إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. إنه من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
ثم أما بعد…
لا زلنا نتحدث تحت هذا العنوان العظيم ” محمد رسول الله والذين معه ” صلى الله عليه وسلم.
وجاء حديث لا يمل سماعه… شهي لدينا نثره ونظامه
إذا ذكرته النفس طاب نعيمها… وزال عن القلب المعنى قتامه.
كنا نتحدث عن الحديبية، وعن رسائل رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف تزلزل بلاط قيصر حينما وافته رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونعود اليوم إلى هذه الهدنة وإلى هذا الصلح، نقتطع منه مشهد، إذ جاء عروة بن مسعود الثقفي رضي الله عنه وكان إذ ذاك عل ىالشرك، أتي لمن أطاعه من قومه من ثقيف، أذهب إلى مكة يؤازر ويناصر قريشاً لئلا يُرجعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استئذن قريشاً في أن يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيفاوضه ويكلمه، فلما أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يخوفه بقريش وبعزمها على حربها إن أراد أن يدخل مكة، ثم قال مخاطباً رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا محمد – صلى الله عليه وسلم – أرأيت إن استأصلت قومك هل تعلم رجلاً من العرب قد اجتاح قومه؟ وإن تكن الأخرى فإني أرى أوشاباً من الناس حريٌّ أن يفروا ويدعوك. فهو يريد أن يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنت في نزاعك مع قريش أحد رجلين ويؤول أمرك إلى أحد بديلين إما أن تغلبهم وتستأصلهم فتكون قد أتيت بأمر عظيم لم يسبقك إليه أحد، أن الرجل ينبغي أن يكون نصيراً لقومه لا يدخل عليهم إلا الخير، فإذا أدخلت عليهم الشر والسوء والقتل ربما ذمتك الناس بذلك وإن لم تكن الأخرى، إن كانت الغلبة لهم عليك، فإن هؤلاء الرجال الذين أراهم من حولك سوف يفرون ويدعوك وحيداً، واستند في ذلك إلى أنه يرى أوشاباً من الناس، الشوء هو الشيء المختلط بغيره، تقول ” شبت اللبن بالماء ” أي خلطته به، فهو يريد أن يقول: إن هؤلاء أخلاط من الناس لا ينتمون إلى قبيل ولا إلى أصل ولا إلى عرق واحد وإن بنو الأب ينصر بعضهم بعضاً، إذا كانوا ينتمون إلى أصل واحد أو إلى قبيلة واحدة فعادتهم أن يناصر بعضهم بعضاً، أما إذا كانوا أوشاباً وأخلاطاً لا جامع لهم ولا رابط يربط بينهم فإنهم لا يثبتون بل يفرون، فناكره أبو بكر رضي الله عنه وأغلظ له القول وعيّره بآلهته التي يعبد، فاستنكر عروة ما جابهه به الصديق رصي الله عنه، ولم يدري من هو، فقال: يا محمد من هذا؟ قال: هذا أبوبكر، فقال عروة: لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجبتك، كنت أستطيع أن أرد عليك القول وأغلظ لك كما أغلظت لي، لكن لك في عنقي جميل ومنة لم أكافئك عليها، ولذلك هذا الجميل وهذه المنة تمنعني من أجيبك بمثل قلت.
إذ كان عروة قديماً يسعى في دفع دية لرجل قد قتل، وكانت الدية مائة من الأبل، رقم كبير لا يطيقه ماله أن يوفي به فكان يستعين الناس ويسألهم أن يعينوه، فكان رجل يعطيه جمل أو اثنين أو ثلاثة، وأعطاه أبوبكر رضي الله عنه عشر من الأبل، فهي يد له عليه لم يجزه به، فالإحسان يأسر الناس، ثم جعل يكمل حديثه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين هو يحدثه إذ بين الحين والحين يمد يده فيمسك بلحية رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت هذه عادة في العرب إذا خاطب الرجل قرينه أو صديقه لاطفه بأن يمد كل منهما يده إلى لحية الآخر بشيء من المداعبة ورجلٌ قائمٌ بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم قد لبس مغفراً قد غطى وجهه فلا يدري من هو، قائمٌ بسيفٍ حراسةً وحماية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فبينما عروة يمد يده إلى لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء هذا القائم بمقبض سيفه فضربه على كتفه وقال اقبض يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلا لا تصل إليك، يعني ايدك مش هتلقيها، يعني لم ايدك ولا اقطعها لك، فكذا مرة يفعل ذلك، فقال: عروة ما أفظّك وأغلظك!! من هذا يا محمد، مين البني آدم ده، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة، فقال: أي بُطَر إنني لم أغسل عنك سوءتك إلا بالأمس، المغيرة ابن أخو عروة بن مسعود، خرج مع قومٍ من ثقيف فبين هم نيام، 13 بني آدم، إذ قتلهم جميعاً وأخذ أموالهم، قتل 13 بني آدم وأخذ الفلوس، فذهب إلى المدينة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم وأعطاه المال فقال صلى الله عليه وسلم: أما الإسلام فأقبل وأما المال فلست منه في شيء، هذا المال الذي جاء من غدرٍ أنا لا أقبله، فلما قتل هؤلاء الرجال تثاور الناس في ثقيف دول 13 واحد من بني مالك فجعل هؤلاء ينافر بعضهم بعضاً، البلد هتولّع، فجعل عروة في عنقه أن يدفع ديات هؤلاء القتلى، ألف و300 جمل فهو يقول، إنني منذ أن فعلت هذا وأنا أسعى في دفع هذا المال لم استتم في قضاء هذه الديون إلا بالأمس، ثم يقول عروة أنه جعل يرمق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآى منهم أمراً عجباً، فعاد إلى قريش فقال: لقد دخلت على كسرى في ملكه ودخلت على قيصر في ملكه ودخلت على النجاشي في ملكه، فلم أر ملكاً يعظمه أصحابه كما يعظم أصحاب محمد محمداً صلى الله عليه وسلم، يقول: فوالله ما تنخّم نخامة إلا وقعت في كفّ أحدهم فيدلك بها وجهه وجلده وإذا أمر بأمر ابتدروا أمره، سارعوا في امتثاله، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، فضل الماء الذي توضأ به يتبركون به ويغسلون به وجوههم وإذا تكلّم خفضوا أصواتهم ولم يحد أحد منهم النظر إليه تعظيماً له، يغضّون أبصارهم بين يديه صلى الله عليه وسلم، والله لا أرى هؤلاء يسلمونه لشيء أبداً فأروا رأيكم، شوفوا أنتو هتعملوا ايه.
فهاهنا عروة بن مسعود رضي الله عنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنه ما يرى هؤلاء إلا أوشاباً حريٌّ أن يفروا ويدعونك، فاستغضب أبوبكر رضي الله عنه لما قال، فإن هؤلاء وإن كانوا لا ينتمون إلى أصل واحد إلا أن أصل ولائهم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وأصل حبّهم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم هو أقوى وأوثق عروة من أي ولاءٍ للقبيلٍ أو لعشيرٍ أو لفصيلٍ أو لجنسٍ أو جاه، وكان أول شاهد على ذلك أن هذا الذي هو المغيرة يتعامل مع عمّه بهذا الأسلوب وبهذه الطريقة ليبيّن له أن حبّه وولاءه وتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم يربو على كل حبٍ وكل ولاءٍ وكل تعظيم، ثم لما رمقهم في حالهم مع نبيّهم صلى الله عليه وسلم رأى عجباً أثّر في قلبه، فعاد إلى قريشٍ يخبرهم بخلاف ما أراد أن يوهم أهل الإسلام في خطابه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبل هذا بسنتين أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من أصحابه إلى قوم من العرب يعلّمونهم الإسلام ويقرؤنهم القرآن، فغدروا بهم وأسروا بعضهم وأسلموهم إلى قريش باعوهم لهم لكي يقتلوهم ببعض من قتل من قريش في يوم بدر، فوقع زيد بن الدسنة رضي الله عنه في يد صفوان بن أمية فأخرجه من الحرم إلى التنعيم مع غلام له اسمه نصطاس لكي يقتله بأبيه الذي قتل في يوم بدر؛ لأنه لا يمكنه أن يسفك دمه في المسجد الحرام، يعني هو بره في الحل يبئه حلال وفي الحرم هيبقى حرام، هوه هنا مش هينفع أنا بس هطلع بيه كده مترين بره مكّة وهنا خلاص ميبقاش فيها مشكلة، يعني القتل هاهنا لا يجوز وبعد خطوات القتل هنا جائز لا ضرورة فيه، فلما همّوا بقتله رضي الله عنه، قال لهم أبوسفيان وهو سؤال عجيب؛ قال يا زيد: أتحبُّ أن محمد صلى الله عليه وسلم هاهنا مكانك يضرب عنقه وأنت في أهلك، يعني تفاديه أو تفدي نفسك بيه، تحب إن يبئه هو اللي هيقتل وأنت آمن وسالم في بيتك؟
قال زيد: والله ما أحب أن محمداً صلى الله عليه وسلم في مكانه الذي هو فيه الآن تصيبه شوكة وإني جالس في أهلي، يعني تطلقوا صراحي في مقابل إن هو مجرد أن شوكة تؤذيه في قدمه فإني لا أقبل ذلك بل أُقدم عنقي لئلا تصيبه شوكة، فقال أبو سفيان: والله ما رأيت أحدًا من الناس يحب أحدًا كحب أصحاب محمد لمحمد صلى الله عليه وسلم.
في معجم الطبراني عن عائشة رضي الله عنها ” جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنك لأحب إليَّ من نفسي وإنك لأحب إليَّ من أهلي وإنك لأحب إليَّ من ولدي وإني لأكون في البيت – قاعد في بيته مع أهله ومع أولاده – وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيَ فأنظر إليك، وإني إذا ذكرت موتي وموتك صلى الله عليه وسلم علمت أنك إذا دخلت الجنة رُفعت مع النبيين وإني إن دخلت الجنة إن قدَّر الله سبحانه وتعالى ومنََّ عليَّ بذلك خشيت ألا أراك – لتباين القدر والمنزلة – ، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يجد ما يرد به عليه، فنزل جبريل عليه السلام بقوله تعالى وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيمًا.
وفي الصحيح عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قيل يا رسول الله الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم – هو بيحبهم بس هو مقصر – لا يرقيه عمله إلى أن يرتقي إلى منازلهم، فقال صلى الله عليه وسلم ” المرء مع من أحب ” ، وفي رواية الترمذي عن صفوان بن عسان رضي الله عنه قال: جاء أعرابي جهوري الصوت فقال: يا محمد الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم فقال صلى الله عليه وسلم: ” المرء مع من أحب ” ، وقد تقدم معنا مرارًا حديث أنس رضي الله عنه في البخاري إذ قال: بينما أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم خارجين من المسجد لقينا رجل عند سدة المسجد – عند الباب – فقال: يا رسول الله متى الساعة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: وما أعددت لها؟ قال أنس: فكأن الرجل استكان، وقلنا إنه يسأل عن أمر لا فائدة له في علمه إذ أنه إذا كانت الساعة اليوم أو غدًا أو بعد غد فإنما ما ينفعه ما يتجهز أو يستعد لها، فهو صلى الله عليه وسلم يعلمنا أن نسأل ونستفهم عما ينفعنا ولا نسأل ولا نستفهم عما لا نفع لنا في السؤال عنه ولا في معرفته مع أنه أمرًا قد اختص الله عز وجل بعلمه وأن قيامة هذا العبد سابقة لقيام العباد جميعًا فموته أدنى من يوم القيامة فعليه أن يتجهز ليوم موته ولقاء ربه سبحانه وتعالى، فيقول أنس: فكأن الرجل استكان، لم يكن قد أعد ذهنه لهذا السؤال فحينما فكر في إجابته لم يجد ما يقول، ثم قال : والله يا رسول الله ما أعددت لها كثير صلاة ولا صيام ولا صدقة غير أني أحب الله ورسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإنك مع من أحببت، قال أنس : فما فرحنا بعد الإسلام بشيء أشد فرحًا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل فأنت مع من أحببت، يقول أنس: فأنا أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحب أبا بكر وعمر وأرجو أن أحشر معهم وإن لم أعمل بمثل عملهم.
في مسند الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها أن أبا بكر رضي الله عنه لما حضرته الوفاة قال: أي يوم هذا؟، قالوا يوم الإثنين، فقال أبو بكر: فإن أنا مت من ليلتي فلا تنتظروا بي الغد – إذا أنا قدر الله سبحانه وتعالى فغادرت هذه الحياة بليلتي فلا تنتظروا وتجعلوني بين ظهرانيكم حتى تدفنونني غدا – يقول: فإن أحب الأيام والليالي إليَّ أقربها من رسول الله صلى الله عليه وسلم – يبقى عجلوا دفني – لكل يدفن إلى جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن أحب الأيام والليالي إليَّ أقربها من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا عمر في حديث في البخاري أنه بعدما طعن رضي الله عنه وأُيِسَ من نجاته قال لعبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين قال: انطلق إلى عائشة أم المؤمنين فاستئذن عليها – أي في بيتها في حجرتها – وقل يقرأ عليكي عمر السلام ولا تقل أمير المؤمنين فإني لست اليوم للمؤمنين أميرًا، وقل يستأذن عمر أن يدفن مع صاحبيه، فذهب ابن عمر فسلم واستأذن ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي، المدينة كلها في حزن وبكاء لِما أصاب عمر رضي الله عنه، فوجدها قاعدة تبكي، فقال يقرأ عليكي عمر بن الخطاب السلام ويستأذن في أن يدفن مع صاحبيه، فقالت عائشة: كنت أريده لنفسي – أن تدفن مع زوجها صلى الله عليه وسلم ومع أبيها رضي الله عنه في حجرتها فإنما دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث مات – قالت: كنت أريده لنفسي ولأثرنه اليوم على نفسي، فعاد ابن عمر إلى أبيه فلما أقبل عليه قالوا هذا عبد الله قد جاء، فقال عمر ارفعوني – مش قادر يتحرك – فأسنده رجل إليه – واحد رفعه كده شويه سنده عشان يتكلم – فقال لأبنه ما لديك؟ – متلهفا رضي الله عنه لسماع الجواب – ، فقال ابن عمر الذي تحبه يا أمير المؤمنين قد أذنت. فقال عمر: الحمد لله ما كان من شيئ أهم الي من ذلك. أن تأذن له في أن يقبر بجوار رسول الله وبجوار أبا بكر رضي الله عنه.
قال: فاذا أنا قضيت فاحملوني، ثم يخاطب ابنه ثم سلم واستأذن مرة أخري، وقل يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه، فإن أذنت – ده مره تانية – فإن أذنت فادخلوني وإن ردتني فردوني الي مقابر المسلمين.
رغم أنه قد سبق واستأذن واستروح لهذا الاستئذان، الا أنه علم أن هذا حق لها وإذنها لها أن ترجع فيه، فهو يريد أن يستوثق المرة تلو المرة، فإن أذنت فاسكنوني وإن ردتني فردوني إلي مقابر المسلمين.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.
الحمد لله رب العالمين.
قبل أن أنسي قد ذكرت في الجمعة الماضية حديث بين المقوقس وبين عباده بن الصامت الله رضي الله عنه اذ أراد المقوقس أن يطعن في نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما سأله عن القتال بين رسول الله – صلى الله عليه وسلم وبين المشركين، فأخبر أنه سجال ينتصر أحيانا وينتصرون عليه أحيانا.
وقد ذكرنا أن هرقل ملك الروم قد سأل هذا السؤال بعينه لأبي سفيان رضي الله عنه، فلما أجابه أبو سفيان بذلك أن الحرب بينه وبين قريش أو بين أعدائه من المشركين سجال ينال منهم وينالون منه، كان تعقيب هرقل أنه قال: كذلك الرسل تبتلي ثم تكون لهم العاقبة.
وذكرنا أن من حكمة ذلك أنه إذا كانت الهزائم تتوالي تتري علي أهل الايمان رتب ذلك أمرين شديدين عسيرين، أن يضطرب من يضطرب أو يشك من يشك، لأن الرسول ينبغي أن يكون مؤيدا من ربه سبحانه وتعالي. والثاني أنه حتي وإن لم يشك الشاك فان النفوس لضعفها لا تتحمل الضغط الدائم والقهر الدائم وتوالي الهزائم فكانت هكذا.
و إذا كانت نصراً دائماً دخل في ركب الايمان من ليس من أهله من أهل المصالح والمطامع طمعاً في متاع الدنيا. فكان لابد من هذه السنة ولكن تكون العاقبة في النهاية لأهل الايمان وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ كان هذا هو تفسير هرقل إن هذه سنة تنتهي إلي نصر الله سبحانه وتعالي لرسله واوليائه إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ.
وأما المقوقس فأراد أن يشكك ويطعن في النبوة، فقال أالنبي يهزم؟ ينفع النبي يدال عليه؟ فكان الجواب أالرب يصلب؟ اذا كنت تستجير في دينك أن الرب خالق الخلق الذي يمد الرسل بالنصر والذي ينصرهم أنه يتسلط عليه بعض خلقه فيؤذونه ويسبونه ويصفعونه، فأولي ثم اولي إن يحدث ذلك.
هو أصلا اللي كان بيتكلم مع المقوقس ما كانش عباده ابن الصامت، كان حاطب بن أبى بلتعة فلما رجع إلي عقلي أدركت أنه إنما كان حاطب بن أبى بلتعة، وأما عبادة ابن الصامت فكان حديثه مع المقوقس في أثناء فتح مصر في زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهذا الامر وإن لم يكن له كبير فرق ولا كبير أثر هى مش هتفرق، يعني في الحوار نفسه مش هيفرق اسم الصحابي، لكنها الأمانة لابد أن يعود المرء نفسه علي أن يحفظ الأمانه أولا، وأن يعود المرء نفسه علي ألا يستنكف أن يقر بأنه قد أخطأ في أي أمر إن كان اخطأ.
ذكرنا الحب ونثني بالصلاة.
قال أبى بن كعب رضى الله عنه والحديث فى سنن الترمذى، يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا بقي ثلث الليل الآخر، وقد ذكرنا قبل ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث في الصحيح، أخبر أن الله سبحانه وتعالي يدنوا من عباده دنوا زائدا حين يبقي ثلث الليل الآخر.
فيقول هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فاغفر له؟
هل من كذا؟ هل من كذا؟ حتي يطلع الفجر، فهو وقت تستجاب فيه الدعوات ويتقبل الله سبحانه وتعالي فيه رجاء من يرجوه، فكان إذا جاء هذا الوقت.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ايها الناس اذكروا الله اذكروا الله جاءت الراجفه تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه جاء الموت بما فيه، قال ابن ابن كعب قلت يا رسول الله ويكانه في ذلك الوقت دعاء يدعو به، فقال أبى قلت يا رسول الله إني أجعل لك من صلاتي أي من دعائي، فكم أجعل لك منها يعني مقدار قد إيه منها يعنى الوقت اللى أنا مخصصه للدعاء اجعله في الصلاة علي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال صلى الله عليه وسلم: ماشئت. قال: الربع؟ قال: ما شئت وإن زدت ! فهو خير لك، قال: فالنصف. قال: ما شئت وإن زدت فهو خير لك. قال: فالثلثين. قال: ما شئت وإن زدت فهو خير لك. قال: أجعل صلاتي كلها لك. فقال صلى الله عليه وسلم: إذا تكفي همك ويغفر لك ذنبك.
هو يقول رضي الله عنه أنه يخصص وقتاً في هذا الثلث الأخير يدعوا ويرفع يديه لله سبحانه وتعالى فيسأل ويطلب ويرجو بما يشاء ويجعل جزء منه في الصلاة علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو يريد أن يخصص مقداراً معين فهو يسأل اي مقدار؟ ربعاً نصفاً، وكلما سأل قال له صلى الله عليه وسلم ما شئت مرد الأمر إليك ولكن كلما زدت فهو خير لك فقال :أجعل صلاتي كلها لك, يبقي إذن الصلاة هنا معناها ايه؟ معناها الدعاء هذا المعني اللغوي لكلمة الصلاة.
ثم فرض الله سبحانه وتعالى علينا عبادة وسماها صلاة, هذا المعني الذي سماها الله به له إرتباط وله أصل بأصل معناها في لغة العرب أن الدعاء ركن ركين من أركان الصلاة, ولذلك سميت الصلاة بأسم الدعاء لأن الصلاة كما أخبر الله تبارك وتعالى وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي لذكر الله سبحانه وتعالى ودعاءه والتضرع إليه, كما أن الله سبحانه وتعالى سمى الزكاة العبادة المفروضة في أموال المسلمين سماها زكاة وأصلها في لغة العرب النماء والطهرة, ويكأن هذه العبادة أراد الله سبحانه وتعالى أن يبين لنا أو يعلمنا أن هذه العبادة التي هي إخراج الزكاة إنما هي إنماء وتطهير خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ صلى عليهم أي أدعو لهم, ولذلك قال عبد الله بن أوفي رضى الله عنه والحديث في الصحيح قال: كان الرجل إذا أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقته قال صلى الله عليه وسلم: اللهم صلى بصدقة قومه قال اللهم صلى عليهم, فأته أبي بصدقته فقال: اللهم صل على آل أبي أوفى.
يبقي إذن وصلى عليهم أي أدعو لهم, فهو يدعوا الله سبحانه وتعالى أن يصلى عليهم.. أن يثنى عليهم في ملأه الأعلي سبحانه وتعالى وأن يحط عنهم وأن يكفر عنهم من خطاياهم.
فإذاً الصلاة يقصد بها هنا الدعاء, كما في حديث أبو هريرة قال صلى الله عليه وسلم: إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ ,واحد دعي إلي وليمة فلئلا يحزن الداعي عليه أن يجيب قال: فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ وَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ, يعني لو هو مش صايم هياكل, طب لو هو صايم فليصل أي فاليدعوا لهؤلاء بالبركة.
فأبي رضى الله عنه يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم أُحيل الدعاء كله إلي صلاة يعني أنا لا أطلب شيئاً وأقتصر وأكتفي بهذه الصلاة فقال صلى الله عليه وسلم: فإذا فعلت إذن تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ., طب هو الدعاء اللى يدعوه مأله كده في النهاية, ولذلك ربما كان ثناء العبد علي الله سبحانه وتعالى وربما كان صلاته علي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبلغ أثراً وأعظم ثواباً وعائدً وأجراً من أن يدعوا ويسأل لنفسه.
ولما كنت الصلاة بهذه المثابة وبهذه المنزلة أمرنا الله تبارك وتعالى بها فقال منوهاً بفضله ومكانته في الملء الأعلى صلى الله عليه وسلم قال إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ثم أمرنا فقال يا أيها الذين آمنوا إذا كنتم آمننتم صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا فلما نزلت قال الصحابة يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك, فكيف نصلى عليك إذا نحن صلينا في صلاتنا قال فقولوا: اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك عل محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
إذن الصلاة علامة علي الحب..الصلاة معيار للرفعة والقرب, هذه الصلاة يكفي بها العبد الهم ويغفر له بها الذنب.
ولذلك جعلت واجبا موضوعاً علينا في صلاتنا, قبل أن نخرج من الصلاة بالتسليم أن نتختمها بهذه الكلمات: نسأل الله سبحانه وتعالى أن يصلى ويثني علي رسوله صلى الله عليه وسلم ثم أن يدخلنا في زمرة هؤلاء المستحقين للصلاة, اللهم صلى علي محمد وعلي آل محمد, والآل هم الأتباع, الذرية والأصحاب لكن الآل بالمعني العام هنا هم الأتباع, فنحن ندعو الله سبحانه وتعالى أن يثني ويرفع قدر نبيه صلى الله عليه سلم رفعاً زائدة ونساله سبحانه وتعالى تبعاً أن يدخلنا في زمرته, اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد, فنحن نسأله سبحانه وتعالى كما من علي إبراهيم عليه السلام أن يمن على نبيه من ذريته وعلينا من بعده, إنك حميد مجيد هو سبحانه وتعالى أهل للحمد وأهل لأن يَحمد من يثني عليه ويثني علي أوليائة من عبادة, مجيد أهل للشرف والرفعة والإجلال والإكرام سبحانه وتعالى.
ثم نثنى فنقول اللهم بارك علي محمد, والبركة هي الخير الدائم الثابت الذي لا ينقطع, اللهم بارك علي محمد وعلي آل محمد كما باركت علي آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.
اللهم صل على محمد صلى الله عليه وسلم في الأولين، وصل على محمد صلى الله عليه وسلم في الآخرين، وصل على محمد صلى الله عليه وسلم في الملأ الأعلى إلى يوم الدين.
اللهم صل على محمد صلى الله عليه وسلم في الأولين، وصل على محمد صلى الله عليه وسلم في الآخرين، وصل على محمد صلى الله عليه وسلم في الملأ الأعلى إلى يوم الدين.
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات, وحب المساكين, وأن تغفر لنا ترحمنا وتتوب علينا, وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين.
اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب عملٍ يقربنا إلى حبك.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.