إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.
إنه من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا الله الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ للَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ للَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
ثم أما بعد ،،،
كنا في الجمعة الماضية نتحدّث عن طبيعة القلب وذكرنا أن النبي – صلى الله عليه وسلم – بيّن أن الصفة الأساسية لهذا القلب أنه يتقلّب، وهذا ما معناه؟ معناه أن الإنسان في العادة لن يكون في حالة استقرار، هو دائماً عرضة للتقلب وللتغيّر، أهواء الإنسان تتغيّر، ميوله تتغيّر، أفكاره تتغيّر، اتّجاهاته تتغيّر، أولويّاته تتغيّر، هي لا تستقرّ، الإنسان لا يستقرّ على حال.
هذا القلب لماذا قلنا أننا نتكلّم عليه، لأن سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – الرسول القدوة المعلّم وجّهنا إلى أن هذا القلب هذا هو الذي عليه مدار الصلاح أو الفساد عياذاً بالله للإنسان، السلوك، الممارسة الأخلاق، التعاملات كل هذه الأشياء إنما هي موقوفة على حال القلب، هذه المضغة كما قال – صلى الله عليه وسلم – وقلنا هذا كثيراً، ولا نملّ من تكراره ” إذا صلحت ” لماذا لا نملّ من تكراره؟ لأن الإنسان في النهاية عقله يقوده أن يكون منتهى سعيه أن ربنا يصلح حاله، وأكثر شيء يقلق منه أن يفسد حاله، وبالتالي يكون عرضة للشقاء في الأولى والآخرة، فالنبي – صلى الله عليه وسلم – يقول أن ميزان الصلاح وميزان الفساد للإنسان إنما يتوقّف على هذه المضغة وأحوالها، إذا كنت أنا سأسعى لإصلاحها وأحاول أتجنّب إفسادها، لا يمكن أن يتمّ هذا إن لم أكن أفهم ما هذه، هي مم تتكون، ما الصفات التي تتصف بها، كيف أبدأ في إدارتها أو أتعامل معها.
فالنبي – صلى الله عليه وسلم – يقول ” لقلب ابن آدم أشدّ تقلّباً من القدر إذا استجمعت غلياناً ” هو دائماً يغلي ويتقلب ويتغيّر، كيف كان يواجه النبي – صلى الله عليه وسلم – هذا، كيف يحاول أن يحلّ هذه المشكلة؟ أعظم شيء يتمسّك به ويلتجئ إليه.. التضرّع إلى الله ” اللهم يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك ” ” إن قلوب العباد ” كل الناس ” بين إصبعين من أصابع الله إن شاء أن يقيم أقام وإن شاء أن يزيغ أزاغ ” إذاً صفة القلب الأساسية أنه يتغيّر.
يبقى الإنسان عندما يشعر أن أحواله متموّجه فهذا شيء طبيعي، الشخص أحياناً يصلي ركعتين، هاتين الركعتين أثمرا شيء من الثمرة، وهو يشعر بشيء من السكون، – ممكن مفيش ربع ساعة – عمل شيء، أو تكلّم مع أحد، فكّر في شيء، جاءت له وسوسة،، يجد الإنسان نفسه انقلب وحالته تغيّرت، ونفسيّته اضطربت، وهو لا يعرف ماذا حدث،، فهل أنا في الحقيقة أملكه أم إنه مملوك لربنا – سبحانه وتعالى – ، إذا كنت أعتقد أنني أنا المالك له، فأنا لم أفهم، هو مملوك لربنا – سبحانه وتعالى – وأنا أتوجّه إلى ربنا – سبحانه وتعالى – خالق وبارئ ومالك القلوب أن يجعلها تستقرّ في محلّ الإيمان ” ثبّت قلبي على دينك ” وقلنا أنه قال في حديث عبد الله بن عمرو ” صرّف قلبي على طاعتك ” التصريف هو التوجيه، فيسأل ربنا – سبحانه وتعالى – أن يصرّفها ويوجّهها نحو الطاعة، وقلنا لماذا قال ” على ” فالأصل أنها تصرف إلى، تصرف إلى جهة، تصرف عن وتصرف إلى،، صرّف قلبي على طاعتك،، كأن النبي – صلى الله عليه وسلم – دعا دعوتين في دعوة واحدة، صرّف قلبي إلى طاعتك وثبّتها على طاعتك، فهو استبدل حرف الجر إلى بعلى، هذا يسمّوه في اللغة ” تضمين ” أن تستخدم حرف جرّ لكي يشير إلى فعل آخر، إلى طلب آخر، إلى دعاء آخر أنت أخفيته في وسط ما تتكلم عنه، فالنبي – صلى الله عليه وسلم – هو في هذه الكلمات هو حقيقةً طلب طلبين، عندما يقول ” صرّف قلبي على طاعتك ” أي صرّف قلبي أو اصرف قلبي إلى طاعتك ثم اجعله يستقرّ عليها، يثبت عليها، يسكن إليها، هذا القلب.
ربنا – سبحانه وتعالى – عبّر عن القلب في مواضع عديدة باسم الفؤاد، ما الفرق بين الاثنين، – لما ندخل جوا شوية – كلمة الفؤاد تعبّر عن طبيعة القلب، إذاً هذا القلب الذي يتقلّب له طبيعة، هذه الطبيعة تنطوي على شيئين، ” دائب الحركة والاضطّراب ” ” قابل للتحرّق والاشتعال ” شيئين، نحن قلنا أن كلمة التفأّد، قلنا أنها ذكرت في معاجم اللغة أنها تدلّ على التوقّد والحمى والحرارة، وأنها أيضاً تدلّ على الحركة والتحريك.
إذاً عندما أقول ” الفؤاد ” فأنا عمّ أتكلم؟ أتكلم عن صفتين للقلب؛ الاضطراب إذا انفعل أو غضب الشخص؛ يضطّرب وقلبه ينبض بقوّة، وإذا تعلّق وأحب فنفس الفعل، فعندما يغضب يغلي، وعندما يتعلق بشخص ترتفع حرارة القلب.
إذاً عندما نتكلم عن الفؤاد، فعمّ نتكلم؟ نتكلم عن محلّ الاضطراب والحركة، وعن محلّ التوقّد والاشتعالن هذا الفؤاد هو الشيء الذي يتعامل مع المدخلات المسموعة والمرئية، فالإنسان في النهاية مع ماذا يتفاعل؟ يتفاعل مع أشياء يسمعها وأشياء يراها، محل هذا التفاعل هو الفؤاد، فنحن ذكرنا الجمعة الماضية قول ربنا – سبحانه وتعالى – وَالله أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا فالإنسان عبارة عن أجهزة، هذه الأجهزة خلّو من المعرفة، لكن بها فطرة مثلما قال ربنا، الفطرة ما هي؟ توجّه الإنسان لله، إحساس الإنسان بالحاجة للبحث عن الله، ووراء هذا، إذاً الفطرة عبارة عن ماذا؟ عبارة عن توجّه، فالإنسان بطبيعته يريد أن يبحث عن الله، يريد أن يذهب لربنا – سبحانه وتعالى – ، لكنه كيف يسير، هو لا يعرف، ماذا سيفعل؟ هو لا يعرف، ولذلك كان محتاج ان ربنا – سبحانه وتعالى – ينزل إليه وحياً وكتاباً وتوجيهاً على لسان رسوله – صلى الله عليه وسلم – لكي يقول له كيف يسير، كيف سيتحرك لله – سبحانه وتعالى – وعلى أي صورة وعلى أي كيفية، ما الذي سيهتمّ به وما الذي سيتجنّبه، ما المسلك الذي سيسلكه وما الأشياء التي من المفترض أن يحذرها أو يبعد عنها وَالله أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ مصادر المعرفة للإنسان؛ السمع، والأخبار والتاريخ، ومنه نصوص الوحي، والبصر كل ما يعتمد على ملاحظة أو تجريب، فالعلم في النهاية هو عبارة عن علم متناقل مسموع موروث أو علم الإنسان اكتسبه عبر الممارسة وعبر التجربة.
الفؤاد هو الشيء الذي يتفاعل مع المسموعات والمرئيات، هو الذي سيترجم، الذي سيستقبل ويتفاعل ويفكر، الفؤاد هو محل الفكر ومحل التفاعل، فما الثمرة؟ أن نضع أنفسنا في دائرة الشكر لله – سبحانه وتعالى – وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لماذا؟ لكي نفهم ولكي ندرك، هذه هي الغاية القريبة، ولكن هناك أمر بعيد، أن ندرك نعمة ربنا علينا فنشكرها وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ثم عقّب فقال – سبحانه وتعالى – قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ إذاً مش معظمنا نجح في الاختبار، مش معظمنا حقق الغاية، مش معظمنا توجّه للشكر اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ليس الكثير وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ إذاً الفؤاد هو الشيء الذي أعطاها لي ربنا لكي أترجم ولكي أشكر، فإذا لم أفعل ذلك وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ إذاً أين كانت المشكلة، ليس أن الأدوات ليست موجودة، ولكن الإنسان كان غافل، ما معنى غافل؟ غافل أي تائه، هو لا يعرف هذه الأشياء ماذا يفعل بها، هو ليس لا يستخدمها، هو يستخدمها، ولكنه يستخدمها في غير السبيل الذي وجّهه ربنا – سبحانه وتعالى – أن يستخدمها فيه، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا الله إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا الله فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ فـفَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ لا يوجد من ينسى نفسه، لا أحد ينسى مصالحة التي يعتقد أنها أساسية، لا أحد ينسى محبوباته التي يعتقد أن سعادته فيها، لا أحد ينسى أهواؤه التي تميل إليها نفسه، فكيف يكون نسى نفسه؟ حقيقتها وحقيقة ما يصلحها ويسعدها في الأولى وفي الآخرة، نتيجة لماذا؟ لأنه نسى ربنا – سبحانه وتعالى – وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا الله فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ الله وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ إذاً ربنا – سبحانه وتعالى – آتانا هذا الفؤاد عشان يحصل ايه؟ لكي نضعه في دائرة التفكّر في دائرة معيّنة، هذا الفؤاد محلّ التعلّق والحبّ، لكي الإنسان يعرف ربنا – سبحانه وتعالى – ، فيتعلّق قلبه بالله – سبحانه وتعالى – ، فيحب ربنا – سبحانه وتعالى – ، فإذا لم يفعل ذلك،، ولذلك الفؤاد هذا محلّ تركيز الشعراء والزجّالين والمغنين، كل ما يتعلّق بالحب والعشق هو محله في الفؤاد، لماذا؟ لأن هذا الذي يتفاعل وهذا هو الذي يشتعل وهو الذي يحترق، وهذه مشاعر حقيقية وليست وهمية، لكنها غالباً ما تكون في غير سبيل، ولذلك دائماً الشكاية تكون من الأثر السلبي لهذا على الإنسان، الأثر السلبي أن الإنسان يضع مشاعره ومحبّته، صبابته في غير المحلّ الذي وجهه ربنا – سبحانه وتعالى – إليه.
الإنسان إذا تعلّق قلبه بربنا – سبحانه وتعالى – ، إذا أحبّ ربنا – سبحانه وتعالى – وهو أهل لأن يُحب – سبحانه وتعالى – حينئذٍ تستقرّ مشاعر الإنسان، ويكون ما حولها من علاقات هي علاقات تتقطر على وفق الصورة التي وضعها ربنا – سبحانه وتعالى – للإنسان، فإذا لم يكن؟ لو الإنسان جعل تعلّق قلبه بغير ربنا – سبحانه وتعالى – ماذا يحدث؟ يحدث الاضطراب ويحدث التوقّد والاشتعال الذي لا يملك له إصلاحاً.
ولذلك الإنسان لابد أن يعلم أن هذا الفؤاد الذي أنعم الله عليه به كيف يتعامل معه.
المجنون وهو يعبّر عن الاضطراب يقول: كأن القلب ليلة قيل يغدا بليلى العامرية أو يراح قطاة عزّها شركٌ فباتت تجاذبه وقد علق الجناح
هو يصف قلبه وه يقولوا أن ليلى تعزّل، كيف يكون حاله، فيقول مثل قطاة ” حمامة ” وقعت في مصيدة علّقت فيها جناحها، فهي طوال الليل ترفرف لكي تستطيع أن تخرجه لا تستطيع أن تخرجه، فجناحها معلّق، فهي تريد أن تطير ولا تستطيع، فكيف تفعل؟ تضطرب،، فهو هنا ماذا يصف؟ يصف التفأد الذي هو الاضطراب.
والمتنبي – وهذه الأشياء كثيرة لكنه مجرّد تمثيل – وهو يقول: واحرقلباه ممن قلبه شبم ومن بجسمي وحالي عنده سقم،، هو مم يشتكي؟ يشتكي من الحرارة التي يشتعل بها قلبه لشخص في المقابل هذا الشخص قلبه بارد تجاهه لا يشعر إزائه بالمشاعر والاحتراق الذي يشعر به، فهذا القلب أو هذا الفؤاد هذه صفاته، فكيف يسكن وكيف يهدأ وكيف يطمئن، النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو داخل الصلاة، يكبّر ثم يدعو ” اللهم بعد ما بين خطايايا كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقّني من خطايايا كما ينقّى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطايايا بالماء والثلج والبرد ” إذاً الخطايا والمعاصي لأنها على درب النار أو على طريق النار عياذاً بالله، ماذا تفعل في القلب؟ تصيبه بالحرارة والاشتعال، هو يدعو ربنا – سبحانه وتعالى – أن يغمره بالتوبة والرحمة والمغفرة لماذا؟ لكي يصيبه البرد ” اغسلني من خطايايا بالماء والثلج والبرد ” وأما الاضطراب الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ الله أَلَا بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ الله ذَلِكَ هُدَى الله يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ لم يقل قلوب تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ من خشية الله، وبعد ذلك؟ وبعد ذلك تتوالى الآيات ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ الله ذَلِكَ هُدَى الله يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
الحمد لله رب العالمين.
يقول الله – تبارك وتعالى – وَأَقْسَمُوا بِالله جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ الله وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ يخبر – سبحانه وتعالى – عن أناس أقسموا بأيمان مغلّظة أنهم إذا جاءهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بآية أنهم يؤمنون بها، لكنه – سبحانه وتعالى – يجيب ويعقّب، يقول وَمَا يُشْعِرُكُمْ وما يدريكم أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ سيستمرّوا على ما هم عليه من تكذيب، لماذا وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ فنحن قلنا أن هذه هي محلّ التعاطي، محل التجاوب مع المسموعات ومع المرئيات، هذه الآيات هم سيبصروها، عندما يبصروها كيف ستنطبع في قلوبهم؟ هل سيستجيبوا، ربنا – سبحانه وتعالى – يقول لا وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ لماذا كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ الله وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَفربنا – سبحانه وتعالى – يذكر عن أناس هم يعتقدوا، يعتقدوا أن أفئدتهم وقلوبهم في أيديهم، وعندما تأتي الآية هم سيقرروا أن يؤمنوا بها، ولكن ربنا – سبحانه وتعالى – يقول لا لأنهم مرّ عليهم كثير من الآيات، فكيف استقبلوها، كيف استقبلت أفئدتهم هذه الآيات؟ بالردّ والتكذيب، فكانت العقوبة أن أفئدتهم لا تستقرّ بعد ذلك على حق، تظلّ عياذاً بالله تتقلّب الأفئدة والباطل في وجوه الباطل، تتقلّب الأفئدة والباطل في وجوه الباطل جزاءً لهم على أنهم كفروا وجحدوا بآيات الله، وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ
وفي المقابل ربنا – سبحانه وتعالى – يقول الله نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍهذه صفة قلب المؤمن – ذكرناها قبل ذلك زمان وسنعيد الكلام عليها إن شاء الله فيما يستقبل – لأن هذه الآية هي التي تمثّل أو تبيّن أو ربنا – سبحانه وتعالى – يوضّح فيها ما هي صفة قلب المؤمن كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي الله لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ الله الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَالله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ الله وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَار يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَار لِيَجْزِيَهُمُ الله أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالله يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ الله وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ما الذي جعلهم يفعلون ذلك؟ ربنا – سبحانه وتعالى – تكلّم عن صفة القلب المؤمن، قلب المؤمن هذا أين تجده؟ إذا أحببت أن تبحث عنه أين تجده؟ تجده هنا – في المسجد – إن لم تجده هنا لن تجده في الخارج، إن لم يوجد هنا فلن يوجد في الخارج فِي بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ صفة أصحابه، هذه الصفة ما الذي حملهم على هذا، ما الذي جعل هؤلاء على هذه الصفة المحمودة الممدوحة من الله – تبارك وتعالى – هذا هو يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ
إذاً ربنا ذكر أناس قال وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ وذكر أناس قال أن هؤلاء الناس إنما حملهم على ما هم عليه هذه الخشية، خشية لقاء الله، خشية اليوم الذي يقف فيه العباد بين يدي الله – تبارك وتعالى – وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ هذه الخشية لهذا اليوم الذي تتقلب فيه القلوب والأبصار هي التي حملت هؤلاء على ما وطّنوا أنفسهم عليه وبالتالي هي التي كفلت لهؤلاء هذا الجزاء العظيم من الله – تبارك وتعالى – ، أن ربنا – سبحانه وتعالى – لِيَجْزِيَهُمُ الله أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالله يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ إذاً نحن الآن نتكلّم عن القلب، هذا القلب خطورته أنه ليس مستقرّ، الذي سيمنحك الاستقرار هو ربنا – سبحانه وتعالى – ، خطورته أنه لا يهدأ، الذي سيمنح هذا هو ربنا – سبحانه وتعالى – ، ولذلك نختم بهذا التوجيه، وهذه البشارة وهذا الدعاء النبوي.
سيدنا عليّ رضي الله عنه أراد – صلى الله عليه وسلم – أن يرسله إلى اليمن قاضي، فقال: ” يا رسول الله تبعثني إلى قومٍ وأنا حدث السنّ ” سنه صغير ” ولا علم لي بالقضاء ” أنا عمري ما تولّيت هذه المهمّة قبل ذلك وليس لي دراية بها، أنا ليس لديّ خبرة أو تجربة في هذا الشأن وهذا أمر عظيم الخطر ليس سهلاً، الفصل بين الناس في دماءٍ أبشارٍ وأعراضٍ وأموال ليس أمر بسيط، فهو قلقان، وخائف، فيقول له أنه سنّه صغير، 33 سنة، سنه صغير هذه 33 سنة فهو يقول له أنه قلقان، فالنبي – صلى الله عليه وسلم – وضع يده على صدره وقال ” إن الله مثبّتٌ قلبك وهادٍ فؤادك ” قال ” إن الله مثبّتٌ قلبك وهادٍ فؤادك ” ” إن الله مثبّتٌ قلبك وهادٍ فؤادك ” القلب محتاج للتثبيت، والفؤاد محتاج للهداية، القلب محتاج تثبيت لأنه يتقلّب، والفؤاد الذي يستجيب ويستقبل ويتفاعل من الممكن أن يميل هكذا أو هكذا محتاج أن ربنا يهديه وأنّ ربنا يسدده، أن ربنا – سبحانه وتعالى – يضعه على الطريق، أنّ ربنا – سبحانه وتعالى – يرزقه حقيقة المرضاة، ” إن الله مثبّتٌ قلبك وهادٍ فؤادك “
وقال – صلى الله عليه وسلم – ” أتاكم أهل اليمن ” وفود قادمة وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ الله أَفْوَاجًا كل القبائل قادمة، لكن النبي – صلى الله عليه وسلم – نوّه بقبيل واحد فقط، واحد فقط،، مزينة، أسد، تميم، غطفان، القبائل كلها ترسل وفود، لكنّ النبي – صلى الله عليه وسلم – نوّه بوفد واحد فقط، قال ” أتاكم أهل اليمن هم أرقّ أفئدةً وألين قلوباً، الإيمان يمانٍ والحكمة يمانية ” ” أتاكم أهل اليمن هم أرقّ أفئدةً ” من الآخرين، الآخرين معظمهم نسأل الله السلامة والعافية، قال: ” أتاكم أهل اليمن هم أرقّ أفئدةً وألين قلوباً، الإيمان يمانٍ والحكمة يمانية ” إذاً الإيمان مرتبط بالفؤاد والحكمة أيضاً مصدرها من هذا الفؤاد، ” هم أرقّ أفئدة وألين قلوباً ” في مقابل القسوة سنذكرها، ربنا – سبحانه وتعالى – ذكر في الكتاب كثيراً قسوة القلب ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ” هم أرقّ أفئدة وألين قلوباً ” وبالتالي ” الإيمان يمانٍ والحكمة يمانية “
اللهم اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في أمرنا، اللهم اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في أمرنا.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه
اللهم إنا نسألك علماً نافعا، وقلباً خاشعا، ولساناً ذاكرا، ويقيناً صادقا، وعملاً صالحاً متقبلا.
اللهم يا مقلّب القلوب ثبت قلوبنا على دينك
اللهم يا مقلّب القلوب ثبت قلوبنا على دينك
اللهم يا مصرّف القلوب صرّف قلوبنا على طاعتك وطاعة نبيّك – صلى الله عليه وسلم –
اللهم يا مصرّف القلوب صرّف قلوبنا على طاعتك وطاعة نبيّك – صلى الله عليه وسلم –
اللهم خذ بأيدينا إليك، اللهم خذ بأيدينا إليك، اللهم خذ بأيدينا إليك، وأقبل بقلوبنا إليك، وأقبل بقلوبنا إليك، وأقبل بقلوبنا إليك
اللهم ارحمنا فأنت بنا راحم ولا تعذّبنا فأنت علينا قادر، والطف بنا يا مولانا فيما جرت به المقادير واختم لنا بخاتمة السعادة أجمعين
اللهم متعنا اللهم بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا، أبداً ما أحييتنا، واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تجعل اللهم إلى النار مصيرنا، واجعل اللهم الجنة هي دارنا.
اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب كل عملٍ يقربنا إلى حبك
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم