الوضع فأرادوا أن يحملوا الناس على مذاهبهم ومعهم السلطان فكانوا يمتحنون العلماء، فمن وافقهم تركوه ومن لم يوافقهم صنعوا به ما شائوا وما أرادوا، فأجاب خلق من العلماء كثير رهبة من سيف السلطان، فأتي بأحمد بن حنبل وحملوه الى المأمون، لم يكن في بغداد بل كان في الشام، فحملوه اليه فدعا الله تبارك وتعالى ألا يراه، فمات المأمون قبل أن يصل اليه فردوه الى بغداد، ثم جاء المعتصم ولم يكن له في باب النظر ولا في باب الفكر ولا في هذه الأمور كبير شيء، كان رجل مشغول بالحرب والقتال. وهو صغير جاء الى أبيه يوما، هارون الرشيد، فسأله أبوه عن أحواله وسأله عم صاحب له، طفل صغير يذهب معه الى الكتاب. فسأل أمير المؤمنين ابنه: كيف حال الغلام؟ فرد وقال: مات فاستراح من الكتاب. أي أن الله سبحانه تعالى قبض روحه فرحمه من الكتاب. فقال أبيه: هل بلغ بك من بغض الكتاب الى هذا الحد؟ أي أنه يفضل الموت على الذهاب الى الكتاب!!، فتركه فنشأ على هذا الحال وكان المعتصم معظما لأخيه ويرى فيه عقلا وفهما فحمل الناس على مذهب أخيه. فامتحن أحمد اب حنبل امتحانا بالغا وبقي هذا الامتحان والشدة والضرب والسجن ثمانية وعشرين شهرا ثم أطلقه. ثم مات المعتصم فجاء الواثق فمنعه من أن يخرج من بيته أو أن يحدث أو يتكلم فكان لا يستطيع أن يخرج الى الصلاة، ليست الصلوات الخمس فحسب بل أيضا صلاة الجمعة التي نصليها نحن الآن لمدة خمس سنين. والآخرون فيما هم فيه وبقوتهم يمضون رأيهم فقال أحمد بن حنبل: بيننا وبينهم يوم الجنائز. ماذا يعني هذا؟
في الجنائز تنقطع الدنيا وتنقطع علائقها، من يعظم أحد لما له من الدنيا فقد ذهبت الدنيا ولن يذهب أحد خلف أحد الى المقابر إلا إذا كان يحبه ويعظمه ويجله ويقدره فيتبع جنازته. بيننا وبينهم يوم الجنائز. فهذه الكلمة عندما تقال في هذه الظروف وفي هذه الأحوال وفي هذا الوضع النفسي نعلم حينها قيمة هذه الكلمة. وعندما أتت الجنازة كان عدد الناس كبير جدا بحيث أنه لا يحصى، وحاول الخليفة المتوكل أن يقيس بالأذرع المكان الذي كانت تصلي الناس فيه الجنازة على أخمد بن حنبل، بغداد كلها حاضرة الخلافة وناس من مدن أخرى وناس كانت تصلي في المراكب في دجلة، عدد يزيد على ثمانمائة ألف، أما قاضي القضاة الذي كان يتذرع بالسلطان لم يشيعه إلا بضعة قليلة من أعوان السلطان.
ماذا كان يريد هو أن يقول؟
يريد أن يقول أن في النهاية يكون المعيار الحقيقي للبقاء هو معيار الحق والحقيقة ومعيار الاتصال بالله والإخلاص له، هذا هو ما يبقى أما أي شيء آخر فلابد أن تضمحل.
يقول الإمام الترمذي حدثنا محمد بن رافع النيسابورى يقول حدثنا محمد بن يحيى قال: قيل لأبي بكر بن عياش: إن أناسا يجلسون ويجلس اليهم الناس ولا يستأهلون، أي يوجد ناس يجلسوا في المسجد يتكلمون ويحدثون الناس ويفتون ويدرسون والناس تسمعهم وهم ليسوا أهل للمكان الذي هم فيه، فقال: كل من جلس الناس اليه، أي كل من كان تكلم سيجد من يسمع، وصاحب السنة، الذي يتبع هدي النبوة، إذا مات أحيا الله ذكره وأهل البدع يموتون ويموت ذكرهم. هو يتكلم عن المستقبل، المستقبل مرحلتين، هناك مستقبل قريب، لا تنظر إلى ما بين يديك، هناك مستقبل قريب، هذا مستقبل دنيوي، الإنسان لأن عمره قصير ونظره قصير لا ينظر إلا إلي ما تحت قدميه، وأعظم من ذلك المستقبل البعيد يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ هذا هو الميزان، هذا الميزان الذي يقيم به المرء عمله، كيف ينظر االله إليه؟، كيف يستقبل في يوم العرض الأكبر؟، أراضٍ عنه ربه أم ساخط؟.
فإذاً ماذا يمثل يوم الجنائز هذا؟ يمثل رؤيتنا الحقيقية للأمور، المزني رجل من كبار أصحاب الشافع رحمه الله، والشافعي كان بالمدينة تلميذاً لمالك رحمه الله، وكان لمالك في مصر مذهب وتعظيم وأتباع، ثم جاء الشافعي إلى مصر، وكإمام تتلمذ لإمام تعلم منه الكثير ووافقه في الكثير، وربما غاير رأيه رأي إمامه في بعض المسائل، وهكذا هم الأئمة والعلماء، وقد قال مالك قديماً وهو في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مشيراً إلى قبره صلى الله عليه وسلم المكرم المعظم، قال: كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر، الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى، أي إنسان آخر هو يحاول أن يوافق الصواب وكما قال صلى الله عليه وسلم إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر لأنه بذل جهده في موافقة مراد الحق سبحانه وتعالى، فحتى إذا أخطأ لا يخليه أرحم الراحمين من ثواب وأجر.
فلما أتى إلى مصر تعلم منه أناس وسخطه أناس لأنه يخالف مذهب إمامه في أمور، وقبل أن يموت نظر إلى تلاميذ له أربعة، أبو يعقوب البويطي، والمزني، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، والربيع بن سليمان، فقال للربيع: أنت من تحفظ علمي وتنشره، وقال للبويطي: وأنت تموت في الحديد، وقال للمزني: سيكون لك سيط وعلم، وقال لعبد الحكم: وأنت ترجع إلى مذهب أبيك، وكان أبوه قاضياً على مذهب مالك، فلما مات الشافعي وكان قد أوصى للبويطي بالحلقة، هو الذي سيخلفه ويجلس مكانه، فابن عبد الحكم كان يتمنى هذا المكان، فلما جعل الشافعي الحلقة للبويطي عاد إلى مذهب أبيه وصار قاضياً، والمزني يخرج يوماً من مسجد الفسطاط، مسجد عمرو، ونعله تحت إبطه، ويمر ابن عبد الحكم في موكب عظيم، فهو قاضي، فبهره ما رأى من حاله وعظيم هيئته، فقال: قال الله تعالى: وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ ثم قال: اللهم بلى أصبر وأرضى، وكان مُقلاً، كان رجلاً فقيراً آثر تعليم العلم وكان بإمكانه أن يسلك هذا المسلك لكنه آثر غيره عليه فصار فقيراً وكان بإمكانه أن يكون على هذا الحال، وإذا بهذا الموكب الذي عد في الرواية مبهراً يمر به، ماذا يفعل في هذه اللحظة؟ سنين مرت واخترت أن تكون في طريق معين، وغيرك اختار طريقاً آخر، وهذا الطريق ظهر مآله بعد سنوات والطريق الثاني كذلك قد ظهر مآله بعد سنوات، كان من الممكن أن يكون كذلك لكنه رفض أن يكون على هذه الحالة، والآن؟ حين اتسع الفارق، وأصبحت الدنيا مبهرة، ماذا تفعل؟ ماذا فعل هو؟ تلا قول ربه تبارك وتعالى وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ ثم سكت ثم قال: اللهم بلى أصبر وأرضى.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم
الحمد لله رب العالمين، يقول هشام بن يحيى الغساني، يقول: حدثني أبي قال: كنت جالساً عند هشام بن عبد الملك يوماً فأتاه رجلاً قال: يا أمير المؤمنين، إن عبد الملك قد أقطع جدي قطيعة، أي قطعة من الأرض، قد أقطع جدي قطيعة فأقرها الوليد وسليمان، فلما استُخلف عمر رحمه الله نزعها، رجل قد أتى إلى الخليفة هشام بن عبد الملك، يقول له أن عبد الملك – والدك – لما كان خليفة أعطى ومنح ووهب جدي بوثيقة وسند وصك منحه قطعة من الأرض ثم مات، ثم جاء ابنه الوليد أخو هشام فأقره على صكه وعلى منحته ثم مات، ثم جاء سليمان أخو هشام فأقره على صكه وعلى منحته وعلى هبته، ثم جاء عمر ابن عم هشام فانتزع منه الأرض ثم مات عمر، فخلفه هشام فأتى إلى هشام يطلب منه أن يرد لهم الأرض التي منحها إياه أبوه وأقره عليها أخوه ثم أخوه، فنظر إليه هشام وقال له: أعد مقالتك، عد ما قلته، قال: يا أمير المؤمنين، إن عبد الملك قد أقطع جدي قطيعة فأقرها الوليد وسليمان، فلما استُخلف عمر رحمه الله نزعها، فنظر إليه هشام وقال: والله إن فيك لعجباً، إنك لتذكر الذي أقطع جدك قطيعة والذي أقرها فلا تترحم عليهم وتذكر الذي نزعها، فتترحم عليه، هو بالفعل قال كذلك، قال عبد الملك ولم يقل رحمه الله، إن عبد الملك قد أقطع جدي قطيعة فأقرها الوليد، فأقرها الوليد، لم يقل رحمه الله، وسليمان ولم يقل رحمه الله، قال: فلما استُخلف عمر رحمه الله نزعها، فهنا هشام قال له: أعد ما قلته، لأنه قد يكون قد أخطأ في كلامه، فقالها كما قالها أول مرة، كلمة كلمة.
فأمره بأن يعيد ما قاله، ونحن حين قلناها أكثر من مرة مرت علينا دون أن نلاحظ هذا، لكنها لم تمر عليه، وقف عند هذا الكلام، وقال له: أعد ما قلته، فقالها مثلما قالها سابقاً، قال: يا أمير المؤمنين، إن عبد الملك – ” دا أبوه يعني المفروض يعني يقول أي حاجة فيها تعظيم شوية ” – قد أقطع جدي قطيعة، فأقرها الوليد وسليمان، فلما استخلف عمر رحمه الله نزعها، قال: والله إن فيك لعجباً أنك لتذكر الذي أقطع جدك قطيعة والذي أقرها فلا تترحم عليهم وتذكر الذي نزعها، فتترحم عليه، فقد أمضينا ما صنعه عمر رحمه الله.
كيف تفسر هذا؟ هؤلاء هم من وهبوه، وهؤلاء هم من عاش في خيرهم، لم يقل رحمهم الله، حتى كلمة رحمهم الله لم يقلها، والشخص الآخر الذي قطع مددهم من الدنيا، الذي سلبهم ما كانوا يعيشون به؟ حين يذكره يقول: عمر رحمه الله !، فقال له هشام: أنت رجل غريب، حسناً، لماذا يفعل هذا؟ هل جاء بشكل عشوائي؟ لا، فقد أمره أن يعيد عليه الجملة حتى يتأكد أن ذلك هو الذي ما بداخله، هو مدرك من الذي يستحق أن يترحم عليه ومن لا يستحق، حسناً، هذا الرجل استفاد من دنياهم ولكن في داخله يقدر ويجل هذا الشخص، وحين يدعو فإنه يدعو لهذا الشخص، لماذا؟ لأنه يعلم أن هذا كان يفعل ما ينجيه عند ربنا، هو لم يظلمه حين أخذ ما كان يملكه، لأنه كان يحاول أن ينجي نفسه حين يقف أمام ربنا، فيسأله سبحانه وتعالى، ثم إنه لم يُعد لهذا الأمر، هو تلقائياً حين يذكر عمر لا يملك إلا أن يقول رحمه الله، كما تقول أنت قال رسول الله لا تملك إلا أن تقول صلى الله عليه وسلم، حين تذكر أحداً من الصحابة تجد نفسك تريد أن تقول.. تريد أن تعبر عما بداخلك فتقول رضي الله عنهم، لأن ربنا سبحانه وتعالى في القديم قال: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا فمن داخلك تريد أن تقول صلى الله عليه وسلم، وتشعر أنك تريد أن تقول رضي الله عنه، وهو كذلك كان يشعر أنه يجب أن يقول رحمه الله.
وفي النهاية هذا هو الميزان، ما الذي سيستقر في النفوس؟ الذي لله، وما الذي سيبقى بعدما تضمحل الحياة؟ ما لله، وإذا كان ربنا سبحانه وتعالى هو الباقي بعد خلقه فيكون طبيعياً أن ما كان لله يبقى، هذا أمر طبيعي، وإذا كانت الدنيا زائلة وزائل أهلها فكل ما كان للدنيا يجب أن يزول، هذا هو القانون، هذا هو القانون، ما كان لله يبقى، فالإنسان الذي سيعمل لله سيبقى عمله، وسيبقى ذكره، سيبقى عمله وسيبقى ذكره، وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ، والحقائق تدرك، وربنا سبحانه وتعالى هو الذي يملك قلوب العباد، لا يملكها أحد غيره، يقول صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل إذا أحب عبداً نادى جبريل، قال: يا جبريل إني أحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، ” هي جاية كده ” ، نحن الآن في الأعلى، ربنا سبحانه وتعالى، ربنا سبحانه وتعالى، الله عز وجل يحب عبداً من عباده، ربنا سبحانه وتعالى، الخالق العظيم يحب إنسان من خلقه الضعفاء، يحب فقط؟ لا، يستدعي جبريل عليه السلام، ولماذا هذا الاستدعاء العظيم؟ من أجل هذا الخبر فقط، فيقول: يا جبريل أني أحب فلاناً فأحبه، وما كان لجبريل عليه السلام إلا أن يحب من أحبه الله عز وجل، فيحبه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء، ثم ينادي في أهل السماء، إن الله عز وجل يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض، حسناً، والقبول الذي نزل من السماء من يستطيع أن ينزعه؟! ” حاجة جاية من فوق ” ، هكذا هو ترتيب الدرجات، ربنا يحب سبحانه وتعالى، جبريل يحب عليه السلام، الملائكة تحب عليهم السلام، ثم البشر يحبون، هناك شيء نزل من الأعلى، فوضع للعبد في الأرض، والآخر عياذاً بالله؟ وإن الله عز وجل إذا أبغض عبداً..، وما الذي فعله الإنسان لدرجة أن يبغضه ربنا سبحانه وتعالى؟ ما شكل المتوالية التي سار فيها إلى أن استحق بغض ربنا سبحانه وتعالى وسخطه عياذاً بالله؟ ماذا فعل؟ ماذا فعل؟، بأي شكل وبأي صورة وما المدة؟ حتى أن الرحيم الحليم الكريم سبحانه وتعالى ينادي جبريل فيقول: إني أبغض فلاناً فأبغضه فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء إن الله تعالى يبغض فلاناً فأبغضوه، فيبغضه أهل السماء، ثم توضع له البغضاء في الأرض، وإذا وضعت من الذي يستطيع أن ينزعها؟.
فالإنسان إذا أحبه ربنا فما عليه بعد ذلك، وعياذاً بالله الإنسان إذا بلغ أن يبغضه ربنا؟!.
الخلاصة … أن كل شيء إنما هو لله، لله وبالله، كذلك كل شيء، لله وبالله، فكل شيء كان لله وبالله ففيه البركة وفيه القبول وله البقاء، وما عدا ذلك فهو مضمحل ذاهب زائل لا محاله، ولكن المشكلة كما قلنا أن الإنسان ينظر إلى ما تحت قدميه، هو فقط ينظر بنظر اللحظة الراهنة، الدقيقة التي يعيش فيها، وإذا نظر إلى الأمام؟ سيكتشف أن الموازين غير الموازين، ليست في الآخرة فقط، في الدنيا وفي الآخرة، الثناء الحسن والذكر الطيب والترحم لمن؟ وعلى من؟ حسناً، وهذا متى يظهر؟ بيننا وبينهم يوم الجنائز، اليوم الذي تنقطع فيه الدنيا ويبدأ الإنسان في أول خطوة له في الحياة السرمدية الدائمة، هذا هو الميزان، ما كان لله يبقى، ما كان لله يبقى.
اللهم خذ بأيدينا إليك، اللهم خذ بأيدينا إليك، أخذ الكرام عليك لا تفضحنا بين خلقك ولا بين يديك.
اللهم ارحمنا فأنت بنا راحم، ولا تعذبنا بذنوبنا فأنت علينا قادر، وألطف بنا يا مولانا فيما جرت به المقادير واختم لنا بخاتمة السعادة أجمعين.
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تُـهون به علينا مصيبات الدنيا، ومتّعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث مِـنّـا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همّنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا.