إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
نستتم بمشيئة الله ما أُريد لنا أن نتحدث فيه من نواقض الزوجية ونواقصها، جاء الله تبارك وتعالى بالإسلام الذي يعني أن يدرك الإنسان قيمته وأن يدرك تكريم الله له، أن يدرك الإنسان قيمته ورسالته وتكريم الله له، وأن الناس قد خلقهم الله سواسية، وأن لهم حقوقًا وأن عليهم في المقابل واجبات، وحينئذٍ رنا العبيد إلى حياة كريمة شريفة فاضلة، تغاير حياة الذل التي كانوا قد عهدوها في زمان الجاهلية، فربهم تبارك وتعالى يخاطبهم فيقول يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى أصل واحد وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ثم ذكر قانونًا فقال إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ.
ومن يقول إن الإسلام قد جاء بتحرير العبيد قبل أن يحررهم ” لينكولن ” بألف ومئتي سنة؛ فهذا شخص لا يفقه ما يقول، حينما تقول إن الإسلام قد فعل قبل، عندما تقول أن الإسلام قد جاء بمبدأ قبل أن ينتهي إلى هذا المبدأ آخرون فأنت إذًا لا تعرف عم تتحدث.
حينما تقول قبل فأنت تتحدث عن بشرٍ اهتدى إلى ما لم يهتدي إليه غيره من البشر في زمانه، إنك تتحدث عن بشرٍ يسبق بشرًا، وفكرٌ يسبق فكرًا، أما حين تتحدث عن الله فلا معنى لأن تقول إن الله تعالى قد سبق عباده إلى أمرٍ بكذا وكذا من السنين فأنا لا أفهم ما أقول.
هل سأقول أن ربنا ” ربنا ” سبق الإنسان، أي أن ربنا اهتدى للموضوع – عياذًا بالله – قبل أن يهتدي إليه الإنسان والإنسان اهتدى إليه متأخرًا، فهذا الإنسان الذي أدرك، ألم يكن في إدراكه توجيهٌ وهداية من الله، أي إن الإنسان عندما أدرك، هل هذا الإدراك لم يكن به هداية من ربنا؟ ألم يكن به توجيهٌ من الله؟ فحينما جاء الله بالإسلام، وإنما هو في الحقيقة قد جاء بما هو أعظم من ذلك،، نعم قد حثّ الدين على تحرير الأرقاء وجعل كفارةً لكثير من الأخطاء تحرير الرقبة المؤمنة، لكنه في الحقيقة قد جاء بما هو أعظم من ذلك، أعظم من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ” إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يطعم وليلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما لا يطيقون، فإن كلفتموهم فأعينوهم ” .
يقول صلى الله عليه وسلم واصفًا هؤلاء العبيد قال ” إخوانكم ” يشاركونهم في الإيمان، ” إخوانكم خولكم ” أي خوّلكم الله أمانتهم، جعلهم الله تحت أيديكم، ” فمن كان ” ولم يقل عبده، ” فمن كان أخوه تحت يده ” ماذا يفعل؟ يقول ” فليطعمه مما يطعم ” لا يوجد ” أكل للخادم، فضلًا عن العبد ” قال ” فليطعمه مما يطعم ” ، وأصعب من ذلك ” وليلبسه مما يلبس ” وفي الإدارة ” ولا تكلفوهم ما لا يطيقون ” فإذا اضطررت لذلك؟ ” فإن كلفتموهم فأعينوهم ” .
واحدة من هؤلاء الإماء؛ تطلعت إلى أن تنال حريتها، قال الله تبارك وتعالى وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ربنا سبحانه وتعالى بعيدًا عن الرغبة في التقرب – العتق – تقربًا إلى الله هي صدقة وعبادة، والعتق ككفارة؛ هذا تخلص من عبء ووزر وإثم، فإن لم يكن هذا ولا ذلك؟ من الممكن أن يكون الموضوع اقتصاديًّا وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ شخص يريد أن يخرج نفسه من ربقة الرق، ماذا سيفعل؟ سيتّفق مع من يملكه بتعاقد أن يدفع له مبلغًا معيّنًا في سبيل حريته، وبناءً على هذا الاتفاق يكون العبد حرًّا في التصرف في وقته وجهده ويومه، فمن أين سيأتي بالمال؟ بألا يكون لي علاقة به، وعليه أن يأتي في المال في الأجل المحدد؛ سواء كان مبلغًا مجمّعًا أو كان أقساطًا، فالله تبارك وتعالى يقول وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا إذا رأيت أن به خيرًا وصلاحًا وتقوى، وإيمان، فربنا سبحانه وتعالى يحثك أن تبرم معه هذا العقد، ليس هذا وفقط.
لماذا إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا لأن الشخص الذي ستخرجه من هذه الدائرة أنت تخرجه لأن هذا سيضيف خيرًا إلى المجتمع، فإذا لم تعلم فيه خيرًا؟ فأنت ستخرج للمجتمع فردًا يزيده أذى، فلا تفعل، فلتتركه تحت هذه الإدارة خيرٌ للمجتمع من أن تخرجه من تحت يدك فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا هذا فقط، لا لا لا، وَآتُوهُمْ هو يقول له ساعده!!، هو الآن سيدفع لي مالًا، فربنا يحثني أنني أقلل من المال أو أن أشارك، أي أن أدفع لنفسي في مقابل تحريره وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي آتَاكُمْ.
فـ ” بريرة ” كانت أمة لقوم من الأنصار، فأرادت أن تفتك نفسها، فكاتبتهم على تسع أواقٍ من فضة على تسع سنوات في كل سنة أوقية؛ إذً تسع أقساط على تسع سنوات، وحاولت أن تدفع من ذلك شيئًا، فلم تستطع أن تجمع مالًا.
وجاء وقت القسط الأول؛ فجاءت إلى عائشة رضي الله عنها تطلب منه الإعانة، فقالت عائشة رضي الله عنها ” إن شاء أهلك أن أصبّ إليهم المال صبًّا وأعتقك فعلت ” أي بدلًا من أن تنتظر هذه الفترة، فإن عائشة رضي الله عنها ستشتريها منهم وتعتقها، فذهبت بريرة إلى آلها، فقبلوا على أن يكون الولاء لهم، ما معنى ” الولاء “؟ الشخص حينما يعتق، يوجد نوع من أنواع العلاقة بينه وبين من أنعم عليه بالعتق.
شخص أنعم لشخص، فما جزاء هذا الجزاء؟ أن يكون بينهم عقد، اسمه عقد ولاء، هذا الولاء عبارة عن ماذا؟ عبارة عن إعانة ونصرة وهذا الشخص المعتق إذا كان له مال ولا ورثة له من أهله، وكان قد أعتقه وأحسن إليه يؤول له المال وراثة، فهم قالوا: نعم، أنت ستعتقين ونحن لنا الولاء.
فأتت السيدة عائشة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال لها أن تعتقها وتتركهم يقولون ما يشاءون، ثم صعد على المنبر وقال صلى الله عليه وسلم ” ما بال أقوامٍ يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله، كل شرطٍ ليس في كتاب الله فهو باطل، كتاب الله أحق وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق، فأعتقت بريرة، وبين بريرة وعائشة تاريخ.
في قصة الإفك؛ نلمح رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسأل بريرة عن عائشة، هو صلى الله عليه وسلم فيما كان فيه من الأذى والإيذاء، يسأل بريرة عن عائشة هل ترين فيها أنها يمكن أن تفعل مثل ذلك – وحاشاها – طيب، فما الذي أتى ببريرة هنا؟ كانت بريرة تدخل على عائشة وتجالس عائشة، وتخدم عائشة أحيانًا، وهي على رقها عند هؤلاء القوم من الأنصار فسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ما تقولين يا بريرة؟ ” قالت: والله يا رسول الله ما أعلم عنها إلا كما يعلم الصائغ على تبر الذهب الأحمر، وإني والله ما رأيت منها شيئًا أنكره، إلا أنها كانت جارية حديثة السن – بنت صغيرة – تنام عن عجين أهلها حتى تأتي الداجن فتأكله ” أنا لا يغيظني منها إلا شيء واحد فقط، أنها تنام كثيرًا والعجين الذي نعجنه تتركه فتأتي الماعز فتأكله ونضطر أن نعجنه من جديد ” وإن كان شيئًا مما يقول الناس ليخبرنك الله به ” ماذا قالت؟ أول جملة ” ما أعلم عنها إلا كما يعلم الصائغ على تبر الذهب الأحمر ” أعظم معدن وأنقاه وأطهره، ولا شيء من الممكن أن تنتقص به عائشة إلا أنها تضيع العجين، وهذا الموضوع إذا وجد شيء منه فهل يترك الله نبيه صلى الله عليه وسلم من دون أن يهديه، قالت ” وإن كان شيئًا مما يقول الناس ليخبرنك الله به “
ثم أعتقت بريرة بعد زمن وكانت بريرة ذات زوج، وكان زوجها عبدًا لآل أبي أحمد بن جحش، وكانت لها منه ولد، فلما أعتقت صارت حرة وبي هو عبد، ولكي لا تختل القوامة جعل الله تبارك وتعالى لمن أعتقت وهي تحت عبد أن تختار إما أن تفارق وإما أن تبقى، لأنها إذا اختارت البقاء، فلن تخرق عقد وعهد القوامة، فإن رأت أنها قد صارت فوق زوجها مكانًا ومنزلة، كان الأولى بها أن تفارق إن شعرت أنها تنظر إليه من علو إلى سفل.
فاختارت بريرة أن تفارق زوجها – ولها ولد – ، يقول ابن عباس رضي الله عنه وهو يحكي ماذا حدث، فيحكي عن زوجها ويسمى مغيثًا؛ أنه لما فارقته امرأته لما أعتقت، يقول ابن عباس ” كأني أنظر إليه ” هو يقول ” كأني أنظر إليه ” يحكي بعد سنوات طوال، يقول: أنا مازلت أتذكر مشهده كأني أراه الآن، ” كأني أنظر إليه وهو يجري وراءها في شوارع المدينة وقد بلّت دموعه لحيته، يتوسل إليها أن تبقى، أو ترجع، ” وهي مش بتعبره ” فماذا يقول ابن عباس؟ أنا كأني أراه الآن وهو يجري وراءها ويبكي لدرجة أن لحيته ملئت من الدموع، فابن عباس يقول أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول للعباس.
إذًا المشهد: أن النبي صلى الله عليه وسلم واقف ومعه العباس رضي الله عنه ومعه عبد الله بن عباس – وهو غلام صغير – ارتسم في ذهنه المشهد – شكل الرجل – ثم تعقيب النبي صلى الله عليه وسلم على ما يراه، قال ” يا عباس: ألا تعجب من حب مغيث لبريرة – وفي المقابل – ومن بغض بريرة مغيثًا ! ” انظر إلى هذا المشهد !! كم هو متعلق بها، وكم هي نافرة منه!، فماذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم؟ لم يستطع أن يتجاوز المشهد بدون أن يحاول أن يتدخل، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال للمرأة بعدما رأى ذلك، قال ” لو راجعتيه، قالت: يا رسول الله: تأمرني؟ قال: إنما أشفع ” لا. قالت: يا رسول الله: تأمرني فأنا سأنفذ،، قال: إنما أشفع، قالت ” لا حاجة لي فيه ” .
هذا المشهد ما تفسيره، أو ما علاقته بما نتكلم عنه؟ أين الأزمة؟
بريرة شخصية فيها قدر من القوة، وعندها قدر من الطموح، هي تريد أن تنقل وتعيش حياة أفضل وأرقى اجتماعيًّا، ولذلك سعت وحاولت أن تخرج من هذه الدائر ة إلى دائرة الحرية، كانت تسعى إلى هذا، وحاولت أن تصل لهذا، تجاوبت مع الدين هذا التجاوب، ولذلك طبيعي أن بريرة إا كانت تجالس عائشة وتخالط عائشة وتخدم عائشة أنها تتأثر بعائشة.
فهي تريد أن تتحرك هذه الحركة، أما زوجها؟ عنده حالة من القبول التام لوضعه، هو لا يريد أن يغيّر هذا، ولا عنده هذا الطموح، وليس لديه هذه الرغبة.
فهي الآن هؤلاء الأطفال عندما يكون هو عبد، وهي أمة ما مستقبلهم؟ مستقبل الجيل القادم أيضًا في الرق، مستقبل الجيل القادم أيضًا سيكون في الرق، هي تريد أن تخرج من هذا، وهو لا يريد أن يخرج من هذا، هي لا تستطيع أن تكمل معه.
وهو يبكي؟ البكاء يزيد الأمر سوءًا، لأنها تراه مرة أخرى أضعف وأضعف، وهي لا تريده هكذا، هي لا تريده هكذا، ولذلك كلما بكى وجري، كلما تكون هي أزهد فيه وأزهد، ولذلك قالت: ” يا رسول الله والله لو أعطاني كذا وكذا ما راجعته ” أي لو أعطاني مالًا، – مبالغ كبيرة – أنا أيضًا لن أتراجع، هي لن تتراجع للخلف، لا تريد أن تعيش هذه الحياة، تريد أن تعيش حياة مختلفة.
بناءً على هذا صعبٌ أن تكتمل الحياة أو أن تستمر، هي تريد أن تتحرك وهو لا يريد أن يتحرك،، هو يحبها – تمام – ولكن هذا سيكون كافيًا؟ لا يكون كافيًا في كل الأحوال، لا يكون كافيًا في كل الأحوال، ولذلك هذا البكاء لمس – لمس – رقة ورحمة النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه لم يلمس عندها شيئًا، هي تريد الزوج بمستوى معيّن من القوة، وهي لا تراه هكذا، فلن يصلح أن تكمل معه هكذا.
هو لديه استعداد أن يتخذ نفس الخطوات؟ هل سيحاول أن يكاتب ويتحرر؟ لا، هو سيبكي، فقط سيبكي، إذًا سيظل يبكي، من الممكن أنه بعد قليل يسلو، أو يبكي، ولكن في النهاية هذا البكاء لن يعالج المشكلة، لن يعالج الأزمة، لن يزيل الاحتقان الذي في هذه العلاقة،،، هذه صورة.
الثانية: جميلة بنت أبي بن سلول أتت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قالت: ” يا رسول الله إن ثابت بن قيس لا أنقم عليه في خلقٍ ولا دين ولكني أكره الكفر في الإسلام ” تقول أن زوجها، هي لا تقل عنه شيئًا قبيحًا، هي لا تقل عنه شيئًا قبيحًا، ” لا أنقم عليه في خلقٍ ولا دين ولكني أكره الكفر في الإسلام ” ما معنى هذا؟ ماذا تريد أن تقول؟ تريد أن تقول أنه شخص حسن، وأنا لا أستطيع أن أقول فيه شيئًا، ولا أشتكي من شيء، ولكنها لا تستطيع أن تتقبله أو تتعامل معه، نفسيتها متأزمة وضائقة منه، هو لم يفعل شيئًا، ولكنني لن أستطيع أن أكمل، وأخاف إن أكرهت نفسي وأكملت أن أعامله معاملة سيئة، فأكتسب عياذًا بالله سخط الله وغضبه، فأكون قد كفرت بنعمة الله وكفرت بأوامر الله.
فالنبي صلى الله عليه وسلم ماذا قال؟ قال ” أتردين عليه حديقته ” ولم يقل شيء آخر، لم يقل شيء آخر، قال ” أتردين عليه حديقته ” البستان والحديقة التي دفعها إليها مهرًا، هل ترديها؟ قالت: نعم، ” فاستدعاه، وقال: يا ثابت: اقبل الحديقة وطلّقها تطليقة ” فلماذا ” تطليقة “؟ ربما أن تراجع نفسها، ربما تذهب وبعدها تشعر أن ما تركته لم يكن سيئًا، أو أن نفسيتها تغيّرت.
فهذه الحالة ماذا تعكس؟ فالآن لا يوجد سبب محدد، لا يوجد سبب محدد، ولكنها مع هذا الشخص بشخصيته وطباعه، يوجد حجر على قلبها إزائه.
فالنبي صلى الله عليه وسلم هنا لم يستفصل ولم يناقش، ولم يكلمها مثلما كلّم بريرة، وقال كلمة واحدة فقط، كلمة واحدة فقط ” أتردين عليه حديقته ” قالت: نعم، قال ” اقبل الحديقة وطلّقها تطليقة ” .
إذًا في هذه الصورة، نحن تكلمنا عن حالتين، ما هذه الحالتين؟ عبارة عن أنه يوجد توجهات مختلفة هنا في الصورة الأولى، في صورة ” بريرة ” هذه، شخص يريد أن يعيش الحياة بشكل معيّن، ويريد أن يرتقي ارتقاء معيّن، والذي معه، ليس مثله، هذه صورة.
والأخرى لا يوجد سبب مادي محدد، لكن نفسيًّا الشخص لا يستطيع أن يكمل، ولذلك رُوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” المختلعات هنّ المنافقات ” ما معنى هذا؟ أي أن جميلة بنت أُبي كان لديها هذه المشكلة فعليًّا وعندها أزمة فعليّة، وحاولت أن تجاهد نفسها، ولم تسطع أن تفعل شيئًا، وخافت أن تظلم، خافت أن يوجد نشوز، وخافت أن تغمط الرجل حقه، لن تقدر، لن تقدر، و ” المنافقات ” سيقلن مثلها جمل هن لا يستشعرونها لكي يطلقن وفقط،، فهذه الجملة من الممكن أن تستخدمها أي امرأة،فما الفرق بين شخص وشخص؟ عند ربنا سبحانه وتعالى، الصادق الذي يحاول، ومن يستخدم هذه الجملة لكي يهرب بها، فلماذا جعله من النفاق؟ لأنها ستظهر شيئًا هي لا تشعر بها، ستظهر صورة هي ليست بداخلها.
إذًا في هذه الحالة، عندما يكون الشخص غير قادر، قال الله تبارك وتعالى لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
الحمد لله رب العالمين
جاء رجلٌ اسمه أبو عذرة إلى ابن أرقم رضي الله عنه؛ فأخذ بيده فأدخله على امرأته، أي أنه أخذ بيد زيد بن أرقم رضي الله عنه وأدخله بيته وأحضر امرأته، وسألها، قال: أتبغضينني؟ قالت: نعم، فقال ابن أرقم: ما حملك على ذلك؟ أي: لماذا أحضرتني وأجلستني هنا وأجلستها أمامي، لماذا تفعل هذا؟ قال: كثُرت عليّ مقالة الناس.
الناس تتحدث أنها تكرهني ولا تريد أن تُكمل معي، فأنا أحضرتك لكي ترى وتشهد.
فذهب ابن أرقم إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وحكى له، فاستدعاه عمر، لماذا فعلت هذا؟ قال: يا أمير المؤمنين كثُرت عليّ مقالة الناس، – وفي رواية – ” كبُرت عليّ مقالة الناس – فاستدعى عمر المرأة، فجاءت ومعها عمة لها منكرة. هي أتت ومن معها؟ معها عمتها، وما معنى ” عمتها منكرة ” أي ” شكلها غلط ” ، هذا نموذج التسخين في الحياة، وهو موجود من زمان.
هي هكذا في الرواية ” جاءت ومعها عمة لها منكرة ” فقالت لها: ” إن سألكِ ” أمير المؤمنين سيسألك، فماذا ستقولين له؟ ” استحلفني، فكرهت أن أكذب ” فهو سيقول لماذا قلت لزوجك هذا؟، ستقولين أنه حلّفني فلابد أن أقول الحقيقة، وهو لم يحلفها، هو قال جملة واحدة فقط، قال: أتبغضينني، قالت: نعم، ولكن عمتها جاءت لتلقنها، وصلت معها إلى الباب، أنه سيسألك ويقول لك كذا، فتقولي كذا.
فهي قالت له هذا، قالت: استحلفني؛ فكرهت أن أكذب، قال: ” بلى، فلتكذب إحداكن ولتجمل ” لا لا لا يا أختي اكذبي، اكذبي، ” وهل لم تبنَ البيوت إلا على الحب!، وإنما معاشرة على الأحساب والإسلام ” هو ماذا يقول؟
يقول لها: البيوت أُقيمت على الحب ! ليس كل البيوت هكذا، يقول ” وهل لم تبنَ البيوت إلا على الحب!، وإنما معاشرة على الأحساب والإسلام ” ما معنى ” الأحساب والإسلام ” ما معنى كلمة ” الحسب ” هذه؟ النبي صلى الله عليه وسلم حينما يقول أن المرأة تنكح لحسبها، ما معنى حسبها؟ أن الشخص يطلب عائلة كبيرة، يريد أن يناسب ” عزوة ” يريد أن يناسب أناس يفتخر بالانتساب لهم، هذا معنى الحسب، والحسب في معناه الثاني؟ هو البيوت الراقية التي تربي تربية حسنة، فـ ” معاشرة على الأحساب والأنساب ” ما معناها؟ فالأحساب معناها أن التربية الصالحة التي تربى عليها الإنسان تجعله يعامل الناس بأخلاقيات تربى عليها في بيته، والإسلام: الذي أمر به ربنا سبحانه وتعالى من حفظ الحقوق وأداء الواجبات.
قال ” وهل لم تبنَ البيوت إلا على الحب!، وإنما معاشرة على الأحساب والإسلام ” وفي رواية: أنه رأى رجلًا قد طلّق امرأته، فيقول له: لماذا طلقتها؟ قال: إنني لا أحبها، قال: وهل لم تبنَ البيوت إلا على الحب ! فأين الرعاية وأين التذمم؟ ما معنى التذمم؟ التذمم: أي أن الشخص يجعل عليه ذمة أي عهد، أي هو يأخذ عهد على نفسه أن يؤدي الحقوق التي أوجبها عليه ربنا سبحانه وتعالى، قال وإنما تنبى على الرعاية – الرعاية – واجب الرجل في الرعاية، والتذمم؛ أنه يجد مذمة عليه أن يظلم، مذمة عليه أن يتجاوز.
وذكرنا قبل ذلك؛ أن ابن عمر رضي الله عنه طلق امرأة له؛ فقالت: هل رأيت مني شيئًا تكرهه، قال: لا، قالت: ففيم تطلق المرأة العفيفة المسلمة؟ لماذا؟ إذا كنت لم أفعل شيئًا به ضرر، أو أذى، ولم أتجاوز، وملتزمة بأمر الله، فلماذا؟ قالت: وفيم تطلق المرأة العفيفة المسلمة؟ فارتجعها.
آخر جملة: يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ” النساء ثلاثة: امرأة هينة لينة عفيفة مسلمة ودود ولود تعين أهلها على الدهر ولا تعين الدهر على أهلها، وقلما تجدها ” هذه الأولى؛ هو يقول أنهم ثلاثة أنواع؛ ” امرأةٌ هينة لينة عفيفة مسلمة ودود ولود تعين أهلها على الدهر ولا تعين الدهر على أهلها، وقلما تجدها، وامرأة عفيفة مسلمة إنما هي وعاء للولد؛ ليس عندها إلا ذلك ” ” ليس عندها إلا ذلك ” أي أنها ستؤدي حقوق مادية؛ من خدمة – ممكن – من أداء حقوق، لكن نفسيًّا يوجد جزء أنت تريده، أو فكريًّا يوجد جزء من التدعيم أنت تريده، لن تجده هنا، ولكنها حسنة وتسير الدنيا.
أما الثالثة؟ قال ” غلٌّ قمل؛ يجعله الله في عنق من يشاء، لا ينزعه غيره ” غلٌّ هذا أي ” حبل ” قمل: أي ممتلئ من القمل، فالأسير عندما كانوا يربطونه بحبل من شعر، هذا الحبل يمتلئ بالقمل، فيصبح لديه مشكلتان، الغل نفسه يخنقه، والقمل يأكل فيه ولا يستطيع أن يحك جلده ” يهرش ” ” غلٌّ قمل ” ليس غل فقط، ولكن أيضًا ممتلئ بالقمل، ” يجعله الله في عنق من يشاء ” ، الخلاص؟ ” لا ينزعه غيره ” .
” والرجال ثلاثة: رجلٌ عفيف مسلم عاقل، يأتمر في الأمور إذا أقبلت وتشبّهت فإذا وقعت خرج منها برأيه، ورجلٌ عفيف مسلم ليس له رأي، فإذا وقع الأمر شاور فيه وائتمر بأمر ذي الرأي ثم نزل عن مشورته وأمره، ورجلٌ حائر بائر لا يأتمر رشدًا ولا يطيع مرشدًا “
فحينما تكلم عن النساء تكلم عن الصفات المتعلقة بالمعاملة، وحينما تكلم مع الرجال تكلم عن العقل، عندما تكلم عن النساء؛ تكلم عن المعاملة، وحينما تكلم عن الرجال تكلم عن العقل، قال: هم ثلاثة أنواع، ” رجل عفيف مسلم ” وهذا شرط أساسي موجود في الإنسان المسلم، ” عاقل، يأتمر في الأمور ” ما معنى ” يأتمر في الأمور “؟ أي يحسب حساب الأمور القادمة والمستقبلة، ” يأتمر في الأمور إذا أقبلت وتشبّهت فإذا وقعت ” عندما يحدث الأمر ” خرج منها برأيه ” لأن لديه عقل يستطيع أن يدير به أموره.
وشخص آخر هو عفيف مسلم، ولكن ليس لديه رأي، هذا ماذا يفعل؟ ” إذا وقع الأمر رجع إلى ذي الرأي فأخذ بمشورته ورأيه ثم نزل عندها ” نفّذ الذي قالت له عليه الناس العاقلة.
أما الثالث؟ رجل حائر ” يلوش ” بائر أي: هالك، ضائع سيهلك نفسه ” لا يأتمر رشدًا ” أي لا يستطيع أن يدير أموره ولا يطيع مرشدًا، أي لا يستنصح أحد يرشده ويوجهه.
إذًا عندما ذكر النساء ذكر الصفات المعاملة، ولما ذكر الرجال ذكر العقل، لأن العقل هذا هو الذي فضّل الله به الرجل الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ القوامة: مبنية على ركنين؛ شخص عاقل، وشخص عنده مال ينفق، إذا لم يكن لديه مال ينفق، أو كانت المرأة تشارك في الانفاق؟ فيكون كسر النصف.
وإذا لم يكن لديه الأخرى؟ إذًا لم يبق له شيئًا، فإذا لم يكن به عقل ولا إنفاق؟ فكيف تسير الأمور، كيف تدار؟
فالإنسان إذا وهبه ربنا عقل راجح يستعمله، وإذا لم يكن لديه هذا المستوى فماذا عليه أن يفعل؟ يستشير، فربنا سبحانه وتعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم فقال فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ قال تعالى وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ
اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء، ومن عضال الداء، ومن خيبة الرجاء.
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك ومن تحول عافيتك ومن فجأة نقمتك، ومن جميع سخطك يا رب العالمين
اللهم إنا نعوذ بك من علمٍ لا ينفع، ومن قلبٍ لا يخشع، ومن عين لا تدمع، ومن نفسٍ لا تشبع، ومن دعاءٍ لا يسمع
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، متعنا اللهم بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا، أبداً ما أحييتنا، واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا، ولا تجعل إلى النار مصيرنا، واجعل اللهم الجنة هي دارنا
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم