Generic selectors
المطابقات الدقيقة فقط
البحث في العنوان
البحث في المحتوى
Post Type Selectors
البحث حسب التصنيف
أحداث جارية
أسماء الله الحسنى
الأذكار
التلون
السيرة النبوية
القصص في القرآن
الكتب
بني آدم والشيطان
بني إسرائيل
تراجم
تربية
تربية
تفسير
جهد الغلبان في تبيان فضائل القرآن
خطب الجمعة
خطو خاتم الأنبياء ما بين اقرأ وإذا جاء
دروس
رمضان 1436هــ - 2015م
سلم الوصول إلى علم الأصول
عقيدة
غير مصنف
كتابات
كلمة التراويح
مسألة الرزق
من قصص كتاب التوابين
من هدي النبوة
مواسم الخير
هذه أخلاقنا

نعمة الإيمان و حقيقة التعرف إلى الله

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. إنه من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا

ثم أما بعد:

كنا في حديث حول إدراك الانسان لوظيفة الايمان. على الانسان المسلم أن يدرك قدر نعمة الله تعالى عليه بالايمان وأن يسعى لشكر هذه النعمة العظيمة، فالمرء بين حالين لا ثالث لهما إزاء نعم الله، إما أن يكون شاكرا لأنعم الله وإما أن يكون عياذا بالله كافرا بنعم الله. وشكر النعم أن تتقبل بالحمد وأن توظف في الخير، فنعمة الايمان إنما كانت لكي تعيد بناء الانسان، تكلمنا في الخطبة الماضية عن مفهوم الشخصية، أن وظيفة الايمان أن يعيد تشكيل أو بناء أو صياغة شكل الانسان وأن يغير في بنيته وفي تركيبه وفي صفاته وفي أحلاقه لكي يصير شخصا مرضيا عند الله تبارك وتعالى فالانسان إذا لم يدرك أن هذه هي وظيفة الايمان، وهذه مشكلة أكثر الناس، فيقف الايمان عند حد يمكن أن نسميه حد أو مرجلة الاسلام، قال الله تبارك وتعالى قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ فلما ذكروا أنهم في عداد المؤمنين أوقفهم الله تبارك وتعالى وذكر أنهم إنما هم في الحقيقة في عداد المسلمين، أما الايمان فشأن آخر وأمر آخر وراء ذلك، أكبر وأعظم وأجل وأرقى من ذلك. فالذي يحول بين المرء وبين أن يتفاعل مع الايمان أمور، الأول أن الانسان غير مدرك حجم النعمة ووظيفة الدين في حياة الانسان، لذلك قلنا أن الانسان إذا لم يتغير ويرتقي ويتجاوب نفسيا وذهنيا وخلقيا وسلوكيا مع الايمان إذا هو في الحقيقة لم يتفاعل مع الايمان ولم يترك قلبه لكي يتأثر بآثار الايمان.

سنفترض مثلا أنه يوجد شخص جائته منحة لكي يدرس في مكان راق علما ومعرفة وتدريسا وخبرة، فذهب الى هذا المكان أحد رجلين، أما أحدهما فذهب يطلب أن يحصل على درجة علمية، ماذا يفعل مثل هذا؟، فلنقل أن هذا المكان به دورات تدريبية معينة ثابتة ونمط الامتحان ثابت والاسئلة أيضا ثابتة، لأنه المفترض أن يكون هناك نقاط مهمة يجب أن تستوعبها وتتعلمها ويتم إختبار الطالب فيها فتكون الاسئلة في أشياء محددة، عكس العشوائية هنا في مصر بالطبع، فهذا الشخص ذاكر الامتحانات السابقة والمحاضرات وكان ملتزما بالحضور لأن نسبة الحضور عليه 15% مثلا من الدرجة، فيجتاز الامتحان بشكل جيد ويحصل على الشهادة ويعود، أما الآخر ذهب حيث يكتسب العلم، ما الفرق بينهما؟، من يهتم بالعلم يهتم أن يحضر لكي يسمع ويصغي جيدا، يذهب الى المكتبة، يقرأ بشكل متوسع قليلا لأنه يوجد مراجع أكثر هنا ويوجد ساعات مكتبية يمكن أن يستفيد منها، فعندما يعود فهو يعود ومعه علم، ما الفارق بين العائد ومعه الدرجة والعائد ومعه العلم؟ العائد بالعلم هو الذي استفاد في الحقيقة فيعود ومعه التواضع المصاحب للعلم الحقيقي ومعه الحرص على الاستزادة من العلم ومعه الحرص على نفع الناس، أما الآخر فيرجع ومعه الكبر لأنه بدون علم حقيقي بل مجرد شهادة، ومعه القصور والتقصير فهو لم يتعلم شيئا، ونعه الحرص على المصلحة والانتفاع المادي ولو على حساب معاناة الناس. بالنسبة للدين، هل تريد أن تحصل على صورة الدين والالتزام بالشعائر والصور الشكلية التعبدية له أم تريد حقيقة الدين والايمان فأخرج من الدين ومعي الايمان أم معي شهادة فقط أني رجل مسلم أمارس الشعائر؟؟ هذه صورة وهذه صورة، هذه تنتج حالة وهه حالة أخرى تماما، والحالتين لا يمكن أن يختلطوا ولا أن يلتبسوا.

 أكثر الناس، نسأل الله العافية، هم في غفلة تماما عن نعمة الايمان، قال تعالى لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ هم لسوا هنا تماما ولا مدركين الموضوع ولا مركزين فيه، ويوجد أناس ليست مدركة وليس مهتم أن يركز مع نفسه ويصلحها، فلكي أصلح نفسي يجب أن أعكف عليها قليلا أقيم نفسي وأعرف سلبياتها وعيوبها وأحاول أن أعالجها، يقول سيدنا أبو هريرة أن الانسان غالبا لا يفعل ذلك، فيقول رضي الله عنه: يرى أحدكم القذاة في عين أخيه ولا يرى الجذع في عينه، أي أن طبيعة الانسان أن يركز في عيوب الآخرين ويراها بشدة ولكنه لا يرى تماماً عيوب نفسه لأنه لا يريد أن ينظر في هذه المنطقة، القذاه شيء من آثار النوم التي تبقى في عين الإنسان لكي تراها تحتاج أن تمعن النظر ولكنه يراها بمنتهى السهولة، وإذا كان الجذع معترضاً في عينه لم يره، وهذا تمثيل يدل على معنى معين على سبيل المبالغة، فأنت لن تستطيع الرؤية إذا كان الجذع أو جزء صغير منه في عينك وبالتالي وظيفة العين من الإبصار لن تكون موجودة فأنت يجب أن تدرك أنك لا ترى أصلاً، فهو يقول لا حتى وإن كان في عينه جزع نخله لن يدرك العيوب، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( المؤمن مرآة المؤمن، والمؤمن أخو المؤمن يحفظ عليه ضيعته ويحوطه من وراءه ) ( المؤمن مرآة المؤمن ) ما معناها؟ ولذلك ربنا سبحانه وتعالى جعل رابطة الإيمان أو أخوة الإيمان نعمة من أعظم نعم ربنا على المؤمنين ولكننا للأسف لا نعيش ذلك ولا نجده في حياتنا، لم نجرب أن نعيش بهذه المعاني حتى لأن الأخوة النسبية التي نقيس عليها انتقدت وانهارت فحين نقول المؤمن أخو المؤمن نقصد بذلك أنه أخوه في الإيمان مثل أخوه في النسب وربما أرقى، ولكن لم يعد هناك أخوة نسبية ولا حتى الصلات الرحمية فعلى ماذا نقيس؟.

فالأخوة عبارة عن أحاسيس وحب، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول ( المؤمن مرآة المؤمن ) حسناً ما معنى مرآة؟ ماذا تفعل بالمرآة؟ أرى فيها صورتي الحقيقية، لا الصورة المحدبة أو المقعرة أو المشوشة أو ذات الصدأ، وأنت حين تنظر إلى المرآة لا ترى المرآة لأن رؤيتك لنفسك تحجبك عن رؤية المرآة نفسها أنت لا ترى المرآة أن ترى نفسك في المرآة، فهذه المرآة أولاً تعطي صورة مطابقة للحقيقة.

 الشيء الثاني أن وظيفة المرآة هي مساعدتي على أن أتخلص من العيوب، متي تنظر في المرآة؟ حين تحب أن تجمل نفسك كي تخرج لملاقاة الآخرين، إذاً وظيفة المرآة أنها تكسب الشخص جمالاً أو تزيل عنه التشوهات والعيوب لكي يكون بمرأى وبأعين الناس في أمثل وفي أحسن صورة، فهذه وظيفة الإنسان المؤمن أن يبصر أخيه بالنقص.. لماذا؟ لأنه يريده أن يخلو من النقص لكي يساعده لأن يبدو في حال من أحوال البهاء والجمال، هذه الوظيفة.

( المؤمن مرآة المؤمن ) ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: الدين النصيحة، قلنا النصيحة هي إزالة الخلل وإذهاب العيب، النصيحة أصلها المنصحة والمنصحة هي الأبرة ووظيفتها أنها تزيل الرتق وتذهب الفتق وتصلح العيوب، فحين يقول النبي صلى الله عليه وسلم: الدين النصحية فهو عبارة عن علاج أي أمر سلبي وإزالة أي عيب، فالمؤمن مرآة المؤمن ووظيفتها أن تجعله يستطيع أن يرقي نفسه ويجملها من خلال رؤية نفسه بشكلها الحقيقي.

ثم قال: ( والمؤمن أخو المؤمن يحفظ عليه ضيعته ) أي يمنعه من الضياع في الدنيا وفي الدين، يحفظ عليه ضيعته أي يحفظه من الضياع والهلاك، ( ويحوطه من وراءه ) أي يحميه، يحمي ظهره، ( يحفظ عليه ضيته ويحوطه من وراءه ) هذه وظيفته، حسناً، لماذا لا يحدث ذلك؟ لأنني حين أتكلم غالباً أقصد الانتقاص وبالتالي بذلك لن أكون مؤمناً، طالما أنا أوجهك أو أحاول أن أريك بعض النقائص والعيوب وتلمس مني روح الانتقاص أو روح تلمس العورات لا تضعني في دائرة الإيمان ” لأن دي مش المرآة ولا النصيحة ” ، وفي نفس الوقت ربما تجد الشخص الذي يوجه إليه الكلام ربما تكون الأنا لديه متضخمة فهو لا يقبل مطلقاً أن يُنتقص وبالتالي يأخذ الموقف الدفاعي المعتاد، إذا ناصحتني أرد عليك وأهاجمك فإذا كان المتكلم لا يقصد علاج العيب والمتلقي لا يريد أن يصلح من حاله إذاً لن يحدث شيء.

 أما في دائرة الإيمان فالوضع مختلف ولذلك سيدنا عمر يقول: ( رحم الله امرئ ) لماذا؟ ( رحم الله امرئ أهدى إلى عيوبي ) يسميه هدية ويدعو له بالرحمة لماذا؟ لأنه في الحقيقة يريد أن يرحمه وأن يصلح من حاله ولذلك أسماها هدية، فهذه الهدية كيف تقدم؟ بأي شكل وبأي صيغة وبأي صورة؟ ولأنها هدية فيجب أن تقدم كما تقدم الهدايا، ولماذا يقول هذا الكلام؟ لأنه يعتبر أن هذا الشخص يهدي إليه جميلاً لأنه يساعده أن يرتقي ويصبح اليوم في حال أحسن من أمس.

أحياناً الإحساس بالضعف، أحياناً يشعر الإنسان بأنه من الأفضل مداراة مشاكله لأنه إذا صارح نفسه بها ستصيبه بالنهاية بالإحباط ولن يستطيع أن يصلح من نفسه، فهو يدرك عيوبه ومشاكلة ولكنه لا يريد الاقتراب منها لأنه يرى أنها كبيرة، فلا يوجد داعي إلى أن أفتح هذا الملف، أين الأزمة هنا؟ الأزمة هنا في لا حول ولا قوة إلا بالله، من الذي يذب بالنقص ويصلح العيوب.. العبد نفسه أم ربنا سبحانه وتعالى؟ فإذا كان الشخص يعتمد على رحمة الله وعلى كرم الله وعلى قدرة الله سبحانه وتعالى التي ليس لها حد، وعلى قوة الله سبحانه وتعالى التي لا يعجزها شيء فلا يوجد يوجد أمر عصي على التغير والتدبل لكن القانون الذي أهاده الله إلينا وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ، الإنسان عليه أن يجتهد فإذا اجتهد ودعا ورجا وابتهل لابد ويقيناً أن يأتيه المدد والعون من الله، فالإنسان يدرك أولاً النعمة وأن وظيفتها أنها تجعله إنسان في مقام الرضا من الله سبحانه وتعالى ثم عليه البحث عن الأشياء التي يحتاج إصلاحها ويستعين بالله سبحانه وتعالى ويبدأ بالأولويات، المشاكل الأكبر أولاً لأنه لا يوجد إنسان عاقل يريد حل مشاكله يتعامل مع خمس أو ست مشاكل معاً، لا، أتعامل أولاً مع الملف الأخطر والأكبر ضرراً والذي يبعدني عن ربنا سبحانه وتعالى فأبدأ بالاستعانة بالله وأركز عليه، وهناك مشاكل حين تحل تنفرج معها مشاكل أخرى، كنت تظنها أزمات تراها اختفت وتلاشت بفضل ربنا سبحانه وتعالى لكن أولاً يجب على الإنسان أن يجعل النعمة في مقام الشكر ويأخذ الأمر على محمل الجد فإذا استعان بالله سبحانه وتعالى لابد أن يأتيه المدد والعون من الله تبارك وتعالى.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم

الحمد لله رب العالمين

نحن الآن سنحتاج أن نتحرك قليلًا في العمق، ننتقل من إطار التنظير إلى دائرة الممارسة لكي يكون لهذا الكلام أثرًا حقيقيًّا واقعيًّا، ولكي نبدأ سنرجع مرة أخرى إلى اللوحة التي هناك ( لوحة الحقائق الإيمانية تدخل القلب فيخرج ممارسة إيمانية ) هذه اللوحة ماذا تقول؟ تقول أن لدينا يوجد شيء اسمه حقيقة الإيمان،ويوجد شيء اسمه مستقر الإيمان، ويوجد شيء اسمه نتاج الإيمان.

حقيقة الإيمان: المعاني التي أرادنا ربنا سبحانه وتعالى أن نؤمن بها، مستقر الإيمان: القلب يتفاعل مع هذه الحقائق، ولذلك نحن قبل ذلك تكلمنا كثيرًا عن الفرق بين أن أعرف وبين أن أؤمن، وأن الخلل هنا سبب أساسي لمشاكل عدم الانتفاع بحقائق الإيمان.

 ” أنا أعرف ” ما معناها؟ يعني أنت إذا سألتني عن الحقائق نظريًّا أستطيع أن أسردها، أما حقيقة الإيمان أن القلب يتأثر بهذا الكلام ويعيشه واقعيًّا، ويكون على ذهنه وذاكرته ويظهر أثره في ممارسته وعمله، هذا مستقر الإيمان.

إذن نحن نريد أن نعرف الحقائق أولًا، ثم القلب لكي يستطيع أن يستقبل هذه الحقائق، ما الأشياء التي من المفترض أن تكون بداخله وما الأشياء التي من المفترض أن تخرج منه؟ الشيء الثالث هي ثمرة، أي هو المفترض أن هذه الحقائق لو استقرت في القلب؛ فتلقائيًّا، تلقائيًّا تنتج نتائج، هذه النتائج حينما تتكلم عنها، ليست لأنك لابد أن نقولها لكي تحدث، ولكن لكي يكون لدينا ميزان نختبر به نفسنا فقط.

أي الآن هذه الحقيقة استقرت في القلب؟ النبي صلى الله عليه وسلم يقول أن القلب إذا وصف بالصلاح وصفت الممارسات والأفعال والجوارح بالصلاح تلقائيًّا، ولكن أنت لماذا تتكلم عن المنتج؟ لكي تختبر هل هذه الحقائق فعّالة أم غير فعّالة، كانت مؤثرة أم غير مؤثرة.

حسن، فأصل الحقائق؟ وأول شيء هي المعرفة؛ فنحن نريد أن ننوه فقط على معنى واحد، نحن قلنا أن هناك شيء اسمه نعمة الإيمان، أعظم نعمة في نعم الإيمان نعمة التعرف، ما معنى التعرف؟ أنت كيف تعرف ربنا؟ أنت تعرف ربنا بأن ربنا سبحانه وتعالى هو الذي يتعرف إليك، ليس أنت الذي عرفت ربنا، لا، ربنا سبحانه وتعالى هو الذي عرّفك بنفسه عبر ثلاث أشياء.

الشيء الأول: المنة الأولى: الفطرة التي غرسها الله في نفس كل إنسان، ( كل مولود يولد على الفطرة ) وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا هذا أول تعرف، يوجد لبنة موضوعة في نفس كل إنسان، أنه يعرف أن له ربًّا ويسعى للوصول إلى الرب سبحانه وتعالى، هذا أول شيء.

التعرف الثاني: آلاء العظمة الإلهية الموجودة في الخلق، وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ ۝ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم حينما قام ليلة وجعل يبكي، يبكي وهو يصلي ثم سُئل عن سبب البكاء قال ( لقد نزلت عليّ الليلة آيات ويلٌ – هذه كلمة شديدة – ويلٌ لمن قرأها ولم يتدبرها إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ۝ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ۝ رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ۝ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا ) فهو يقول ” ويلٌ لمن قرأ ذلك ” فما بالك ونحن لا نقرأ، نحن أصلًا لا نقرأ، هو يقول ويلٌ لمن قرأ ذلك ولم يضع ذلك في منزلة التدبر والتفكر، هذا هو الثاني.

الثالث: وهذا هو الأعظم والأعمق؛ أن ربنا سبحانه وتعالى في كلامه، في كلامه سبحانه وتعالى الذي كلمنا به عرّفنا بنفسه بقدر كبير جدًا من التفصيل، لم تكن لتدركه لا بالتفكر ولا بغيره، فربنا سبحانه وتعالى عرّفنا عن أسمائه وصفاته ونعمه وآلائه وإحسانه وبره بالشيء الكثير، وضعه صلى الله عليه وسلم في دائرة وقال (من أحصاها دخل الجنة) الذي سيعرف ربنا سبحانه وتعالى عبر هذه التعرفات فقد وضع نفسه على طريق الجنة، فلماذا؟ لماذا ستقوده المعرفة إلى الجنة؟ هذا سؤال.

فنحن الآن عم نتكلم؟ عن أن أعظم نعمة أن ربنا سبحانه وتعالى بنفسه، بنفسه عرّفنا بنفسه، وهذه المعرفة من المفترض أن تأتي بثمار، يقول الحسن البصري ( من عرف ربه أحبه ) ” من عرف ربه أحبه ” ( ومن أبصر الدنيا زهد فيها، وقال غيره: ( من كان بالله أعرف كان من الله أخوف ) وقيل ( من عرف ربه لم ينقطع منه رجاؤه ومن عرف نفسه لم يعجب بعمله ومن عرف الله رجاه، ومن لم يعرف الله جعل رجاءه إلى المخلوقين ) فهذه المعرفة ستنتج أشياء، من سيعرف ربنا لابد أن يحبه ومن سيعرف ربنا سبحانه وتعالى سيخشاه ويهابه ويتقيه، من سيعرف ربنا سبحانه وتعالى سيعلق رجاؤه بالله، ومن لن يعرف ربنا سبحانه وتعالى سيعلق رجاؤه بالفاني والزائل، هذا هو التعرف الأول، ويوجد تعرف ثاني، ومن المفترض أن التعرف الثاني هذا هو الذي نريد أن نفعله، نتاج التعرف الأول، قال صلى الله عليه وسلم موصيًا ابن عباس ( تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ) فربنا سبحانه وتعالى يتعرف لنا، هذه ما معناها؟ برحمته وبمنته سبحانه وتعالى هو الذي عرفنا بنفسه وإلا لم نكن لنعرف، هو غيبٌ محجوب سبحانه وتعالى وليس له مثيل في عالم الشهادة لكي تقيس عليه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ومثلما قلنا قبل ذلك كثيرًا؛ جعل سبحانه وتعالى معرفته غاية اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا لكي نعرف، كل هذا لكي نعرف لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا.

فالنبي صلى الله عليه وسلم يوصي ابن عباس ماذا يقول له؟ يقول له ( تعرّف إلى الله ) فهل العباد محتاجون أن ربنا يعرفهم؟ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ما معنى تعرف؟ تقرب إلى الله لكي تكون معروفًا عنده بالبر والطاعة والإيمان والخير، فإذا كنت كذلك ووقعت في شدة فلجأت إلى الله كان الله معك، فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ۝ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ فأنت من المفترض أن ربنا سبحانه وتعالى تعرف إليك فتقبلت تعريف ربنا سبحانه وتعالى وعرفت ربك وأردت أن تتعرف أنت إليه.

يقول سلمان رضي الله عنه ( إن العبد إذا كان يحمد الله في الرخاء ويدعو الله في السراء فإن أصابه ضرٌ فدعا الله قالت الملائكة صوتٌ معروف – هذا الصوت نحن نعرفه – صوتٌ معروف من امرئٍ ضعيف فيستغفرون الله له ويشفعون له، وإن العبد إذا لم يكن يحمد الله في الرخاء ويدعو الله في السراء فإن أصابه ضرٌّ فدعا الله قالت الملائكة صوتٌ منكر فلم يستغفروا له ولم يشفعوا له) ” صوتٌ معروف ” و ” صوتٌ منكر ” هذا الصوت غريب، من هذا؟ فمن تعرف إلى الله في حال رخائه عرفه الله تبارك وتعالى برحمته وعفوه في حال شدته، فنحن لدينا الآن تعرفان، التعرف الأول هو تعرف حقيقة الإيمان، والتعرف الثاني هو تعرف نتاج الإيمان، ولكن لكي ينتقل هذا لهذا لابد أن يستجيب القلب، لابد أن يستجيب القلب، لابد أن يشعر القلب ويحس ويتأثر، فلما يتأثر يتحرك، عندما يتأثر يتحرك.

فنحن الآن ماذا نحتاج؟ محتاجين أولًا أن ندرك نعمة التعرف أولًا؛ لكي ييسر لنا ربنا سبحانه وتعالى نعمة التعرف الثاني؛ أما التعرف الأول فأننا نتقبل – نتقبل – تعريف ربنا سبحانه وتعالى نفسه لنا.

ذو النون سُئل، قيل له: بم عرفت ربك؟ قال: عرفت ربي بربي ولولا ربي ما عرفت ربي، وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي لم تكن تعرف مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ لم تكن تعرف شيئًا وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا فلما صار عارفًا صار هاديًا، وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي الهداية هنا عائدة إلى الله نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ۝ صِرَاطِ اللَّهِ بعدما رزقه ربنا المعرفة أصبح صلى الله عليه وسلم هاديًا بعد أن صار مهديًّا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ ولولا ربي ما عرفت ربي.

فأول شيء أننا نتقبل النعمة، نحسن تقبل نعمة التعريف، فإذا تقبلنا نعمة التعريف، ربنا سبحانه وتعالى يرزقنا نعمة التعرف، فإذا تعرفّت إلى الله فعرفك الله، أمدك بكل ما ترجوه من خير الأولى والآخرة.

اللهم زيّنا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين

اللهم اجعلنا هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، اللهم اجعلنا هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين.

اللهم اغفر لحيّنا وميّتنا، وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا، اللهم اغفر لحيّنا وميّتنا، وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا

اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان.

اللهم يا وليّ الإسلام وأهله مسّكنا الإسلام حتى نلقاك عليه، اللهم يا وليّ الإسلام وأهله مسّكنا الإسلام حتى نلقاك عليه

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم