إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. إنه من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
ثم أما بعد ،،،
كنا نتحدث عن ميراث النبوة، وعن كنوز السنّة، عن هذه النعمة العظمى التي أولانا الله عز وجل إياها، وعن حفظ الله تبارك وتعالى لهذه النعمة لكي تبقى مذخورة لأجيال هذه الأمة يتلقّاها جيلٌ عن جيل، إلى أن يرث الله سبحانه وتعالى الأرض ومن عليها.
وأن علينا في إعناقنا منة عظمى لهؤلاء الكرام الذين حفظوا لنا هذا الكنز وهذا الوحي وهذا الميراث النبي العظيم.
ونحن نتناول اليوم طرفاً من هذا الأمر، لكي نحيي في قلوبنا هذه القيمة التي لم تعد تحتل المكانة التي ينبغي أن تحتلّها في قلوبنا، إحساسنا بهذه المنّة لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ربنا هو الذي يقول سبحانه وتعالى لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ، فأما التاريخ فنقصد به المراحل أو التطوّر التي انتقلت به هذه الكلمات النبويّة وهذه الأفعال الرساليّة حتى بلغتنا ووصلت إلى أيدينا، ما الذي حدث، كيف انتقلت من مرحلة إلى مرحلة إلى أن وصلت إلى أيدينا.
أما المنهاج: الأسلوب الذي اتّبع لأجل هذا الحفظ، وهذه الرعاية، الآليّات التي تمّ استخدامها لأجل أن تحفظ لنا هذه الكنوز، فأول شيء سيعرض لنا صفة هؤلاء الناس الذين على أيديهم حفظت لنا هذه الكنوز.
النبي صلى الله عليه وسلم ماذا كان يمثّل لأصحابه؟ وكيف كانوا يرونه؟ فلماذا؟ لأنهم في الحقيقة لم يكونوا مجرّد نقلة، سنتصوّرها أنهم أناس تلاميذ شخص، يتلقوا عن شخص علم فيجلسون في مجالس، يدوّنون ويحفظون هذا العلم لكي ينقلوه لمن بعدهم، هذه صورة الحفظ الذي نعرفها.
شخص كان لديه منهاج أو كان لديه علم، هذا العلم انتقل عبر التلمذة من جيل إلى جيل، هذه وسائل الحفظ، ولو كان هؤلاء الناس لديهم جدّية، وعندهم حرص وعندهم اهتمام سيحفظون هذا العلم لمن بعدهم، لكن هل الصحابة كانوا ينظرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مجرد هذه النظرة، نظرة المعلم وفقط، نحن لابد أن ندرك عمق هذه العلاقة، ماذا كان يمثّل لهم، وبالتالي أقواله وأفعاله وكلماته وحركاته وسكناته ومشيه وسكونه وأكله وشربه، ما يفعل في بيته، ما يفعل مع الناس، كتبه التي كتبها المسلمين وللمشركين، الحركات والسكنات، الألفاظ والألحاظ والأنفاس، هذه الأشياء كلها ماذا كانت تمثّل لهم، إذا أدركنا هذا العمق سندرك أن قطعاً هذا شيء لا يأتيه الريب أو الشك من أدنى نسبة ومن أدنى وجه.
في الشفاء للقاضي عياض سُئل عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه كيف كان حبّكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كان والله أحبّ إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظمأ، هم كانوا يحبّوه أكثر من أي شيء آخر، قال صلى الله عليه وسلم ” لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب لديه من والده وولده والناس أجمعين ” فهذا هو بالنسبة لهم المحبوب المعشوق، هذا ليس مجرّد معلم، ليس مجرّد مدرّس، هذا هو الشخص الذي أنقذهم ربنا به من الظلمات إلى النور، وضعهم على طريق الهداية وعلى طريق الجنّة، وكان بصفته وبأفعاله وبعلاقته بهم وبتعامله معهم، كان أحبّ الناس إليهم.
كنّا ذكر قبل ذلك أن أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى إليه يوماً فقال: يا رسول الله لأنت أحبّ إليّ من نفسي وأنت أحبُّ إليّ من أهلي، وإني أكون في البيت – يروّح بيته – فأذكرك فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك.
تخيل هذا الموقف، هو الآن في البيت وبعد ذلك تذكّر النبي صلى الله عليه وسلم فلا يستطيع أن يجلس، ولا يستطيع أن يصبر، ماذا سيفعل؟ سيخرج لكي يذهب وينظر إليه فقط، ” حتى آتي فأنظر إليك ” يقول: وإني لو ذكرت موتي وموتك علمت أنك إذا متّ رفعت مع النبيين – فوق – وإني وإن أنا دخلت الجنّة – لو ربنا سبحانه وتعالى منّ عليّ بالجنة فضلاً من الله ونعمة – لكن يقول: خشيت ألا أراك.
هذا هناك فوق، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يدري بماذا يجيبه، فماذا يقول له؟ فأنزل الله تبارك وتعالى وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًانحن عمن نتكلم؟ هو لا يتكلم في مجرّد هادي سيهديه لكي يدخل الجنة، هو يتكلم هو يقول أن الله لو منّ عليّ ودخلت الجنة، هناك أن أفقد نعمة هذه الصحبة، إذاً ماذا كان يمثّل لهم؟.
