إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا أنه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هاد له وأشهد إن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
ثم أما بعد
حديثنا اليوم عنوانه محمد رسول الله
هذه الخطبة هي رقم مائة واثنان أو مائة وثلاثة وهو ما يعادل تقريبا سبعين ساعة من الكلام علي مدي سنتين وشهر أو سنتين وشهرين، هذا القدر من الكلام يعد قدراً كبيراً ينبغي علينا أن نراجع هذه الكلمات، وأن نراجع فحواها وأن نراجع أثرها.
لقد تكلمنا في هذا المقام مراراً عن خطبة الجمعة وعن قدرها في دين الله تبارك وتعالي، وعن اعتناء شرعة ربنا سبحانه وتعالي بهذه العبادة والإعداد لها، وأمره أهل الايمان أن يسارعوا وأن يسابقوا إلى شهود هذه العبادة
و إن يتهيأوا لها بلباس وزينة ثم بحسن إنصات ودنوا من الامام ليتحقق مقصود هذه الكلمات وأثرها.
وإن كثيرا من الناس وللاسف سواء منهم المتكلمون أو المنصتون، أو السامعون إن تكلمنا بتعبير أدق، إنما يقصدون بهذه العبادة أداء واجب من الواجبات وإسقاط فرض من الفروض التي افترضها الله عز وجل عليهم من دون النظر ما وراء ذلك من حكمة عظيمة أرادها الله سبحانه وتعالي للمتكلم وللمنصت المصغي المستمع الذي يبتغي الدنو والقرب من رضوان ربه تبارك وتعالي.
إن الكلمة لها مسئولية كبيرة وأمانة عظيمة فيما تلونا في هذه الدقائق قول الله تبارك وتعالي يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا قولا سديدا اي صائبا صالحا – ربط الله سبحانه وتعالي هذا القول السديد ربطه بالتقوي، فهو فرع عن التقوي.
إن الانسان إذا غلبت عليه خشية الله عز وجل علم انه موقوف مسئول عن كلماته، فقال عز من قائل اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، ثم قال يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ إن اتقيتم ربكم وقلتم قولاً سديداً وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا إنا عرضنا الامانة فالله سبحانه وتعالي جعل هذه الكلمة من جملة الامانة التي ائتمن الله عز وجل عباده عليها.
لقد كانت هذه الكلمات واقعة في ظرف من أشد الظروف واقساها هذه الفترة الطويلة التي مرت بنا والتي لا ندري علي ما تستقر وإلي ما تنتهي تداعيتها.
فترة من اصعب الفترات التي يتكلم فيها متكلم، لأننا وللاسف انما كنا قبل هذه الاحداث ننصت إلي هذه الكلمات، باعتبار أنها تمثل وعظا دينيا، كلمات فيها تذكير بالآخرة أو تزهيد في الدنيا، لكنها منقطعة غير موصلة عما يجري في دنيا العباد، لكنها بعد هذه الأحداث وهذه المجريات صارت أصعب وأصعب.
وصارت السمة السائدة في مجتمعاتنا هي الشك والتشكيك، عدم الثقة والتخوين، فأصبح كل قائل متكلم متهم في كلماته وفي قصده ونيته وغرضه من وراء هذه الكلمات، وصار التصنيف أساساً من أساس معاملتنا مع بعضنا البعض، حينما أسمع إلي كلمات فلان يشغلني اول ما يشغلني تصنيفه إلي اي حزب والي اي فئة وإلي أي جهة ينتمي هذا المتكلم، وماذا يريد من وراء كلماته، وبأي وجهة يتوجه ولمن يخدم ويوظف هذه الكلمات، إننا بالاصل وبالأساس نستمع إلي الكلمات لكي نقيمها ككلمات مجردة، نقبل ما فيها من حق وصواب ونرد ما فيها من وراء ذلك، لكننا إذا دلفنا من وراء الكلمات إلي مقاصد ونيات العباد التي لا يطلع عليها إلا الله تبارك وتعالي، حينئذ فسدنا وافسدنا وصارت الكراهية والشحناء والضغينة والبغضاء هي السمة السائدة في هذا المجتمع، ولا ادري من أين أتتنا هذه الخلال وهذه الصفات، ومتي ستنقشع هذه الظلمات عن واقع هذا المجتمع الذي نعيش فيه، وهل يزل يسعدنا حتي ركنا إليه هذا الركون، إن الكلمات تنقسم إلي كلمة ثائرة وكلمة خامدة وكلمة مثيرة، وما أكثر الكلمات المثيرة في أيامنا هذه.
الكلمة الخامدة هي الكلمة التي لا روح فيها ولا غاية منها ولا قصد من ورائها وإنما هي كلمات تلقى وحسب..
والكلمات المثيرة هي الكلمات التي تثير الضغائن، والفتن، والأحقاد، والشرور بين عباد الله وما أكثر هذه الكلمات… وما أخطر هذه الكلمات إن كانت من جملة السحر الذي أخبر عنه صلى الله عليه وسلم فقال منبهاً محذراً ” وَإِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا ” السحر هو الذي يسلب عقول الناس وهو الذي يحيل الحق إلى باطل والباطل إلى حق يستطيع الإنسان إذا آوتي فصاحة وبلاغة إذا آوتي جدلاً إذا آوتي بياناً وتعبيراً أن يحول هذا البيان إلى نوعٍ من أنواع السحر الذي يفتن به العباد فقال صلى الله عليه وسلم منبهاً محذراً أن هذا البيان وهذا الجدل وهذه الفصاحة وهذه البلاغة إنما هي نعمة من نعم الله على هؤلاء الذين تكلموا فعليهم أن يتقوا الله سبحاونه وتعالى في هذه النعمة وألا يوظفوها فيما يضر عباد الله تبارك وتعالى.. فهي الأمانة والمسئولية….
بقيت الكلمة الثائرة التي تنطلقُ من روحٍ تبتغي إصلاحاً وتبتغي تعديلاً وتبتغي تغييراً حقيقياً.. قال الله تبارك وتعالى إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وهذه الكلمات التي نتكلم بها على طيلة هذه الفترة إنما تبتغي في النهاية إلى تقرير ثلاثة حقائق كبرى !! ” الله، الرسول، الدين ” وفقط !! ليس وراء هذه الكلمات مقصد إلا تقرير هذه الحقائق الكبرى الثلاثة في هذه الحياة أولى هذه الحقائق وأولى هذه الكلمات هي الذات الإلهية العلية اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ أن أصل هذا الوجود ومسدي جميع النعم والمدبر لهذا الكون، المهيمن عليه، الحاكم له هو الله سبحانه وتعالى وهو الذي بيده مجريات الأمور كلها وهو الذي مدَّ هؤلاء العباد بهذه النعم وهذه المنّنّ، وهو الذي أمدَّهم بمنهاج السعادة والهداية والرقي في أولاهم وفي أخراهم.
وبمقدار ما يعرف العباد ربهم بمقدار ما يرتبط الناس بالله تبارك وتعالى بمقدار ما يحقق الله عز وجل لهم من السعادة في الأولى وفي الآخرة. هذه هي الحقيقة الأولى التي نحوم حولها.
والحقيقة الثانية هي الرسول صلى الله عليه وسلم.
هذه النعمة العظمى التي امتنَّ الله عز وجل علينا بها والتي نضنُّ على أنفسنا بأن ننتفع منها ونستفيد.. مع أنها قريبةٌ دانيةٌ منا ليست عنا ببعيد.
والحقيقة الثالثة، هي الدين.
والدين في حقيقته هو الإستسلام والتسليم والركون إلى هذا الجناب العظيم إلى الله تبارك وتعالى، الدين الذي جعله الله سبحانه وتعالى فطرةً فطر عليها الناس، الدين الذي صفه الله تبارك وتعالى فقال الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ديناً كاملاً.
ديناً قيماً كما أخبر الله تبارك وتعالى يحتوي على كل ما يحتاج إليه العباد في صلاح دنياهم وأخراهم. في صلاح معاشهم ومعادهم كذلك فيه خير الدنيا والآخرة فيه كل ما يحتاج إليه الإنسان. قال الله تبارك وتعالى وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ فلا مبرر للعباد أن يحيفوا عن دينهم أو أن يبحثوا عن هدايتهم أو نجاتهم أو إصلاح أحوالهم في غير نور الله عز وجل وفي غير دينه.. فإذا كنّا نوقن بهذه الحقائق الثلاث فلا معنى لهذه الحياة التي نحياها بهذا الشكل وبهذه الصورة وكلنا معشر المسلمين نوقن.. بهذه الحقائق الثلاث.. ولكن يبقى السؤال غير المفهوم.. لماذا هذا التناقض بين هذه المعتقدات وهذه الحقائق وهذا اليقين وبين السلوك والممارسة التي نمارس بها حياتنا..
نحن نتحدث اليوم عن هذه الحقيقة العظمى، قول الله تبارك وتعالى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ هذه الكلمة أو هذه الجملة من كلام الله تبارك وتعالى يصف بها هذا العبد هذا الرسول المكرم صلى الله عليه وسلم يصف محمداً. وصفه باسمه هذا الشخص الذي ترونه تسمعون كلامه وترونه يتحرك بينكم هذا الشخص يمثل حقيقة الرسالة يمثلُ الصلة بين الأرض وبين السماء هذا ممثلُ ربنا تبارك وتعالى في هذه الحياة.. ممثل السماء في الأرض يتجسد في شخصٍ يتحرك.. يمثل النموذج الذي ارتضاه الله عز وجل للخلق وللبشر نبراساً وقدوةً وسراجاً منيراً يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا
قال الله تبارك وتعالى وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ وقال سبحانه وتعالى وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا رَحْمَة لِلْعَالَمِينَ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ، فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ.
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه من المهاجرين والأنصار، خرج معتمرًا قاصدًا بيت الله تبارك وتعالى بعد طول غياب، بعد ست سنوات من النأي والبعد عن مكة وأبَتْ قريش إلا أن تصده عن بيت الله تبارك وتعالى وحملتها الحمية والعصبية على أن تمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن يُهِلَّ إلى ربه تبارك وتعالى وأن يلبي، وأخرجت خالدًا رضي الله عنه بما معه من خيل المشركين لكي يَصُدَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنه صلى الله عليه وسلم لم يُرِد إلا العمرة فسلك طريقً وعرًا صعبًا لأصحابه ليتجنب مواجهة خيل المشركين، فتَحَمَّل هذا العَنَت وهذه المشقة هو وأصحابه لكي يتجنب هذه المواجهة فنزلت به هذه الطريق ونزلت به إلى الحديبية، فكرَّ خالدٌ بأصحابه إلى مكة، وقال صلى الله عليه وسلم ” يا ويح قريش، لقد أكلتهم الحرب، ثم قال ماذا عليهم لو خَلُّوا بيني وبين سائر العرب – لو فيه عداوة يتنحوا جانبًا – فإن أصابوني – أي هؤلاء العرب – وإن قضوا عليَّ وما أرسلت به من دعوة فقد استراحوا – استراحت قريش – وإن دخلوا في دين الله، دخلوا فيما دخل فيه الناس، وإن أرادوا قتالًا – حتى لو بعد كدا أصروا على القتال – قاتلوا وبهم قوة، ثم قال والله ما يعطونني خطة يعظمون بها حرمات الله عز وجل إلا أعطيتهم إياها ” .
ثم جرت الأمور وانتهت بتوقيع صلحٍ بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كفار قريش، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًا أن يكتب رضي الله عنه، فقال: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، فقال سهيل بن عمرو: إنا لا نعرف الرحمن ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب.
وما ضرهم لو كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمن الرحيم؟ وهل ينكر العباد رحمة الله تبارك وتعالى؟ وهل ينكر العباد بره وإحسانه؟ ولكنها كما قال الله سبحانه وتعالى إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ عِنْد وخلاص، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعَلِي: اكتب باسمك اللهم، ثم قال: اكتب هذا ما طاب عليه محمدٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم سهيل بن عمرو. فقال سهيل: لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك ولكن اكتب باسمك واسم ابيك، هذا ما طاب عليه محمدٌ بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وسهيل بن عمرو، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله إني لرسول الله وإن كذبتموني. وقال يا علي امح واكتب محمد بن عبد الله، فقال علي: والله لا امحوك أبدًا، وأبَى، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم هاته، فأراه موضع الرسالة فمحاه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، وجرى الكتاب على ذلك، وأنزل الله تبارك وتعالى سورةً عظيمةً طويلةً في تفاصيل هذا الشأن العظيم، فكان أول ما أنزل سبحانه وتعالى إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا فجعل الله سبحانه وتعالى هذا الصلح لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين فتحًا مبيناً.
ثم ختم الله عز وجل هذه السورة بقوله سبحانه وتعالى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ هذه الكلمة التى أبى هولاء الكفار أن يذعموا لها وهم يعلمون صدقها أبوا أن يدونها فى صحيفة أخلوا بها ونقضوها فى سنتين دونها الله عز وجل فى الصحيفة الخالدة التى لا تمحى ولا تزول إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها فهم محوا من هذه الصحيفة هذه الكلمة فأثبتها الله تبارك وتعالى بل اثبتها قرأن فى صدور المؤمنين لا يمحى وإن محيت الصحائف ولذلك تقدم معنا أن وصف هذه الأمة فى كتب أهل الكتاب اناجيلهم فى صدورهم هذا الكتاب الذى انزله الله عز وجل عليهم إنما يحفظونه فى صدورهم لا يحتاجون إلى صحائف أو إلى كتب فلو فنيت هذه المصاحف ولو فنيت هذه الصحائف لبقى القرأن محفوظ فى قلوب المؤمنين فهو محفوظ فى الصدور ودون فى الصحائف الله عز وجل ويسطر هذه الجملة العظيمة التى أبت حمية الجاهلية أن تذعن لها فقال سبحانه وتعالى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ثم دار الزمان ومرت ثنتان وثلاثون سنة وأتى على رضى الله عنه ليكتب كتب ينه وبين اهل الشام يدون فيه صلحاً وهدنة ويمحو على نفسه أو اسمه من إمرة المسلمين كان هو فى التاسعة والعشرين يمسك بهذه الصحيفة ولا يرضى إن يمحو هذه الكلمة.
ثم دار الزمان دورته ووعى على رضى الله عنه حكمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصالح اهل الشام وهم لم يكونوا يقرون له بعد بإمرة المؤمنين لأنهم يرون بيعة عثمان ما زالت فى أيديهم ومازالت فى قلوبهم لاتمحى إلا بالقصاص فكتب عن نفسه وعن أهل الشام بإسمه وأسم أبيه وحينئذ خرجت الخوارج وقالوا نحى نفسه من إمرة المؤمنين فهو أمير الكافرين وهذه عقود لا صلاح لها، هل إذا مُحيت هذه الكلمة زالت الحقائق لقد تكلمنا كثيراَ عن هذه الثنائيات أبيض أسود، يميناَ يساراَ، ليس أميراً للمؤمنين وهو أمير، إذاً هو أمير الكافرين فحينما ذكروا ذلك ذكرهم على رضى الله عنه وذكرهم ابن عباس بهذه الواقعة وهذه الحادثة.
قال هل حينما محى رسوال الله صلى الله عليه وسلم هذه الكلمة من الصحيفة محيت حقيقة رسالته زالت حقيقة نبوته ولكنه كما قال رسوال الله صلى الله عليه وسلم والله انى رسول الله ولو كذبتمونى وكانت كلمات الله المنزلة مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وبقيت اثار هذه الكلمة لا بد إن نحدد نحن بدقة ووضوح موقفنا من هذه الجملة مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ لابد أن ندرك أمرين هامين ألأول كما قلنا المدى الذى تتسع هذه الكلمة لتشمله ثم أثر هذه الكلمة على نحن المصدقين لرسالته صلى الله عليه وسلم فكما قلنا نحن نحتاج إلى أن نتدبر معنى هذه الكلمة حقيقة الرسالة ما تعطى هذه الكلمة من أثار فهى كما قلنا قال الله سبجانه وتعالى فى كتابه الكريم لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا.
هذا هو النموذج الذى علينا أن نعطيه حقه من المعايشة ثم نعطيه حقه من المتابعة وإلا ما كان للرسالة قيمة ولا حقيقة هذه هى الصورة التى إرتضاها الله عز وجل لعباده حينما سئل هشام بن عامر سئل عائشة رضى الله عنها عن خلق رسول الله قالت: تقرأ القرأن؟ قال: نعم. قالت: فإن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان هو القرأن.
القرأن إذا تجسد فى صورة إنسان بيتحرك وبيمشى وبيتكلم وبيروح وبيجى يبقى ده النبى صلى الله عليه وسلم قران مجسد فى صورة إنسان هذه الحقيقة التى يجب أن ندركها وهذا الإمتداد هذا الشخص الذى يمثل صلة الأرض بالسماء ولذلك حينما أتى سيدنا أبو بكر وسيدنا عمر إلى دار أم أيمن رضى الله عنها بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كى يزورونها قال أحدهم إلى الأخر هلموا ألى أم ايمن نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها فلما رأتهما بكت فقيل لها لما تبكين أما تعلمين أن ما عند الله خير لرسوله ما إنتقل اليه رسول الله هو خيراً من هذا العناء ومن هذه المكابدة التى كان يعانيها فى واقع الناس وفى دنيا هذه الحياة قالت: أني لا أبكي علي هذا فأني أعلم أن ما عند الله خير لرسوله ولكني أبكي أن الوحي قد أنقطع من السماء.. فهيجتهما على البكاء فجعلا يبكان معها.
هي إلى ما تنظر؟ ليس إلي مرد الشخص..ولكن إلي مفارقة الحقيقة, الحقيقة ليست في ذات الشخص الذي غادر الحياة لا, إن هويمثل الصلة بين الأرض وبين السماء, المدد الإلهي الإرشاد الإلهي المتنزل بواسطة هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الذي يعطي الهداية والإرشاد والتوجيه الدائم من الله سبحانه وتعالى في كل واقعة وفي كل حدث, يُسأل عن الشئ صلى الله عليه وسلم فينتظر ويتلبث حتي يأتيه جبريل فيخبره.
واحد مثلاً محرم وحط طيب.. هيعمل ايه؟ سيدنا جبريل ينزل من فوق يأمره فلينزع هذه الجبة وليتم الحج…هينزل الوحي من ربنا سبحانه وتعالى علشان يقوله يعمل ايه؟
فقد بكت علي إنقطاع الوحي من السماء, هذا الوحي الذي أنزله الله تبارك وتعالى بين أيدينا ووصفة الله سبحانه وتعالى بالكمال وأنه تبيان لكل شئ وأنه ما فرط فيه من شئ, فلا نحتاج إلا أن ندنو من هذا, لماذا نضن علي أنفسنا بهذه القيمة العظمي؟
يعني لو نتخيل أن إحنا إذا صرفنا الأوقات اللى بنصرفها في كثرة الجدل والخصومات أو متابعة الأعلام الملل والصحافة السيئة, لو إحنا أعرضنا عن دا وأبدلنا الأوقات دي مطالعة للسيرة.. حياة مع النبي صلى الله عليه وسلم.. إيه أثر دا علي حياتنا.. طب إحنا ليه مبنعملش كده؟ إحنا بنضن علي أنفسنا بالحاجات دي وهي قريبة وسهله جداً, ليه بنستبدل الذي هو أدني بالذي هو خير مع أن إحنا كلنا علي يقين بإن دا هو النموذج المثال علي يقين بأن دي أفضل حياة علي يقين بأن دا الشخص المحبب بالنسبة لنا.. فيه حاجة مش مفهومة.. محتاجين أن إحنا نقف وقفة.. إحنا بنعمل كده ليه !!؟ احنا بنشق علي نفسنا ليه !!؟ احنا بنهلك نفسنا ليه !!؟
ربنا بيقول وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ربنا رحيم بالعباد وهم مش عايزين يرحموا نفسهم طب ليه؟ يُرِيدُ اللَّـهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا, رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا قال الله تعالى قد فعلت, طب احنا مش عايزين نفعل ليه؟ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ قال الله قد فعلت. وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا قال الله تبارك وتعالى قد فعلت, هو ربنا سبحانه وتعالى فعل وقضى بهذا لكل من يطلبه, لكل من يسأله..طب احنا مش بنعمل كده ليه؟, هل أنتقلت الكراهية اللى عندنا منا للى حوالينا بقينا بنكره نفسنا!!؟ أصل مفيش معني أن الإنسان يكره لنفسه الخير, احنا بنعمل كده ليه!؟ علامات إستفهام وتعجب كتير وملهاش إجابة.
إحنا هنختم بحديثين.. خلينا من هنا للجمعة الجاية نحاول نلف شوية حوالين المعنين دول بس.
حديث عبد الله بن عبد المطلب في صحيح مسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا ” .
وحديث أنس بن مالك رضى الله عنه في الصحيحين واللفظ لمسلم ” ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان ” الإيمان دا له حلاوة وله إحاسيس معينه, الإحاسيس دي هنوصلها بحاجتين..الرضى والحب.. ” أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار ” .
” ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا “
” ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار ” .
اللهم اغفر لنا وارحمنا، اللهم عافنا واعف عنا.
اللهم اغفر لنا وارحمنا، اللهم عافنا واعف عنا.
اللهم اغفر لنا وارحمنا، اللهم عافنا واعف عنا.
اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا، اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا، وارحم موتانا، واهلك اللهم أعداءنا.
ولا تخيب اللهم فيك رجاءنا، ولا تخيب اللهم فيك رجاءنا، ولا تخيب اللهم فيك رجاءنا.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.