إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا , يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
ثم أما بعد
فلازلنا مع حديث الحياة الطيبة والمجتمع النبيل نحاول أن نزيل الأغشية والحجب والحواجز والسدود التي تحول بيننا وبين تصور هذه الحياة الطيبة الجميلة التي أرادها الله عز وجل لعباده والتي كان يحياها أفضل الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام.
وكنا في الخطبة الماضية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يأخذ بيد الناس شيئاً فشيئاً خطوة خطوة برفق ولين إلى طريق ربهم تبارك وتعالى يجهد صلى الله عليه وسلم كل الجهد في أن يحول بينهم وبين معصية الله عز وجل وفي أن يأطر قلوبهم على طاعة الله عز وجل وعلى امتثال أمره وعلى اجتناب نهيه.
واليوم مع معلم أساس من معالم هذه الحياة الطيبة ومن معالم هذا المجتمع الطيب الصالح الفاضل.
هذه العلامة الأساس هي أعظم ما يميز هذا المجتمع وهي أعظم نعم الله عز وجل علينا أن يعيش الناس في معية الله عز وجل أن يسير هذا المجتمع في كلاءة الله عز وجل وحفظه أن يكون محفوظاً بحفظ القوي العزيز تبارك وتعالى وليس من نعمة ولا من منة يمن بها الله عز وجل على فئام من الناس أعظم من أن يحفظهم ويكلأهم ويرعاهم سبحانه وتعالى بعينه التي لا تنام قال الله عز وجل مخاطباً رسوله صلى الله عليه وسلم قال: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ فيأمره تبارك وتعالى وهو يخطو هذه الخطوة أن يتوكل على الله تبارك وتعالى أن يسند أمره لله ويرجع خطواته له تبارك وتعالى وأن يعتمد على الله عز وجل واثقاً بحفظه ورعايته ثم عقب الله تبارك وتعالى على هذا الأمر بالتوكل عليه قال: السَّمِيعُ الْعَلِيمُ السميع لأقوال الناس ما يسرون منها وما يعلنون العليم بما انطوت عليه قلوبهم وما أضمرته سرائرهم من خير أو من شر فأنت إذا توكلت على الله فهو حسبك كما قال الله تبارك وتعالى: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ثم قال تبارك وتعالى: وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ يظهرون سلماً ويبطنون خلافه فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ كافيك وحافظك هو الله تبارك وتعالى هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ , وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ
ثم بعد بضع آيات يقول الله تبارك وتعالى وقد ذكرنا هذه الآيات من عدة خطب سابقة قول الله تبارك وتعالى حينما كنا نتكلم عن توفيق الله وأن الله يعطي توفيقه لهذه القلوب الصالحة يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ , وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
قال الله عز وجل مخاطباً رسوله صلى الله عليه وسلم: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا فأعظم منن الله عز وجل على عباده أن يكلأهم ويحفظهم ويرعاهم قال الله عز وجل: إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ ثم علل صلى الله عليه وسلم هذه الوصية وهذه النصيحة لصاحبه رضي الله عنه بألا يحزن قال: إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ قال الله تعالى: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ معية الله عز وجل وكلاءته وحفظه لعباده المؤمنين إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ وفي مقابل ذلك: وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وفي مقابل ذلك: وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وفي مقابل ذلك: إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ وفي مقابل ذلك وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ.
فالله عز وجل مع المؤمنين مع المتقين مع المحسنين وهو سبحانه وتعالى لا يحب الظالمين ولا الخائنين ولا المفسدين فهذه أعظم منة يمتن الله عز وجل بها على عباده المؤمنين أن يحفظهم ويرعاهم وأنه سبحانه وتعالى هو الذي تكفل برد الكيد حين يكون هناك كيد قال الله تعالى: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا , وَأَكِيدُ كَيْدًا , فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ
فهذه هي أعظم منة ونعمة ولكن من الذي يستحق أن يؤتى هذه المنة من الذي يستحق أن يحفظ بهذا الحفظ الجليل الكبير إنهم عباد الله المؤمنون والمؤمنون فقط إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ونحن لا نحتاج لكي نمتع بهذه النعمة العظمى لكي نحيا في ظل كنف الله عز وجل وكلاءته وحفظه إلا أن نحقق هذا الوصف الذي أراده الله تبارك وتعالى إنه وصف الإيمان وصف الثقة بالله وصف التزام أمر الله وصف الاعتماد والتوكل على الله تبارك وتعالى وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا , وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا هذا أمر قريب سهل ميسر ولذلك فإن من يرفض هذه الكلاءة برفض شرطها من يرفض أن يتمتع بهذه النعمة العظمى التي أتاحها الله عز وجل له وهيأها له هذا هو أكفر الناس بنعم الله تبارك وتعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ هذا هو المعلم الأول والمحور الأول الذي نريد أن نبينه ونتكلم عنه, حفظ الله عز وجل لعباده المؤمنين وأن المؤمن إذا كان في حفظ الله لا يضره مكر ولا كيد من عبد كائناً ما كان هذا المكر حتى لو كان هذا المكر مما تزول منه الجبال, وأما المحور الثاني فهو قول الله عز وجل: وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ
قال الله عز وجل في سورة مريم: فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا, يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا, فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا, قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا هذا أول ما نطق به عيسى بن مريم عليه السلام وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا, وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا, وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا, ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ, مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ, وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ
فالله عز وجل وصف نبيه عيسى عليه السلام بأنه مبارك حيثما حل وحيثما ارتحل والبركة هي الخير الدائم الثابت المستقر, ففي وجوده وفي اتصاله بالناس وفي حركته إنما هو الخير والرفق والرحمة والبركة هذه صفة هذا النبي كما أخبر الله تبارك وتعالى ثم ذكر الله عز وجل صفة أتباعه الذين هم أتباعه حقاً فقال تبارك وتعالى لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ, وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ, وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ.
قال الله تبارك وتعالى إن هؤلاء الناس هم أقرب الناس مودة للذين آمنوا لأن منهم قسيسين وهم أهل المعرفة والزهد والرهبان هم أهل العبادة والتأله والتخشع والتضرع لله تبارك وتعالى وأنهم لا يستكبرون هم أهل تخشع وتضرع وإخبات وأنهم لأنهم لا يستكبرون عن الحق ولا يستكبرون على الخلق حينما يسمعون آيات الله تبارك وتعالى حينئذ يذعنون لها ويخضعون ولا يستكبرون ويؤمنون بما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم مما يعرفون وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ فإذا أنكر عليهم منكر قالوا وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا , وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا , وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا قال الله تعالى فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ هذا هو وصف هؤلاء في كتاب الله تبارك وتعالى أن هذا العلم والزهد يقودهم إلى الخشوع والإخبات أن هذه العبادة تقودهم إلى عدم الاستكبار وإلى الإخبات والخشوع وإلى التصديق والتسليم بما أنزل الله على قلب محمد صلى الله عليه وسلم وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ , ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً هذه صفتهم التي جعلها الله عز وجل في كتابه وهذا هو المعيار الذي تقَيَّم به الأمور ينظر به إلى الذين يصح أن ينتسبوا إلى الدين فعلاً والذين لا يصح أن ينتسبوا إلى الدين , إن الدين أي دين يدين به الإنسان لابد أن يرتب خلقاً وتهذيباً وخشوعاً وإخباتاً حقاً كان هذا الدين أو باطلاً, لأن العبادة والتأله تهذب نفس الإنسان وتورثه السكينة والتواضع وكل ما كان بعكس ذلك فلا يصح أن يكون عبادة ولا يصح أن يكون ديناً, فالله عز وجل وصف المسيح عليه السلام بأنه يمثل البركة حيثما حلت ووصف أتباعه بأنهم لا يستكبرون وبأنهم إذا عرض عليهم الحق فإنهم يقبلونه ولا يستنكفون عنه, هذا هو محور حديثنا الثاني.
وأما المحور الثالث والأخير فهو المورود المشؤوم, فإذن فإن الأول أن المؤمن يكون في كنف الله عز وجل وحفظه وحينئذ فإنه لا يضره مكر ماكر ولا كيد كائد وأن العلة حق العلة فيما نعيش فيه أننا قد بعدنا كل البعد عن هذه الكلاءة وهذا الحفظ وأن بعدنا عن كلاءة الله وحفظه هو الذي يستوجب لنا كل مصيبة وكل بلية , وأما الثاني فقوله تبارك وتعالى وجعلني مبارك أينما كنت ميزان يقَيَّم به الناس وتقَيَّم به الأمور ويقَيَّم به من ينسب إلى دين أو يصح أن ينسب إلى الدين ومن لا يصح أن ينسب إلى دين وأما الثالثة فعنوانها المورود المشؤوم حيي بن أخطب, حيي بن أخطب سيد يهود بني النضير في المدينة من الأحبار وعلماء اليهود, وبنو النضير هم أشرف بطون اليهود في المدينة وأعظمهم نسباً ينتسبون إلى هارون عليه السلام وأشرفهم شرفاً وأكثرهم مالاً وأرفعهم قدراً .
لما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة خرج حيي بن أخطب وأبو ياسر أخوه لرؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعرف صفته ،قال الله تبارك وتعالى الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ولذلك قال الله تبارك وتعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ, يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُون.
أتى حيي بن أخطب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عاد إلى بيته متثاقلاً كئيباً حزيناً، فأتت صفية ابنته رضي الله عنها، وكانت إذ ذاك صغيرة وكان أبوها وعمها يحبونها حباً شديداً، قالت: فلما أتيت إليهما في ذلك اليوم وجدت عليهما غمّاً شديداً حتى إنهم لم يعبئا بوجودي ولم يلتفتا إليّ، فقال أبو ياسر لأخيه: أهو هو؟ – هل هذا هو النبي الذي ورد صفته في الكتاب -، قال: نعم والذي نفسي بيده، قال: أتعرفه وتثبته، قال: أعرفه وأثبته، قال: فما تصنع معه؟ – ماذا يكون حالك معه بعدما علمت ما علمت ، وبعدما عرفت ما عرفت – ، قال : عداوته ما حييت.
أنظر فهو بعدما أقرّ على نفسه بأنه يعلم هذه الصفة حقاً وأن هذا رسول الله صدقاً قرن إلى ذلك أنه يعادي هذا الرسول وهو يعلم أنه رسول وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقّ هذا هو أول أمر، بعد معرفة الحق أنه يصر على معاداته ومحاربته، ثم لا يلتفت لذلك، أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم في جماعة من أصحابه يطلب منهم مساعدة مالية في دفع دية رجلين قُتلا خطأً من المشركين، وكان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد في الدفاع عن المدينة وأن يتواسوا في الأموال، فوعدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا، ثم أشاروا إلى رجلٍ منهم واسمه عمرو بن جحاش، أن يصعد فوق سطح البيت الذي يستند على جداره رسول الله صلى الله عليه وسلم فيطرح رحىً كبيرة على رأسه صلى الله عليه وسلم فيقتله، فجاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره الخبر، فقام ولم يكلم أحداً وانتظر الصحابة طويلاً لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عرضت له حاجة فسوف يعود، ثم لما استبطأوه عادوا إلى المدينة فوجدوه يخبرهم بهذا الخبر أنهم قد هموا بقتله وأرادوا أن يطرحوا الرحى على رأسه صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرهم أن يجمعوا أموالهم وأن يخرجوا من المدينة بعد عشرة أيام لأنهم قد نقضوا عهدهم وأرادوا قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينما هم يتجهزون لكي يخرجوا من المدينة ويجمعون أموالهم على رواحلهم أرسل عبدالله بن أبيّ رأس أهل النفاق في المدينة إلى حيي بن أخطب يأمره أن يثبت ولا يخرج، ويعده أنه سوف يمده بألفين من الرجال يدخلون معه في الحصن يموتون جميعاً بين يديه لئلا يصل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراده يغزه، فوقع هذا في قلب حيي بن أخطب موقعاً وعزم على أن لا يمتثل لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يخرج، وقال مخاطباً قومه: بل نرم حصوننا – نرمم الحصون التي نحن فيها – وندخل فيها ماشيتنا، ونجمع حجارةً فنجعلها في حصوننا وعندنا قوت يكفينا لمدة سنة والماء عندنا ماتنٌ – أي مستقرٌ لا ينقطع – وما أرى محمدًصلى الله عليه وسلم يحاصرنا سنة، فقال له سلّام بن مشكم، وكان رجلاً عاقلاً، قال له: قد نهيتك عن الغدر، فعصيتني وخالفتني وإنّا لنعلم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حقاً فإن كنّا لا نتّبعه لأنه ليس من ولد هارون – أي نحن لا نتبعه لأنه ليس من بني اسرائيل- فلنأخذ ما أعطانا من الأمان فنخرج على ما عاقدنا عليه، فقال حيي بن أخطب، إن عبدالله بن أبيّ قد وعدني أن يمدني بالرجال، فقال له سلّام إن قولة أبيّ ليس بشيء، هو يدعوك إلى أن تحارب محمداً ثم إذا حاربته فإنه يجلس في بيته ويتركك وليس هو من رجال يهود ولا على ديننا ولا على دين محمد، ولا على دين قومه، هذا الرجل ليس له دينٌ ولا معتقدٌ ولا ملّةٌ، يقاتل أو يضحي في سبيلها فهو لن يفي إلينا بعهد.
فقال حيي بن أخطب: أبت نفسي إلا معاداة محمد ومقاتلته صلى الله عليه وسلم، هو إذن رد الأمر إلى أنه من بغضه لرسول الله صلى الله عليه وسلم يصر على محاربته ومقاتلته، فقال له رجل يسمى سادوك بن أبي الحقيق، وهذا الرجل كان فيه شيء، في عقله شيء، كان فيه شيء من جنون، فقال مخاطباً حيي بن أخطب، قال: يا حيي إنك رجلٌ مشئوم تهلك بني النضير، فغضب حيي وقال كل بني النضير قد كلمني حتى هذا المجنون، فأخذه أخوته وضربوه، ضربوا هذا المجنون وقالوا: بل نتبع أمرك ولا نخالفك، فماذا كانت عاقبة ذلك؟
كان ما قصه الله تبارك وتعالى علينا فقال هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ ليس من النبي صلى الله عليه وسلم ولا من الصحابة مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ
ومن جعل الغراب له دليلا يمر به على جيف الكلاب
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
ولكن يأبى المشئوم حيي بن أخطب، يأبى إلا الاستمرار في المعاداة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولدينه، فيذهب إلى قريش يستعديهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتخرج قريش وغطفان في عشرة آلاف رجل يحاصرون مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم فصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم خندقاً حول الموضع الذي يأتيه منه المشركون، فأتى حيي بن أخطب إلى بني قريظة أولاد عمه وكان لهم عهدٌ وعقد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا يسكنون في الجانب الجنوبي من المدينة، فأرادهم على نقض العهد وعلى أن يحاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يتحالفوا مع قريش ومع غطفان، ففي المرة الأولى استعان بمنافقي المدينة وفي المرة الثانية استعان بالكافرين المشركين وجيوشهم التي تأتي لتحاصر المدينة.
فأتى حيي بن أخطب إلى كعب بن أسد سيد بني قريظة، وطرق عليه بابه فأبى كعب أن يفتح له وقال يا حيي إنك رجل مشئوم، أشأمت قومك وأنت تريد أن تهلكنا، وإن بيني وبين محمدٍ صلى الله عليه وسلم عهداً لا أريد أن أنقضه ولم أرى من محمدٍ إلا وفاءً وصدقا، فألحّ حيي على أن يدخل عليه فأبى كعب أن يفتح له حصنه، فقال له: افتح لي ولن آكل من ججيشتك شيئا فإنما تخشى على طعامك، يقول:افتح لي وأنا هدخل ومش هاكل ومش هشرب، انته شكلك بخيل فمش عايزني أكل واشرب، فأنا هدخل من غير ماكل واشرب، فأثار حفيظتهم أو احفظه ففتح له، يعني:احرجه بهذا الكلام لأنه وصفه بالبخل وأنه لا يريد أن يضيفه ففتح له، فجعل يكلمه، وقال يا كعب جئتك بقريش على رجالاتها وساداتها فأنزلتهم بمجمع الأسيال، وجئتك بغطفان على رجالاتها وساداتها فأنزلتهم بجانب أحد في عشرة آلاف رجل وألفي فارس على خيل دهمٍ، فقال له كعب: إن بيني وبين محمد صلى الله عليه وسلم عهداً لا أريد أن أخلفه، ولم أرى منه إلا وفاءً وصدقا، فلم يزل حيي بن أخطب يفتنه في الذروة والغاية، يعده ويمنيه حتى استجاب له فنقض عهده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم يستوثق منهم هل هم على عهدهم أم قد قاسوا هذا العهد، فسبوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا ليس بيننا وبين محمد عقدٌ ولا عهد صلى الله عليه وسلم، ثم قضى الله عز وجل قضاءه، وردّ هؤلاء الأحزاب لم ينالوا خيرا إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ -من حصونهم التي تحصّنوا بها-وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا فلم يزل به وبقومه حتى نقضوا العهد وحل بهم عذاب الله عز وجل وعقابه، فلما حصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم كعب بن أسد سيّدهم إني مخيركم بين ثلاث خصال، اختاروا واحداً من ثلاثة، الأولى:أن تدخلوا في دين محمد صلى الله عليه وسلم فوالله إنكم لتعلمون إنه لحق وإنه الذي بشر به في التوراة، قالوا: لا والله لا نريد بالتوراة بدلا ولا نغيّر ما فيها،يعني هم لايريدون حكم الله عز وجل هم لا يريدون التزام أمر الله إنما هم يريدون هذا الكتاب الذي يتمسكون به حتى لو كان الله عز وجل قد أنزل عليهم بعده كتاباً حقاً وصدقاً يدعوهم لاتباعه وإلى التزام ما فيه.
قال: فإن أبيتم هذه فالثانية: نقتل نساءنا وأبناءنا ونخرج نقاتل محمدً والسيوف في أيدينا فإن هلكنا لم نخشى على نسائنا وأولادنا من بعدنا، وإن نصرنا على محمد استرجعنا نساءنا وأولادنا، النساء موجودة كتير والأولاد يعني تأتي بعد ذلك، ليس هناك مشكلة، فألوا عليه، فقالوا:مالنا نقتل هؤلاء المساكين.
فقال: فإن أبيتم فالثالثة إن الليلة ليلة السبت، واليهود يحرم عليهم أي عملٍ في يوم السبت، وإن محمدً وأصحابه لايظنون أنّا نقاتل في هذه الليلة فنخرج إليهم لعلّنا نصيب منهم غرّة فنقتلهم، فأبوا ذلك أيضاً، قالوا: لا نخالف عهد الله عز وجل وأمره، هم ملتزمون تمام الالتزام؛ فنحن لانخالف عهد الله عز وجل وأمره، وقد علمت ما وقع لمن خالف يوم السبت وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ فنحن لا نقاتل يوم السبت ولا ننقض عهد الله تبارك وتعالى فأسقط في يد الرجل ولم يدري ماذا يصنع، فلما أوقفوا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقضي فيهم بحكم الله تبارك وتعالى جاء حيي بن أخطب ووقف أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يلبس عباءةً من حرير قد قطّعها قطعاً صغيرة – شرشرها كده على قدر كل أنملة قطع فيها حته، بحيث إن هو بعد ما يموت محدش يعرف ينتفع بيها – ثم وقف أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له هذه الكلمة، قال: أما والله ما لمت نفسي في عداوتك ولكن من يغالب الله يُغلب.
هو يقول: أنا لست نادماً على ما صنعت ولكنني بما إنني أحارب الله تبارك وتعالى فإن من حارب الله فلابد أنه مكسورٌ مغلوبٌ مدفون، ولكن من يُغالب الله يُغلب، ثم التفت إلى قومه فقال: لا بأس قدرٌ مقدرٌ وكتابٌ كتب على بني إسرائيل وملحمةٌ قدرها الله عز وجل علينا.
فهذا الرجل إنما قادته عداوته لرسول لله، بغضه للحق وللدين على أن حمل قومه على معاداة رسول الله وعلى معاداة الحق وأهله فأصابه من ذلك ما أصابه ولو أنهم أخذوا على يد سفيههم ولو أنهم أبو طاعته، ولو أنهم تجنبوا شؤمه ولو أنهم حملوه على التزام عهد الله عز وجل وعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أصابهم ما أصابهم، ولم ينفعهم إذ نقضوا عهد الله وعهد رسوله صلى الله عليه وسلم لم ينفعهم فئةٌ يحتمون بها ولا عهودٌ يميلون إليها ،قال الله- تبارك وتعالى وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
وإذن فنحن إذا كنّا في كلاءة الله عز وجل وحفظه فإنه لا يصيبنا بإذن الله ضررٌ ولا سوء، أما إن خرجنا عن هذه الكلاءة فنحن نستحق ما يصيبنا من شرٍ وبلاءٍ ،وأن الناس إذا كان فيهم عقل فإن عليهم أن يحجزوا سفهائهم وإن كانوا زعماء لهم إن كانوا مصريين على أن يوردوهم موارد الهلكة، وعلى أن يعاندوا حكم الله وحكم رسوله، فإن لم يفعلوا فإنهم سوف يجري عليهم ما جرى على من قبلهم ممن سلكوا هذا المسلك، فإن سنن الله عز وجل في خلقه لا تتخلف ولا تتبدل سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا قال تعالى وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا فنحن ليس أمامنا إن أردنا خيراً أو سعادةً أو نجاةً إلا أن نعتصم بحبل الله عز وجل إلا أن نلتجيء إلى الله عز وجل بأن نقيم عهد الإيمان والبر والتقوى إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ كَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه
اللهم طهر قلوبنا،اللهم طهر قلوبنا،اللهم ارزقنا معيتك،اللهم ارزقنا معيتك،
اللهم اجعلنا من المتوكلين، واجعلنا من المؤمنين ،واجعلنا من المتقين ،واجعلنا من المحسنيين، ولا تجعلنا ممن استهوته الشياطين،ولا تجعلنا ممن استهوته الشياطين فصدته عن سبيل الدين،ولا تجعلنا ممن استهوته الشياطين فصدته عن سبيل الدين
اللهم انصر الإسلام واعز المسلمين وأزل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين ،
اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب كل عملٍ يقربنا إلى حبك ،وأقم الصلاة