عمرو بن العاص رضي الله عنه يقول ابن شماسة المهي أنه حضره وهو في سياقة الموت، فبكى بكاءً طويلاً، سيدنا عمرو حينما حضره الأجل بكى بكاءً طويلا،ً وحوّل وجهه إلى الجدار، أعطاهم ظهره ونظر إلى الحائط ويبكي.
فجعل ابنه يقول له يا أبتاه: أما بشّرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا، أما بشّرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا، جلس يذكّره ويعدد له البشارات التي بشّره بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لماذا؟ لكي يطمئنه بأنه مقدم على خير، فالتفت إليه وقال: أما إن لا نعدّ شيئاً، لا يوجد شيء نحن نعده لهذا اللقاء العظيم أعظم من شهادة لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله
ثم يقول: إني كنت على أطباق ثلاث، أي إن حياتي مرّت بثلاث مراحل، يقول: فلقد رأيتني وما أحدٌ أبغض إليّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أحبّ إليّ أن أكون قد استمكنت منه فقتلته. هو يقول أني جاءت عليّ فترة كنت لا أكره أحد مثلما أكره، ولم يكن شيء محبب إليّ من إني أستطيع أن أتمكّن منه فأقتله، يقول: ولو متُّ على هذه الحال لكنت من أهل النار، ثم جعل الله سبحانه وتعالى الإسلام في قلبي فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: ابسط يدك، أو ابسط يمينك لأبايعك فبسط يده فقبضت يدي، فقال: مالك يا عمرو، قال: أردت أن أشترط، قال: تشترط بماذا، يقول أنا قبل أن أدخل في الإسلام أنا عندي شرط، قال له ما هو الشرط، ماذا تريد، قال: أن يغفر لي، قال: أما علمت يا عمرو أن الإسلام يهدم ما قبله وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج ّيهدم ما كان قبله، ثم يقول: وما كان أحدٌ أحبّ إليّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هو يحكي عن نفسه أن هذه هي المرحلة الثانية في حياته، هو يقول أن الأولى كان لا يوجد أحد يكرهه مثل كرهه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والآن بعد أن أسلم، يقول: فما كان أحدٌ أحبّ إليّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أجلّ في عينيّ منه، ولئن سُئلت أن أصفه – ما شكله؟ – وعلى فكرة هو يعرفه في الجاهلية وفي الإسلام، طوال عمرهم مع بعض، يقول: ولو سُئلت أن أصفه ما أطقت، لأني لم أكن أملأ عينيّ منه إجلالاً وتعظيماً، لو قلت لي ما شكله بالضبط، وصف تفصيلي، لا أعرف أن أقول لك، يقول: فلو متُّ على هذه الحال، لرجوت أن أكون من أهل الجنّة، ثم ولينا أشياء ما أدري ما حالي فيها.
المرحلة الثالثة بعد انتقاله صلى الله عليه وسلم لامسنا الدنيا، فأنا لا أعرف ما الوضع، ولذلك لماذا يبكي الآن لأنه كان يتمنى أن يقبض على هذا الحال الثاني، فهذه المشاعر والأحاسيس هي التي كانت تربط الصحابة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وبالتالي فما تكون أحوالهم مع مواضع كلماته، مع الأشياء التي يفعلها، ذكرنا مرّة قبل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما كان يصلي بأصحابه يوماً وبعد ذلك وهو يصلي خلع النعلين من رجله، ووضعهم على شماله، وأكمل الصلاة عادي، وانتهى من الصلاة فالتفت، بعد أن انتهى من الصلاة، التفت فالصحابة من ورائه صفوف، فوجد كل الناس التي كانت تصلي ورائه كل واحد واضع نعله على شماله، نفس المنظر بالضبط، فالمنظر غريب، فهم بدأوا الصلاة وشباشبهم في رجليهم، فقال: ما لكم ألقيتم نعالكم – أنتم عملتم كدا ليه؟ – قالوا: رأيناك ألقيت فألقينا، وقلنا أن الصحابة رضي الله عنهم من عظم تعظيمهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم هم لا ينتظروا أن يوجّههم، هم ينظرون ماذا يفعل، وأول ما يروا أنه يفعل شيء تلقائيّاً يفعلون مثله، ويسألون بعد ذلك، هم رأوه فعل ذلك، فهم يفعلون أولاً وبعدما يفعلوا يسألوا بعدها، فهو فعل ذلك فيفعلوه ثم يسألوا، حتى النبي صلى الله عليه وسلم نفسه هو تعجّب، لماذا فعلتم هذا، فالإجابة بمنتهى التلقائية والبساطة، رأيناك ألقيت فألقينا، قال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما خبثاً، أي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي فسيدنا جبريل نزل عليه وأخبره أن تعليه بهما نجاسه، فخلعهم، لأنه لا يجوز أن يصلي الإنسان وعلى بدنه أو ثوبه أو في مكانه شيء من النجاسات، فخلعتهم ووضعتهم بسبب الوحي الذي أتى إليّ، ” فإذا أتى أحدكم المسجد فليقلب نعليه فإن رأى فيهما خبثاً فليمسحه بالأرض ثم ليصلي فيهما ” .
عروة بن مسعود الثقفي رضي الله عنه – وهذا أيضاً قلناه قبل ذلك – في مفاوضات الحديبية، أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليفاوضه حول دخوله مكّة أو رجوعه عنها، وقد خرج صلى الله عليه وسلم يريد أن يعتمر ثم عاد إلى قريش، وهو عندما يكلم النبي صلى الله عليه وسلم قال: إني لا أرى حولك إلا أوشاباً من الناس – أخلاط – حريٌّ أن يفرُّوا ويدعوك، الناس الذين معه ينتموا إلى قبائل شتّى بمفهوم النصرة قبل الإسلام أن الولاء يكون للقبيلة، والنصرة على العصبية، فعندما تكون الناس منتمين إلى قبائل وبطون شتى لا يجمعهم جامع أو رابط قوي، وبالتالي لا يصمدون في مواجهة لأنهم لا ينتمون إلى شيء واحد، لا ينتمون إلى عرق واحد ولا دمٍ واحد – هذا مفهومه – فهو يقول أني أرى حولك أوشاب أي أخلاط، أوس، وخزرج على أناس من قريش على أناس من مزينة على أناس من بني أسد على أناس من بني تميم، هؤلاء الناس حريٌّ أن يفرّوا ويدعوك، هذا، وهذا يقوله من باب أن يفتُّ في عضدهم، أي أنكم في النهاية لن تتحملوا مواجهة قريش، شيء من وسائل الحرب النفسيّة، أما عندما رجع ماذا قال؟ قال: أي قوم، لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وعلى كسرى وعلى النجاشي، فما رأيت ملكاً قط يعظّمه أصحابه كما يعظّم أصحاب محمدٍ محمدا، هذا هو الانطباع الذي خرج به وهو راجع، قال: والله ما تنخّم نخامة إلا وقع في كفّ أحدهم فدلك بها وجهه وجلده، وإن أمرهم بأمرٍ ابتدروا أمره – أسرعوا إلى تنفيذه – وإذا توضّأ كادوا يقتتلون على وضوئه – بقيّة الماء الذي يتوضّأ بها يتبركون بها – وإذا تكلّم خفضوا أصواتهم عنده ولا يحدّون إليه النظر إجلالاً له، – لا يستطيعوا أن ينظروا له – وقد عرض عليكم خطّة رشدٍ فاقبلوها.
ما الانطباع الذي رجع به بعدما رجع، أن محبّة وتعظيم هؤلاء لنبيّهم تفوق أي صورة رآها، قال أنه رأى كل الناس، كل الملوك التي تعتبروها معظّمة لا يتعامل معه بهذا التعظيم الذي رأيت.
تعظيم الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حقيقة عظيمة وواقعة، لكن من فطنتهم رضي الله عنهم، أنهم حبّوا في هذه المساحة الزمنية، وهو جالس ليرمقهم وهو يتكلم، فهم بشكل غير صريح أوصلوا له الرسالة التي كان محتاج أن تبلغه، فهو يقول أن هؤلاء الناس أوشاب وأخلاط فهم أحبوا أن يفهموه بدون كلام كثير أن الموضوع ليس كذلك، فأوقعوا في نفسه الأثر الذي يريدون أن يصل إليه، فهو رأى هذا الكلام بناءً على ايه؟ فبهذه الصورة هم أظهروا في هذه المساحة الوجيزة إلى أي قدر هم يعظّموا النبي صلى الله عليه وسلم.
زيد بن الدثنة رضي الله عنه خرج في سريّة الرجيع، مجموعة من الصحابة من القرّاء والعلماء خرجوا يعلّموا أناس من الأعراب يعلّمونهم الإسلام والقرآن فغدروا بهم، فقتلوا بعضهم واقتادوا بقيّتهم أسرى يبيعونهم لقريش، لكي يقتلوهم بمن قتل منهم في يوم بدر، فزيد بن الدثنة أخذه صفوان بن أمية ليقتله بأبيه أميّة بن خلف الذي قتل في بدر، فأخرجه إلى التنعيم، فلماذا أخرجه إلى التنعيم – لأن الحرم حرم، يعني في النهاية نحن أناس قمة في الاحترام والالتزام – الحرم حرم، أما التنعيم هذا الحل، فالذي في مكة إذا أراد أن يعتمر يخرج للتنعيم – مثل نظام العمرة بتاعتنا يحلق مائة حلقة ويظل يخرج ويدخل – فهو أين سيقتله – حد الله بينا وبين الحرام – فأخرجوه وخرج معه وخرج معه رهط من قريش – يتفرّجون – فقال أبو سفيان، انظر إلى أين يذهب ذهنه، هم خارجون يفعلوا حفلة، فعلام يسأل أبوسفيان؟ لكي تعرف ذهن كل شخص، فسأل قال: أنشدك الله يا زيد هل تحبُّ أن محمداً الآن مكانك يقتل وأنت آمن في أهلك، أي أنت تذهب ويأتي هو مكانك، فزيد قال: والله، ما أحب أن محمداً صلى الله عليه وسلم في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأني الآن آمنٌ في أهلي، ليس يأتي مكاني، شوكة تأتي في قدمه تؤذيه، فهو عنده استعداد أن يقتل في مقابل أن تصرف عنه هذه الشوكة التي تؤذيه صلى الله عليه وسلم، فأبو سفيان يقول: ما رأيت من الناس أحداً يحب أحداً كما يحب أصحاب محمدٍ محمدا صلى الله عليه وسلم، هذه هي طبيعة العلاقة، وبالتالي الذي يحرص على النخامة ويتعارك على الوضوء، ماذا سيفعل بالوحي والهدي والسنن إذا كان يفعل هذا بالنخامة والوضوء.
النبي صلى الله عليه وسلم عندما حلق رأسه في حجّة الوداع، النبي صلى الله عليه وسلم أعطى أبو طلحة رضي الله عنه الشعر، قال له خذ هذا النصف لأجلك وهذا النصف فرّقه في الناس، فرّقه الشعر، شعر النبوة العظيم سيتبرّك به الناس، النصف فرّقه والنصف كلّه لك مخصوص، فهذا كيف سيتحول لنقص في الأمانة، أو نقص في الحياطة أو تضييع، ليس ممكناً، ولذلك نحن لابد أن ندرك، على من نتكلم، وفي أي إحداثيّات، المحبّون هم المؤتمنون، فهذه هي الفكرة، هؤلاء أهل محبّة وتعظيم وتعلّق وعشق، لابد أن يكون هؤلاء هم أهل الحفظ والأمانة والصيانة والرعاية.
النبي صلى الله عليه وسلم وهو قادم على المدينة، الناس في المدينة سمعوا أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من مكّة، أول ما سمعوا أن النبي خرج من مكّة، فكانوا كل يوم نهاراً يخرجوا إلى الحرة في حدود المدينة، لكي يستقبلوا نبيّهم حينما يقدم إليه، يوميّاً، فهو خرج من مكّة هل سيأتي المدينة غداً، فأمامه وقت، هم أول ما سمعوا بهذا فخرجوا كل يوم، كل يوم، بعد ذلك حتى تؤذيهم شمس الظهيرة، الظهر والشمس تحرقهم فيرجعوا بيوتهم، ويخرجوا اليوم الثاني، كل يوم هكذا، ففي يوم خرجوا وأطالوا القيام حتى آذتهم الشمس كثيراً، فلما أووا إلى بيوتهم، أول ما رجعوا، أطلّ رجلٌ يهودي على أطمٍ من آطامهم – هم لديهم حصون – إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ فهم يعيشون هكذا، فهو طلع فوق سور الحصن، ينظر من فوق، ينظر إلى حاجة له – بتاع البطيخ معدي أو أي حاجة – المهم أنه لكي ينظر على شيء فوجد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مبيّضين – مبيّضين أي مسرعين – يزول بهم السراب، فلم يملك، فلم يملك أن صاح بأعلى صوته، هذا الرجل ما جنسيّته؟ هذا يهودي، هذا يهودي، فلم يملك أن صاح بأعلى صوته يا معاشر العرب هذا جَدّكم الذي تنتظرون، إذاً مجيء النبي صلى الله عليه وسلم للمدينة هذا حدث اجتماعي يشغل كل الناس في المدينة، حتى أنه انتقل من أهل الإسلام لليهود، التأثر بالحدث والتفاعل معه انتقل من المسلمين من عظمته، انتقلت هذه المشاعر حتى لليهودفالرجل لم يملك نفسه أن صاح بأعلى صوته: يا معاشر العرب هذا جَدّكم، ما معنى جَدّكم؟ ما معنى الجَدّ؟ هو الشرف والرفعة والعظمة، أي أن هذا صاحب شرفكم ورفعتكم التي تنتظرون، انظر إلى اليهودي كيف ينظر إلى النبوة، اليهود من أكثر الناس فهماً ووعياً وتعمّقاً وإدراكاً ولذلك وصفوا في القرآن بماذا؟ بأنهم المغضوب عليهم، لماذا؟ لأن الغضب هو عنده علم ودراية وإدراك كامل الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ بخلاف النصارى، النصارى وصفهم سبحانه وتعالى بأنهم ضالين هذا هو التيه، لا هؤلاء ليسوا تائهين، هؤلاء مدركين كل شيء جيّداً جدّاً، ومدركين عمق أثر النبوة، هذا ماذا سيفعل؟ الدين إلى أين سيوصلهم في النهاية؟ سيجمع هؤلاء الناس الذين كانوا أشتات متفرّقين، يتقاتلون على أقل سبب، ليس لهم لا شرف ولا مكانة ولا رفعة، ولا تاريخ، ولا حضارة ولا ثقافة ولا أي شيء، هذا الذي إذا اجتمعوا عليه ارتفعوا، قال: يا معاشر العرب هذا جَدّكم الذي تنتظرون، فساروا في سلاحهم وخرجوا يستقبلون رسول الله.
سيدنا أبوبكر يحكي وهو داخل أن الناس امتلأت بهم الطرقات، ووقفوا على الأجاجير – واقفون على أسطح البيوت – والولائد والصبيان يجرون في الطرقات يقولون: الله أكبر، هذا محمد هذا رسول الله، حتى الأطفال الصغيرة، هذا حدث كبير المدينة كلها هيّأت نفسها له قبل أن يأتي، هذه أحاسيسهم تجاه النبي صلى الله عليه وسلم كانت هكذا.
يقول البراء بن عازب رضي الله عنه: أول من قدم علينا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير وابن أم مكتوم فجعلا يقرآننا القرآن، ثم قدم عمّار وبلال، وسعد، ثم قدم عمر في عشرين من أصحابه، ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيءٍ فرحهم برسول الله صلى الله عليه وسلم.
يقول أنس رضي الله عنه: لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوبكرٍ المدينة أضاء منها كل شيء، ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أظلم منها كل شيء، وما نفضنا أيدينا من دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنكرنا قلوبنا، يقول: ما رأيت يوماً قط هو أنور ولا أحسن من يوم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد شهدت وفاته صلى الله عليه وسلم، يقول أنس: فما رأيت يوماً قط هو أظلم ولا أقبح من يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنحن لابد أن نكون مدركين ماذا كان صلى الله عليه وسلم يمثّل لأصحابه وأتباعه ممن آمنوا به، وبالتالي لما ننظر لهذه الأمانة وهذا الوحي، ندرك أنه قد وضع في أيدي الأمناء، وأنه لا يوجد أدنى درجة من درجات الشك والريب أن هؤلاء يقصّرون أو يهملون أو يفرّطون.
الحاكم النيسابوري رحمه الله أن الناس الذين نقلوا وحي النبوة أربع آلاف رجل وامرأة صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم نيّفاً وعشرين سنة 13 سنة قبل الهجرة و10 سنوات بعد الهجرة 4000 نفس أحاطت برسول الله صلى الله عليه وسلم، في هذه المساحة الزمنية الطويلة نقلت عنه كل شيءٍ بتمام الدقّة، ولذلك يجب أن نطمئن بل أن نسعد بل أن نهنأ بهذه المنّة التي اختصّنا الله عز وجل بها ولا يشاركنا فيها أحدٌ من العالمين، لا يوجد غير أهل الإسلام لديه شيء مثل هذا، نسمّيه تراث، أو أي شيء، لا يملك أحد هذه الكنوز العظيمة، لكن ماذا نصنع نحن بهذا الميراث، وماذا نصنع نحن بهذه الكنوز؟
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
الحمد لله رب العالمين
يوجد جزء تتمة لهذا المعنى، ويوجد جزء آخر سنرجئه، الجزء الآخر شيء من التمثيل للأشياء التي نقلها الصحابة رضي الله عنهم عن رسولهم صلى الله عليه وسلم، علام نريد التمثيل؟ طبيعي أن ينقلوا أحكام العبادات، وأحكام الحلال والحرام، والفتيا والأشياء التي رجعوا إليه فيها، هذا طبيعي، أو الأمور الكبيرة من أمور المغازي والسير والوقائع التي حدثت، لكن هناك أمور أنت تعجب إلى هذه الدقة وهذا المستوى من النقل، فأحياناً تقول؛ أنهم نقلوا كل شيء ووصلوا إلى هذا المستوى! أو هذه الدقّةن سنأخذ مثالاً واحداً ونترك الباقي بعد ذلك.
سيدنا جابر رضي الله عنه ينقل الموقف، موقف عرفة في حجّة الوداع، فذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في الناس وصلّى الظهر والعصر تمام، ثم يقول: ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل حبل – الطريق – المشاة بين يديه واستقبل القبلة.
الآن هو يريد أن يصف أي مكان وقف فيه بالضبط، فجعل بطن ناقته القصواء، فلتكون أي ناقة، العضباء أي ناقة، فلماذا القصواء؟ ما ميزة تحديد الناقة؟ هو يتكلم بدقّة متناهية بحيث أنك لو متخيّل المكان تعرف أين كان واقف بالضبط وإذا كنت تعرف شكل الناقة تقدر أن تتخيل المشهد تماماً، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل حبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلاً حتى غاب القرص، ثم أردف أسامة خلفه، أخذ أسامة بن زيد رضي الله عنه وعن أبيه فأركبه خلفه على ناقته، ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم، دفع أي سيتحرك من عرفة إلى المزدلفة، وقد شنق للقصواء الزمام، أي أنه سنزل من عرفة ذاهب إلى المزدلفة، ما معنى شنق الزمام؟ أي شدّه تماماً، حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله، هو شددها تماماً لكي تتحرك ببطء، لئلا يخبط أحد لأنه كان راكب والناس تمشي، فلئلا يؤذي أحد، شنق للقصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله، وهو يقول بيده اليمنى ” أيها الناس السكينة السكينة ” فيقول بيده وخلاص، لا وهو يقول بيده اليمنى أيها الناس السكينة السكينة، كلما أتى حبلاً من الحبال، ربو، مكان مرتفع، أرخى لها قليلاً حتى تصعد، حتى أتى المزدلفة، هو يوصف بالضبط، ماذا كان يركب، وبماذا يمشي وكيف بدقة، وماذا فعل بالناقة، متى يشد؟ ومتى يرخي؟ يشاور بالناس بيده اليمنى، ماذا يقول لهم؟.
أكثر من هذا سيدنا أسامة نفسه، سئل، فسيدنا جابر قال أن أسامة هو الذي كان مع النبي صلى الله عليه وسلم وكان وراء على الناقة، فيسأل أسامة كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في حجّة الوداع حين دفع.
سيدنا جابر قال، هل يوجد شيء أدقّ من ذلك؟ قال: كان يسير العنق، فإذا وجد فجوة نص، ما معنى العنق؟ السير المتوسّط لا هو بالسريع ولا هو بالبطيء، فإذا وجد فجوة أي – حتة فاضية – نص أي أسرع.
نحن فيم نتكلم، معلش التفصيل الدقيق هذا فيم سيفيدنا، فهي القصواء أو غير القصواء، اليمين أم الشمال، من الذي كان راكب وراءه، كل شيء بالتفصيل منقول نقل دقيق، فالذي ينقل هذا النقل التفصيلي سيأتي عند الأشياء الكبيرة أو الأشياء عظيمة الأهمّية أو الأشياء التي نفتقر إليها لكي يمنّ ربنا عليّ بالرضوان والجنّة وسيهملها؟؟ لايمكن، ولذلك كل من له دراية بهذا سيدرك أن هذا درب من المحال، لا يمكن، هذا غير موجود لا في طبائع البشر ولا في حقائق الأشياء ولا في الواقع، هذا غير موجود نهائيّاً، ولكن إنما نؤتى عادةً من قبل قلّة المعرفة، ولذلك هذه هي مشكلتنا، ولماذا قلّة المعرفة؟ فهي متاحة، فهي موجودة، فهذا الكلام الذي قلناه هو موجود في الكتب عادي، يمكنّا أن نطّلع عليه، فنحن قلنا قبل ذلك أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، حصول اليقين في الدين والثقة في وحي خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم هذا واجب، لماذا؟ لأن الإيمان لا يحصل، ولا تحصل السكينة ولا يحصل العمل والانتفاع والتعظيم إلا بهذا اليقين، فإذا كان ما معي هذا كمنهج أنا شاكك فيه، ليس مطمئن إليه، ليس عندي يقين فيه، فلن أتّبعها، قال تعالى فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ من يخاطب؟ يخاطب رسول الله فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ماذا يفعل؟ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي هو يطلب الإيمان، يطلب اليقين، فاليقين هذا شيء لابد أن نحصّله، كل أدواته لابد من تحصيلها.
فأي شيء أريد أن أصل لها، إذا شخص وجب عليه الحجّ، فيكون حجز تذكرة الطيران والتأشيرة، كل هذه الأشياء واجبة، ليست لذاتها، فركوب الطيّارة نفسه ليس واجب، أو المركب، أو أي شيء أي وسيلة المواصلات هذه بحد ذاتها ليست واجبة، لكن لمّا كان لا يتم الوصول إلى الحجّ إلا بها – إلا لو معي مكنسة الساحرة الشريرة – إذا لم يكن معي وسيلة انتقالية إلا هذه أصبحت تلزمني، لأن هي نفسها تلزمني؟ لا، لأن واجب الفرض الذي مطالب أن أؤديه لا يتم إلا بهذه الوسيلة، هذه يسمّوها مقدمة الواجب، فنحن يقيننا في هذا الدين وتحصيله واجب، ولكي نحصّله لابد من أدواته، لابد من أدواته
فعن ماذا تكلّمنا اليوم؟ نحن نتكلم عن من هم الصحابة؟ وكيف كانوا ينظرون لنبيّهم صلى الله عليه وسلم، كيف كانوا يقدّرونه ويعظّمونه، إن شاء الله بعد ذلك سنتمم الكلام على هذا، بقية من الكلام على علاقة الصحابة برسول الله صلى الله عليه وسلم، بقية من الكلام على هذه الأنواع من النقل التي تبدو عجيبة أو غريبة، التي نعتبرها غير ضرورية، وبعد ذلك كيف انتقل هذا الوحي وهذا الكنز العظيم حتى وصل إلى أيدينا، كيف وصل لنا؟ حلقة حلقة، ومرحلة مرحلة، وما المنهجية؟ الموضوع لم يكن عشوائي، بل هناك منهجية دقيقة يتم على أساسها الدراسة والغربلة حتى يتمّ تصفية هذا الوحي العظيم وهذا الكنز العظيم من أي شائبة تشوبه، أو من أي محاولة يمكن أن يتطرّق بها أصحابها إلى أن يدخله فيه ما ليس منه، ولذلك آخر نقطة نختم بها وهذه مهمّة جدّاً لا ينفع أن يكون جزاء هؤلاء العظام منّا هو جزاء سنمّار، نحن نفعل ذلك للأسف، يعني هؤلاء الذين لا يستحقّون منّا إلا كل التعظيم للأسف أصبحت أقدارهم لا تحفظ، تعظيمنا لهم يخبو لماذا؟ لأمران، نحن لا نعرف كم بذلوا من جهد، ولا ندرك قيمة الشيء العظيم الذي حافظوا عليه، فأنا إذا كنت مدرك قيمة الكنز نفسه، ومدرك قيمة الناس، أو جهد الناس الذين حافظوا لي على هذا الكنز، أدرك أن لها في أعناقنا كثيراً ينبغي أن نعاملهم بالتعظيم الذي يستحقّون، ونثني عليهم الثناء الذي يستحقّون
سنمّار هذا مشهور، كان مهندس وصنع قصر كبير في الحيرة للنعمان بن المنذر، وهذا القصر اسمه الخورنق أو شيء من هذا القبيل، فهذا الرجل صنع القصر – وبيفرج – الملك عليه وصعد للأعلى، فالملك أمر أتباعه والجند أن يلقوا الرجل من الأعلى، لماذا يلقوا الرجل من الأعلى؟ لكي لا يصنع قصر آخر، ولذلك هذا أطلقته العرب مثلاً
جزاني جزاه الله شر جزائه جزاء سنمّار وما كان ذا ذنبي
يعني هو الآن صنع له بناء عالي جدّاً، ماذا يتوجّب عليه له، يشكره، يعطي له قلادة، يعطي له وسام، فهو خائف من أن يصنع مثل هذا لشخص آخر، فلا يكون له التميّز الذي حصل عليه، فبدل أن يشكره، فماذا كان شكره أن ألقاه من أعلاه، مع أن الموضوع كان أبسط من هذا، كان من الممكن أن يصنع مكتب استشاري أن هؤلاء هم المخصصين لصيانة القصور الحيروية التي يملكها، ويعيّنه مدير المكتب ويعطي له راتب وانتهى، فيجعله هو المخصص بهذه القصور، فهو لا يريد أن يدفع مالاً حتى، فنحن للأسف نفعل هذا.
فالآن هؤلاء الناس العظام من الصحابة ومن بعدهم الذين حفظوا لنا هذا الكنز، ما جزاءهم عندنا؟ سننتقصهم؟ نضع من أقدارهم؟ لا نبالي أن تنتهك أعراضهم، فهل هذا جزاء الإحسان؟ قال تعالى هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ لا هذا ليس جزاء الإحسان أبداً، وهذا لا يصلح، فأقل درجات الشكر اللهج بالثناء، فهذا أقل شيء، أقل شيء نشكر به هؤلاء أن تلهج ألسنتنا بالثناء عليهم ومدحهم وحمدهم جزاء ما أسدوا لنا من خير وما حفظوا لنا من دين، وما حفظوا لنا من سنّة، هذا هو الطبيعي، هذا هو الطبيعي.
قال صلى الله عليه وسلم ” لا يشكر الله من لا يشكر الناس ” إذا أسد الله إلى شخص معروف عبر إنسان لن يكون شكر ربنا سبحانه وتعالى إلا إذا شكر هذه الواسطة التي جعل الله عز وجل النعمة تصل إليّ على يديهم، فهذا أقل شيء، فأقل درجات الشكر: حفظ الأقدار والثناء على هؤلاء الكبار.
فخلاصة ما قلناه: أن معنا نعمة عظيمة يجب أن نقدرها قدرها، وأوصل إلينا هذه النعمة رجال عظماء ما ينبغي أن نحطّ من أقدارهم، ما ينبغي أن نحطّ من أقدارهم لأننا حقيقةً لا نتصوّر حجم السعي والجهد والبذل والعناء والتضحية التي قدّمها هؤلاء حتى يصل إلينا هذا العلم خالصاً صافياً نقيّاً، وإذا كنّا لا نعلم من الممكن أن نعلم، فالموضوع ليس صعباً، إذا لم نكن نعلم ماذا صنعوا من الممكن أن نعلم، ويلزمنا أن نعرف، نحن أصبحنا محتاجين أن نعرف، لأن كل ما نتكلم حوله هذا، هو حول العنوان الكبير الذي قلناه قبل ذلك، أننا محتاجين أن نستعيد الثقة، الثقة في الدين، الثقة في عظمته وفي قيمته، الثقة في أنه فعلاً قادراً على أن يرفع من قدرنا كما رفع به قدرنا أول مرة، هو فعلاً به دواء من كل داء وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى بس نحن أول شيء نوقن بهذا، الشيء الثاني أن نبحث بداخله على الحلول، لأنه إذا ظلّ كذلك، أن الدين عبارة عن برطمان مغلق نحن نطوف حوله – أو بنبخّر عليه – لن يفعل شيء، فلابد أن نبحث داخل مكوّناته بشكل تفصيلي عن الأدوية التي نحتاجها.
يقول لك أن هذا المرجع الذي على الحائط هذا به مركّبات كميائية تعالج أي مرض، جميل جدّاً، فإذا ظلّ على الحائط هكذا، لن يستفاد منه شيئاً، لابد أن نخرج المرجع ونتعامل مع هذه المركبات ويكون لدينا معمل، فبدون سأفتحهم وأضعهم على ورقة، وبعد ذلك؟ أضع الورقة في الماء، سأكتب المركب على ورقة ثم آتي بكوب ماء وأضع فيها المركب، ثم أشربه هل حدث شيء؟ لم يحدث شيء.
أين المعمل يا جماعة؟ أين المعمل؟ فهذا هكذا، هذا شفاء، شفاء أي دواء، هذا الدواء يركّب وكل شيء له مركّب يناسبه، أي أن الدين به دواء لكل مشكلة وعلاج، كيف؟ ما التركيبة الخاصة بكل حالة، كيف سنعرفها؟ نحن نحتاج لأناس كميائيين، ونريد معامل ونريد أن نتعامل مع المرجع لكي نصل لنتيجة، فإذا نحن اعتقدنا في المرجع فقط، فلم نفعل شيء
وإذا كان لدينا معامل وكميائيين ونبحث في مراجع أخرى؟ لن نصل إلى شيء أيضاً، نحن نفعل ذلك، قلنا أن هذا لم يعد يصلح، وأوروبا عندها مراجع جديدة، والمراجع المعاصرة هذه أميز وأفضل للإنسان وأكثر إثماراً من القرآن، نحن فعلنا هذا واقعيّاً ليس نظريّاً، واقعيّاً فعلنا هذا.
القرآن – حلو وعلى راسنا من فوق بس هه ونعمة بالله – وفي النهاية، أين يوجد علاج المشاكل؟ موجود في التجربة الغربية المعاصرة، وقلنا قبل ذلك مراراً، هناك فرق بين التقنية، وبين علوم الإنسان، التقنية هذه مشتركة، هم أخذوها مننا، ونحن من المفترض أن نأخذها منهم، هذا هو الطبيعي، العلوم الطبيعية والتجريبة هذه مشتركة بين البني آدمين هذه قوانين ثابتة، لكن ما يتعلّق بعلوم الإنسان، الاقتصاد والسياسة والاجتماع وعلم النفس والإدارة، كل هذه الأشياء هل هم أخبر؟ هل يعرفوا ما معنى إنسان أصلاً؟ فالإنسان لا يعرف ما معنى إنسان إذا لم يعرف الله، إذا لم يكن عارفاً بالله، عالماً بالله، خالق الإنسان وسائر على هديه لن أعرف ما معنى إنسان أصلاً، نحن لا نعرف تركيبتنا ولاطبيعتنا ولا الذي يناسبنا ولا الذي يصلحنا ولا الذي يفسدنا، نحن من الممكن أن نتعامل مع المادة، لكننا أخبر شيء بالمادة وأجل شيء بأنفسنا، لا نعرف.
فربنا سبحانه وتعالى أنزل القرآن لكي يصيغ حياة الإنسان على أمثل ما يكون، كيف سنفعل هذا؟ لابد أن نتعامل معه تعامل به استفادة وبه جانب تطبيقي حقيقي، نحن من قرون طويلة لا نتعامل مع الدين إلا على أنه مجموعة مواعظ، مواعظ فقط، فأتكلم مع الفرد عن الجنة لكي يحب الجنة، وأكلّمه عن النار لكي يخاف،، وبعد ذلك، وبعد ذلك، فما الطريق الذي سأسلكه لكي يمنّ الله عليّ بالجنّة وينجيني من النار، ماذا سأفعل؟ ماذا سأفعل أنا؟ ماذا أفعل بالضبط، نحن قلنا ان الدين فيه النظام السياسي المثالي، جميل ما مقوّماته؟ به حلول اقصادية، تمام، أين هي؟ فلابد ” أين؟ ” .
من حين – ما الدين واقعيّاً ركن – ، نحن أصبحنا متخلّفين، ما معنى أصبحنا متخلفين؟ معناها أننا انسحبنا من الحياة الاجتماعية والسياسية والعلمية، وبالتالي الدين سينسحب معنا، وبقى لدينا شيء اسمه فقه، ما هو الفقه؟ هو التعامل مع مستجدّات الواقع على وفق أحكام الله، اجتهادات مستمرة، فنحن وقفنا، فالفقه لدينا وقف، لأنه لا يوجد شيء يحدث أو نفعلها لكي يعطي لنا حكم، وبالتالي أصبح بيننا وبين الدين قرون، يوجد مكان مفصول، نحن كنّا نائمين ليسوا موجودين، والآن نحن نحاول نصحوا، – لا لا نحاول – سنحاول نصحوا، أو أي جيل سيحاول أن يصحوا ويريد الرجوع إلى الإسلام ماذا سيفعل، سيجد فيه فجوة كبيرة، كيف سيعالج هذه الفجوة، ليس أمامه إلا حلّ واحد فقط، لابد أن يرجع إلى أصل الوحي، يرجع للمعين الأول يستنبط مباشرةً من النور الإلهي ومن هدي النبوة، لابد أن يظل هذا محفوظ، لماذا؟ لكي عندما يأتوا الناس الذين ينون أن يفعلوا ذلك، يجدوه موجوداً، فأقلّ شيء نفعله أن نحافظ على هذا لئلا يضيع، نحافظ على قيمته، نحافظ على قدره، نحافظ على تعظيمه، نبثّ في الأجيال القادمة تعظيم هذا الدين لكي يبقى مناره مرفوعاً، حتى لو لم يكن واقعيّاً يفعل شيء الآن، على الأقل نحافظ عليه في – برطمانه – لكي لما يأتي أحد يستخدم يجد الأشياء موجودة، يجد المرجع موجود كما هو ويجد – البرطمنات موجودة – لكي عندما يصنع معمل يبدأ في العمل، فقط هذا أقل شيء، أقل أمانات الجيل أن يسلم الدين سالماً إلى من بعده فقط، ليس أقل من ذلك، إذا لم نقدر على فعل أكثر من هذا فلا أقل من هذا، شيء استلمناه نحافظ عليه فقط، نسلّمه كما استلمناه نحن.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.
اللهم إنّا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا وتتوب علينا وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين
اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب كل عملٍ يقربنا إلى حبك
اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب كل عملٍ يقربنا إلى حبك
اللهم اقسم لنا من خشيتك ماتحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، متعنا اللهم بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا، أبداً ما أحييتنا، واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا، ولا تجعل اللهم إلى النار مصيرنا، واجعل اللهم الجنة هي دارنا
اللهم يا مقلّب القلوب ثبت قلوبنا على دينك
اللهم يا مصرّف القلوب صرّف قلوبنا على طاعتك
اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء، ومن درك الشقاء، ومن سوء القضاء، ومن شماتة الأعداء، ومن عضال الداء، ومن خيبة الرجاء
اللهم إنا نعوذ بك من زال نعمتك ومن تحوّل عافيتك، ومن فجاءة نقمتك، ومن جميع سخطك يا رب العالمين
اللهم إنا نسألك من كل خيرٍ سألك منه عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم وعبادك الصالحون، ونعوذ بك اللهم من كل شرٍ استعاذك منه عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم وعبادك الصالحون
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم