إن الحمد لله نحمده ونستعينه ،ونستهديه، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله ، فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
ثم أما بعد……
لازلنا مع معاهدة السلام تكلمنا فى المرة الماضية عن الملجأ والمفزع الذى يلجأ إليه الإنسان ليحتمى به من كيد الشيطان ومن الحرب التى يسلطها على بنى آدم ، وهو أن يلجأ إلى الركن الركين ويحتمى بجلال الله عز وجل الذى هو السلام سبحانه وتعالى منه السلام ومنه السلامة ومنه الأمن للعبد المؤمن فى الدنيا والأخرة ثم ذكرنا أن كثيرا من الناس رغم هذة الحقائق البينات وهذة الأمور الجليات إلا أنه يبقى بعيدا عن جناب الله سبحانه وتعالى ، يبقى بعيدا عن أن يلتجأ إلى هذا الحمى الأمن وهذا الظل الواسع ويتبع على ذلك أن يبقى فى نئيا وفى بعدا وفى طريق غواية وبعد عن طريق الله سبحانه وتعالى وذكرنا أن هذا إنما يرجع إلى أحد أمرين:
الأمر الأول: أن هذا الإنسان يظن أويعتقد أو يتصور أن فى لزوم جنب الله سبحانه وتعالى وفى قرب العبد من الله وفى التزام العبد بطاعة الله والتزام أوامره سبحانه وتعالى أنه لن يجنى من هذا كثير خير بل ستضيق عليه أموره وتطرب عليه أحواله ويعيش فى غم وفى هم فى نكد.
الأمر الثانى: وفريق أخر لا يرى ذلك لكنه يرى أن الإنسان إذا أراد أن يكون قريبا من الله فلابد أن يكون كامل النقاء تام الطهر لايلمه بمعصية ولاتعتريه خطيئة ، ولذلك يرى نفسه فى مشهد التقصير وفى مشهد المعصية فهو لايستحق ولايمكن له أن يكون قريبا من الله أو لاجئا بحماه سبحانه.
وأول مايريد أن نشير إليه أن الإنسان أى أنسان طالما بقى أنسانا لايمكنه أن يعيش بعيدا عن الله سبحانه وتعالى.
قال الله تبارك وتعالى مخاطبا الناس كل الناس قال سبحانه ” يأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغنى الحميد ، إن يشاء يذهبكم ويأتى بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز “
فالله سبحانه وتعالى يخاطب الناس جميعا لم يستثنى منهم أحد مؤمنهم وكافرهم برهم وفاجرهم طائعهم وعاصيهم يخاطبهم جميعا خطابا واحدا فيقول ” يأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله ” الإنسان بأصل خلقته وطبيعته وتكوينه ضعيفا فقيرا محتاجا إلى الله سبحانه وتعالى فى كل وقت وحين فى كل حركة وسكنة لايستطيع الإنسان إذا أراد أن يبقى أنسانا أن يعيش بعيدا عن الله فهو فقير محتاجا إلى الله سبحانه وتعالى فى كل طرفة عين فى كل أموره ، فلا يأتى بالخيرات إلا الله ولايدفع الشر والسيئات إلا الله لايملك أن يجيب دعاء العبد ويحقق له مرغوبه ويدفع عنه مرهوبه إلا الله سبحانه وتعالى
” قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير أم من تشركون . . . . .
وَاللَّـهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍۖ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ
وقال تعالى وَقَالَ اللَّـهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَـٰهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّـهِ تَتَّقُونَ وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّـه ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ
فالله عزوجل هو الغنى وحده وكل عبد هو فقير محتاج إلى الله عزوجل لا يستطيع أن يعيش بعيدا ً عن الله الله عزوجل قد تكفل بالعبد الذي يأوي إلى حما الله سبحانه وتعالى ويتبع رضا الله ونور الله الي أنزله سبحانه تكفل له بالسعادة والنعيم فقال تعالى فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ فالله سبحانه وتعالى بين ووضح سبحانه وتعالى ومن أصدق من الله قيلا ومن أصدق من الله حديثا أن الإنسان الذي يأوي إلى جناب الله عزوجل أن ينفي عنه الضلالة والشقاء فلا يضل في طريقه ولا يشقى في أحواله وبين سبحانه أن الذي يسلك عكس هذا الطريق فإن له معيشة ضنكا .. الضيق والتعاسة والشقاء فتصور الإنسان أنه إذا كان قريبا من الله عزوجل فإنه تضيق عليه أموره إنما هذه من تزيين الشيطان كما ذكرنا قبل مراراً في تزيين الشيطان المعصية لأدم عليه السلام أنها كانت شجرة الخلد وملك لا يبلى وكانت حقيقة الأمر أنها شجرة الندامة وشجرة الخزي وشجرة الطرد من رحمة الله عزوجل ومن جنته لولا أن تداركة الله تعالى برحمة منه وفضل فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
فالله سبحانه وتعالى رحيم بعباده قال تعالى وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا
وقال تعالى وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ
الله سبحانه وتعالى بين أنه ارسل هذه الرسول النبي الأمي صلى الله عليه وسلم ليأمر بكل طيب وينهى عن كل شر وعن كل خبث وأنه يضع الأصار والاغلال والأثقال والقيود عن كاهل المؤمنين ليس العكس ليس الدين يقيدهم ويكبلهم بل المعاصي والآثام والرذائل هي التى تكبل الإنسان وتقيده هي التى تدفعه وتثقله إلى الأرض هي التى تقطعه عن السماء وعن الاتصال بالملأ الأعلى وعن اللجوء إلى الحمى الآمن حمى الله عزوجل، فالله عزوجل إنما فطر عباده على الإيمان به وعلى التوكل عليه وعلى التوجه له سبحانه وتعالى قال تعالى لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ على الفطرة المستقيمة والفطرة القويمة ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ يهوى الإنسان حين يبعد عن هذه الفطرة .. حين يبعد عن الإلتجاء إلى الله إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ هؤلاء وهؤلاء فقط هم الذين بقوا على أصل هذه الفطرة وبقوا في هذه القمة العالية فحماهم الله عزوجل ووقاهم من أن يهووا إلى هذه الحضيض قال الله تبارك وتعالى لَا يُكَلِّفُ اللَّـهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا قال الله تعالى ” قد فعلت” رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا اي اثقالا و تقيدات كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا بذنوبهم قال الله تعالى فبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ كَثِيرًا وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا فهذه الأصار والاغلال والقيود التى وضعت على هؤلاء السابقين من بني إسرائيل إنما كانت ليست شيئا مبتدأ من الله وإنما كانت عقوبة لهم على هذا الذي فعلوه وهذا الذي ذكره الله عزوجل وسجله في قرآنه عليهم
فبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا بسبب ظلمهم حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ كَثِيرًا وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا لَّـٰكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَـٰئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا
رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ قال الله –تعالى- قد فعلت
وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ مَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـٰكِن يُرِيدُلِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ ۗ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَاللَّـهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا يُرِيدُ اللَّـهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا
هذا كلام الله -عز وجل- فإذن تصور الإنسان أنه إذا كان قريبا إلى الله ،إذا كان طائعا لله أن هذا سوف يورثه شقاءًا أو تعاسةً أو ضيقًا إنما هذا من تسويل الشيطان وهذا هو حقيقة سوء ظن العبد بالله- عز وجل -عياذًا بالله وهذا هو محل الشر والسوء والفساد فى قلب الإنسان أنه يسىء ظنه بالله -عز وجل- ويظن بالله- عز وجل – غير الحق يَظُنُّونَ بِاللَّـهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ
قال تعالى وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَات علةحصول العذاب الظَّانِّينَ بِاللَّـهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّـهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا إذن علة تعذيب هؤلاء أنهم ظنوا بالله عز وجل ظنًا سيئًا فقادهم وساقهم هذا الظن السىء إما إلى النفاق وإما إلى الشرك والكفر عياذًا بالله.
فإذن بداية الإصلاح أن يظن الإنسان بالله- عز وجل – الظن الصالح الذى يتفق مع معرفته بالله -عز وجل- يعرف أن ربه -عز وجل- غفور رحيم، يعرف أن ربه -عز وجل- شكور حليم، وأنه -سبحانه وتعالى- رؤوف، وأنه- سبحانه وتعالى- ودود كريم، أنه -سبحانه وتعالى- لطيف خبير، أنه -سبحانه وتعالى- عليم حكيم، فإذا علم هذا وأيقنه علم أن قربه من الله -عز وجل- لا ياتى له إلا بخير قال- عز وجل – إنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ
إن الله سبحانه وتعالى ذكر أن الكبت -وهو القهر والظلم- إنما يقترن بمحادة الله- عز وجل – ، ليس بطاعة الله- عز وجل – وبموالاته والإيمان به وطاعته فالكبت حقيقةً كما أخبر – عز وجل – إنما يكون نتيجةً للمشاقة والمحادة وليس بالطاعة لله- عز وجل –
وأما الفريق الآخر فيرون أنهم إما أن يطيعوا الله- عز وجل – طاعة تامة كاملة لا يأتون بمعصية ولا يقترفون منكرًا وإما فهم ليسوا أهلًا للقرب من جناب السلام -سبحانه وتعالى- وهذا ايضا من تسويل الشيطان و من إيهامه فإن هذا التصور إنما هو تصور لأمر لم يخلقه الله- عز وجل – قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -فيما رواه الترمذى عن أنس بن مالك قال”كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ فَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ” فتصور الإنسان الذى لا يلم أبدًا بمعصية ،ولا يقع أبدًا فى أمر يستنكر عليه هذا تصور خيالى لشخص لم يخلقه الله- عز وجل – فى هذه الحياة.
النبى- صلى الله عليه وسلم – يخبر أن كل ابن آدم -وهذا وصف عام لم يستثن منه احدًا- وذكر أن كل ابن آدم خطاء كلمة خطاء هذه صيغة مبالغة تدل على كثرة تكرر ووقوع هذا الأمر من الإنسان فالأصل فى الإنسان أنه يخطىء ولكن هؤلاء الخطائين ينقسمون الى فريقين خطائين يتوبون، وخطائين يصرون ولا يؤوبون ولا ينيبون ولا يتوبون ولذلك قال تعالىوَتُوبُوا إِلَى اللَّـهِ جَمِيعًا لم يستثن منهم احدًا وَتُوبُوا إِلَى اللَّـهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون فالله- عز وجل – لم يستثن من هؤلاء احدًا بل قال الرسول- صلى الله عليه وسلم -فيما رواه مسلم والترمذى وأحمد -واللفظ له- عن أبى أيوب الأنصارى – رضي الله عنه –قال” قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم – “وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ” فالله عز وجل لابد أن يتحقق أثر مغفرته وتوبته وحلمه ورحمته ولا يكون هذا إلا بأن يكون العبد فى بعض أحيانه مذنبًا لكنه يتوب وينيب إلى الله – عز وجل – فإذن تصور أن الإنسان لا يهم بمعصية أبدًا وأنه ليس له أن يرد إلى هذا الباب أو إلى هذا الجناب إلا إذا كان ملازمًا للطاعة على كل أحواله فهذا تصور خيالى لشىء ليس مخلوقا وقد قال الله – عز وجل – فى وصف المتقين -وقد ذكرنا هذه الايات فى سورة ال عمران مرارًا- قال تعالى وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّـهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّـهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ
ولذلك قال الله عزوجل في وصف المتقين في سورة آل عمران: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ فذكر سبحانه وتعالى في وصف صفوة عبادالله الذين هم المتقون أنهم يُلِمُونَ بهذا وذكر المعصية صغيرة وكبيرة, ولكنهم إذا فعلوا فاحشة وهي الكبيرة أو ظلموا أنفسهم بماهو دون ذلك ذكروا الله, يستحضرون ويتذكرون عظمة الله سبحانه وتعالى التي وُجِدَت في قلوبهم, تذكروا فسارعوا في الإستغفار ولم يُصِروا على مافعلوا وهم يعلمون.
فإذا القضية هي في الإصرار أو عدم الإصرار, لأن الإنسان إذا أذنب فإنه يتوب وينيب إلى الله عزوجل وأنه لايُصِر على معصية فعلها. في صحيح البخاري عن عمر رضي الله عنه قال: كان رجل يسمى عبدالله وكان يُلَقب حماراً وكان يحب رسول الله-صلى الله عليه وسلم- وكان رسول الله قد جلده في الشراب, فأُوتِيَ به يوماً وقد سَكِر فأمر به رسول الله فَجُلِدَ, فقال رجل من القوم اللهم ألعنه ماأكثر ما يُأتَى به فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ” لاتلعنوه فوالله ماعلمت إلا أنه يحب الله ورسوله “.
وعند البخاري أيضاً عن أبي هريرة حين أُوتِيَ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- برجل قد شرب فقال إضربوه, قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده ومنا الضارب بنعله ومنا الضارب بثوبه فلما إنصرف قال رجل: أخزاه الله, فقال رسول الله ” لا تقولوا هذا لا تُعِيُنوا عليه الشيطان”.
وهذا عمر- رضي الله عنه- يُخبِر أن رجلاً من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يشرب الخمر وكان يُجلد فيها مراراً, وهذا شيء قد حرمه الله عزوجل وهذا الرجل باعتباره رجلا مؤمناً إمتثل أمر الله عزوجل بالإمتناع عن هذه المعصية التي حرم الله, لكنه لشدة تعلق قلبه بها فيما سبق كان بين الحين والحين تراوده نفسه عليها فيَأتِيَ هذا الفعل فيأتي إلى الصحابة فيقودونه إلى الرسول-صلى الله عليه وسلم- لكي يطهره بجلده. فَضَجِرَ به بعض الصحابة لكثرة مايقع هذا منه فقال أحدهم اللهم ألعنه ثم علل ذلك بقوله ماأكثر ما يؤتى به- هويقلع ويتوب ثم تغلبه نفسه فيعود ثم يقلع ويتوب ثم تغلبه نفسه فيعود- فرسول الله هاهنا نهاه عن هذا اللعن وذكر أن هذا الرجل وإن كان يأتي بهذا الأمر إلا أنه في جملة وفي عداد المؤمنين الذين في قلبهم محبة لله عزوجل ومحبة لرسوله- صلى الله عليه وسلم- وإن كانت نفسه تغلبه كما تغلب أَنفُسُ كثير من الناس على معصية الله عزوجل, لكنه ليس مصرا على هذا الفعل هو يأتي يبغي التطهير.
وهنا حين قال النبي إضربوه قال أبو هريرة فمنا الضارب بيده ومنا الضارب بنعله ومنا الضارب بثوبه, فهذه الصورة هي صورة الجلد والتطهير وليس كما يتصور الناس. فالمقصود بهذا التهذيب والتكفير عن السيئات وإحساس الرجل أنه قد نُظِرَ إليه بمرأى ومشهد معين هو لايحب أن يتكرر فهو يحاول أن لايتكرر منه هذا مرة أخرى.
هذه هي علة هذه الأحكام أو هذه الكفارات. إنما جعلت هذه الحدود كفارات لأهلها ليس المقصود إيقاع العذاب على العباد, ولذلك كانت صورة التطهير والتكفير كما أخبر عنها أبوهريرة رضي الله عنه, فقال رجل: أخزاه الله, فقال النبي-صلى الله عليه وسلم- ” لاتقولوا هذا لا تعينوا عليه الشيطان” هو يرى أننا حين ندعو عليه وحينما ندعو الله سبحانه وتعالى أن يلعنه يرى أنه لاخير فيه, وأنه لايستطيع أن يبقى على عهد الله سبحانه وتعالى وأن هذه المعصية سوف تُرديه وأننا سوف نَنبُذه ونُقصيه فحينئذ ربما يؤدي به هذا إلى أن يسيطر عليه الشيطان فلا يتوب ولايُنيب وربما خرج من إيمانه ومن دينه.
فنحن لا نعين الشيطان على المؤمنين بل بالعكس نعينهم على أن يلتزموا طاعة الله عزوجل, فهنا بين رسول الله-صلى الله عليه وسلم- من خلال هذه الكلمات ان هذا الشخص مازال محبا لله عزوجل ولرسوله وإن كان يأتي من هذه السيئات ومن هذه المعاصي بشيء, ولكنه مازال باقيا في إطار محبة الله عزوجل ومحبة دينه ومحبة رسوله ومحبة المؤمنين. وقد قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم- كما روى البخاري عن أنس رضي الله عنه حينما أتاه رجل فقال: يارسول الله متى الساعة؟ فقال رسول الله ” وما أعددت لها؟ ” قال: ما أعددت لها كثير صلاة ولا صيام ولا صدقة غير أني أحب الله ورسوله. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ” فأنت مع من أحببت ” فقال أنس: فما فرحنا بعد الإسلام بشيء أشد فرحا من قول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنت مع من أحببت. قال: فأنا أحب رسول الله وأبا بكر وعمر وأرجو أن أحشر معهم وإن لم أعمل بأعمالهم. الحمد لله رب العالمين و صلى الله وسلم و بارك على نبينا محمد و على ال و صحبه اجمعين فقد ذكرنا اذن قول الله سبحانه و تعالى قال إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ و قال تعالى ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فاذن الانسان المؤمن انما يطلب منه لكى يصير و لكى يبقى مؤمن ان يكون فى حد الله عز وجل و رسوله و المؤمنين و فى شق الله عز وجل و رسوله و المؤمنين فاذن قسم الله تعالى الناس قسمين حدين و شقين بينهما فاصل و حاجز هذا الحد الايمن هوالحد الذى فيه الله و رسوله و المؤمنون السابق منهم و المقتصد و الظالم لنفسه و هذا الحد الاخر فيه حد اعداء الله عز و جل و اعداء دينه و المؤمنين فكل من كان فى ولايه الله و رسوله و المؤمنين محبه الله عز وجل و دينه و ان كان مقصر فيه بعد الامور و ان كان يلم ببعد السيئات فهذا فى حد الله عز و جل و شقه و هذا هو المطلوب من الانسان و لذلك النبي -صلى الله عليه و سلم-” قال المؤمن القوى خير و احب الى الله من المؤمن الضعيف ” و ذكر فى المؤمنين قوي فى ايمانه و ذكر ان منهم من هو ضعيف فى ايمانه ثم قال و فى كل خير هؤلاء جميعا طالما بقوا فى حد الايمان فيهم وصف الايمان هم يتفاوتون قوه و ضعف لكنهم جميعا فى كلهم خير ثم بين صلى الله عليه و سلم طريق تقويه مرتبه الايمان فقال – صلى الله عليه و سلم – “احرص على ما ينفعك و استعن بالله و لا تعجز فاذا اصابك شئ فلا تقل لو انى فعلت كان كذا وكذا و لكن قل قدر الله او قل قدر الله و ما شاء فعل فأن لو تفتح عمل الشيطان فبين – صلى الله عليه و سلم – فى الحديث الذى يرواه مسلم عن ابى هريره ان المؤمنين يتفاوتون فى ايمانهم قوة و ضعف و ان كان يجمعهم اصل الايمان و ركنه و مقامه ثم ارشدنا الى طريق تقويه الايمان و لزوم الطاعات حرص الانسان على الطاعه و على كل ما ينفع و يقرب من الله سبحانه و تعالى ثم التوكل على الله و استعانه بالله وسؤال الله عز و جل التثبيت والتأهيل و التكفير للخطايا و السيئات ثم ولا تعجز الانسان يقوى نفسه و لا يستسلم لداعيه الضعف و العجز الذى يلقيها فى نفسه الشيطان ثم اذا وقع فى مقدور الله مالا يحب يسلم الى امر الله سبحانه و تعالى و لا يفتح الباب للشيطان بقول لو انى فعلت و فعلت فاذن الرسول صلى الله عليه و سلم بين ان المؤمنين يتفاوتون فى ايمانهم ثم ارشدهم الى طريق تقويه هذا الايمان ولكن يبقون جميعا فى دائره الايمان فى كلهم خير كما قولنا منهم السابق و منهم المقتصد و الظالم لنفسه كما اخبر الله عز وجل فى تقسيم اهل الايمان الذين وجدوا كتاب الله عز وجل فى سورة فاطر و لذلك فى حديث ابن عمر فى سنه دواد عندما اخبر عن وقوع الفتن قال ثم فتنه لا تدعوا احد الا ولطمته لطما فاذا قيل الغضب تمالك هذه الفتنه مستمره لزمن طويل حتى يصير الناس الى فسطاطين حينقسم الناس الى فريقين فسطاط ايمان لا نفاق فيه و فسطاط نفاق لا ايمان فيه مئلش فسطاط ايمان لا معصيه فيه هذا فسطاط الايمان و هذا فسطاط النفاق هؤلاء هم المؤمنون و هؤلاء هم المنافقون و المنافقون فيهم الطائع و فيهم العاصى لكن العاصى لا يصر على معصيه لا يجاهر بمعصيه لا يترك الطاعه لا يستهين بامر الله عز وجل كما سوف نفسر فيما بعد باذن الله اذن اهل الايمان كما قولنا منهم هذا و منهم هذا و لذلك ابو هريره رضى الله عنه يقول فى صحيح مسلم انه لقى رسول الله – صلى الله عليه و سلم – فى بعض طرق المدينه قال ابو هريره و انا جنب فلم يشئ ان يجالس رسول الله – صلى الله عليه و سلم –وهو على هذه الحال قال فذهبت فاغتسلت ثم جئت اليه فقال اين كنت يا ابو هريره قال كنت جنب و كرهت ان اجالسك و انا على غير طهاره فقال رسول الله – صلى الله عليه و سلم – سبحان الله ان المؤمن لا ينجس المؤمن هو طاهر دائما المعاصى اذا تعلقت به تعلقت به ظاهر و لا باطن فاذا غسل نفسه و طهر نفسه منها عاد طاهر نقى اما فى مقابل ذلك قال الله سبحانه و تعالى فى سورة التوبه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ فالله سبحانه و تعالى بين هنا ان المشركون نجس ليس فى ابدانهم بل فى قلوبهم فى معتقداتهم و فى اديانهم اما المؤمن فهو طاهر لا يتنجس قال سبحان الله ان المؤمن لا ينجس فتصوير الشيطان للانسان انه لا يمكنه ان يكون قريب من الله الا اذا كان طاهر تمام و انه لا يلم بمعصيه قط هذا شئ كما قولنا لم يخلقه الله سبحانه و تعالي فالانسان عليه ان يلازم جناب الله عز وجل وان يلازم باب الله عز و جل فاذا الم بالمعصية فليستغفر الله عز وجل و ليتب كما فى المستدرك عن عقبه بن عامر”قال يارسول الله احدنا يذنب قال يكتب عليه قال ثم يتوب و يستغفر قال يغفر له و يتاب عليه قال يا رسول الله ثم يذنب قال يكتب عليه قيل ثم يتوب ثم يستغفر قال يغفر له و يتاب عليه ولا يمل الله حتى تملوا” طلما الانسان بقى على هذا الحال فيغفر له و يتاب عليه و لكن يأتيه الشيطان يقول انت كل مستهزء بربك حتى متى تتوب و تعود حتى متى تتوب و تعود و لذلك قال على خياركم كل مفتن تواب يفتن فيتوب قيل فان عاد قال يستغفر الله فيتوب فقيل فان عاد قال يستغفر الله فيتوب قيل حتى متى قال حتى يكون الشيطان هو المحسور تصيبه الحسره لانه لا يستطيع ان يسيطر على الانسان لانه دائما يتوب و ينيب الى الله عز و جل.