إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. إنه من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
ثم أما بعد:
من أين نبدأ وإلى أين نسير؟، من هنا نبدأ ثم إلى الله نصير، من هنا نبدأ ثم إلى الله نصير
نحن اليوم في حديث لم يُعد له سلفا، ولم يُنسّق له كلمات كما هي العادة، نتحدّث اليوم عن إعادة ترتيب الأوراق، عن ترتيب بنيان الإنسان المسلم.
لقد ذكرنا قبل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” بُني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج وصيام رمضان ” .
وذكرنا أن هذا الحديث الذي كان ربما من أول ما تعلّمناه في الصغر عن دين الإسلام إنما يعكس معنى ربما لا نلتفت إليه كثيراً، هو صلى الله عليه وسلم يصف الدين بأنه بناءٌ يبنى لابد أن يؤسس كما ينبغي، أن يؤسس البنيان الراسخ، ولابد أن توضع كل لبنة فيه في محلّها الذي ينبغي أن توضع فيه، ليس شيئاً عشوائياً أو شيئاً لم يبذل جهدٌ في إعداده وبنائه، فهو صلى الله عليه وسلم يخبر أن الإسلام بنيان، هذا البنيان لابد له من تأسيس قوي، ولابد له من أعمدة متينة، ثم تأتي الجدر والأسقف، ثم بعد ذلك يتم إعداد البنيان من الداخل على صورة تهيّئ السكنة والإقامة حتى يكون بناءً حافظاً للإنسان المسلم الذي يحتمي به، لماذا يوجد البناء، ما فائدته؟ لكي يأوي إليه الإنسان، وينتفع به ويحميه من القرّ ومن البرد ومن كل ما يهاب ومن كل ما يخاف، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم ” من أصبح آمناً في سربه ” محل الأمن والسكون والطمأنينة شيء يحمي الإنسان، فهذا البنيان موجود لكي يحتمي الإنسان به، فإن لم يكن على الصورة التي ينبغي أن يكون عليها؟ لم ينتفع به العبد، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ بن جبل في سنن الترمذي وهو يصف الإسلام، قال: ” رأس الأمر الإسلام ” وقلنا الرأس هذا: هو الأساس، ” وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله ” إذاً النبي صلى الله عليه وسلم يتكلم عن البنيان بأنه بناء هرمي – سنام الجمل هذا مثل الهرم – إذاً هذا التأسيس قاعدة عريضة من بناء الإيمان ثم عمود أساس لا يقوم البنيان إلا به وهو الصلاة، من حافظ عليها فقد حفظ دينه، ومن كان مضيّعاً لصلاته فهو لما سواها أضيع، ويستمرّ الإنسان يرتقي في بنيان الإيمان حتى يكتمل بنيانه، إذاً هذا البناء يحتاج إلى تأسيس، لكي يكون صالحاً مصلحاً للعبد في الدنيا والآخرة.
فما أساس هذا البناء؟ أساس هذا البناء هو معرفة الله تبارك وتعالى والإيمان به وتعظيمه، أول شيء الإنستن يدركه أو من المفترض أن يدركها ويؤمن بها ويوقن بها هو إيمانه بعظمة الله تبارك وتعالى، الإيمان بخالق عظيم سبحانه وتعالى خلق هذا الكون من خلال التبصّر في هذا الخلق، لا أتكلم عن تنزيل أو رسالة أو قرآن، لا أصل التبصّر والتفكّر عند الإنسان إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ فما أثر ذلك؟ وما الذي سيترتب عليه؟ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا – عبثا – سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ من خلال التبصّر في هذا الخلق يوقن الإنسان ويؤمن أن له خالقاً عظيماً سبحانه، عليماً وقديراً وحكيماً ورحيماً ومن أثر ذلك أن مقتضى الحكمة الإلهية والرحمة الإلهية ألا يترك هذا المخلوق الضعيف الذي خلقه سبحانه وتعالى ويعلم تركيبه وصفاته؛ ألا يتركه هكذا بلا هداية ولا نور ولا توجيه ولا إرشاد، هذا لا يكون، لماذا لا يكون؟ لأن حكمة ربنا سبحانه وتعالى ورحمة ربنا توجب عكس ذلك.
ولذلك ربنا سبحانه وتعالى في كتابه ذكر هذا الوهم، ذكره في مثار الاستنكار، قال تعالى أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا بصيغة استفهام استنكاري، الموضوع لم يكن محتاجاً حتى ولو تقرير أو بيان، لا يمكن للإنسان أن يدرك أو يتصوّر أو يتوهّم أن ربنا سبحانه وتعالى سيخلق الناس ويبثّهم هكذا بدون أن يوجّههم أو يهديهم أو يرشدهم أو يخبرهم لماذا خلقهم، وما وظيفتهم وكيف تكون سعادتهم هذا لا يكون أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ما معنى سدى؟ هملاً لا توجيه ولا هداية ولا أمر ولا نهي هذا لا يكون، إذاً مقتضى هذه الحكمة الإلهية والرحمة الإلهية والعظمة الإلهية أن ربنا سبحانه وتعالى سيخاطب الإنسان، فكيف سيخاطب الإنسان؟ سيخاطب الإنسان عبر رسالات إلهية توجّه لهذا الإنسان مباشرة.
فكيف ستكون هذه الرسالات؟ لابد من وساطة ما بين الرب سبحانه وتعالى وبين العباد، فلماذا وساطة؟ لأننا لن نفقه عن الله إلا بأن نخاطب من بني جنسنا، لكي نفهم عنهم، نفقه منهم، وشيء آخر مهم قلناه كثيراً؛ نتأسى ونقتدي بهم، الرسالة ليست مجرّد بيان لا لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ من أنفسهم، لا يصلح أن يكون شيء آخر وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا لكي تستطيع التعامل معه.
فما وظيفة الرسول يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ هذه أول وظيفة، أما الثانية وَيُزَكِّيهِمْ ما معنى يزكيهم؟ أي سيبذل هو جهد – الذي نسميه تربية – في تطهير القلوب وإصلاح الأخلاق، تهذيب النفوس، إذاً هي ليست مجرّد عملية تعليمية لا، ولذلك لم يصلح أن تكون الرسالة هكذا مرسلة وانتهى الأمر، وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ
وغير التزكية؟ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ إذاً التلاوة هي مفردات القرآن، أما التعليم هو معاني القرآن، إذاً من وظيفة الرسالة شرح وتفسير وبيان معاني الكتاب، لن نترك نحن هكذا.
ولذلك ربنا سبحانه وتعالى قال الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ هل هو خلق الإنسان أولاً أم علّم القرآن أولاً؟ هل علّم الإنسان البيان أولاً أم علّمه القرآن أولاً؟ فلماذا قدّم ربنا سبحانه وتعالى القرآن على خلق الإنسان الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ فما هو البيان؟ قدرة الإنسان على التعبير على مكنون نفسه وبالتالي الناس تستطيع أن تتواصل وتتفاهم وتتواد وتتقارب.
والحكمة، ما معنى الحكمة؟ تعليم الكتاب أي معاني الكتاب، أما الحكمة؟ كيف يطبّق الكتاب في الوقائع، كيف يتعامل به مع الناس، كيف يعالج به مشاكل الناس، هذه ما نسمّيها السنّة.
ولماذا تسمى حكمة؟ الحكمة: أن تضع كل شيء في موضعه الصحيح، إذاً معاني الكتاب هذه تحتاج إلى اسقاطات على الواقع، هذه الآيات متى تطبّق وكيف وبأي صورة؟ وبأي قدر وبأي كيفية؟ ولذلك احتاج الكتاب وبيانه إلى النموذج الماثل الواقعي الذي يتمثّله ويطبّقه يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وقلنا أن الطبيعي أن تعليم الكتاب والحكمة أولاً ثم التزكية، التزكية نتيجة والتعليم مقدّمة فلماذا تقدّمت النتيجة على المقدمة، مع أن هذا خلاف الترتيب المنطقي، نحن قلنا أن سيدنا إبراهيم عليه السلام في سورة البقرة وهو يدعو قال رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ ماذا يفعل يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ إذاً كيف رتّب هو؟ بالترتيب الطبيعي؛ سيتلو؛ يعلّم الكتاب؛ يعلّم الحكمة فتحصل التزكية والطهارة والنقاء للقلوب.
لكن ربنا سبحانه وتعالى حينما استجاب الدعوة أعاد ترتيبها فلماذا أعاد ترتيبها؟ هل سيدنا إبراهيم قال كلاماً خلاف المنطق والطبيعة؟ لا بالعكس، لكن هنا من حكمة ربنا سبحانه وتعالى أنه يضع الغاية قبل الوسيلة لكي أتعلم وأنا عارف لماذا أتعلم.
لماذا أتعلم؟ لماذا سأتعلّم الكتاب وأتعلم الحكمة؟ لكي أصل لتزكية، إذا نسيت الغاية وأنا سائر سأتيه كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ
إذاً ربنا سبحانه وتعالى حينما استجاب هذه الدعوة وبيّن ذلك في ثلاث مواضع من الكتاب أعاد الترتيب لحكمة عظيمة أرادها سبحانه وتعالى وأراد أن يبيّنها لنا.
إذاً الرسالة عبارة عن خطاب إلهي للبشر تمثّل في صورته النهائية في القرآن، والرسول صلى الله عليه وسلم يبيّن ويفسّر ويوضّح ويشرح ويطبّق هذا القرآن، ولذلك ذكرنا أيضاً مراراً هشام بن عامر رحمه الله حينما أتى إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فسألها عن خلقه صلى الله عليه وسلم، حاله وسلوكه، فماذا قالت له؟ قالت: أتقرأ القرآن – أنت حافظ قرآن – قال لها: نعم، قالت: فإن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان هو القرآن، قال: فهممت أن أقوم ولا أسأل عن شيء بعدها.
يقول: ثم سألتها عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن تفصيل الوتر هذا وكيفية أداء هذه العبادات ليست موجودة في القرآن، فلماذا هو كان يريد أن يقوم؟ يقول أنها أحالته على القرآن لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمثّل نموذج تطبيقي عملي واقعي لممارسة القرآن، هذا القرآن – كما قلنا مراراً – يحمل في طياته، في تضاعيفه، في باطنه، يحمل دلائل صدقه ويقينيّته، نحن قلنا أن القرآن لا يحتاج إلى دليل خارجي لاثبات أنه كلام ربنا سبحانه وتعالى، القرآن نفسه لكل من تدبّره أدرك أن هذا لا يكون أو لا ينبغي أن يكون إلا كلام الله، وهذا هو الذي يسميه العلماء إعجاز القرآن، وذكروا له أوجه كثيرة.
أول أمر ربنا سبحانه وتعالى ذكرها هي بلاغة القرآن، والتحدي للناس كان في هذا الشكل أو في هذه الصياغة، والناس مع الوقت كلما تدبّرت في القرآن اخرجت أوجهش كثيرة من أو العظمة والإعجاز، سواء فيما يتعلّق بالكونيات التي لم تكن موجودة أو معروفة في هذا الزمان، ما يتعلّق بتشريع، ما يتعلّق بالتعامل مع النفسيات، وكل من قرأ القرآن – هذه ليست محتاجة لدليل – أدرك يقيناً أن هناك مخاطِباً ومخاطَباً في القرآن، أنت عندما تقرأ القرآن ستكون موقن أن النبي صلى الله عليه وسلم يوجد من يُكلمه من فوق هذا شيء واضح ولا يحتاج لدليل، وهذا أبسط شيء، فأنت الآن حينما تقرأ كتاباً لمؤلّف بتجد روح المؤلّف في الكتاب، وأول ما تقرأ القرآن بتجد النبي صلى الله عليه وسلم هو واحد من جملة المخاطَبين لكنه واسطة الخطاب بين الله تبارك وتعالى وبين العباد.
إذاً نحن وصلنا الآن إلى أن هناك خالقاً له صفات عظيمة، أدركناها من الخلق آلت أو أدت إلى أن يرسل سبحانه وتعالى برحمته وحكمته رسلاً، وينزل سبحانه وتعالى كتباً وأنه يجب على كل من بلغته هذه الرسالة أن يؤمن بالله تبارك وتعالى ربّاً واحداً وأن يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً خاتماً لرسل الله وأن يؤمن بالقرآن خاتماً لرسالات الله تبارك وتعالى إلى هؤلاء البشر.
وهذه هي الكلمة السواء التي أراد الله سبحانه وتعالى للعباد جميعاً أن يجتمعوا عليها، قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ.
هذه هي الثوابت واليقينيّات التي يقيمها الإيمان، علام يبنى هذا الأساس؟ هو أساس الاستسلام لله تبارك وتعالى إيماناً من العبد بالله ربّاً وإلهاً سبحانه وتعالى، إيمانٌ برسل الله من الملائكة، وبرسل الله من البشر، وبكتب الله المنزّلة وإيماناً بلقاء الله تبارك وتعالى وإيماناً بأنه لا يتحرّك شيءٌ ولا يسكن إلا بقدره وتقديره وحكمته ” أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره “
ثم هذا القرآن له سياج يحميه وله إطار يحويه، وهذا مم يتكون؟
سيدنا عمر يتكلم عن آيات الربا التي نزلت في أواخر البقرة قال: كان آخر ما نزل من كتاب الله آيات الربا، وقد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يفسّرها لنا فاتّقوا الربا والريبة. ما معنى هذا الكلام؟
هو يقول رضي الله عنه أن آخر آيات نزلت هي الآيات التي في خواتيم سورة البقرة من أول الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ حتى قوله تعالى وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ هذه الصفحة سيدنا عمر يقول أن هذا من أواخر ما نزل، ثم
وقد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يفسّرها لنا. وهنا يوجد نقطتان أساسيتان؛ النقطة الأولى وهي سبب إيراد هذا الأثر؛ معنى هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم يفسّر ويبيّن ويوضّح كل ما نزل من كتاب الله وبالتالي شرحه وبيانه وتفسيره موجود.
النقطة الثانية ما معنى ” قبض قبل أن يفسّره “؟ هل يقصد مجرّد تفسير المعاني؟ فهذا موجود ومعلوم ومعروف، فليس هذا، ولكن أن يفصّل ويبيّن كل صور وتفاصيل الربا في المعاملات، فهو يقول أن النبي صلى الله عليه وسلم قبض قبل أن يستتم شرح كل أوجه وتفاصيل هذا، ” فاتّقوا الربا ” الذي تعلمون أنه ربا بيقين، ” واتقوا الريبة ” فما هي؟ هي بين بين.
إذاً بيان النبوة ليست مجرّد بيان المعاني، ليست أن هذه الكلمة معناها كذا، أو الربا تعريفه كذا، لا الموضوع أعمق من هذا بكثير، هو سيبيّن كل الصور التي تدخل في هذه الدائرة الواسعة، فما الحل؟ قال: فاتّقوا الربا والريبة.
قال ربنا تبارك وتعالى وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ إذاً هنا ربنا سبحانه وتعالى يتكلم عن أمرين، وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ نحن لا نعرف ما هو بالضبط، فما وظيفته؟ سيبيّن أي يشرح ويوضّح للناس الذي نزّل إليهم – وهو القرآن –
إذاً هناك شيء آخر ربنا أنزله وأسماه ذكراً وقال أن هذا وظيفته بيان أي شرح وإيضاح الكتاب وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ يوجد آيتان يتلو في بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يوجد كتاب يتلى وهو القرآن، ويوجد شيء آخر يتلى، فما هي؟ ربنا سمّاها الحكمة، وقلنا لماذا سميت حكمة؟ لأنها الصورة المثالية للتطبيق أو للإعمال أو لتنفيذ القرآن، ولذلك عندما يقول ربنا تبارك وتعالى إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ نستطيع أن نفهم ما المقصود، ماذا يقول ربنا إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما معنى يكتمون؟ أي أنه سيخبّئ.
فماذا سيكتم؟ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى ربنا وصف القرآن بصفتين؛ هدى أي يرشد الإنسان إلى الطريق كخطوط عامة، والبيّنات – علامات ومنارات على هذا الطريق.
يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى وبعد ذلك مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ معنى هذا أن الكتاب فيه بيان وإيضاح، بس الناس محتاجة مزيد من التبسيط والشرح أو التقريب عبر جهد العلماء، فهم لو كتموا يفسدوا البيان القرآني الأصلي.
إذاً القرآن أصلاً فيه بيان، وهذا البيان محتاج إلى بيان آخر لو هذا البيان الآخر تمّ كتمانه أو حجبه يفسد البيان الأول، فلأجل أن يخرجوا من هذا إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا.
ولذلك ذكرنا قبل هذا سيدنا أبو هريرة؛ كان يقول: يقول الناس أكثر أبوهريرة – يقول الناس أكثر أبوهريرة – ما معنى أكثر؟ أي من أين أتى بكل هذه الأحاديث؟
كم صحب سيدنا أبوهريرة النبي صلى الله عليه وسلم؟ أربع سنوات، فيوجد أناس – حتى في هذا الزمان، هذا الزمان النقي – يوجد أناس تطعن وتقدح، يقولون: أنه جلس أربع سنوات من أتى بكل هذه الأحاديث.
فهو يقول: يقول الناس أكثر أبوهريرة ولولا آيتان في كتاب الله ما حدّثت حديثاً، يعني أن هذا الكلام وقع في قلبه موقع، لأن هذا الكلام به نوع مباشر أو غير مباشر من الاتّهام.
فما معنى ” من أين أتى بكل هذه الأحاديث “؟ إذاً يوجد حالة من ضعف الثقة أو التشكيك في المروي، إذاً ظاهرة التشكيك هذه قديمة ولكنها تختلف باختلاف العمدية أو عدم العمدية، يعني شخص يعرف ماذا يفعل، وآخر لا يدرك ما أثر كلامه.
فهو يقول: أن هذا الكلام وقع في قلبه موقع، فهو لكي يحفظ عرضه لا يريد أن يتكلّم، لكن يوجد أمر يضغط عليه تجعله لا يقدر أن يتكلّم، قال: ولولا آيتان في كتاب الله ما حدّثت حديثاً إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
الحمد لله رب العالمين: إذاً هذا النور الذي أنزله الله تبارك وتعالى الذي هو الكتاب جعل الله سبحانه وتعالى له سياجاً واقياً، وإطاراً مبيّناً مفسّراً موضّحاً فيم يتمثّل؟ يتمثّل في شيئين؛ حفظ ربنا سبحانه وتعالى للدين أو قول الله سبحانه وتعالى إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ يتمثّل في أمور، مثلما قلنا حفظ القرآن وحفظ تفسير النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن الذي سمّاه ربنا سبحانه وتعالى ذكراً وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ فعندما يقول إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ – أي للذكر – لَحَافِظُونَ إذاً يدخل منه بالأولوية ما نصّ الله على كونه ذكراً، هذا أمر.
الأمر الآخر: اللغة قال تعالى بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ لابد أن تبقى العربية محفوظة لكي يبقى القرآن محفوظاً، إذاً من الأشياء التي ينبغي أن تكون محفوظةً بحفظ الله: الوحي القرآني، تفسير الوحي القرآني من أفعاله وبيانه صلى الله عليه وسلم، اللغة التي يُفهم بها القرآن.
اليوم ربنا سبحانه وتعالى أنزل القرآن لكي نفهمه أم لئلا نفهمه، أي أنه أنزله ألغازاً وأحاجي، تظل الناس مضطربة لا تعلم معنى هذا الكلام، ربنا قال وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ الذكر: هو الاتّعاظ، فكيف ربنا سبحانه وتعالى يسّره للذكر، لابد ن تكون كل هذه الأدوات ميسّرة، هذه من اللوازم.
أي أمر ربنا سبحانه وتعالى وعد به وتكفّل بها لابد أن يكون لوازمه وموجباته ومقدماته متوفّرة، وإلا سيكون هذا في النهاية نوع من أنواع الانتقاص أو الشك أو ضعف اليقين في هذا الوعد الإلهي العظيم.
فربنا سبحانه وتعالى أعطانا ديناً ميسّراً، النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” إن هذا الدين يسرٌ ” وقال تعالى وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى وأعطانا كتاباً ويسّره لنا قال وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ ثم حثّنا على التذكّر قالفَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ
فهذا التيسير عبر ماذا؟ لابد أن يكون معناه وبيانه فيه قدراً من الوضوح، وأدوات الفهم والبيان متاحة وموجودة ومتيسّرة، ولكن هناك نقطة مهمة تتعلق بالبيان القرآني.
سيدنا علي، نحن ذكرنا من خطبتين أو ثلاثة، ذكرنا أمر الخوارج ووصف النبي صلى الله عليه وسلم لهم، فماذا قال؟ قال: ” يخرج في آخر الزمان ” وقلنا أنه قال يخرج في آخر الزمان رغم أنهم خرجوا في أول الزمان، يعني بداية خروجهم في زمان الصحابة، فلماذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم خروجهم في آخر الزمان، سألنا هذا السؤال وقتها ولم نجب عليه، والآن نسأله ولن نجيب عليه.
فما صفات هؤلاء الناس؛ حدثاء الأسنان، قلنا: السن الصغير، السن الصغير هذه لابد أن يكون لها مدلول، فما المقصود بالسن الصغير؟ مثلما قلنا؛ قلّة الحكمة والخبرة والتجربة، إذاً هذه الأشياء لها قيمة.
فهم سفهاء الأحلام،، سن صغير وعقل ضعيف، فهم أناس خفيفة، ليس لديهم قدر من الإحاطة وبعد النظر، وبعد ذلك يقولون من خير قول البريّة.
أي أن الكلام الذي يقولوه كلام كويّس وجمل صحيحة، المشكلة ليست في الجمل، المشكلة في الممارسة والفهم. المشكلة في أمرين: الفهم والممارسة.
ما الفهم: قال ” يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم ” أما الممارسة ” يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان ” هناك مشكلتان، ليس الكلام، – الكلام ليس معياراً – الفهم، والمشكلة الأخرى؛ السلوك والممارسة والتطبيق.
عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: ” إن الناس قد أحسنوا القول كله ” كل الناس يتكلمون جيّداً، ” فمن وافق فعله قوله فذاك الذي أصاب حظّه، ومن خالف فعله قوله فإنما يوبّخ نفسه ” نحن جميعاً نتكلّم بشكل جيّد، ليست هذه هي المشكلة.الفكرة: هل الممارسة توافق النظري الذي أقوله أم تخالفه، هذا هو المعيار.
فسيدنا عليّ عندما أرسل سيدنا عبدالله بن عباس لمناظرة الخوارج ماذا قال له وبماذا أوصاه؟ قال له أن يناظرهم بالسنّة ولا يناظرهم بالقرآن، قال: فإنه حمّالٌ، يعني يحتمل أكثر من وجه.
هل معنى هذا أن القرآن ليس واضحاً؟ لا، القرآن معانيه واضحة لكن لعظمة البيان القرآني واتّساعه أحياناً الألفاظ تحتمل أنها من الممكن أن تتوجه أكثر من توجيه. فهل هذا في معظم القرآن؟ لا، ربنا لم يقل ذلك، قال هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ ما معنى محكمات؟ أي أنها مغلقة لا تستطيع أن تحرفها يميناً أو شمالاً، فمعناها واضح جدّاً، هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ هذه أكثر القرآن، ولكن وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ما معنى أُخر؟ أي آيات أخرى ولكن قليلة، لكنها متشابهة، ما معنى متشابهة؟ أي أنها تحتمل أن تحمل على هذا الوجه وعلى هذا الوجه، فما الذي يحدث؟ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ أشخاص أصلاً عندهم هوى، هو لم يقرأ القرآن ففسد، لا هو أصلاً عنده هوى وميل فهو يستثمر الآيات المتشابهة فيحوّلها ويطمس الوجه المحكم الذي هو الأكثر فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا
فما قال ابن عبّاس؟ قال: يا أمير المؤمنين، أنا أعلم بكتاب الله منهم، في بيوتنا نزل،، ما معنى في بيوتنا نزل؟ يريد أن يقول أن الصحابة أعلم الناس بالوحي، لماذا؟ لأن هؤلاء هم المصاحبين الملازمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، الآيات نزلت في واقائعهم وأحداثهم وفي حياتهم الشخصيّة والاجتماعية فهم أعلم الناس بوقت الآية ومكان وسبب نزولها.
ابن مسعود يقول: ما من آية في كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت وفيم نزلت ولو أعلم أحداً أعلم بكتاب الله مني تناله المطايا لأتيته.
لماذا هؤلاء هم أعظم الناس ولماذا هم قدوة لنا؟ لأسباب كثيرة، منها تزكية ربنا لهم، منها قلوبهم الطاهرة، منها إرادتهم للخير، منها صحبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم، منها أنهم أهل اللغة واللسان؛ فهؤلاء هم العرب الذين هم العرب فعلاً.
فهو يقول له ” في بيوتنا نزل ” ، قال: صدق ” أنا لم أعترض ” ولكن القرآن حمّال ذو وجوه، تقول ويقولون، ولكن خاصمهم بالسنّة، فإنهم لن يجدوا عنها محيصاً، فناظرهم ابن عبّاس فخاصمهم بالسنّة، أو فناظرهم بالسنّة فلم يبقي بأيديهم حجّة.
إذاً هم لا يفهموا القرآن، سيحملوه على غير محامله، ليسوا متأثرين به، ما معنى لا يجاوز تراقيهم؟ الترقوة هي هاتان العظمتان ” العظمتان اللتان تكتنفان الحنجرة ” أي أن القرآن في الحنجرة فقط، لكن القلب الذي هو محل التأثر وبناء الإيمان والتهذيب وصفاء النفس، كل هذا لا يحدث، كلام فقط، كلام فقط، وبالتالي لا يوجد حتى الفهم ولا إدراك.
فماذا سنفعل؟ السنّة هي التي ستوجّه، فإذا لم تكن موجودة.
ولذلك الخطيب البغدادي نقل – على ما أظن – يحيى بن أبي كثير أنه قال: إن القرآن أحوج إلى السنة من السنة إلى القرآن، ما معنى ” إن القرآن أحوج إلى السنة من السنة إلى القرآن ” هو يريد أن يقول إن بيان القرآن وحياطته وتفسيره وفهمه يحتاج إلى السنّة احتياجاً ضروريّاً
ولذلك ابن مسعود – وهذا آخر شيء – جاءه رجل اسمه ناهيك بن سنان؛ فقال: يا أبا عبدالرحمن كيف تقرأ هذا الحرف من كتاب الله؟ ألفاً تجده أم ياءً؟ من ماءٍ غير آسنٍ أم ” من ماءٍ غير ياسن ” قال: أكل القرآن أحصيته إلا هذا، – يعني أنت خلاص حفظت كل حاجة وفاهم كل حاجة وجت على ديه ووقفت – .
فالرجل قال: إنني أقرأ المفصّل – أنت لا تعلم أنا مين، أنا مش بسيط – إنني أقرأ المفصّل في ركعة، المفصّل يعني من أول سورة ق إلى أخر القرآن؛ أكثر من أربع أجزاء، هو يريد أن يقول له أنا ليس ضعيفاً
فماذا قال له؟ قال: أهزّاً كهزّ الشعر، طريقة قراءة الشعر هي الهزرمة وهي أن يقرأ الأبيات متتالية سريعاً ولا يتفكّر فيها لكي يظهر الشخص قدرته على الحفظ.
ولذلك العلماء تكلموا في كتب الفقه – اللي هي كتب التراث – عن مسألة تنكيس القرآن، ما معنى تنكيس القرآن؟ أن تقرأ الآيات من الآخر إلى الأول، لماذا؟ لأن العرب لبيان قدرتهم العظيمة على الحفظ فماذا كان يفعل؟ كان يأتي بقصيدة مكونة من 50 أو 100 بيتاً، ويقرأها من تحت إلى فوق فيقرأ البيت المائة ثم التسعة وتسعين…إلخ، لكي يظهر قدراته، فهل لكي أظهر قدرتي على حفظ القرآن أأخذ سورة مثل سورة الأنعام أقرأها من الآخر إلى الأول، فالعلماء قالوا إن هذا محرّم، ويسمّوه تنكيس، والتنكيس هو أن أقلب السورة.
ولذلك عندما نقرأ فقرأت سورة مستقلّة، ثم قرأت بعدها سورة هي قبلها في ترتيب المصف، ليس فيها مشكلة، لكن المشكلة ومعنى التنكيس الذي حرّمه العلماء أنك داخل نفس الصورة تقلب في الآيات لكي تظهر قدرتك على الحفظ.
فقال: هزّاً كهز الشعر؛ إن قوماً يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع.
متى يكون القرآن مؤثراً؟ إذا وقع في قلب الإنسان فرسخ في هذا القلب، حينئذٍ ينفع ويؤثّر.
آخر جملة – سأقولها ولن أشرحها – الآن نحن وصلنا إلى أنه يوجد ثوابت معيّنة دينية، ربنا سبحانه وتعالى تكفّل بحفظها ليحفظ هذا الدين: القرآن نفسه، بيان النبي صلى الله عليه وسلم لهذا القرآن، بيان الصحابة لكلام النبوة ولمعاني القرآن، واللغة التي يحفظ بها هذا القرآن ويفهم، ويتدبّر فيه ويتفكّر.
بقي أمر، الآن بقي عندنا مسألة المذهبية، نحن عندنا أشياء تسمى مذاهب، يوجد عندنا في الدين – أو في واقع المتدينين أو واقع الأمة المسلمة – شيء اسمه فرق وشيء اسمه مذاهب، ما الفرق نا بين الاثنين، النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن الأمة ستفترق ولم يذكر أن سيكون فيها مذاهب، إذاً الخطر في الافتراق وليس في التمذهب.
فما الفرق بين الافتراق وما بين التمذهب؟ ولماذا وجدت الفرق ولماذا وجدت المذاهب وكيف نتعامل مع الافتراق؟ وكيف نتعامل مع التمذهب؟ وما معنى تراث؟ ومامعنى كتب تراث؟ وهل هذه شيء حسن أم شيء غير حسن، أم يوجد بعضاً هكذا وبعضاً هكذا؟
نتركها أسئلة مفتوحة، إن شاء الله الجمعة القادمة إن شاء الله ممكن نتكلم عن تتمة هذه المسائل.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه
اللهم يا وليّ الإسلام وأهله مسّكنا الإسلام حتى نلقاك عليه
اللهم إنا نسألك اليقين والمعافاة، اللهم إنا نسألك اليقين والمعافاة
اللهم احفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام قاعدين، واحفظنا بالإسلام راكضين، ولا تشمت بنا أعداء ولا حاسدين
اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب كل عملٍ يقربنا إلى حبك
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم