بسم الله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
نتحدث اليوم عن الشورى
كلنا يعلم قول الله سبحانه وتعالى ونسمعه كثيراً وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ لكن السياق الذي وردت فيه هذه الجملة عجب من العجب أولاً السورة كلها سماها الله سبحانه وتعالى باسم الشورى لكنه يقول سبحانه وتعالى وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ الله سبحانه وتعالى يذكر صفة المؤمنين وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ الإيمان وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ الركن العظيم من أركان الدين ثم ذكر الشورى ثم قال وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ الله سبحانه وتعالى وضع هذا الأمر وضع هذا الركن ما بين ركن إقامة الصلاة وركن إيتاء الزكاة الركنين العظيمين من أركان الإسلام يبقى إذن الله سبحانه وتعالى بهذه الآية وبهذا النسق وبهذا السياق وبهذا الترتيب يجعل هذه الشورى فريضة دينية إيمانية لا تقل عن فريضة الصلاة ولا تقل عن فريضة الزكاة.
الرسول صلى الله عليه وسلم يخبر أصحابه عن رؤية رآها قبل غزوة أحد يقول رأيت بقرٌ يذبح وبقرٌ والله خير ورأيت ثلمه أي كسرة في ذباب سيف – يعني رأس السيف من فوق اتكسر منه حته – وأولتها رجل يصاب من أهل بيتي ورأيت أني قد أدخلت يدي في درع حصينة فأولتها المدينة – المشركين خرجوا من مكه يقصدوا المدينة فالنبي صلى الله عليه وسلم رأى رؤية رؤيا الأنبياء حق فقد رأى صلى الله عليه وسلم بقراً يذبح وثلمه في زبابة سيف رأى أنه أدخل يده في درع حصينة – في مكان أمن – قال فأولتها المدينة فالنبي صلى الله عليه وسلم أراد ألا يخرج لأن مقتضى هذه الرؤية أنه إذا تحصن بهذه الدرع الحصينة أنه لا يصاب ويكأن الله سبحانه وتعالى أراه الأمر على وجهيهه وجه الخروج ووجه المقام فأراد النبي صلى الله عليه وسلم حفظاً لأصحابه أن يبقى ولا يخرج ووافقه بعض الأشياخ ورجال من أشياخ الأنصار أرادوا أن يخرجوا طلباً للشهادة وعامة الشباب أرادوا أيضاً أن يخرجوا طلباً للجهاد وقالوا ما غزي قوم في عقر دارهم …..
فالنبي صلى الله عليه وسلم نزل على رأيهم فدخل داره ولبس لأمة – درع الحرب – فرأى الصحابة رضي الله عنهم أنهم ربما استكرهوا النبي صلى الله عليه وسلم على على ما لا يريد هو كان يريد البقاء فقالوا لعلنا استكرهناك يا رسول الله فإن شئت أن تقم بنا فلتقم فقال ما كان لنبي إذا لبس لئمة الحرب أن ينزعها عنه حتى يحكم الله بينه وبين عدوه فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فخرجوا فوقعت المعصية وكانت المصيبة مترتبة عليها ثم هم بعد عودهم أنزل الله سبحانه وتعالى آيات كثيرة من صدر أو وسط سورة آل عمران تتحدث عن تفصيل الواقعة وما كان فيها.. فكان في أولها وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ مش مشكلة إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ مصيبة إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ
ثم في أواخر بعد آيات طويلة تتحدث عن المعركة وتفاصيل ما جرى فيها وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ الخلل من عندنا مش من عند ربنا إن الله لا يخلف الميعاد وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ تحصدونهم حصداً بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ النصر والظفر مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
ثم قال تعالى أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا احنا المؤمنين ودول الكفار مينفعش الكفار يقدروا على المؤمنين قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ بسبب المعصية والمخالفة، ثم في أخر هذا ربنا سبحانه وتعالى بيقول فَاعْفُ عَنْهُمْ مما وقع منهم وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ من مخالفتهم ومعصيتهم وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ مع إن كان عاقبة هذه الشورى الظاهر كده إن دي كانت خسارة… ده أصل شرعي مقرر لا يتخلى عنه في أي وضع من الأوضاع فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ أيضاً فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ طيب هذه الشورى التي جعلها الله سبحانه وتعالى خصيصة للمؤمنين …
وهنا كلمة وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ده مش أمر ديه صفة .. دي في صفات المؤمنين حاجة لازمة مش ربنا بيأمرنا بيها .. لأ ديه صفة مستقرة موجودة زي ما هما بيقيموا الصلاة أمرهم شورى بينهم .. وكلمة أمرهم شورى بينهم ويكأن ناس في مائدة كده تحلقوا ووضعوا قضيتهم أو أمرهم الذي يشغلهم بينهم يتشاورون فيه يبقى وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ تداول وجوه النظر وتقليبها حتى نصل إلى السداد يعني كل واحد حيعمل ذهنه ويطرح ما عنده ثم نتناقش ونتشاور وهدفنا وراءدنا كلنا الوصول إلى الحق ولذلك في الأخر حنتفق على كلمة سواء، مايعنيش الشخص وضعه أو محله أو سمعه كلامه أو ماسمعوش كلامه وهنا كلمة الشورى يبقى إذن احنا حنتداول في القضية نفسها حنبحث في كيفية الأمر مش مجرد واحد حيطرح قرار مشروع يحطه كده اللي شايف اشطه يرفع ايده واللي مش شايف اشطه ينزل إيده لأ احنا حنتشاور يعني حنتداول ونتفكر ونتباحث علشان نوصل لنتيجة وده قطعاً يستلزم إن يكون في بناء فكري وثقافي ووعي أصلاً موجود في المجتمع لازم يكون المجتمع نفسه متربي على مستوى من الفكر والإدراك والوعي عالي أصل إزاي حنتشاور واحنا معندناش دراية معندناش أصول؟
يبقى إذن عشان – في قاعدة مهمة جداً بيذكرها علماء الفقه وعلماء الأصول ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب يعني الصلاة واجبة والصلاة علشان تتم لابدمن الوضوء لابد من استقبال القبلة يبقى ديه واجبات بتجب لأداء العبادة اللي هيه الصلاة طيب الشورى ده أمر فريضة واجبة طيب الشورى ديه لا تكون إلا زي ما قلنا ببناء علمي وثقافي وفكري في المجتمع يكون الناس على مستوى عالي من الوعي يبقى إذن ده واجب لإقامة هذا الفرض أو هذا الحد اللازم وزي ما قلنا إن في قضية الشورى إن الإنسان مايعنهوش أخذه برأيه ولا لأ المهم إن هو في النهاية هدفه مصلحة المجموع.
ولذلك في قصة ذكرناها مراراً ولا أمل من ذكرها قصة الحباب بن المنذر مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر لأن هنا الحباب يبدو مش من دائرة مجلس الشورى العسكري بتاع النبي صلى الله عليه وسلم لأ ده هو رجل من الأنصار من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رأى هو بنفسه إن هو واجب لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال الدين النصيحة عليه واجب تجاه أمته وتجاه النبي وتجاه الصحابة رضي الله عنهم إن هو شايف – رغم إنه لم يستشر في الأمر – كان شايف إن الوضع ده يحتاج إلى مراجعة حيراجع النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة فهو توجه هو بنفسه للنبي صلى الله عليه وسلم علشان يسأله، النبي صلى الله عليه وسلم نزل في مكان والحباب شايف إن المكان ده عسكرياً استراتيجياً ده مش المكان الأمثل.. فراح للنبي صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله أهذا منزل أنزلكاه الله أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ أصلاً التقسيم ده إن أوامر شرعية ملزمة وإن في أمور اجتهادية يعني النبي صلى الله عليه وسلم نفسه في حاجات بيقولها وحي ده منزل من السماء وفي حاجات اجتهاد بشري رغم أن النبي صلى الله عليه وسلم في المنزلة العليا من العقل والتفكير والحكمة لكن في النهاية في إطار اجتهاد، إطار الاجتهاد ده يحتمل إن احنا نناقش واطار الوحي مفهوش نقاش.
أهذا منزل أنزلكاه الله ليس لنا أن نتقدم عنه أو نتأخر أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟
النبي صلى الله عليه وسلم قال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة. قال: يا رسول الله ما هذا بمنزل بيخاطب النبي صلى الله عليه وسلم يقول ما هذا بمنزل. قال: فما ترى؟ هو النبي صلى الله عليه وسلم كان نازل هنا في مكان وقدامه بئر بدر وحوليه مجموعة من الأبار والمشركين أمامهم بعد الأبار البئر في النفس والمشركين في ناحية والنبي صلى الله عليه وسلم على الناحية الأخرى وفي أبار ثانية من على اليمين وعلى الشمال فقال يا رسول الله أرى أن تأمر أصحابك أن يرتحلوا حيعدوا يخلوا الئر ده بئر بدر في ظهرهم ونغور بقية الأبار حنردم الأبار الثانية.. فنشرب ولا يشربون يبقى في النهاية الميزة ديه وجود المياة معانا مش معاهم فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة بالارتحال.
فهنا هذا الصحابي رضي الله عنه هو تفكر في الأمر ورأى إنه محتاج إنه يشير على النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الرأي وينظر رأي النبي صلى الله عليه وسلم فيه النبي صلى الله عليه وسلم استمع إلى ما قال ثم أمر الصحابة مباشرة بالانتقال لأن شاف إن ده فعلاً رأي صائب وموقع أفضل والأهم من كل ده السلاسة اللي تم بها الأمر مفيش على فكرة أي كعبلة حتى النبي صلى الله عليه وسلم استمع فرأى أن هذا رأياً صائباً فخلاص.
وزي ما قلنا قبل كده محلصش أي تغيير في بنية مجلس الشورى النبوي يعني مثلاً الحباب بن المنذر أشار برأي ربما لم يشر أبو بكر ولا عمر ولا سعد بن معاذ ولا سعد بن عباده ولا علي بن أبي طالب والنبي صلى الله عليه وسلم ما بناش على ده إنه مثلاً إيه نحى هؤلاء وجاب ده مكانهم ولا إن الحباب طلع قال لهم انتوا قاعدين بس كده مفيش حد يقول حاجة مفيش مخ محدش فكر ولا إيه مفيش حاجة عادي.. الراجل عاد إلى موقعه بدون – لأن هو في النهاية هدفه لا يشغله إلا مصلحة أمته – فهذا الأصل أصل عظيم وهذا الأصل العظيم لا يقوم أو لا ينبني إلا على وجود بناء فكري بناء وعي جيد بناء ثقافي موجود ده الأصل التربوي والأصل التعليمي ولذلك لابد من الإصلاح التعليمي والتربوي ده أساس علشان يحصل إصلاح لأي مجتمع تعليمي وتربوي يعني فكري واخلاقي وسلوكي ولذلك شوقي كان بيقول في وصف نظام النبي صلى الله عليه وسلم الذي أنزله الله سبحانه وتعالى إليه كان بيقول إيه..: الدين يسر والخلافة بيعة والأمر شورى والحقوق قضاء.
ديه أصول الإسلام الدين يسر والخلافة بيعة والأمر شورى والحقوق قضاء، إحنا عندنا مفيش الكلام ده احنا عندنا الدين عسر والخلافة فرية والأمر شوربة والحقوق ضياع.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرحمنا برحمته.
جزاكم الله خيراً.