Generic selectors
المطابقات الدقيقة فقط
البحث في العنوان
البحث في المحتوى
Post Type Selectors
البحث حسب التصنيف
أحداث جارية
أسماء الله الحسنى
الأذكار
التلون
السيرة النبوية
القصص في القرآن
الكتب
بني آدم والشيطان
بني إسرائيل
تراجم
تربية
تربية
تفسير
جهد الغلبان في تبيان فضائل القرآن
خطب الجمعة
خطو خاتم الأنبياء ما بين اقرأ وإذا جاء
دروس
رمضان 1436هــ - 2015م
سلم الوصول إلى علم الأصول
عقيدة
غير مصنف
كتابات
كلمة التراويح
مسألة الرزق
من قصص كتاب التوابين
من هدي النبوة
مواسم الخير
هذه أخلاقنا

معاهدة السلام (3)

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ،ونستهديه، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله ، فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا

ثم أما بعد ……

فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ. وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ. قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ . إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ . وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ . وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ . سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ . كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ . إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ . وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ. وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ

فَلَمَّا أَسْلَمَا أي إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام فلما استسلما لأمر الله عز وجل طائعين راضيين. وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ألقاه على وجهه وأخذ السكين وألقاها على عنقه. وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ . قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ.

قال تعالى : وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا.

وقال تعالى: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، فالله عز وجل قد اتخذ إبراهيم عليه السلام خليلا، والخلة هي أعلى مراتب ودرجات المحبة والعبادة لله عز وجل، أي الذي تخللت محبة الله عز وجل كل ذرات قلبه حتى شملته وأحاطت به من جميع جوانبه، ثم رزقه الله عز وجل على كبر سنه وضعف بدنه غلاماً، فأراد سبحانه وتعالى أن يحفظ على عبده وعلى نبيه إبراهيم عليه والسلام هذه المكانة وهذا المنزلة العالية الرفيعة التي لم يؤتها الله عز وجل إلا لإبراهيم ولابنه محمد صلى الله عليهما وسلم، وأراد سبحانه ألا يأخذ هذا الغلام الذي رزقه على كبر السن ووهن البدن من مكان الله عز وجل في قلبه وفي محبته شيئاً فينقصه وينزله عن قدره فابتلاه الله عز وجل بهذا الابتلاء؛ لكي يتم تصفيته ولكي يختبر مقدار محبته لله فصدق ووفى صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى : وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى فلما اجتاز هذا الاختبار وحفظ هذه المكانة والمنزلة أنزل الله عز وجل هذا الذبح وحفظ له ولده إسماعيل عليه السلام، بل أعطاه إسحق مع إسماعيل وبارك على إسماعيل وعلى إسحق وجعل ذرية النبيين إلى محمد صلى الله عليه وسلم لا تخرج عن هذا النسل الشريف – نسل إبراهيم عليه السلام.

 فإذاً الله عز وجل لم يرد منه حقيقةً أن يذبح ولده، وإنما أراد سبحانه أن يصفي وأن ينقي وأن يخلص أو أن يبقي قلبه خالصاً لله عز وجل قال تعالى: وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ أي نوح عليه السلام لَإِبْرَاهِيمَ . إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ قلب سالم من النظر أو التعلق أو المحبة لأحد غير الله عز وجل.

 إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ . أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ . فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ . فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ . فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ . فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ . فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ . مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ . فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ . فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ . قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ . وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ . قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ . فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ . وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ . رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ . فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ . فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ – كبر وأصبح أهلاً لأن يعتمد عليه – قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ. فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ.

فالله سبحانه وتعالى حينما ذكر قصة إبراهيم عليه السلام في هذا السياق بدأها بوصفه بأنه جاء ربه بقلب سليم، ثم ذكر تسلسل الأحداث حتى ذكر الغلام، ثم ذكر بقاء إبراهيم عليه والسلام بهذه المنزلة بهذا القلب السليم لهذا قال إبراهيم عليه وسلام كا ورد في سورة الشعراء : وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ . يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ .إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ هذا القلب هو مراد الله عز وجل من العبد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ” فمحل نظر الرب عز وجل ومراد العبد من ربه هو هذا القلب.

ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مبيناً محل التقوى من العبد فقال : “التَّقْوَى هَاهُنَا وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ” صلى الله عليه وسلم.

فإذاً مراد الله من عبده هو قلبه ولذلك الله عز وجل أراد لإبراهيم عليه السلام نعمةً منه وفضلاً في صورة ابتلاء واختبار أن يحقق له تمام تصفية القلب وتخليته، لم يرد سبحانه منه حقيقةً أن يذبح ولده، بل أراد أن يصفي قلبه وأن يحفظ له ولده لأن الله عز وجل إذا أنعم على عبد بنعمة وكان العبد شاكراً فإن الله عز وجل يزيده ولا ينقصه “وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ” فإبراهيم عليه السلام حينما اعتزل قومه الذين يحادون الله ورسوله حينئذٍ منَّ الله عز وجل بأن أبدله خيراً له صحبةً وبراً ورحمةً من هؤلاء الذين تركهم لله عز وجل ولذلك جاء فى المسند أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لأحد الأعراب : “إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا بَدَّلَكَ اللَّهُ بِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنْهُ” لكن عليه أن يدع أولًا لكى يبدله الله عز وجل ثانيا كما قال عز وجل فى سورة مريم  فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا . وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا

فحدث الاعتزال أولاً ثم كانت الهبة والمنة والإكرام والرحمة ثانياً.

فإذا الله عز وجل انما يريد من العبد قلبه هذا هو الذى يريد الله عز وجل من العبد ونحن حين نتكلم  عن الحاجز أو المانع الذى يحول بين العبد وبين الرب عز وجل فنحن نريد أن نحقق صلحاً و مصالحةً بيننا وبين ربنا تبارك وتعالى ونبحث ونفتش عن الأشياء وعن الموانع والحجب والحواجز التى تحول بين العبد و بين الله عزوجل، فذكرنا أن الشيطان يقيم بين العبد وبين ربه عز وجل أسوارًا و حواجز و متاريس حديدية لتحول بين هذا القلب وبين أن يؤوب وأن ينيب لله عز وجل .. فذكرنا منها فى المرة الماضية أمران الأول أن الشيطان يجعل العبد يسىء الظن بالله عز وجل يفقد العبد الشعور بالثقة فى الله عز وجل وفى رحمته وفى كرمه وفى قدره وفى شرعه فهذا يحجزه عن أن ينيب إلى الله .. عن أن يقترب من الله لأنه يظن ويتوهم ويرى بما يريه الشيطان أن قربه من الله لن يحقق له خيرًا، بل سيجلب له ربما شدائد أو متاعب أو مشاق وأنه لن يستطيع أن يحيا بدينه كما كان يحيا رسول الله صلى الله عليه و سلم والصحابة هذا هو الأمر الأول.

الأمر الثانى أن ييئسه الشيطان من الرحمة فيشعره أنه عبد غارق فى المعاصى غارق فى المخالفات أو عنده أمور من المعاصى لا يستطيع أن يحول عنها أو ان يتركها لذلك هو لا يستحق ولا يستأهل أن يكون قريباً من الله لأنه لا يكون قريباً من الله إلا كل مطهر من كل معصية ومن كل دنس، وذكرنا أن هذا من إلقاء الشيطان وأنه ليس هناك من إنسانٍ خالٍ من معصية، ولكن الفرق بين المؤمن وغير المؤمن أن المؤمن لا يعزم بقلبه على المخالفة ثم إذا استجره الشيطان أو أوقعه فى المعصية فإنه يسارع الى العودة الى الله عز وجل.

فإذا هناك معصية تقع من المؤمن وهناك معصية تقع من الفاجر أو غير المؤمن مدار هذا أو مدار الفرق بين هذا وهذا هو ما نتكلم عنه وهو حال القلب.

نحن قلنا مراد الله عز وجل من العبد قلبه فإذا وقع أثر المعصية فى القلب أو كان منطلق المعصية من القلب كان هذا مبعداً للعبد من الله  عز وجل و كان هذا حائلا بينه و بين الله فإذا وقوع العبد فى مجرد المعصية ليس هذا هو الذى يحول بينه وبين الله طالما كما قلنا هو يسارع بالتوبة إلى الله وإنما يقع هذا إذا كان هذا منطلقه من القلب و له صور: الأولى أن يكون العبد مصراً على المعصية قال الله عز وجل: وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ هذا الإصرار هو عمل قلبى ليس عملا بجوارح الإنسان وأركانه الإصرار أنه يعزم على أن يستمر فى المحادة والمخالفة والمشاقة لله عز وجل أبداً هذا هو حقيقة الإصرار، فالإنسان المؤمن ربما يقع فى معصية، لكن المعصية بالنسبة له هى عبارة مجموعة من النقط المتناثرة يقع فى معصية ويتوب ثم بعد فترة يقع فى معصية قلت أم طالت ربما كانت هذه الفترة يوم أو ساعة ليس هذا هو الشأن وإنما هو يقع فى معصية ثم يتوب ثم يقع فى معصية ثم يتوب، أما إذا اجتررنا خطاً هذا الخط الواصل ما بين نقطة ونقطة ما بين معصية ومعصية هذا هو العمل القلبى هو مستديم على إرادة هذا وطلبه والعزم فى فعله أبداً ولهذا كان الكفار  خالدون فى نار جهنم و العياذ بالله خالدون فى نار جهنم أبدا رغم أن أعمالهم تنقطع و الله عز وجل جعل عذابهم سرمدياً لأن نيته وقصده وعزمه على المخالفة وعلى الكفر وعلى محاربة الله عزوجل ودينه سرمدى أبدا لا ينقطع، وإنما انقطع رغماً عنه بموته لكنه إذا أبقاه الله عز وجل فى هذة الحياة أبداً بقي على هذا أبداً  ولذلك كان عذابه كما قال الله عز وجل خَالِدِينَ فِيهَا هذا هو الأمر الأول أن الإنسان يصر بقلبه على الاستمرار أما المؤمن فعزيمته على الطاعة هو لا يحب أن يعصى لا يريد أن يخالف لكن يستهويه الشيطان لكن يقع فى المعصية أحيانًا، لكن تغلبه نفسه أحيانا لكنه إذا أدرك انه قد وقع و قد سقط سارع بالتوبة والاستغفار لله عز وجل قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ.

الأمر الثانى: وهو أمر قلبي أيضاً الاستخفاف والاستهانة بأنه يعصي الله، هو لا يبالى، وهذا أيضاً ليس متعلقاً بفعل، وإنما متعلقاً بالقلب هو لا يشعر بعظمة الله عز وجل، لا يشعر بجليل قدر الله عز وجل هو يستهين بالمعصية ولا ينظر إلى عظم المقام الذى وقع فى مواجهته أو قبالته المعصية، لذلك كان العلماء يقولون: لا تنظر إلى صغر المعصية فى ذاتها، لكن انظر الى عظمة من عصيت هو حينئذ لا يستشعر عظمة الله عز وجل.  ولذلك النبى صلى الله عليه و سلم قال كما روى البخارى عن ابن مسعود رضى الله عنه: “إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ فِي أَصْلِ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ وَقَعَ عَلَى أَنْفِهِ قَالَ بِهِ هَكَذَا فَطَارَ” فهنا النبى صلى الله عليه وسلم ذكر ذنوباً هاهنا وذنوباً هاهنا فالنبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن المؤمن له ذنوب أن الفاجر له ذنوب الفرق بين هذا وهذا كيف يرى هذا ذنبه وكيف يرى هذا ذنبه، هو لم يقل أن المؤمن لا يذنب أو قال المؤمن يرى ذنبه والفاجر لا يرى ذنوبه جمع هاهنا وجمع هاهنا هاهنا ذنوب وهاهنا ذنوب. هناك ربما يكون فيها كثرة وهذه أيضاً فيها كثرة ..

هذا اتفاق ظاهرى لكن الإختلاف بينهما ها هنا هو يرى أو ينظر إلى الذنب كيف ينظر إليه؟ ينظر اليه بعين المهابة وعين الخشية وعين الحذر يرى أن هذا الذنب ربما يهلكه ويوبقه لخشيته فى قلبه لله عز وجل، وأما الآخر فلا يبالى بهذه المعصية ولذلك النبى صلى الله عليه و سلم مثلها بجبل لأن الشخص الجالس تحت الجبل إذا وقع عليه الجبل هو هالك لا محالة مفيش احتمال ان هو ينجو وأما الآخر فلا يبالى كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا فطار. ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم كما روى الإمام أحمد عن ابن مسعود قال: ” إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ” هذا الاحتقار أيضًا شىء فى القلب شعور الاستهانة والاستخفاف بمخالفة أمر الله.

“إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ لَهُنَّ مَثَلًا كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا أَرْضَ فَلَاةٍ فَحَضَرَ صَنِيعُ الْقَوْمِ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْطَلِقُ فَيَجِيءُ بِالْعُودِ وَالرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْعُودِ حَتَّى جَمَعُوا سَوَادًا فَأَجَّجُوا نَارًا وَأَنْضَجُوا مَا قَذَفُوا فِيهَا”

فإذا النبى صلى الله عليه و سلم يقول أن هذه المحقرات تتوالى هكذا الواحدة تلو الأخرى كما قال النبى صلى الله عليه و سلم: تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودا عودا ) مش كلها مجتمعة مرة واحدة واحد و احد فأى قلب أشربها  

    قَالَ حُذَيْفَةُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ”.

 فإذًا النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن هذه الفتن تتوالى على القلب الواحد تلو الاخر، فإذا اجتمعت كانت مُهلكة ومُوبقة  للعبد؛ ولذلك قال حذيفة بن اليمان رضى الله عنه قال: القلوب أربعة, ذكر أن القلوب تنقسم الى أربعة أقسام:

فالأول: قلب المؤمن فذكر أنه مثل السراج المزهر..

ثم ذكر قلب الكافر فقال هذا القلب قلبٌ أغلف أى كأنه فى غلاف لا يصل إليه من الحق شيئ فهو يغطى قلبه لا يريد أن يستمع ولا يتعظ..

وقلب منكوس فذلك قلب المنافق علم ثم أنكر ، أبصر ثم عمي..

ثم ذكر قلباً رابعًا قال:وقلبٌ تمده مادتان مادة الإيمان ومادة النفاق فهو لما غلب عليه منهما … وكأن يمر عليه قناتان,  قناة تمده بأسباب الإيمان من الطاعة والذكر لله سبحانه وتعالى ودعاء الله  سبحانه تعالى بالمغفرة,  ومادة نفاق من المعاصى والمخالفات والشرور التى ترد عليه, فإذا قوى هذا الجانب غلب وإذا قوي هذا الجانب غلب.

فإذاً من أراد أن يحيل قلبه الى قلب مؤمن فيه سراج يزهر عليه أن يقوى هذه المادة وأن يضعف أو يجفف منابع هذه المادة لكى يصير قلبه قلباً مؤمناً فطريقه إلى تصفية قلبه طريق واضح بسيط.

وقال النبى صلى الله عليه وسلم لعائشة رضى الله عنها قال: “يَا عَائِشَةُ إِيَّاكِ وَمُحَقَّرَاتِ الْأَعْمَالِ فَإِنَّ لَهَا مِنْ اللَّهِ طَالِبًا”.

فإذًا مدار الإشكال على القلب، والحاجز بين القلب وبين الرب سبحانه وتعالى هو الشيطان بأمور .. ذكرنا الإصرار أولاً ..

وذكرنا الاستهانة ثانياً..

ثم المجاهرة ثالثاً .. النبى صلى الله عليه وسلم قال: “كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ”  لماذا؟؟

لأن المجاهرة تدل على ضعف أو انعدام الحياة وعدم المبالاة بنظر الله عز وجل، بل هو يقول للناس جميعًا لا يهمني الله عز وجل أطيعه أو أعصيه .. هكذا شاهدونى جميعًا وأنا أعصى الله.

فالنبى صلى الله عليه وسلم يقول: “كل أمتى معافى” هذا الذى يستتر بستر الله عز وجل يرجى له فى النهاية العافية والرحمة من الله عز وجل, لكن المهدد بالخطر حقيقةً هو الذى يستهين بجلال الله.

“وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ”.

هذا الشخص الله عز وجل عامله بستره وفضله ورحمته، ستر عليه ذنبه الذى فعله بعيداً عن الناس, النبى صلى الله عليه وسلم يقول من صور المجاهرة  ليس فقط أن أفعل من مرأى ومسمع الناس ربما أفعل هذا سراً لكن أفتخر بهذا وهذا ايضاً خلل فى القلب, الإنسان عندما يفتخر  يفتخر بالمعصية  اذاً قلبه مُشرب بحب المعصية، فيوجد فرق بين أن أقع في المعصية ويستهويني الشيطان لفعلها وبين أن يكون قلبي مشرب بالمعصية أو بحب العصاة أو ببغض الطاعة أو ببغض الطائعين هذا من أسباب الهلاك للعبد، وهذا أمر أخر مُضاف إلى المجاهرة أن الإنسان تتحول المعصية إلى منهج وطريق يحب المعصية ويحب العصاة ويوالى هؤلاء ويعادى الطاعة والطائعين؛ لذلك قال الشافعى رحمه الله -هضماً للنفس وتواضعاً-: 

أُحِبُّ الصَّالحينَ ولسْتُ منهم
 
لعلِّي أن أنَالَ بهم شَفَاعةٌ
  
وأكرهُ مَن تجَارتُه المَعاصِي
 
ولو كُنَّا سَوَاءٌ في البِضَاعةِ
  

ربما أقصر وأفعل المعاصى لكن أنا لا أحب المعصية بل أُحدث نفسى دائماً بالتوبة وأحب الطاعة وأحب الطائعين ولذلك قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ: يُحِبُّ الْقَوْمَ وَلَمَّا يَلْحَقْ بِهِمْ -هو مش قادر يحصلهم -فالنبى صلى الله عليه وسلم قال: “الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ”.

فإذاً الإنسان ربما يلحق بالمخالفة ويجب أن يكون حريص أشد الحرص على أن ينفك عنها .. يحب الخير ويحب أهل الخير ويكره المعصية ويكره أصحابها، كذلك الانسان عليه ألا يدخل إليه الشيطان فيقول له أنت إنسان عاصي ولذلك لا معنى لفعل الطاعات ، إنما يريد الشيطان أن يصد الانسان ويضله عن ذكر الله سبحانه وتعالى. فعلى العبد أن  يلازم الطاعة ويستمر عليها ويسأل الله عز وجل أن يتوب عليه ولذلك النيى صلى الله عليه وسلم قال: “سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ”.

النبى صلى الله عليه وسلم ذكر أن أفضل الاستغفار وخير الاستغفار وأعظمه تأثيراً هو الذى انطوى على هذه الكلمات ..

أولها “اللهم أَنْتَ رَبِّي”: اعتراف الإنسان بأنه عبدٌ لله وأن له رباً يرجع إليه.

“لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ”: هو يجدد عهده مع الله أنه دائم على طاعته وعلى عبادته لله، وأن هذه المعصية التى وقعت منه ليست نقضاً للعهد وإنما ضعفاً للنفس.

“لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ”: الإنسان ضعيف وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا لكن هو دائماً يجدد عهده مع الله أنه حريص أشد الحرص أن يطيع الله وأنه إذا وقع فى المعصية ليس هذا لنقض عهده مع الله، وإنما هذا من ضعف النفس وغرض الشيطان فهو ما استطاع على قدر استطاعته حريص على طاعة الله.

“أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ” هو يستغفر الله عز وجل ويتبرأ من الذنب الذى فعله فهو لا يحبه ولا يميل إليه وإنما ضعف فوقع فيه.

“أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ” اعترف بنعم الله عز وجل وفضله. “وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي” اعترف بذنبى وتقصيري ثم

أسأل الله عز وجل المغفرة .

“فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ” وها هنا النبى صلى الله عليه وسلم بين أن الإنسان إذا وقع فى المعصية وهو فى هذه الحال مستشعر عظمة الله مستشعر منن الله أنه مع عهده على الله أنه دائم السؤال إلى الله سبحانه وتعالى أن يغفر له الذنوب أن هذا إلى خير ولذلك قال النبى صلى الله عليه وسلم عند البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّ رَجُلًا أَذْنَبَ ذَنْبًا ، فَقَالَ : رَبِّ ، إِنِّي أَذْنَبْتُ ذَنْبًا أَوْ قَالَ : عَمِلْتُ عَمَلًا ذَنْبًا ، فَاغْفِرْهُ . فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : ” عَبْدِي عَمِلَ ذَنْبًا ، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ ، قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ” هاهنا الله سبحانه وتعالى رد هذا إلى ما في قلب العبد علمه ويقينه أن له رباً عظيماً قادراً قوياً قاهراً لكنه رحيمٌ كريمٌ، فهو يغفر الذنب لمن تاب ويأخذ بالذنب من أصر ومن أعرض.

 “ثُمَّ عَمِلَ ذَنْبًا آخَرَ أَوْ قال : أَذْنَبَ ذَنْبًا آخَرَ ، فَقَالَ : رَبِّ ، إِنِّي عَمِلْتُ ذَنْبًا فَاغْفِرْهُ . فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ” عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ ، قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي “. ثُمَّ عَمِلَ ذَنْبًا آخَرَ أَوْ أَذْنَبَ ذَنْبًا آخَرَ ، فَقَالَ : رَبِّ ، إِنِّي عَمِلْتُ ذَنْبًا فَاغْفِرْهُ . فَقَالَ : ” عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ ، قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ” . ثُمَّ عَمِلَ ذَنْبًا آخَرَ أَوْ قال : أَذْنَبَ ذَنْبًا آخَرَ ، فَقَالَ : رَبِّ ، إِنِّي عَمِلْتُ ذَنْبًا فَاغْفِرْهُ . قال : ” عَبْدي عَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ : أُشهِدُكم أني قد غَفَرْتُ لِعَبْدي ، فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ ” .

أى طالما هو بقى على هذا الحال كلما أذنب أعترف بذنبه وتاب وأستغفر فإن الله عز وجل يغفر له أبداً طالما هو يعصى ثم يتوب أبداً ثم يستغفر أبداً ثم يدرك عظمة الله عز وجل وأنه لا يصر على معصيته أبداً فالله سبحانه وتعالى يغفر له أبداً.

إذاً نكرر نحن نسعى بأن نقيم صلحاً بيننا وبين الله عز وجل، نحن نسعى لأن نقيم صلح بيننا وبين الله عز وجل ونسعى بكل جهد إلى أن نكسر كل حاجز يحول بيننا وبين الله عز و جل، وأن مدار الأمر إنما هو علي القلب ليس على الفعال، فإذا كان القلب سالماً طاهراً ليس عازماً على الطاعة لا يستهين بالله ولا بجناب الله ولا بعظمة الله، فهذا مآله إلى خير يضاف إلى هذا أمور الأول ما يمكن أن نطلق عليه استراتيجية التطفل الدينى كيف يكون العبد طفيلياً دينياً فى صحيح مسلم عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: ” إِنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَلَائِكَةً سَيَّارَةً فُضُلًا يَتَتَبَّعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ – ملائكة ليس لهم مهمة ولا رسالة ولا دور إلا انهم يجوبون الأرض يتتبعون مجالس ذكر الله عز و جل فَإِذَا وَجَدُوا مَجْلِسًا فِيهِ ذِكْرٌ قَعَدُوا مَعَهُمْ ، وَحَفَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِأَجْنِحَتِهِمْ حَتَّى يَمْلَئُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، فَإِذَا تَفَرَّقُوا عَرَجُوا وَصَعِدُوا إِلَى السَّمَاءِ ، قَالَ : فَيَسْأَلُهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ : جِئْنَا مِنْ عِنْدِ عِبَادٍ لَكَ فِي الْأَرْضِ يُسَبِّحُونَكَ ، وَيُكَبِّرُونَكَ ، وَيُهَلِّلُونَكَ ، وَيَحْمَدُونَكَ ، وَيَسْأَلُونَكَ ، قَالَ : وَمَاذَا يَسْأَلُونِي؟ قَالُوا : يَسْأَلُونَكَ جَنَّتَكَ ، قَالَ : وَهَلْ رَأَوْا جَنَّتِي؟ قَالُوا : لَا أَيْ رَبِّ ، قَالَ : فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا جَنَّتِي؟ قَالُوا : وَيَسْتَجِيرُونَكَ ، قَالَ : وَمِمَّ يَسْتَجِيرُونَنِي؟ قَالُوا : مِنْ نَارِكَ يَا رَبِّ ، قَالَ وَهَلْ رَأَوْا نَارِي؟ قَالُوا : لَا ، قَالَ : فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا نَارِي؟ قَالُوا : وَيَسْتَغْفِرُونَكَ ، قَالَ ، فَيَقُولُ : قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ فَأَعْطَيْتُهُمْ مَا سَأَلُوا وَأَجَرْتُهُمْ مِمَّا اسْتَجَارُوا ، قَالَ : فَيَقُولُونَ : رَبِّ فِيهِمْ فُلَانٌ عَبْدٌ خَطَّاءٌ إِنَّمَا مَرَّ فَجَلَسَ مَعَهُمْ ، قَالَ : فَيَقُولُ : وَلَهُ غَفَرْتُ هُمُ الْقَوْمُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ “.

هذا الشخص وجد قوماً في عبادة أو في ذكر أو في طاعة حشر نفسه معاهم عبداً خطاءً – يعني هذا الشخص مش من جملة هؤلاء ده عبد عاصي كثير الخطأ لقي ناس كويسين قام حاطط نفسه معاهم – فقال تعالي: “وَلَهُ غَفَرْتُ هُمُ الْقَوْمُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ” نحن نريد أن نكون هكذا . نلصق أنفسنا بأماكن الطاعة والخير لعل الله سبحانه وتعالي أن يغفر لنا في جملة هؤلاء، فهذا هو أثر الصحبة الطيبة الصالحة وفي مقابل ذلك الصحبة السيئة لها وبالها علي أصحابها في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلي الله عليه و سلم:”يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ –صحراء- مِنَ الأَرْضِ خُسِفَ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ ” ، قَالَتْ عَائِشَةُ : فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَيْفَ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ وَفِيهِمْ أسِوَاقهُمْ وَمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ؟ قال : ” يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى قَدْرِ نِيَّاتِهِمْ ” . وفي رواية “يَهْلِكُونَ مَهْلِكًا وَاحِدًا ، وَيَصْدُرُونَ مَصَادِرَ شَتَّى”.

“وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ” يحاسب كل إنسان في الآخرة علي عمله لكن لما صاحبوهم ورافقوهم في مجلسهم وفي محلهم وفي سيرهم أصابهم ما أصابهم لذلك قال رسول الله صلي الله عليه و سلم: “إنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ –يعطيك هدية- ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً ، وَنَافِخُ الْكِيرِ ، إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً”. فأقل الأحوال لن تسمع منه سوءً أو شيء يبعدك عن الله ونافخ الكير اما ان يحرق ثيابك و اما ان تجد منه ريحا خبيثا. هذا هو الأمر الأول أن الإنسان يسعي قدر الإمكان أن يحشر نفسه في زمرة أناس طيبين صالحين عسي الله سبحانه وتعالي أن يمن عليه بهذه المجالسة. الأمر الثاني أن الانسان ربما يعسر عليه أن يترك معصية أو هي معصية اجتماعية أو وظيفة هو في وظيفة معينة مش عارف يسيبها لا يستطيع أن يتركها فعلياً أن يداوم علي الاستغفار دائماً وأن يجتهد في الدعاء لله عز وجل أن يعافيه فإن الله عز وجل علي كل شيء قدير . أنا ربما ضعيف لا أستطيع لكن الله سبحانه و تعالي يقدر ويستطيع أن ينتشلني مما أنا فيه مما لا استطيع أنا بطاقتي أو بقوتي أن أفعلها.

الأمر الثالث: أن الإنسان يحرص قدر الإمكان علي فعل الطاعات والخيرات “إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ”. في صحيح ابن حبان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَجُلا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! فُلانٌ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ فَإِذَا أَصْبَحَ سَرَقَ ، قَالَ : ” سَيَنْهَاهُ مَا تَقُولُ ” هذه الصلاة التي تخبر عنها سوف تنهاه عن هذا الفعل إن لم يكن اليوم فغداً أو بعد غد، هذه الصلاة هذه العبادة سوف تؤثر فيه المادة الفعالة التي في هذه الصلاة ربما لم تعمل بعد لكن إذا تشربها الدم وإذا استشرت فيه حينئذٍ يظهر عليه أثرها فقط عليه أن يداوم علي هذا الفعل لأنه سوف يؤتي ثمرته إن لم يكن اليوم فغداً

“إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ” كما أخبر الله عز وجل، وفي رواية الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَة ، قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : إِنَّ فُلَانًا يُصَلِّي بِاللَّيْلِ ، فَإِذَا أَصْبَحَ سَرَقَ . قَالَ : ” إِنَّهُ سَيَنْهَاهُ مَا يَقُولُ “. في رواية ابن حبان ما تقول أي الصلاة في رواية الامام أحمد، ينهاه ما يقول أي الذكر والقرآن الذي يتلوه في الصلاة والدعاء الذي يدعوه لله عز وجل سوف هذا الدعاء وهذا الذكر وهذه الصلاة سوف تؤول به في النهاية إلي خير إذا صبر علي هذه الطاعة.

فإذاً نحن نريد أو رسالتنا أن نبعد عن أنفسنا كيد الشيطان وكل ما يصدنا عن طاعة الله عز وجل أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش بدون ربه عز وجل لا يمكن للإنسان أن يعيش بعيداً عن ربنا هذا شيئ لا يمكن للإنسان طالما بقي إنسان طالما لم يتحول إلي شيطان نحن نريد أن نبحث عن كل حائل يحول بيننا وبين الله سواءً في التصور أو في الاعتقاد أو في السلوك أو في العمل ونسعي جاهدين في الاستعانة بالله عز وجل إلي أن نصل إلي ربنا تبارك وتعالي والله عز وجل وعد من يجاهد لتحقيق مرضاته أنه سوف ينيله ذلك لا محالة قال تعالي : وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ.