بسم الله والحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
عمرو بن عبسة السلمى رضى الله عنه كان يفتخر، وهذا من الأشياء التى تستحق أن يفتخر بها الإنسان كما قال الله تعالىقُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ويقول كنت وأنا فى الجاهلية أرى أن الناس على ضلالة وأنهم ليسوا على شىء وهم يعبدون الأوثان – هو يرى أن عبادة الأوثان تتنافى مع أى عقل أو فطرة – يقول سمعنا عن رجل بمكة يخبر أخبارا فقعدت على راحلتى فقدمت مكة فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفيا جرءآء عليه قومه فتلطفت حتى دخلت عليه فقلت له ما أنت؟ قال: أنا نبى, هنا عمرو بن عبسة يخبرنا أنه سمع أن شخصاً بمكة يقص على الناس قصص فسافر وذهب إلى مكة لكى يلقاه وهذا من حرص الإنسان الفطرى على الخير والحق ويسعى له.
وكثير من الناس ربما يكون الخير ميسرا بين يديه ويعرض عنه. يقول أنه سافر إلى مكة فوجد النبى صلى الله عليه وسلم مستخفيا وقد كانت قريش تضيق عليه فلم يكن يتحرك بحرية ولا يستطيع أحد أن يصل إليه بسهولة, يقول مستخفيا جرءآء عليه قومه أى أن قريشا كانت تؤذيه – صلى الله عليه وسلم – وتضيّق عليه. يقول فتلطفت حتى دخلت عليه فقلت ما أنت؟ كان من المفترض أن يسأله ويقول من أنت..ولكنه يعلم من هو, لكنه سأله ما أنت..أى أنه يستفهم عن حاله التى هو عليها صلى الله عليه وسلم فقال: أنا نبى, فقال له: وما نبى؟ قال: الله أرسلنى. قال وبماذا أرسلك؟ قال: بصلة الأرحام وكسر الأوثان وأن يوحَّد الله سبحانه وتعالى ولا يٍشرَك به شيئ.
وأول ما كلمه عنه النبى صلى الله عليه وسلم هو صلة الأرحام..لماذا؟ لأن قريشا كانت تشوه رسالة النبى صلى الله عليه وسلم بأنه يأمر بقطيعة الرحم. وهل كان النبى صلى الله عليه وسلم يأمر بقطيعة الرحم؟ بالطبع لا, ولكن كان مما يترتب على إيمان البعض وإصرار بقية المجتمع على عدم الإيمان أن يحدث إفتراق. ولذلك كان من آمن من الصحابة هم الذين يتعرضون للأذى ولم يكونوا هم من يؤذون الناس.. ولكنها الدعاية التى تأتى لتزييف الحق.لذلك كان أول ما أخبره به صلى الله عليه وسلم هو صلة الرحم. وثانى أمر كان كسر الأوثان..فالأوثان هى ما يشرك به بالله فكسر الأوثان لكى يوحَّد الله سبحانه وتعالى ولا يشرك به شيئا ولا يبقى هناك دعوة إلا لله سبحانه وتعالى كما قال تعالى لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ.
يقول فقلت له فإنى متبعك قال إنك لن تستطيع ذلك يومك هذا, ألا ترى حالى وحال الناس؟ إذن فالمتابعة ليس معناها مجرد الدخول فى الدين.. ولكنها تعنى أنه سيلازمه ويصاحبه وهذا لن يكون ممكنا فى هذه الحالة لأن وضع النبى صلى الله عليه وسلم والصحابة حينئذ لم يكن يسمح بذلك.فسأله قال من معك؟ قال حر وعبد.. النبى صلى الله عليه وسلم يقصد أن من إتبعه طائفة من الأحرار وطائفة من العبيد..
فالنبى صلى الله عليه وسلم أخبره أنه لو أقام معه فسيتعرض لأذى لذلك قال له فإذا سمعت بى قد ظهرت فأتنى. وهذا يبين تمام اليقين الذى كان لدى النبى صلى الله عليه وسلم فهو برغم الشدة والأذى إلا أنه كان على يقين أن الله سبحانه وتعالى سينصره ويظهره لذلك قال له عندما تعلم أن أمرى ظهر واكتسبت القوة والمنعة فأتنى.
يقول فذهبت إلى أهلى وأخذت أتحسس أخبار النبى صلى الله عليه وسلم حتى علم أنه قد ذهب إلى المدينة فلبث حتى أتى نفر من أهل المدينة فمروا به فسألهم عن أخبار النبى صلى الله عليه وسلم فقالوا الناس إليه سُراع أى أن الناس تسرع فى الدخول فى الدين وقد أراد قومه أن يقتلوه فلم يستطيعوا ذلك أى أن أهل مكة حاولوا أن يقتلوه فلم يستطيعوا وخرج إلى المدينة وهناك آمن به الناس سريعا وهذا مصداق القول لا كرامة لنبى فى وطنه. يقول فذهبت إليه ودخلت عليه وقلت يا رسول الله أتعرفنى؟ قال نعم أنت الذى لقيتنى بمكة, قال: فقلت بلى, يا رسول الله أسألك أن تعلمنى مما علمك الله وأجهله, أخبرنى عن الصلاة, قال صلِّ صلاة الصبح ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس, حتى ترتفع فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان – الشيطان حين تبدأ الشمس فى الطلوع يقف أمامها حتى يسجد له الناس – وحينئذ يسجد لها الكفار, ثم صلِّ فإن الصلاة مشهودة محضورة – أى أننا نصلى الصبح ثم نمسك عن الصلاة لما بعد الشروق بقليل حتى لا نتشبه بالكفار فى صلاتهم ثم نصلى النافلة أو الضحى – فإن الصلاة مشهودة محضورة – أى تشهدها وتحضرها الملائكة وتحصل عندها الرحمة – حتى يستقل الظل بالرمح ثم أقصر عن الصلاة فإنه حينئذ تسجر جهنم, فإذا أقبل الفىء فصلِّ فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلى العصر ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس فإنها تغرب بين قرنى شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار. قال يا رسول الله فأخبرنى عن الوضوء, قال له النبى صلى الله عليه وسلم: ما من رجل يقرب وضوءه فيتمضمض ويستنشق فيستنثر إلا خرّت خطاياه من وجهه ومن فيه ومن خياشيمه, هذا أول ما يحدث حين يتمضمض ويستنشق فإن كل الخطايا تخرج مع الماء. ثم يقول النبى صلى الله عليه وسلم فإذا غسل وجهه خرّت خطاياه مع الماء من أطراف لحيته, أى أنه بذلك تكون كل خطايا وجهه ورأسه قد خرجت. فإذا غسل يديه إلى المرفقين خرّت خطاياه مع الماء من أنامله, فإذا مسح رأسه خرّت خطاياه مع الماء من أطراف شعره. فإذا غسل رجليه إلى الكعبين خرّت خطاياه من أصابع رجليه مع الماء. ثم قال صلى الله عليه وسلم فإن قام فصلى فحمد الله وأثنى عليه ومجده بما هو أهل له وفرّغ قلبه لله خرج من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه. فقال أبو أمامة يا عمرو أنظر ما تقول كل هذا يكون للرجل فى مقام واحد – أى أن الإنسان بصلاة واحدة تذهب عنه كل خطاياه – فقال عمرو يا أبا أمامة لقد كبرت سنى ورق عظمى وإقترب أجلى وما بى حاجة أن أكذب على الله ولا على رسول الله صلى الله عليه وسلم, فإن كنت سمعته مرة أو مرتين أو ثلاث أو أربع أو خمس أو ست أو سبع ما حدثت به أبدا ولكنى سمعته أكثر من ذلك.
نفهم من هذا أمرين.. الأول عظيم فضل الله سبحانه وتعالى وعظيم رحمة الله والفرص العظيمة التى يتيحها الله سبحانه وتعالى للإنسان لينال مغفرته.. حتى إن أبا أمامة الباهلى رضى الله عنه تعجب من الكلام الذى سمعه وإن الإنسان لو صلى ركعتين يتطهر من كل الأوزار التى على ظهره وهذا يدل على عظيم رحمة الله سبحانه وتعالى والفرص الكثيرة التى يتيحها لنا.
النبى صلى الله عليه وسلم قال إن الإنسان إذا صلى فحمد الله سبحانه وتعالى وأثنى عليه ومجده بما هو أهل له ويفرغ قلبه لله سبحانه وتعالى فى هذه العبادة ويصلى ركعتين حاضرا فيهما بقلبه خالصا لله تعالى وهو أمر صعب ولذلك سيدنا عثمان توضأ وضوءا فغسل وجهه ويديه ومسح برأسه ورجليه إلى الكعبين ثم قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وضوءا نحو وضوئى هذا ثم قال من توضأ نحو وضوئى هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه. وهذا هو الشرط الصعب أنه لا يسهو ولا يحدث نفسه ويخلو قلبه لله سبحانه وتعالى. وأبو أمامة لم يكن يقصد أن عمرو يكذب لكن من الممكن أنه نسى أو توهم أو يلتبس عليه الكلام وقلنا قبل ذلك أن معيار القبول لأى كلام منقول ليس فقط الصدق أو الكذب فهو لم يكن يتشكك فى صدق أو كذب عمرو ولكنه تشكك فى صواب الخبر أو أنه توهم أو إختلط عليه الكلام ولم ينقله بنصه, ولذلك إشترط علماء الحديث شروطا دقيقة فى أن يكون الشخص راوى الحديث مع أمانته وتدينه وتقواه لله سبحانه وتعالى أن يكون ضابطا ضبطا تاما وحافظا وألا يختلط عليه الكلام الذى ينقله وينقله كما سمعه. فعمرو يرد عليه ويقول إننى أبعد ما أكون عن الإفتراء والتقول لأن هذه مسئولية عظيمة وأنا على مشارف الموت ولذلك قال له أنا لو سمعت هذا الكلام من النبى صلى الله عليه وسلم مرة واحدة أو حتى سبعا فلم أكن لأقوله ولكننى سمعته أكثر من هذا ولذلك أنا متأكد تماما مما قلته. الأمر الأخير أن النبى صلى الله عليه وسلم أعاد هذا الحديث وسمعه عمرو بن عبسه أكثر من سبع مرات مع أنه لم يكن يحضر معه كل مجلس, إذن فالنبى صلى الله عليه وسلم كان يعيد ويكرر المعانى التى يجب أن نعلمها لكى يسمع ويعلم من لم يسمعه من قبل لظروف طارئة أو إنشغال ولذلك كان أيضا حريصا أن يبلغ الشاهد الغائب كما قال: نضّر الله إمرءا سمع مقالتى فوعاها فأداها كما سمعها. وأمرنا أن ننقل ونبلغ العلم الذى علمه الله سبحانه وتعالى إياه.. كذلك كان يكررويعيد المعانى لأن الإنسان من طبيعته السهو والنسيان والخطأ فلذلك هو يحتاج أن يردد على مسامعه كثيرا المعانى المهمة التى يحتاج أن يتذكرها ولذلك كان النبى صلى الله عليه وسلم يردد ويكرر على الصحابة القضايا الهامة التى لا يصح أن ينسوها من المعانى الأساسية كعظمة الله ووحدانيته وقدرته الجنة والنار يوم القيامة.
فنحن نحتاج أن نردد هذه المعانى كثيرا حتى تستقر وحتى ندفع عن أنفسنا الغفلة. إذن أسلوب النبى صلى الله عليه وسلم أنه كان يردد ويكرر المعانى الهامة لكى تستقر فى الأذهان, ومن القواعد أن ما تكرر..تقرر ,فيستقر فى اللاوعى الإنسانى فيتحرك فيما بعد بشكل منهجى تلقائى نتيجة لما إستقر وإنطبع فى ذهنه. ولذلك لو كنا نريد لنفس المعانى أن تستقر فلابد أن نتعامل بنفس الأسلوب الذى كان يتعامل به النبى صلى الله عليه وسلم بأن نظل نكرر على أنفسنا المعانى الأساسية أو ما يذكرنا بعظمة الله سبحانه وتعالى وبقدرته أو تذكرنا بأن علينا أن نستقيم فى عبادته أو نذكر الله سبحانه وتعالى بشكل دائم لنكون فى معية الله تعالى وحفظه. بالتكرار المستمر تبدأ المعانى تستقر ويبدأ الإنسان يكون لديه حالة من اليقين الذى يحرك الإنسان.