Generic selectors
المطابقات الدقيقة فقط
البحث في العنوان
البحث في المحتوى
Post Type Selectors
البحث حسب التصنيف
أحداث جارية
أسماء الله الحسنى
الأذكار
التلون
السيرة النبوية
القصص في القرآن
الكتب
بني آدم والشيطان
بني إسرائيل
تراجم
تربية
تربية
تفسير
جهد الغلبان في تبيان فضائل القرآن
خطب الجمعة
خطو خاتم الأنبياء ما بين اقرأ وإذا جاء
دروس
رمضان 1436هــ - 2015م
سلم الوصول إلى علم الأصول
عقيدة
غير مصنف
كتابات
كلمة التراويح
مسألة الرزق
من قصص كتاب التوابين
من هدي النبوة
مواسم الخير
هذه أخلاقنا

وآتينا داود زبورا 2

الحمد لله حمداً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضاه، وأشهد أن لا إله إلا الله لا رب غيره ولا معبود بحق سواه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم أطهر عبدٍ وأشرفه وأزكاه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتّبع هديه واهتدى بهداه، ثم أما بعد:

قال الله تبارك وتعالى اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ الميزان: هو المعيار، هو القانون الذي توزن به الأمور، الميزان الذي يحدد معياراً لكل شيء، كنا في حديث عن ميزان العلاقة بين الله وبين العبد، طبيعة العلاقة بين الله تبارك وتعالى وبين المؤمنين من عباده، كيف يتعامل أهل الإيمان مع كلمات الله تبارك وتعالى، فكنا في الجمعة الماضية نتحدث عن قول الله تبارك وتعالى وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا كيف تحدث الله تبارك وتعالى عن هذه النعمة وعن هذا الفضل الذي امتنّ به على هذا العبد المصطفى الكريم، وكيف كان هذا العبد المصطفى الكريم يستقبل نعمة ربه تبارك وتعالى، فذكرنا أن الإنسان المؤمن يستقبل كلمات الله على أنها خطاب امتنّ الله تبارك وتعالى عليه واختصّه به، الله سبحانه وتعالى يصطفي هذا العبد، يصطفي هذا الخلق، يصطفي هذا الإنسان من بين خلقه لكي يخاطبه بكلماته، يوجهها إليه مباشرة، كيف يستقبلها؟ يستقبلها على حسب ما يكون في قلبه تجاه ربه تبارك وتعالى، فعلى قدر ما يحب الإنسان ربه، على قدر ما يجلّ الإنسان ربه على قدر ما يعظّم الإنسان ربه، على قدر ما يستقبل كلمات الله تبارك وتعالى إليه.

إذا أحسن استقبالها، كيف يعامله ربه؟ فذكرنا في جمعتنا الماضية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبر عن استقبال الله تبارك وتعالى لمناجاة العبد المؤمن، حينما يتلو الإنسان المؤمن كلمات الله تبارك وتعالى، كيف يستقبلها الله تبارك وتعالى من فوق سبع سماوات؟

وقلنا أننا في العادة لا يخطر على بالنا تماماً مثل هذا المعنى حينما نقرأ القرآن،، وقلنا أننا حينما نقرأ، من يقرأ لكي يأخذ الثواب، وأحسن الأحوال أنه يقرأ لكي يفهم ما المطلوب أو ما المراد، أما أن الإنسان وهو يقرأ يستشعر أو يحس أن ربنا سبحانه وتعالى من فوق العرش يصغي إلى كلماته محباً لتلاوته! ربنا سبحانه وتعالى نفسه يأذن، يأذن – أي يصغي وينصت – محباً لهذا العبد ولما يتلو من كلمات الله.

فلو افترضنا أن هناك إنسان – كائناً فضائياً، ليس نحن – هناك إنسان وهو يقرأ هذا الإحساس وقع في قلبه، أنه الآن – الآن – وهو يقرأ ربنا سبحانه وتعالى من فوق عرشه يأذن – يصغي – لهذه الكلمات، ” ما أذن الله لشيء، ما أذن لنبي حسن الصوت بالقرآن يجهر به ” .

النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية في مهمة فأمّر عليهم رجلاً، فكان هذا الرجل يصلي بأصحابه، فكان يقرأ فاتحة الكتاب ويقرأ ما تيسّر له من كلام الله تبارك وتعالى، فإذا انتهى من ذلك ختم قرائته بقراءة سورة الإخلاص، كل ركعة يصليها يقرأ الفاتحة وقدر من القرآن ويختم بسورة الإخلاص.

فهم يسألوه؛ قالوا له هذه السورة ليست قليلة، فأنت من الممكن أن تقرأ الفاتحة وتقرأ سورة الإخلاص – إذا كنت معجباً بها – أو اكتفي بالقدر الذي تقرأه، فالناس جميعاً يفعلون ذلك، يقرأون الفاتحة وما تيسّر من القرآن، فإما سورة الإخلاص تعجبك فتقرأها، أو تقرأ ما تقرأ به ويكفي،.

فقال لهم يا جماعة أنا أصلي هكذا، وأنا من الممكن أن أترك الإمامة وليصلي شخص آخر، ” وكانوا يرون أنه من أفضلهم ” هم يشعرون أن هذا الرجل من أتقاهم رجلاً، فهم لم يحبوا أن يصلي بهم أحد آخر، هم يرون أن هذا الرجل أهل لأن يصلي بهم، فتركوه يصلي، فلما رجعوا للنبي صلى الله عليه وسلم ذكروا له هذا الفعل على سبيل الاستغراب،، فلان كان يفعل هكذا..، فلان كان يفعل هكذا…

فماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم؟: قال ” سلوه، لم يفعل ذلك؟ ” هو لماذا يفعل ذلك؟ فهم الآن يقولون له إن فلان يفعل كذا، هو صلى الله عليه وسلم يسأل عن العلة، ما الباعث على ذلك؟، ما الذي جعله يفعل ذلك؟ فسألوه، فهو ماذا قال؟ قال: إنها صفة الرحمن،، نحن نقرأ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌلأننا لا نحفظ غيرها،، لكن الموضوع معه ليس كذلك،، قال ” إنها صفة الرحمن، فأنا أحب أن أقرأ بها ” ،، ما معنى ذلك؟ يقول أن هذه السورة؛ سورة التعظيم والإجلال والإخلاص لله رب العالمين، فلمحبته لله سبحانه وتعالى، تعظيمه لله يريد أن يحضر هذا المعنى في قلبه كلما صلى، فكلما يقرأ ركعة يعيد على نفسه هذه الكلمات، فأخذوا الإجابة ورجعوا بها، فعندما سمع النبي صلى الله عليه وسلم هذه الإجابة قال: ” أخبروه أن الله يحبه ” نحن نريد أن نترجم هذا، ما هذا؟ ما هذا؟ هذا شخص يحب ربنا سبحانه وتعالى، يعظم الله سبحانه وتعالى، يريد أن يرسخ في قلبه هذا التعظيم في كل وقت، يريد أن يعيد على نفسه معاني الجلال والعظمة الإلهية كل وقت، يريد أن يستحيي في قلبه معنى الإيمان في كل وقت، فلابد في كل ركعة يعيد على نفسه هذا،، فهو يفعل ذلك مع نفسه، فعندما تقدم ليصلي إمام بأناس، وهو لا يصلي إمام، وهذا أمر شخصي يفعله مع نفسه، هذا أمر بينه وبين ربنا، فلما خرج يصلي إمام بالناس، فلم يحب أن يقطع ما وصله بينه وبين الله، فقال لهم يا جماعة أنا لن أصلي وأي شخص يصلي، فأنا لا أقول أن هذا هو الصواب وأنه لابد أن يفعل، ولكنني أنا – هو بينه وبين ربنا يوجد هذا – .

فالنبي صلى الله عليه وسلم حينما ذكروا له الوصف، قال لهم: ما الذي وراء الوصف،، أي لم هذا؟؟ فلما قال ما قاله هذا، قال لهم: قولوا لهم أن ربنا سبحانه وتعالى لأجل ذلك يبادله حباً بحب، ” أخبروه بأن الله يحبه ” ” فلما لقيه فأعاد عليه السؤال فأعاد عليه الإجابة قال: ” حبك إياها أدخلك الجنة ” لماذا؟ لماذا؟ لأن هذه تعكس مقدار حبه لله تبارك وتعالى نحن أكثر شيء نقرأه في الصلاة سورة الإخلاص، ولكن هل نقرأها نحن كلما كان هو يقرأها، هل نحن نقرأها بالباعث الذي كان يحمله على قرائتها؟ هل نقرأها كالصورة أو الروح الذي كان يقرأها به، التباين هنا.

فربنا سبحانه وتعالى يأذن ويصغي وينصت، ولذلك نحن تكلمنا المرة الماضية عن شكل هذه الحياة وشكل هذا المجتمع، نحن بيننا وبينه مسافات كبيرة لا نتخيله،، نحن رؤيتنا عن الدين وعن التدين بعيدة عن الصورة التي كانت موجودة في زمان النبوة وكل القراءة تعكس هذا.

فنحن قلنا الجمعة الماضية أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مرّ في المسجد ليلاً وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه واقف يصلي، وقلنا أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو مار – وكان معه سيدنا أبوبكر وسيدنا عمر – وقف – وقف – يصغي وينصت لابن مسعود وهو يقرأ كلام ربنا سبحانه وتعالى، لم يتحرك من مكانه، هو ومعه أبوبكر ومعه عمر، وقفوا لأنه واقف فلن يتحركوا، لأنه لا يتحرك فهو واقف، فكم قرأ؟ فهل كان يشعر عبد الله بن مسعود بهذا الكلام؟ لم يشعر، هو علم اليوم التالي كل ما حدث، كان موجود في المسجد وهم موجودون في المسجد وهو لا يشعر بهم، هو كان يصلي – يصلي – والنبي صلى الله عليه وسلم وقف يسمع – يسمع – لكمات ربنا سبحانه وتعالى، ظل يسمع إلى متى؟ إلى أن انتهى، قرأ سورة النساء وأنهاها كلها، فهل مشى النبي صلى الله عليه وسلم بعدها؟ ظل واقفاً إلى أن ركع وسجد، وجلس في التشهد وبدأ يدعو، والنبي صلى الله عليه وسلم حينما بدأ في الدعاء ظل يقول له ” سل تعط ” لأن هذه الحالة لابد أن تنتج الإجابة، – هذه الحالة لابد أن تنتج الإجابة، هذه الحالة لابد أن تنتج الإجابة – قال ” سل تعط ” وبعد ذلك مشى،، عبد الله بن مسعود لم يشعر بشيء، واليوم التالي سيدنا أبوبكر أخبره في الصباح، أنه حدث كذا،، فلماذا ” حدث كذا “؟ لكي يبشره بأمرين: إصغاء النبي صلى الله عليه وسلم للقراءة، وإجابة ربنا سبحانه وتعالى لكلماته، فهو كان يسأل ماذا يقول؟ هو أخبر ” اللهم إني أسألك إيماناً لا يرتد ونعيماً لا ينفد ومرافقة نبيك صلى الله عليه وسلم في أعلى جنات الخلد ” هذا ما كان يسأله، هذا ما كان يطلبه، هذا ما كان يرجوه.

يقول ابن مسعود قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” اقرأ عليّ القرآن، قال: يا رسول الله أأقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: إني أحب أن أسمعه من غيري، يقول: فقرأت عليه سورة النساء ” هكذا يكون منطقياً، فلماذا اختار أن يقرأ عليه سورة النساء؟ لوجود تاريخ، يوجد تاريخ للسورة بينه وبين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه وهو يصلي عندما أصغى النبي صلى الله عليه وسلم لقرائته كان يقرأ سورة النساء، فلما قال له اقرأ عليّ فقرأ سورة النساء ” يقول: حتى انتهيت إلى قول الله تبارك وتعالى فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ۝ يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثًا قال: حسبك ” يكفي يكفي، ” قال: فرفعت رأسي فإذا عيناه تذرفان ” تذرفان لم؟ لأنه لن يستطيع أن يتحمل، لن يستطيع أن يتحمل أكثر من ذلك. قرأ 42 آية تقريباً تسع صفحات تقريباً، فقال: حسبك.

ذكرنا أن هذا كان مشهد متكرر – مشهد متكرر – قلنا أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع عباد بن بشر يقرأ في المسجد فظل يصغي للقراءة، ثم سأل السيدة عائشة ” قال: يا عائشة أصوت عباد هذا؟ هذا هو عباد بن بشر ” صحيح؟ ” قالت له: نعم، فقال: أللهم ارحم عباداً ” ولذلك إذا قرأت في سنن أبي داود حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه وعن أبيه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزاة، في غزوة وهو راجع إلى المدينة، فيريدون أن يرتاحوا فوضعوا رحالهم وناموا في شعب من الشعاب محتاج لحراسة، فيريد أن يحرسهم أحد، فانتدب له رجلان،، أي تطوع اثنان لهذا، عمار بن ياسر رضي الله عنه، وعباد بن بشر رضي الله عنه، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال لهم ” كونا بفم الشعب ” في مدخل هذا المكان لكي إذا جاء أحد ينتبهوا إليه،، فعباد قال لعمار ” إما أن تكفني أول الليل أو تكفني آخره،، ” أي أنهم سيقسموا أنفسهم على مرتين لكي يأخذوا حظهم من الراحة أو من النوم، شخص يحرس نصف الليل والآخر سيحرس النصف الآخر، فعمار سينام وعباد سيحرس، فسيحرس فماذا سيفعل، قام يصلي، واقف في المكان الذي يربأ فيه القوم ووقف يصلي، فجاء رجل من المشركين، فالنبي صلى الله عليه وسلم غزا قوماً فجاء شخص لم يكن موجوداً ويريد أن ينتقم، فجاء فوجد شخص واقف بعيداً قائم فرماه بسهم،، فعباد بن بشر نزع السهم ورماه، وهو ينزف، وظل واقفاً يكمل الصلاة،، فرماه بسهم ثان وثالث، فلما رماه بالسهم الثالث أسرع في الصلاة وأيقظ عمّار بن ياسر، فقام وجده مليء بالدم، قال ” رحمك الله لم لم توقظني أول ما رماك ” فماذا قال له؟ قال له ” كنت أقرأ – كنت أقرأ – سورة من كتاب الله ” – في دلائل النبوة للبيهقي سورة الكهف ” فكرهت أن أقطعها، ووالذي نفسي بيده، لولا أن أضيع ثغراً وضعني فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لقطع نفسي قبل أن أقطعها ” لن يستطيع أن يقطع ما يقرأه، كيف كان يقرأ؟ كيف كان يقرأ؟، حسناً، بين هذا وبين ما نعيشه، لماذا نذكر ذلك الكلام؟ ماذا نفعل به؟، لماذا نذكره؟ وماذا نفعل به؟.

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.

الحمد لله رب العلمين. 

أولاً نحن نحتاج أن نضع ميزاناً لطبيعة العلاقة بين الإنسان وبين ربنا سبحانه وتعالى، وطبيعة العلاقة بين الإنسان وبين كلام ربنا سبحانه وتعالى، وطبيعة العلاقة بين الإنسان وبين نبي ربنا سبحانه وتعالى، أولاً نضع الميزان الصحيح، كيف تكون العلاقة؟ وكيف كانت علاقة المؤمنين فعلاً بربنا سبحانه وتعالى؟ وبالتالى ما طبيعة علاقتهم بكلام ربنا سبحانه وتعالى؟ بعد ذلك سنكتشف أن المسافة كبيرة جداً بين ما نحن فيه وبين ما نفترض أن نكون عليه، وبالتالى المفترض أن نحاول تضييق هذه المسافة، نلقى ربنا سبحانه وتعالى ونحن نسعى لتضييق المسافة، لن نستطيع أن نغلقها، لن نستطيع أن نغلقها ولكن سنحاول أن نضيق المسافة، ولكن لكي ندرك هذا يجب أن ندرك الأمر، إلى أين نسعى؟ طبيعة العلاقة بين الإنسان وربنا، هل هي مجرد علاقة التزام جافة أم هي علاقة محبة وإجلال وتعظيم وأحاسيس تتحرك في قلب الإنسان؟ نحن نريد أن نفسر هذا، هذه صور، هؤلاء كانوا يصلون، ونحن نصلي، ما الفرق بين هذه الصلاة والصلاة الآخرى؟ المنطلقات القلبية، الأحاسيس التي ينطوي عليها الإنسان، المشاعر التى بداخله تجاه ربنا سبحانه وتعالى، هذا ” المفروض ” ما نبحث عنه، ولذلك نحن تكلمنا في أول الخطبة السابقة عن كيف يتعامل الإنسان مع العلم، هذا هو الموضوع، نحن قلنا أن عبد الله بن المبارك يجلس في بيته ويقرأ هذا الكلام ويحاول أن يعيشه ولهذا كتب ربنا سبحانه وتعالى له الذكر والشرف والرفعة، والآخرون؟ كانوا أيضاً يتعلمون ولكن ماذا كانوا يتعلمون؟ هل يتعلمون العلم الذي ينفعهم ويفيدهم؟ نحن قلنا ماذا كانوا يفعلون، كانوا يقرءون الأسانيد التى بناءً عليها تصح المتون، حسناً، إذا أفنى عمره في الإسناد، لأن غاية الإسناد أنه عندما تصل إلى نهايته يذكر لك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وفعل، والصحابة قالوا وفعلوا، فإذا استمررت طوال الوقت أقول فلان عن فلان ثم انتهيت إلى قال رسول الله ثم ذكرت النص لفظاً ولم أتدبر فيه عملاً؟ لن يحدث شيء.

ابن الجوزي في صيد الخاطر يحكي عن تاريخه الشخصي، فيقول أنه حين منّ عليه الله وبدأ في تعلم الدين لقي كثيراً من المشايخ، أناس كثيرون درس علي أيديهم وتعلم منهم، على مقادير متفاوتة من العلم، أي أن مستوياتهم العلمية متباينة، مستوياتهم العلمية فيها قدر من التباين، يقول فكان أنفعهم له من انتفع بصحبتهم وإن كانوا في العلم أقل من غيرهم، الناس الذي نفعوه فعلاً لم يكونوا من يملكون معلومات أكثر وإنما الذين يحاولون أن يطبقوا أو يعيشوا ما يقولوه أو يتعلموه.

يقول: لقيت جماعة من أهل الحديث يحفظون ويعرفون، يحفظ الأحاديث والمتون جيداً ويعرف علم الحديث والأسنايد جيداً جداً، يقول: ولكنهم كانوا يتسامحون في غيبة يخرجونها في صورة جرح وتعديل، أي أنهم حين يتكلمون يذكرون أناس في مجالسهم فيغتابوهم، أي ينتقصوهم، في أي صورة يظهر هذا الانتقاص؟ في صورة علم، في صورة أننا نبين للناس الحقائق ومستوى هؤلاء الناس من العلم لكي تستطيع أن تزن الأمور، خذ في اعتبارك أنه كان صغيراً في ذلك الوقت ” سنة دا مثلاً في اعدادي ” ولكنه أدرك أن الذي يقال فيه قدر من الطعن، لأنه ما الفرق بين الغيبة والكلام العلمي في الناس من أجل التبيين؟ شيء نفسي، شيء نفسي يظهر أحياناً أنني أقول كلاماً لا أحتاج أن أقوله أو جزء من الأشياء النفسية تظهر من خلال الكلام، يقول: وكانوا يأخذون على قراءة الحديث أجراً ويسرعون في الجواب لئلا ينكسر الجاه وإن وقع خطأ، قال ثلاثة أشياء، أناس لديها علم ومعرفة نعم ولكن كلامهم أحياناً يتطرق للغيبة، يأخذون أموالاً على تعليم العلم، حسناً، وإذا كان محتاجاً؟ إذا كان محتاجاً سيأخذ ولكن لن يطلب ” مش هيتقاول ” ، والشيء الثالث أنه حين يسأله أحد يسرع في الإجابة لكي لا يظهر بمظهر أنه لا يعلم شيئاً، لئلا ينكسر الجاه، الوضع الذي فيه والصيت الذي لديه وأنه مشهور بالعلم، فلو سئل وقال: لا أعلم، هذا الأمر قد يهزه، ويهز صورته، هذا من وجهة نظره، هذا من الممكن أن يهز صورته، أن فلاناً سئل في كذا فلم يعرف، سئل في كذا فلم يجب، فماذا يفعل؟ يسرع في الإجابة، يقول: حتى وإن وقع خطأ، هذا نموذج، ويقول – ابن الجوزي – أن هذه جماعة، وهم كثر.

ثم يقول: ولقيت عبد الوهاب الأنماطي، هذا أيضاً من المحدثين، يقول: فكان على قانون السلف، السلف هم الصحابة وأئمة التابعين، ما المقصود بقانونهم؟ أي أنهم كان لديهم قانون، وما معنى القانون؟ المبادئ والقواعد التي ألزموا أنفسهم بها في علاقتهم مع ربنا سبحانه وتعالى وفي آدابهم وفي أخلاقهم وفي تقواهم،هناك قانون، ” بيقولك دا ماشي على القانون ” ، يسير على القانون فإذاً يجب أن يكون هناك قانون أصلاً ” أصلاً فيه قانون ” .

يقول: فكان على قانون السلف لا يسمع في مجلسه غيبة، لا يسمع في مجلسه غيبة، ولا يأخذ أجراً على إسماعه الحديث، وكنت إذا قرأت عليه كتاب الرقاق، الأحاديث التى تتكلم عن الترغيب في الآخرة وفي لقاء الله والدار الآخرة وتزهد في الدنيا، بكى واتصل بكاؤه، لن يبكي وحسب، استمر في البكاء، وطالما أنا اقرأ هو يتجاوب نفسياً وظاهرياً، يبكي، فماذا يقول ابن الجوزي؟ يقول: فكنت وأنا صغير يعمل بكاؤه في قلبي ويبني قواعد، ” قواعد لإيه؟ ” قواعد للإيمان والخشية، كيف تبنى؟ بأن هذا الرجل يبكي، نحن قرأنا هذه الحديث عن أناس كثيرة، وكان الأمر عادياً، قرأها على الآخرون ولم يحدث أي شيء، حين قرأها على هذا الرجل واستمر في البكاء هذا البكاء أثر في داخله، يقول: بكاؤه، ليس كلامه.. ليس كلامه، ليس ما يقوله من كلام، بكاؤه – كما يقول ابن الجوزي – كان يعمل في قلبي، يؤثر في داخله ويبني قواعد، البكاء يؤثر، وكان على سمت المشايخ الذين سمعنا أخبارهم في النقل، يقول أن هذا الرجل كان على صفة ما كنا نقرأ عنهم الذين كان عبد الله بن المبارك في الجمعة السابقة يقرأ عنهم، هذا الرجل يحاول أن يعيش هذه الحياة.

يقول: ولقيت أبا منصور الجواليقي، هذا رجل من علماء اللغة، هذا عالم لغة والآخر عالم حديث، يقول: فكان كثير الصمت، شديد التحري فيما يقول، يحسب الأمور جيداً قبل أن يقول أي شيء، وكان ربما يُسئل المسألة الظاهرة، المسألة الصغيرة التى يعلمها الكل، التي يبادر بعض غلمانه بجوابها، وليس تلاميذه، الغلمان من تلاميذه تستطيع أن تجيبها بسهوله، فماذا كان يفعل؟ فكان يتوقف حتى يتيقن، كان لا يسرع بالإجابة حتى يتأكد أن ما يقوله صائب، وكان كثير الصوم والصمت فانتفعت بهاذين الرجلين أكثر من انتفاعي بغيرهما، فعلمت من هذه الحالة أن التعليم بالفعل أرشد من التعليم بالقول، لذلك تكلمنا الجمعة السابقة عن غياب القدوة، أكبر أزمة تواجهنا في أي مجتمع، غياب القدوة، ليس الناس كلهم يستطيعون بسهولة أن يتعاملوا مع الوحي، يتعاملوا مع السيرة، يتعاملوا مع الصحابة، ليس جميع الناس هكذا، نعم هو الواجب علينا، ولكن ليس كل الناس تستطيع أن تفعل هذا، كثير من الناس يعتمد على شخص في دائرته يعيش هذا الكلام أو يحاول أن يطبقه ويتأثر به، وإذا لم يجده؟.. لم يجد عملاً وهذا الكلام لا يقال قولاً.. إلى أين يذهب؟، أي أننا الآن لا نطبق ولا نقول الصواب الذي من المفترض أن يطبق، فبالتأكيد سيندرس الدين ” هيضيع طبعاً، دلوقتي أنت لا بتعمل ولا عارف اللى المفروض يتعمل لو حبيت تعمل ” ، فعلى الأقل يجب أن أدرك ماذا أفعل كي أرجع إلى ربنا، ما ملامح الطريق؟، ما الذي من المفترض أن أفعله؟ ما القانون؟ لا أعرف، لا يطبق القانون أحد، ولا يعرف القانون أحد، وماذا بعد؟ بالتأكيد سيندرس القانون، ولو اندرس القانون؟ لن أقول سيضيع الدين، نحن من سنضيع، لأن الدين لن يضيع لأن ربنا يحفظه، لكننا إن لم نعمل به وإن لم نحيا به في حياتنا وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا هذا هو القانون، مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى نموذجين فقط، من عمل صالحاً ” مش عرف بس ” مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ عَمِلَ صَالِحًا.. وَهُوَ مُؤْمِنٌ منطلق العمل الصالح عظمة وقوة الإيمان، هذا الرجل ماذا سيعطيه الله؟ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً دنيوياً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ أخروياً بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وفي المقابل من سيعطي ظهره إلى ربنا؟ فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا الضيق والهم والكآبة ستصبح الصور السائدة، المشهد السائد سيكون هكذا، هذا دنيوياً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ” بيخبط بقى ” قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا ۝ قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى.

هذه هي صورة الحياة، هذه ما كانت عليه علاقتهم بربنا سبحانه وتعالى، ارتباطهم بكلام ربنا لأن كلام ربنا هكذا، وتعامل ربنا سبحانه وتعالى معهم هكذا، محبة ربنا سبحانه وتعالى لهم هكذا، وجزاء ربنا سبحانه وتعالى لهم هكذا، وكل من يحدد موضعه وموقعه، ماذا يريد أن يكون؟ ربنا سبحانه وتعالى سيكون للإنسان كما يريد أن يكون الإنسان مع ربنا تبارك وتعالى، الإنسان هو من يحدد موقع ربنا سبحانه وتعالى منه حين يحدد من البداية موقعه من ربنا، من تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، أنا أريد أن أحدد موقعي من ربنا، فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ۝ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ۝ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ۝ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى ۝ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ۝ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى مسلكان، الذي سيسلك هذا المسلك سيُيسر ربنا له طريق الخير الذي يحبه، الذي أراده، الذي سعى له، ومن يسلك المسلك الثاني؟ سيُيسر ربنا له الطريق الذي اختاره وأصر عليه وسار فيه، ولكن ما الفرق بين الأثنين؟ قلناها كثيراً أن هذه تسمى اليسرى وهذه تسمى العسرى، فحين تتيسر اليسرى فسيصبح كل شيء ميسر، ولكن حين تتيسر العسرى، هي عسيرة، معنى تيسيرها أنها ستسير معي لأنني مصر عليها، لكن هل ستستقيم حياتي؟ هل ستتسق؟ لا أبداُ، هي تسمى العسرى، تسمى العسرى، كلها عسر ومشقة وضيق، ولكن الفكرة أن ربنا سبحانه وتعالى من رحمته يعسرها أولاً كي أسير في الطريق الآخر، ولكن حين أصر عليها؟ قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ.

اللهم خذ بأيدينا إليك أخذ الكرام عليك لا تفضحنا بين خلقك ولا بين يديك.

اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، متعنا اللهم بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا، أبداً ما أحييتنا، واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا، ولا تجعل اللهم إلى النار مصيرنا، واجعل اللهم الجنة هي دارنا.

اللهم يا وليّ الإسلام وأهله مسّكنا الإسلام حتى نلقاك عليه، اللهم يا وليّ الإسلام وأهله مسّكنا الإسلام حتى نلقاك عليه.

اللهم احفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام قاعدين، واحفظنا بالإسلام راكضين، ولا تشمت بنا أعداء ولا حاسدين.