إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. إنه من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
يقول صلى الله عليه وسلم ” ألا تعجبوا بعمل أحدٍ حتى تنظروا بما يختم له، فإن أحدكم ليعمل زماناً من عمره أو برهة من دهره بعمل صالح لو مات عليه دخل الجنة ثم يتحول فيعمل عملاً سيئاً، وإن العبد ليعمل البرهة من دهره بعمل سيء لو مات عليه دخل النار ثم يتحول فيعمل عملاً صالحاً “
يقول المقداد رضي الله عنه: ” لا أقول في أحدٍ خيرٍاً ولا شراً، لا مدحاً ولا ذمّاً لا ثناءً ولا انتقاصاً حتى أنظر بما يختم له بعد شيءٍ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وما سمعت؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لقلب بن آدم أشدٌ تقلّباً من القدر إذا استجمعت غلياناً “
فالنبي صلى الله عليه وسلم يوصي المؤمنين ألا يحكموا حكماً نهائياً على أحدٍ بصلاحٍ أو بفساد حتى يرتقب ما يؤول إليه أمر العبد وما يكون عليه حاله حين يلقى ربه عز وجل.
الأصل الذي تعلمناه أننا نحكم على العباد بظواهر أعمالها إن كان خيراً شهدنا بالخير وإن كان غير ذلك كان غير ذلك لكنك لا تجزم لنفسك ولا لغيرك بهذا الأمر حتى تبلغ الروح الحلقوم.
هذا الكلام بم يؤثّر؟ يوجد جزء شخصي وهذا هو الأهم بالنسبة إلينا ويوجد جزء متعلق بالآخرين، الجزء المتعلق بالآخرين إذا كان الشخص في موضع أو في دائرة نحن نراها بعيدة فلا ينقطع الرجاء والأمل من أن الإنسان يمكن أن يقبل بقلبه إلى الله أو يتوب إلى الله فيتوب الله عليه، وإذا كان الشخص في وضع الصلاح الظاهر فأنت تحب الشخص على ما فيه من الصلاح الظاهر ولكنك تسأل ربك تبارك وتعالى لك وله حسن الخاتمة، ولذلك غذا تنكب الشخص طريقه وحاد عن سبيله لا يكون فتنة لأحد.
متى تقع الفتنة؟ عندما يرى أحدٌ أحداً هو يرى أنه صالح ويأتمّ به ويقتدي به ويرى أنه إمام له ثم يراه يحيد عن السبيل، فهو أمر من أمرين، إما أن أحيد معه حينما يحيد وإما أنني ربما أفقد الثقة في الأصول التي بنيت عليها أو في الكلام الذي كنت أسمعه أو في الجمل التي كانت تُقال، فهي إن كانت صحيحة كانت ستعصم صاحبها من أن يحيد، ولو كانت حقّ كان أول من سيظهر عليه أثرها الشخص الذي كان يدعو إليها.
فالتوجيه العظيم من النبي صلى الله عليه وسلم لنا حول هذا يعصم الإنسان من أن تعرض إليه الفتنة إذا رأى مفتوناً.
النقطة الأهم؛ نحن، الدرس الشخصي المتعلق بكل إنسان، ربنا سبحانه وتعالى يقول – وهذه الآية قلناها كثيراً – وذكرنا استفهام عائشة رضي الله عنها حول هذه الآيات، يقول ربنا تبارك وتعالى إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا فما حالهم وهم يتقربون؟ ما حالهم وهم يطيعون، ما حالهم وهم يستكثروا من الخيرات؟ ويفيضوا من الطاعات؟ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ قلقان، قلقان، أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ فالسيدة عائشة تسأل وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ من هم؟ هل الناس الذين يزنون، أو يشربون الخمر أو تسرق فهو قلق أن يؤاخذه ربنا بجريرة أفعاله؟ لا لا، هم الناس الذين يصمون ويصلون ويتصدقون، فهم مم يقلقون؟ يخشون ألا يتقبل منهم، لذلك نحن حينما نسمع أن عبد الله بن عمر يقول: لو علمت – تأكدت أو أيقنت – ” لو علمت أن الله تقبل مني سجدة – ركعة – ما باليت – أو قال – لم يكن غائباً أحب إليّ من الموت ” يتمنى أن يموت، لماذا؟ لأنه اطمأنّ على ما هو مقبل عليه ” فإن الله تعالى يقول إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ” هم يفكرون هكذا، ” لو علمت أن الله تقبّل مني سجدة لم يكن غائب أحب إليّ من الموت لأن الله يقول إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ” يفكرون هكذا.
فما الذي يقلق؟ سيدنا أبو هريرة سُمع وهو يدعو فيقول وهو كبير – وهو كبير في آخر عمره – يقول ” اللهم إني أعوذ بك من أن أزني أو أن أعمل بكبيرة في الإسلام ” فشخص ممن يجلسون مستغرب، يقول له أنت تدعو بهذا الدعاء!! وقد بلغت من السن ما بلغت؟! وانقطعت عنك الشهوات، وقد شافهت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعلمت منه.
فهو يقول له أن أول شيء أن سنك كبر وضغط الشهوات عليك الذي تقلق منه ذهب، وصحبتك للنبي صلى الله عليه وسلم وسابقتك في الإسلام وتاريخك وتعليمك لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته لا تطمئنك؟
قال: ويحك وما يؤمنني وإبليس حي، وما يؤمنني وإبليس حيّ، فالقضية أن الإنسان يبقى طوال الوقت قلقان لكي ينجيه ربنا سبحانه وتعالى من كيد الشيطان، أن النفس – النفس – لا تستجيب لنزغات الشيطان.
يبقى هكذا إلى متى؟ هذه هي النقطة، إلى متى؟ يأتي عليك وقت تطمئن أنك تجاوزت القنطرة أنك غير قلق، حينما يحدث ذلك هذا هو الخطر وهذا هو القلق.
صالح بن أحمد في رواية – عبد الله بن أحمد – يقول: حضرت أبي حين الوفاة – هذه القصة ذكرناها مرتين قبل ذلك – يقول: وفي يدي خرقة لأشد به لحييه – فهو ينتظر أن يتوفي ليربطه، فهو ماسك للخرقة وجالس ينتظر – يقول: وهو يغرق – أي يغمى عليه – يغرق ثم يفيق، يغرق ثم يفيق فإذا أفاق قال بيده هكذا – إشارة باليد تعبر عن الرفض – لا بعد لا بعد لا بعد، فبقي يفعل بيده هكذا ثم أغمى عليه مرة أخرى، ثم أفاق مرة أخرى ففعل نفس الحركة، بقي يفعل بيده هكذا لا لا لا لا، لا بعد، ثم أغمى عليه وأفاق المرة الثالثة، يفعل نفس الحركة، فهو مسغرب لكن الموقف لا يحتمل أن يتكلم.
فلما كررت ثلاث مرات سأله: يا أبت ما هذا الذي تقول؟ قال: يا بُني أوما تدري – هل لا تفهم ما الذي يحدث؟ – فقال له: لا، قال: هذا إبليس قائم بإزائي – واقف أمامه – وهو عاضّ على أنامله – يفعل هكذا – يقول: يا أحمد فتني، أي أنت هربت مني وانتهى، وأنا أقول: لا لا لا لا لا لا بعد حتى أموت، لاب بعد حتى أموت، لسه لسه لسه لسه، حتى هذه اللحظة يقول له لسه.
الإيمان أعظم نعمة ربنا سبحانه وتعالى ينعم بها على الإنسان ولذلك كان في موروثاتنا لو فقهناها كنا نقول، أو كان ربما الجيل السابق يقول – فنحن لا نقول – ويكرر ” الحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة ” هذه كلمة الفقه، هذه كلمة من يفهم، الذي يدرك حقائق الأشياء، أعظم نعمة على الإنسان ” الهداية ” أن ربنا سبحانه وتعالى يرشد الإنسان إلى طريقه، يضعه على سبيل الهداية والفوز والفلاح والنجاة.
وعلى مقدار إدراكه لقيمة هذا وعظمة هذا، على مقدار إدراكه لخطورة أنه من الممكن أن يحيد عن هذا، ومدرك في المقابل طبيعة النفس خُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا طبيعة القلب، ” لقلب ابن آدم أشد تقلباً ” يتقلب مائة تقلبة ليس في اليوم، في الساعة الشخص بمائة حال، فيكون حسن وقت، وتعتريه الوساوس وقت، ويغفل وقت، ويزل وقت، وينغص ويتأنب وقت، ويقلب وقت، وينفعل ويغضب وقت، ويهدأ وقت، فالشخص يذهب ويذهب، فهو يخاف أن يلف لفة ويذهب
فالمشكلة هي إدراك الإنسان لعظمة النعمة وأنه لا يأمن من نفسه على نفسه، هو يخاف.
كلما كان الإنسان قلقان، لذلك قلنا الجمعة الماضية، أنه يوجد قلق مذموم، ويوجد قلق يحمد، قلق الإنسان على النعمة الذي يدفعه أن يحافظ عليها، فالقلق ليس التوتر، أنت تكون خائف على شيء أعطاه لك ربنا فأنت متشبث به وتحاول أن تفعل كل شيء يمكّنك أن تحافظ عليه.
أما قلق الإنسان على الأشياء الذي لا داعي للقلق عليها، الأشياء التي كفلها ربنا، والأشياء التي حفظها ربنا، والأشياء التي أمّن ربنا سبحانه وتعالى عليها، فلا داعي أن تقلق عليها، قلقك من الغد الدنيوي ربنا سبحانه وتعالى كفله وحفظه، أما قلقك من الغد الأخروي هذا هو الذي من المفترض أن أقلق منه وعليه.
عبد الله بن المبارك يقول ” إن البصراء ” الناس الذي رزقهم ربنا البصيرة، ” لا يأمنون من اربع خصال ” أربعة أشياء، أربعة أشياء تقلق ” من ذنب قد مضى ” تاريخ، تاريخ ” لا يدري ما يصنع الله فيه ” سيغفر لي أم أنا غير أهل لهذا؟، هذا أول أمر ” من ذنب قد مضى لا يدري ما يصنع الله فيه ومن عمرٍ قد بقي لا يدري ما فيه من المهلكات ” المعاطب والآفات والمخاوف التي في طريق الإنسان، ومن فضلٍ قد أعطي نعم ربنا يغدقها عليه، ” لعلها مكر واستدراج ” فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ النبي صلى الله عليه وسلم يقول ” إذا رأيت الله تعالى يعطي العبد من الدنيا وهو مقيم على معصيته فاعلم – فاعلم – أن ذلك منه استدراج ثم تلا فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الأمر الرابع: ” ضلالة هو عليها لعله أن يراها هدى ” أربعة أشياء، تاريخ أسود، مخاوف المستقبل، فتنة الإنسان بالنعمة ونسيان ربنا سبحانه وتعالى وترك الشكر، أن الإنسان يكون واقف على أرض الضلالة وهو يظن أنه يقف على أرض الهداية، كيف يعرفها؟ يوجد مرجع أستطيع أن أقيم نفسي عليه، وبعد ذلك قال ” ومن زيغ القلب ” يقلق من هذه الأربعة، ثم قال ” ومن زيغ القلب ساعة ” لأن القلب من الممكن أن يتحول فينقلب عما هو عليه ولذلك حينما تقرأ في كتاب الله وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ سيدنا إبراهيم وعمره ينتهي يقول رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ الذي بنى فيه بيت الله تبارك وتعالى الذي يُزار ويعظّم يقول وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ سيدنا إبراهيم الذي يدعو بهذه الكلمات أعظم شخص، أعظم شخص له تاريخ في معاداة الأصنام فهذا ليس أي شخص الذي يتكلم؛ هذا سيدنا إبراهيم، سيدنا إبراهيم هو الذي يقول هذه الكلمات فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ بعد كل هذا العمر، الذي كان أعظم شيء فيه تهديم الأصنام، سيدنا إبراهيم يسأل ربنا سبحانه وتعالى ويطلب منه ويدعوه ويرجوه يقول وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
الحمد لله رب العالمين
فما المطلوب الآن؟ أمرين: يقول ابن مسعود رضي الله عنه إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعون يوماً نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بكتب أربع كلمات؛ أجله ورزقه وعمله وشقيٌّ أو سعيد ” أين سيذهب ” فوالذي نفسي بيده إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها “
يقول سهل بن سعد رضي الله عنه: ” التقى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركون في بعض مغازيه ففاء كل قومٍ إلى معسكره ” أي أن القتال انتهى في اليوم وكل ناس انحازوا إلى معسكرهم، وفي المسلمين رجل لا يدع شاذة ولا فازة إلا اتّبعها يضربها بسيفه، فقلنا: يارسول الله ما أغنى عنا اليوم مثل ما أغنى فلان ” لم يكن أحد أعظم قتالاً ولا جهاداً ولا مدافعة من فلان فقال: أما إنه من أهل النار، فقلنا – إلى أنفسهم، طبعا – أينا من أهل الجنة إن كان فلان من أهل النار ” فإذا كان هذا على كل ما يفعله هذا والنبي صلى الله عليه وسلم يقول هذا، فأين نذهب نحن؟ فجعل رجل يتبعه؛ قال: أنا صاحبه، أنا سأكون معه، إن أسرع كنت معه وإن أبطأ كنت معه، فاقتتلوا فكان على نفس الحال، ثم جُرح، فلم يصبر على جراحته، فوضع السيف على الأرض وجعل نصله في صدره ثم اتّكأ عليه، فدخل السيف فيه وخرج من ظهره.
فجاء الرجل مسرعاً إلى رسول الله قال: ” يا رسول الله أشهد أنك لرسول الله ” وقبل ذلك؟ هل الشهادة جدّت الآن؟ إذاً الثقة واليقين يزدادان ويتجددان، هو لم يكن شاك في الرسالة قبل ذلك، لكن كلما تتوارد وتأتي الآيات البينات والمواقف المصدقات يزداد الشخص يقيناً وإيماناً رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ هل أنت قلق وشاك، لا يوجد آخرة؟ قال: لا لا لا قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي.
إذاً الإنسان إذا كان هذا هو سيدنا إبراهيم عليه السلام خليل الرحمن، فإذن الإنسان أي إنسان محتاج أن يطلب دائماً زيادة الإيمان واليقين وأن هذه مراتب ليس لها آخر، فإذا كان سيدنا إبراهيم في هذه المرتبة وهذه المنزلة ولازال يريد أن يعلو، لازال يريد أن يعلو.
قال: وما ذاك؟ قال: الرجل الذي قلت أنه من أهل النار قد فعل كذا وكذا، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: ” إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة “
ويقول صلى الله عليه وسلم ” إنما الأعمال بخواتيمها كالوعاء إذا طاب أعلاه طاب أسفله وإذا خبث أعلاه خبث أسفله ” الأعمال بالخواتيم، النبي صلى الله عليه وسلم يقول مثل الأوعية تضع فيها أي سائل، إذا كان السائل طيب سيتراكم بطيبه فيبدو الطيب في الأعلى، وإذا وضع الإنسان شيء نجسة أو دنسة أو قذرة أو خبيثة سيظل يتراكم إلى أن يظهر هذا من الأعلى.
إذاً ماذا يريد أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم؛ أن ما في الأعلى يعكس ما في الأسفل، والذي في الخارج يعكس ما في الداخل، إذاً أول شيء من الشيئان اللذين نريد أن نتكلم عليهم أن الإنسان يجهد في تطهير الباطن؛
نحن قلنا مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم الأولى؛ التلاوة، الثانية: التزكية، الثالثة: التعليم بقسميه، يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ ما هي وظيفة الآيات؟ التطهير، تنقية النفس من الآفات، من الضغن، فهذه الأشياء التي بالداخل ستظهر في الخارج، ولكنها ستظهر في وقت متأخّر ربما لا تستدرك.
فالإنسان الذي يريد أن يحفظه ربنا سبحانه وتعالى – بإذن الله – ويعصمه عليه أن يجهد في تطهير ما بالداخل، يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ سيبذل جهد في تطهير النفوس، نحن قلنا التزكية، تنقية وترقية؛ أمران، أمران، تنقية من الآفات وترقية للإيمان، وبعد ذلك؟ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ يفهموا القرآن، ويعلمهم الْحِكْمَةَ هذا القرآن كيف تعمل به في الحياة، تعمل به في الواقع التي هي السنة؛ النموذج العملي لإعمال القرآن، فهذه أول حاجة، أن يعمل الإنسان على ما بداخله، وينشغل بنفسه عن الآخرين.
معظم الناس يكون مشغول بما حوله، ولكنه ينسى نفسه، مشغول ربما بعيوب فلان وآفات فلان سواء كان في الخاص أو في العام، ما الأساس، كيف أنا
لذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال ” إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم ” إذا قال الرجل هلك الناس فهو أسوأ شخص حالاً، إما لأنه كذلك وهو لا يدري وإما أنه بترفعه ونظره للناس من عليائه وأنه أفضل وأعلى وبالتالي يعجب بنفسه وبالتالي يتكبر على عباد الله، والكبر لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة منه، الأشياء الأخرى من الممكن أن تستدرك، ويوجد أشياء من الممكن أن يعفو ربنا عنها، لكن يوجد أشياء ليس لها علاج، وغير مأذون بها ولو بأدنى قدر، ولو بأدنى قدر، ” لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ” هذا أول أمر.
الأمر الثاني: نحن نتكلم أن نطهر ما بداخلنا،، الأمر الثاني: أن أدخل الإيمان للداخل، قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا لا لا لا لا، هذا يسمى خلط ” لخبطة ” قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا لم يقل أنهم كفار، ولم يقل أنهم منافقون، ولكن الإيمان هذا أمر يظل طويلاً لكي يدخل بالقلب، قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ تفعلوا خيراً، تفعلون خيراً وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا لن ينقصهم من ثواب أعمالهم، ولكنهم لم يبلغوا مبلغ الإيمان، لا.
وقلنا أن من رحمة ربنا أن ربنا لم يقل ” لم ” وقال ” لما ” ، ” لما ” للشيء الذي يرتجى حصوله، أما ” لم ” فاحتمال حصوله من الممكن أن يكون بعيد ومن الممكن أن يكون ضعيف، قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا لم يقل ” ولم يدخل الإيمان ” قال وَلَمَّا عندما تسأل عن شخص هل جاء أم لا، فلو قلت فلان لم يأتي فاحتمال أن يأتي ليس كبيراً، لكن لو قلت ” فلان لما يأت ” أي أنه لم يأت ولكنه سيأتي، هو لم يصل بعد لكنه في الطريق، وهو لن يأتي بمفرده، فالإيمان لن يدخل القلب إلا إذا أدخلته.
ولذلك هرقل ينبه على هذا، يسأل ويوجه السؤال إلى أبي سفيان رضي الله عنه، ماذا يقول له؟ يسأله عن صفات الشخص الذي بعث إليه الرسالة، ويزعم فيها أنه نبي، أنت تريد أن تعرف هل هو نبي أم لا، كيف تعرف؟ يوجد معايير هو يسأل عليها، فمن جملة سؤاله، قال ” أيرتدّ أحدٌ منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قال له: لا، قال له: لا، قال له: لا
نحن قلنا قبل ذلك كثيراً أن هذه درجة عالية جداً من المصداقية، أبو سفيان كان من الممكن أن يقول نعم، لأن هذا الكلام بعد الحديبية، ففي هذا التاريخ الطويل 19 سنة، يوجد أناس ارتدّت وعددهم ليس قليلاً، ومنهم زوج بنته؛ عبيد الله بن جحش زوج رملة بنت أبي سفيان ارتدّ في الحبشة ومات نصرانيّاً، أكيد سمع عن هذا، فهو زوج ابنته، وأناس أخرى؛ سواءً في الإسراء أو في تحويل القبلة أو في غيرها.
لكنه يسأل هل الذي ارتدّ هذا لأنه يسخط الدين؟ هل هذا الدين وجد فيه سلبيات؟ عنده مصداقية، هو كان مشركاً ولكن لديه مصداقية، مع أنه من الممكن أن يتظاهر بأنه لم ينتبه، فالرجل يسأله عن الردة؛ ” سخطة للدين ” من الممكن ألا يهتم بها، فنحن نحن إذا سألنا شخص هذا السؤال لن ننتبه لـ ” سخطة لدينه ” سننتبه للردة فقط وسنجيب على هذا الأساس وسنقول ” نعم ” ، سنقول ” نعم ” .
أبو سفيان هو يعي جيد جداً لما يقال له بشكل دقيق، فماذا قال له هرقل؟ قال ” كذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب لا يسخطه أحد ” يقول أن الإيمان، بشاشة الإيمان أي حلاوة الإيمان إذا تداخلت في القلب، خالطت القلب، تشبّع بها القلب، لا تخرج مرة أخرى، لا تخرج مرة أخرى.
فالذي يرجع – يرتد – يرجع لأنه لم يصل أصلاً للحقيقة، ليس أنه وصل للحقيقة وأُخذت منه، لا لا، لم يصل للحقيقة.
في رواية ابن إسحق يسأل يقول له: الذي يتّبعه أو من يصحبه، أيحبه؟ ويلزمه؟ أم يقليه ويفارقه؟
الذي يخالط النبي صلى الله عليه وسلم يحبه ويلزمه؟ أم يضيق منه ويفارقه؟ قال: ” قلّ من صحبه ففارقه ” هم يلازموه، فقال له: ” كذلك حلاوة الإيمان إذا دخلت قلباً لم تخرج منه ” فهما أمران؛ العمل على التنقية الداخلية، تخلية القلب من الأدران الذي يمكن أن يقلب الإنسان بسببها، والنقطة الثانية: حشو القلب بالإيمان.
هو يكون هكذا بالضبط، بالضبط، مثلما تجلب الباذنجان أو الكوسة أو البطاطس وتحشوها قليلاً قليلاً، تدخل في البداية القليل من الأرز، تدخلهم برفق، ثم تأتي بقليل منهم وتدخلهم، وتظل تتدخل إلى أن تملؤه، إلى ان يملأ ولا يبقى مكان لشيء آخر، لا يبقى مكان لشيء آخر، فهي عملية تدريجية، تضع القليل وتضغط، تضع القليل وتضغط، تضع القليل وتضغط، تظل هكذا إلى أن يملأ، القلب إذا امتلأ بالإيمان لا يبقى مكان للهوى، فالهوى هذا عبارة عن فراغ، الأهواء هي عبارة عن فراغ في القلب، مساحات فارغة يستثمرها الشيطان، إذا ضغطت هذه المساحات الفارغة وقللتها فأنت تترك المساحات الفارغة للشيطان محدودة، ولا أحد يستطيع أن يحشو قلبه بالقرآن بكامله، ولكنه يجهد – يجهد – أن يحشوه بالإيمان قدر الإمكان، ويسأل ربنا سبحانه وتعالى الرحمة والقبول والعفو والصفح والحماية والحياطة والحفظ فقط.
هما أمران ” فيما يبدو للناس ” ، ” كذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب ” الإنسان يكون منتبه لهذا، نحن مشغولين عن هذا بأشياء أخرى، لا شيء آخر أهم.
الإنسان عياذاً بالله إذا خسر الدين لن يكون كسب شيئاً، لن يكون كسب شيئاً، إذا كان لديه أدنى حد من الفقه أو من الإيمان.
وإذا كسب علاقته مع ربنا سبحانه وتعالى ربنا من في يده كل شيء، الذي يكسب ربنا يكسب كل شيء، لأن ربنا سبحانه وتعالى من بيديه كل شيء، الذي معه كل شيء، فالذي يكسب ربنا لن يخسر شيئاً مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا هو لا يريد الآخرة، هو يريد هذه، فماذا بعد؟ فَعِنْدَ اللهِ فَعِنْدَ اللهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَكَانَ اللهُ سَمِيعًا بَصِيرًا
خزائن كل شيء بيدي ربنا سبحانه وتعالى ولكن بالأساس أنت ستتقرب من ربنا لأنك تريد ربنا أم ستتقرب من ربنا لأنك تريد شيء من ربنا؟
هذا وضع وهذا وضع، هذا تعامل وهذا تعامل، إذا كنت تريد من ربنا فسيعطيك، لكنك من الممكن أن تخسره هو نفسه، لكن من يريد ربنا؛ الشخص الذي أهم شيء لديه أن يرضى ربنا عنه، فحينما يرضى عنه، ألن يعطيه؟ إذا كان البشر لا يفعلون ذلك فالرب سبحانه وتعالى أولى!
ولكن ربنا عندما يعطي لك؛ سيعطي لك خيراً وإيماناً وإطمئنان قلبي وسكينة، هذا سيعطيه لك يقيناً طالما أنت تسير في طريق الله، وسيعطيك من الدنيا ما يصلحك وليس ما تهواه، هذا هو حقيقة الإيمان؛ الثقة بالله وحسن الظن به والتسليم له، نحن نفعل مشكلة هنا، أنا أريد من ربنا ما أهواه، وليس الذي أحب ربا سبحانه وتعالى أن يعطيه لي، والأزمة كلها هنا، لماذا يحزن الإنسان من ربنا؟ لأن ربنا لا يعطيه ما يهواه، فالذي أهواه من الممكن أن يكون خيراً ومن الممكن لا، فأنا أخاطر، وماذا بعد؟ وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ماذا حدث؟ هو لم يكن يظن هذان هو كان يظن أنه قوي جداً وأنه أقوى من الفتنة ولن يحدث له شيء فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا لم يبخل فقط! لم يبخل فقط ! هو قطع صلته بالله، أخذ ما يريد وذهب بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا هل كسب أم خسر؟ ربنا حينما يقول وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ من يخاطب؟ يخاطب المؤمنين الخلَّص، وهذا من رحمة ربنا كل شيء مكتوب، لا يوجد صدمات ولا مفاجأت، ربنا يقول هكذا، ولكن من رحمة ربنا وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ لا يعطي كثير، لأن الإنسان ضعيف ربنا يعطي الإنسان على قدر إمكانياته وتحمله، ” بشيء ” بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ شيء من الْجُوعِ شيء من النقص في الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ نحن ملك لله، يتصرف فينا كيفما يشاء وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ سيوفينا أجرنا على صبرنا حينما نرجع لربنا، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ هل هم هكذا كسبوا أم خسروا؟ أخذوا شيء من الابتلاء وأخذوا أمامه هذا، هل هؤلاء الناس كسبوا أم خسروا؟
فالخلاصة: الإنسان محتاج أن ينقي قلبه ومحتاج أن يحشوه بالإيمان، ومحتاج أنه دائماً يدعو ويسأل لأنه خائف أن يسلب ما أعطاه ربنا إياه، فهل سيسلب ما أعطاه ربنا له لأنه سيأخذه منه؟ لا لا لا، ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ربنا لن يعطي لك خيراً ويأخذه منك، إلا إذا بدلت أنا وغيّرت فأنت لا تخاف من ربنا، ربنا سبحانه وتعالى هو المؤمن، ربنا هو المؤمن، ربنا محل الأمن، جناب ربنا مأمون، جناب ربنا مأمون، تركن عليه وأنت مطمئن، لكن أين المشكلة؟ أنت تخاف من نفسك، أنك من الممكن أن تخلط فتختلط عليك فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ هي هكذا تسير.
فالإنسان على قدر ارتباطه بالله على قدر شعوره بنعمة ربنا سبحانه وتعالى على قدر ما يحفظها ربنا عليه.
فأعظم جهد الإنسان من المفترض أن يجهده أن يبني في الإيمان، يرسّخ هذا في قلبه
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه
اللهم خذ بأيدينا إليك أخذ الكرام عليك لا تفضحنا بين خلقك ولا بين يديك
اللهم توفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين.
اللهم توفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين
اللهم توفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم