الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً به وتوحيدا، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً مزيدا
ثم أما بعد.
كنا في حديث حول استمداد قوانين الحياة من كلام الله، كيف يستمد المؤمن قوانين الحياة من كلمات الله، قال تعالى: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ..إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ
فكنا في حديث عن أحوال يوم القيامة وذكرنا كيف أخبر تبارك وتعالى عن أهوال ذلك اليوم، فقال: فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ إذا نحن نتكلم عن صورة من صور الهرب والفرار من أقرب الأقربين، لماذا؟ لأن الانسان يخشى أن يكون عليه تبعة أو مسئولية أو حق يطالب به من هؤلاء الذين هم أدنى الناس وأقربهم إليه.
يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وهنا الله سبحانه وتعالى يعطي درجات الناس في القرب من قلب العبد، فبدأ بالأخ الذي هو قريب من القلب والمفترض أنه سند لأخيه، ثم يكون الفرار من الدائرة الأقرب وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ فهم أقرب للقلب وأعظم حقا ولكنه أيضا سوف يهرب منهم، ثم امرأته وأولاده الذين هم أقرب لقلبه من أبيه وأمه يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ فالله سبحانه وتعالى يذكر أنه يهرب من الدائرة الأبعد فالأقرب، لكن ذكر الله سبحانه وتعالى أيضا صورة أخرى وهو عندما يريد أن يضحي أو أن يقدم قربان لينجو، فبمن يبدأ؟، بدأ بالأقرب والأعظم مكانه يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ الأولاد، أغلى شيء عنده يفتدي به، لو ينفع، ثم يضيف عليهم أيضا وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا… كي في النهاية يحصل على ما يأمله وهو فقط .. ثُمَّ يُنْجِيهِ ينفع؟ كَلَّا...
لماذا عبر الله سبحانه وتعالى هنا بالصاحبة وليس الزوجة؟ لقد توقفنا في الحديث هما، ما معنى الصحبة؟
العلاقات في الحياة، علاقات اختيارية وعلاقات اضطرارية وعلاقات بين بين.
اختيارية أي أنك الذي تقيمها وتقطعها برغبتك، المفروض أن الإنسان يصاحب ويفسخ وفق هواه ورغبته.
العلاقات الاضطرارية هي العلاقات التي لم يخترها الإنسان، الوسط الذي نشأ فيه، الأب، الأم، الأخوة، صلة القرابة، الجيران، هذه وسط لم يختره ولكنه سيقيم علاقة مصاحبة معاه، أي أننا سنمشي جنبا الى جنب في هذه الحياة، هذا هو معنى المصاحبة، أي أنه يوجد أناس ملازمين لك، فالمصاحبة هي الملازمة.
و العلاقات التي هي بين بين، هي التي فيها جزء شبه اختياري، كالوظيفة مثلا، أنت لا تختار الوسط الذي تعمل معه أو المدير، ما يعنيك هو أن تقبل في وظيفة ما أصلا وأن تكون ذو مرتب معقول وأن تكون ساعات العمل معقولة والمكان ليس بعيدا جدا، فلا تنظر الى من هم الزملاء والمديرين وخلافه، فهذا الجانب لا تستطيع أن تفع فيه شيئا، وحتى عندما تنقل الى وظيفة أخرى فلأنها أفضل ومرتب أعلى وليس لأن فريق العمل هناك أظرف وأفضل ومتوافق معي، ليس عندنا هذه الرفاهية، وإن كنت أحيانا ممكن تنقل الى مكان وعمل ماديا أفضل ولكن ضغط الصحبة أو الإدارة كتكلفة أسوأ بكثير من تلك الزيادة في المرتب، وهذه نقطة خطيرة، إذا كان زيادة المرتب يقابلها ضغطا نفسيا أكبر وتوترا زائدا، فأيهما أولى؟ أيهما له تأثير عليك أكثر؟ كيف نحسبها؟ لكن في النهاية نقول أن هذا النوع من العلاقات فيه شوب، فيه جزء اختياري ولكن ليس في هذا الجانب.
كيف تقام علاقات المصاحبة التي تطول مع المرء؟ ليس دائما تكون وفق ما تحب أو وفق ما تتمنى أو تختار، قلنا الجمعة السابقة أن المكان الذي يتحقق فيه للإنسان كل ما يتمنى هو الجنة فقط، لا يوجد جنة على الأرض، من يعتقد أنه يمكن أن يأخذ كل ما يتمنى في هذه الدنيا فهو واهم، لا يوجد مثل هذا، يوجد أِشياء كثيرة على خلاف من تتمنى وما تأمل أو على خلاف ما ترجو، كيف تتعامل معها؟ بالإحسان وبالصبر. هذه أدوية صعبة لكن لا يوجد أدوية أخرى. وذكرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم علق على الجنازة فقال كلمتين على هذه الجنازة ” مستريح ومستراح منه “. ماذا تعكس هذه الكلمات؟ هي تتكلم على ما قد فات وليس على ما هو قادم. فهذه الجملة لا تتكلم عن حال الشخص أين سيذهب بل حاله وهو خارج من الدنيا، إما أنه سيستريح من كبد الدنيا الذي كان يعانيه أو أن الناس ستستريح منه.
فهذا الشخص إما أن يكون مستريحاً، يستريح من هم الدنيا وعنائها والأذى إلى رحمة الله، النبي صلى الله عليه وسلم قال هكذا، قال أن المؤمن يستريح من تعب الدنيا وعنائها وما فيها من الأذي لأنه ذاهب إلى رحمة الله، فَفِي رَحْمَةِ اللهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ، حسناً والآخر؟ يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب، فهؤلاء كلهم كانوا يعانون منه، النبي صلى الله عليه وسلم لم يتكلم عن بني آدم وفقط، العباد هم الناس أياً كانوا، مؤمنون، كافرون، والبلاد، والشجر والدواب، لذلك ربنا سبحانه وتعالى حين ذكر آل فرعون قال: فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ لماذا؟ لأنهم لم يحسنوا صحبة شيء وبالتالي فلن يبكي أحد عليهم، ربنا سبحانه وتعالى لم يتكلم عن الناس هنا، وبالصورة المقابلة أناس تبكي عليهم السماء والأرض لحسن الصحبة، وهنا لا نتكلم عن الناس، نحن تكلمنا كثيراً أن الإنسان له علاقة بكل شيء وليس فقط بالبشر، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله وملائكته وأهل السماء والأرض، حتى النملة، في جحرها، وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير، إن الله وملائكته وأهل السماء والأرض، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت في قاع البحر ليصلون على معلم الناس الخير، لماذا؟ لأنه حين يعلمهم الخير ويمتثلوه، لأنه لن يعلمهم الخير وفقط فهو سيعلمهم الخير فيمتثلوه فيظهر أثر الامتثال لكلام الله بالخير على كل العلاقات والتعاملات حتى ما يمس منها الحشرات والحيوانات البري منها والبحري، كل شيء، فإذاً حين تطيع أمر الله فأنت بذلك تصلح علاقاتك وتحسن إلى كل شيء، وليس إلى كل أحد، تحسن إلى كل شيء.
فهذه العلاقة علاقة مبنية على المصاحبة، فإذاً المصاحبة علاقة مبنية بالأساس على قدر من الصبر والتحمل فيما تلقاه، وعلى قدر من الإحسان، وهذا ما تقدمه، ربنا سبحانه وتعالى قال: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، ثم جاءت الأوصاف بعد ذلك، كيف رتبت؟، أول شيء يخطر على ذهنك حين تذكر التقوى هي خصوص العلاقة بين العبد وبين الرب سبحانه وتعالى، هذا الأصل، لكن ربنا لم يقل كذلك فقد قال: أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أنت تقدم، الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وكلا الأمرين صعب، في السراء أنت كنت تنتظر شيئاً من السعة حتي توسع على نفسك، وفي نفس الوقت تريد قدر من التأمين المالي فإذا حدث شيء لا ترجع إلى ما كنت عليه، وتأمل أن تفعل شيئاً بهذه الأموال، هي ليست سهلة أيضاً على عكس ما يعتقد الناس، هذه صعبة وهذه صعبة، وفي الضراء أنت تحتاج أصلاً إلى هذه الأموال، ففي السراء أنت تأمل وتخاف وفي الضراء أنت محتاج، الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ أنت هنا تقدم، ثم تستقبل، ماذا تستقبل؟ تستقبل شر، تستقبل شر الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ رحلة صعبة من المجاهدة، أولاً هو سيحاول أن يسيطر على نفسه وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ، وهذه صعبة، ثم يحاول أن يغسل ما في قلبه ويسامح، وهذا لا يأتي مباشرة ولن تستطيع أن تفعله دائماً، فإذاً هو أولاً يكظم غيظه، لا يأخذ إجراءاً ” بيحاول يعمل كنترول على نفسه ” ، ثم؟ يحاول أن يجاهد نفسه حتى يكون قلبه صافياً، ثم يحاول أن يحث نفسه على أن يقابل الإساءة بإحسان، الأمر صعب، ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ وماذا يحدث؟ وماذا يحدث في النهاية، فهذا الأمر لا يأتي من أول مرة؟ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ هو لن يكف عنك وفقط، سيتغير قلبه، أنت تكسّر شيئاً في قلبه مع الوقت، هو يفعل شيئاً سيئاً تقابله أنت بإحسان، شيء في داخله قد كُسر، بناء العداوة الذي يبنيه الشيطان يهد، لا يستطيع أن يقاوم، مع الوقت مقاومة الشيطان ستنهار، ثم ماذا يحدث؟ يتحول للولاية، الولاية هي القرب والرعاية، والحميمية هي الود العالي، فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ولكن وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا أمر صعب، الموضوع صعب والمجاهدة تكون هنا.
حسناً، هذا في العلاقة مع الناس، والعلاقة مع الناس مبنية على أنك تقدم خير عبر عنه ربنا بالإنفاق، تحسن وتتحمل في المقابل رد فعل لا يتناسب مع شكر إحسانك، ولكنك حين تجعله لله، تستطيع أن تكمل، وإن لم يكن كذلك؟ لا تستطيع أن تكمل، لا أحد يتحمل أن يقدم خير فيقابل بشر، لا أحد يستطيع أن يتحمل ذلك إلا إذا كان يدخر ذلك عند ربنا، يشتكي إلى ربنا، يدخر هذا عند ربنا ويشتكي بما في داخله إلى ربنا قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ وإن لم يفعل سيدنا يعقوب ذلك؟.
وبعد ذلك، وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً، فإذاً العلاقة مع الناس مبنية على الإحسان وعلى الاحتمال، هذا أولاً، العلاقة مع الناس مبنية على شيئين، الإحسان هذا من ناحيتك، والاحتمال وهذا في تقبلك، والعلاقة مع الله؟ نحن نخطأ، والمفترض حين نتكلم عن التقوى، نحن نتكلم عن مباعدة كل معصية وملازمة كل طاعة، أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ المتقين، الملازمة للطاعة والمجافاة للمعصية، ربنا سبحانه وتعالى لم يقل ذلك، قال وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا مباشرة، وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً فهو هنا أثبت ما يفعلونه، فحين جاء في العلاقة مع الناس جعل المطلب هنا صعب، أما المطلب في العلاقة مع الله؟ أسهل كثيراً، والذين إن فعلوا فاحشة؟ لا، حسناً.. والذين إذا فعلوا معصية؟ أيضاً لا، لأن [إن] معناها أن هذا الشيء نادر الحدوث، [إذا] شيء يكرر وتوقعات حدوثه عالية، فإذاً، والذين [إن] فعلوا فاحشة ممكن لأن الفاحشة شيء كبير، و[إن] هنا أي أنهم نادراً ما يفعلونها.. وهذا يمكن أن نتوقعه مع التقوى، أو [إذا] فعلوا معصية أو أثم، الأشياء الصغيرة التي من الممكن أن تحدث كثيراً والإنسان يتوب منها أيضاً.. هذا أيضا شيء متوقع، ولكن لا، وَالَّذِينَ إِذَا أي أنها تحدث كثيراً أو توقعات حدوثها كبيرة، وهذا الشيء الذي سيحدث كبير وليس صغير فَعَلُوا فَاحِشَةً، وبعد ذلك أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ أي بما دون ذلك، ماذا يفعلون؟ ذَكَرُوا اللهَ فإذاً هو كان غافلاً حين فعل ذلك.
حسناً، ذَكَرُوا اللهَ وإذا ذكر المتقين ربهم فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ حسناً، وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ يوقن المتقي أنه لا ملجأ من الله إلا إليه وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ صعب، كل شيء ينكرك وتنكره، وهناك ما أصعب من ذلك وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ هو لا يستطيع أن يتحمل نفسه، نفسه، وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ فماذا ستفعل؟ الآن أنت فعلت شيء خطأ وليس بصغير، والناس استنكرت ما أنت عليه وبعدت عنك، وأنت أصبحت بمفردك تمامًا، كيف ستخرج من هذا؟ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ” تاب عليهم ” أولًا، هم لم يتوبوا، لا، ” تاب عليهم ” هو فتح هذه الطريق لكي يسيروا فيها ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا يقذف إليه الحبل ويسحبه، يقذف إليه الحبل ويسحبه، فالإنسان أعجز وأضعف شيء، ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا وعندما يتوبوا؟ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ نحن قلنا أن هناك أمران قبل أن أتوب لابد أن يفتح ربنا الباب وييسره، وعندما أتوب ربنا سبحانه وتعالى يتقبل التوبة، وقلنا قبل أن ربنا تقبل التوبة منك؟ أم عنك؟ ” يتقبل التوبة من عباده ” ربنا لم يقل هذا يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ لأنه سيزيل ما على أعتاقهم من الأوزار، وسيزيل ما هم متحملين له من خطايا ومن تبعات ومن آلام، على كتفك أشياء كثيرة سيزيلها عنك، يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وليس عن جهل وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ
اللهم لك الحمد على حلمك بعد علمك، حلم ليس مبنيًّا على أننا نستحق أن نعامل بالحلم، ولك الحمد على عفوك بعد قدرتك
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
الحمد لله رب العالمين
وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ وهذه أهم نقطة، إلى أين الوجهة؟ أيًّا كان حال الإنسان حتى إذا كان غير صالح، لا يوجد وجهة أخرى، لا يوجد قبلة أخرى للعبد، إلا أن يستقبل ربه، ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ مطلوب شيء واحد فقط، وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ إذًا في البداية هو كان في حالة من غلبة الجهل وحالة من الغفلة لأنه لم يكن متذكرًا لله، فعندما تذكّر أدرك ورجع إليه العلم الذي كان تائهًا منه، فلا يصلح أنه بعدما رجع إليه العلم أن يصر على ما هو عليه، لأن هذا معناه أنه يستخف أو أنه يعاند، وهذه لا تكون في صفات المتقين، فهو يزل ويذكر ربنا ويسرع إليه، ويطلب المغفرة والرحمة.
إذًا ما نريد أن نقول أن العلاقات المبنية على المصاحبة ستنبني على ركنين، وليست كل العلاقات اختيارية، وليست كل العلاقات ستسير مثلما تحب، لكن ربنا سبحانه وتعالى أوجب حق ووضع واجب، أنت تؤدي ما عليك لكي يرضى ربنا، وتنتظر أن يأتي إليك الحق الذي هو لك الذي أمر به ربنا، فإذا جاء فالحمد لله، وإذا قصّر فيه؟ العوض من الله.
فإذا ضغطت أنا في الطلب له ولم يأتِ؟ فبما أن العلاقة المبنية على المصاحبة هي علاقة ضيّقة في حيّز ما وأنت تأمل أن تنتقل منها لحياة أفضل تصحب فيها من تختار وتصحب فيها من تحب ولا تجد فيها إلا ما ترغب، فنظرك إلى ما تأمل يعينك أن تصبر على ما لا تحتمل، هذه هي الفكرة، نحن قلنا في الجمعة الماضية أن أبو مسعود الأنصاري رضي الله عنه وهو خارج إلى الكوفة الناس طلبت منه أن يوصيهم، فقلنا ماذا قال لهم؟ قالوا: أوصنا، قال: بتقوى الله والصبر حتى يستريح برٌّ أو يستراح من فاجر،،، إذًا هذا قانون، هذا قانون من قوانين المصاحبة في الحياة، قانون من قوانين المصاحبة في الحياة، علام تبنى؟ أول شيء: أنك ستحاول أن تتعامل مع ربنا سبحانه وتعالى وليس مع العبد، تتعامل مع ربنا سبحانه وتعالى من خلال علاقاتك مع العباد، ولا تتعامل مع العباد، وتنتظر أجرك من الله، وربنا قال هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ الأمر الآخر: أنك تفكر في الجنة والعوض الذي سيعطيه ربنا لك حينما تحسن مثلما أمرك ربنا، وعندما تحتمل وتصبر مثلما أمرك ربنا، وأن فترة المصاحبة مهما كانت ومهما طالت فهي قصيرة، والإنسان يستطيع بالصبر والاستعانة بالله أن يتحمل.
نحن إذًا فيما تحدثنا الآن؟ نحن نقول أن ربنا سبحانه وتعالى لماذا اختار كلمة الصاحبة؟ وأن هذا جزء من علاقات الحياة التي هي أصلًا مبنية على هذا القانون ” المصاحبة ” وقلنا الجمعة الماضية لماذا سمى هذه بالذات ” الصاحبة ” لأن ملازمة الرجل لامرأته أكثر وألصق وأطول صور الملازمة في الغالب، قرب العلاقة وتلازمها وطولها، فهي استحقت أكثر من أي أحد أن توصف بهذا، فلما ربنا يقول لنا أن اسمها صاحبة فأنا سأفهم من هذا الكلام رسائل معينة، ولما نقرأ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا حينئذٍ نستطيع أن نترجم لماذا هذا الذي اختار له ربنا سبحانه وتعالى هذا الاسم؟ هو يقول لصاحبه، يقول لصاحبه، لم يذكر ” النبي وتابعه ” لا، قف هنا قليلًا إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا عندما تمر هذه الكلمة توقف، هذا صاحبه، صاحبه، قال: فهل أنتم تاركون لي صاحبي، مرة تعارك معه أحد، فالنبي صلى الله عليه وسلم غضب، قال: قلتم كذب، وقال أبو بكر صدق، وواساني بنفسه ومالي، فهل أنتم تاركون لي صاحبي، ” محدش له دعوة بصاحبي ” النبي يقول لا أحد يضايق صاحبي، اترك أي شيء آخر، هو يقول: لا أحد يأتي على صاحبي، النبي يقول لهم أنتم جميعًا في كفة، كلكم في كومة وهذا بمفرده،، أيًّا كان الباقين اسمهم ماذا، لكي تفهم ما معنى ” أبوبكر ” فهو بمفرده، فيوجد النبي ويوجد أبوبكر ويوجد أناس آخرون،، هو صاحبه بمفرده، ربنا أسماه هكذا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ على من؟ على صاحبه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نفسه مملوء بالسكينة ولا تفارقه، فمن الذي كان قلقًا، هل النبي كان قلقًا؟ حاشاه، صاحبه قلق، هل صاحبه قلقًا على نفسه؟ ولذلك من الصعب أن تسمي أحد صاحب أحد، لن يكون أحد ” أبوبكر ” هو ليس قلقًا على نفسه، هو قلق على صاحبه لأن صاحبه هذا يمثّل الدين والنبوة والرسالة، فقال له: ربنا ” ليس معي ” قال له لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا ولم يقل معي، فهو داخل معه في المعية إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ لا تقلق، لا تقلق إِنَّ اللهَ مَعَنَا عندما قال له إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ هذا أبوبكر وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا هذا محمد صلى الله عليه وسلم وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ وقلنا قبل ذلك كذا مرة أنه لم يقل ” وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وجعل كلمة الله هي العليا ” لا لا لا، قال وَكَلِمَةُ على الابتداء، فما الفرق بين الاثنين، عندما تقول وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا إذًا ربنا أنزل كلمة الكفّار ورفع كلمة الإيمان، رفع،، لا لا،، هي لم تكن تحت لكي ترفع، بل هي دائمًا في الأعلى، وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هذه مكانها هنا دائمًا، ولكن الثانية كانت تحاول أن تصعد لها وتزاحمها وتنافسها، وهذا لن يصلح، وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ فهي كانت ترتفع وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وأما ما بالأعلى؟ ما بالأعلى مازال بالأعلى، وستبقى في العليا، وستبقى في العليا، لأن ربنا سبحانه وتعالى هو الذي في الأعلى، فكل ما ينسب إلى الله لابد أن يكون في الأعلى، ولذلك المؤمنون حينما هُزموا في أحد، هم أخطأوا وربنا حاسبهم على الخطأ وعاتبهم على الخطأ، وقبل أن يقول لهم أنهم أخطأوا، قال لهم وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ إذا كنتم مرتبطين بالإيمان وبالله، وبما أن ربنا فوق؛ فكل أحد مرتبط به فهو فوق، هو أخطأ لكي يتربى ولكي يتأدّب، ولكن الخطأ لن ينزله من فوق إلى أسفل، لا تنزله من الأعلى إلى الأسفل، هو سيظل في الأعلى طالما هو مرتبط بمن في الأعلى وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه
اللهم خذ بأيدينا إليك أخذ الكرام عليك لا تفضحنا بين خلقك ولا بين يديك
اللهم ارحم في هذه الدنيا غربتنا، وارحم اللهم عند الموت كربتنا، وارحم اللهم في القبور وحشتنا، وارحم اللهم في القيامة ذل مقامنا بين يديك
اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا
اللهم نقّنا من الخطايا والذنوب، اللهم نقّنا من الخطايا والذنوب، وتب علينا ربنا لكي نتوب، وتب علينا ربنا لكي نتوب
اللهم يا مقلّب القلوب ثبت قلوبنا على دينك
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.