الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً به وتوحيدا، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً مزيدا
ثم أما بعد:
كنا في حديث عن أصول الإسلام وعن تاريخ الإسلام، وقد ذكرنا قبل أن الإسلام إنما يمثّل النور الذي أنزله الله تبارك وتعالى على عباده لهدايتهم من حين ما قضى سبحانه وتعالى أن ينزل عبده آدم وزوجه إلى هذه الأرض، وهو سبيل رسل الله جميعاً، فقوله تبارك وتعالى إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ لا يقصد به خصوص الشرعة أو الملّة الخاتمة، وإنما هو دين رسل الله جميعاً، حلقات متتابعة تمثّل بناءً يتكامل، على مدى تاريخ الإنسانية الطويل، ولذلك ذكر سبحانه وتعالى كلمة الإسلام على لسان رسله نوح وإبراهيم وموسى وعلى ألسنة الحواريين من أتباع المسيح عليه السلام وهو ما مثّله صلى الله عليه وسلم حينما قال: ” إنما مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة في زاوية من زواياه، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون منه، من عظمته وجماله، ولكن يقولون لولا وضعت اللبنة، قال صلى الله عليه وسلم: فأنا اللبنة وأنا خاتم المرسلين ” .
هذه الرسالة العظمى إنما اكتملت ببعثته صلى الله عليه وسلم فكانت الحلقة الأخيرة في هذه السلسلة العظيمة النيّرة، وإنما اختير لهذه الملّة العظيمة اسم الإسلام لتبيّن أنها إنما قامت على التسليم لله تبارك وتعالى، حقيقة الإسلام هو أن يسلم الإنسان نفسه لله تبارك وتعالى محبةً وثقةً ورضاً.
فهو يسلم نفسه لهذا المنهاج الذي رسمه الله تبارك وتعالى له ثقةً منه أن هذا هو الاختيار الأصوب والأرشد والأكمل والأتم وأن من اتّبع هدى الله تبارك وتعالى فإنه لا يضلُّ ولا يشقى كما أخبر سبحانه وتعالى.
ثم يُسلم نفسه لاختيار الله تبارك وتعالى له مما يقدّره الله سبحانه وتعالى للعبد؛ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ على يقينٍ أن الله سبحانه وتعالى لا يختار لعباده إلا ما هو خيرٌ لهم، قال صلى الله عليه وسلم وهو يناجي ربه تبارك وتعالى؛ قال: ” الخير كله بيديك والشر ليس إليك ” .
هو سبحانه وتعالى لا يقضي ولا يقدّر لعباده إلا ما هو خيرٌ لهم من حيث علموا أو من حيث جهلوا، فالعلم عند الله تبارك وتعالى وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ثم، مرد الأمر إلى هذه الحقيقة العظمى وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ لا يعلم الإنسان حقيقة ما خبّأه الله تبارك وتعالى له، لكنه ثقةٌ منه في الله تبارك وتعالى يسلم نفسه لله، لذلك قال صلى الله عليه وسلم ” عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير ” ولكن ” وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سرّاء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيراً له “
فما الذي يحمله على الشكر؟ وما الذي يحمله على الصبر؟ إنما يحمله على الشكر إدراكه أن هذه نعمة من الله لا تستدام إلا بالشكر وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ وإنما يحمله على الصبر – وهو حبس النفس عن الجزع أو التشكي – علمه أن الله سبحانه وتعالى قد اختار له ما هو حيرٌ له.
فأنزل الله تبارك وتعالى قرآنه من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا جملةً واحدة في ليلة القدر ثم اختار سبحانه وتعالى رحمة بعباده أن ينجّم لهم التنزيل فتكلمنا في المرة الماضية عن تثبيت أصول الإسلام، وقلنا أنها تبدأ من أين تبدأ؟ ما أول شيء أنا أبنيه بداخلي، معرفتي بالله تبارك وتعالى، يقين الإنسان بالوجود الإلهي، بالعظمة الإلهية، بالقدرة الإلهية، بالحكمة الإلهية، وبالرحمة واللطف الإلهي، هذه هي اللبنة الأولى.
ثم يعقبها أن الحكيم الرحيم اللطيف سبحانه وتعالى لا يمكن أن يترك عباده هملا، دون أن يرشدهم أو يهديهم أو يخبرهم لماذا خلقهم؟! ما الحكمة من خلقهم وإلى أين يسيرون وكيف يسيرون بسلامٍ إلى حيث يأمنون ولذلك كانت الرسالة ضرورة من ضرورات الإيمان بالله، ضرورة فطرية وعقلية من ضرورات الإيمان بالله والمعرفة بصفاته تبارك وتعالى، فمن أين عرفنا هذه المعرفة؟ قبل القرآن، نحن نتكلم على ما قبل القرآن.
أن تأمّل الإنسان في خلق الله يدرك منه صفات إلهية عظيمة؛ منها الحكمة ومنها الرحمة، ولا تكون حكمة ولا رحمة إلا بوجود الهداية، هذه الهداية تمثّلت في صورتها النهائية في نزول القرآن.
فما الدليل على أن القرآن كلام الله حقّاً وصدقاً؟ الدليل داخل القرآن نفسه ليس من خارجه، القرآن يحمل بداخله دلائل تثبيت اليقين أنه فوق الكلام البشري من عديد من الوجوه، هذا هو الذي يسميه العلماء إعجاز القرآن، الذي هو إثبات أن هذا القرآن لا يمكن لبشر كائناً من كان أن يطيقه، لذلك قال تبارك وتعالى قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا
أما الركن الثالث: الإيمان بالنبوة، فهذه النبوة كيف نعرف أنها صحيحة أم خاطئة؟ كيف نعرف أن من يدعي النبوة صادق أم كاذب؛ هناك دلائل وصفات بمعرفتها تدرك صدق الشخص من كذبه، فنحن عندنا دلائل متكاثرة من القرآن نفسه بعيداً عن أي شيء آخر تثبت أنه كلام إلهي ودلائل من شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم مستقلّة عن أي شيء آخر، تثبت أنه صادق فيما أخبر عن الله تبارك وتعالى، فإذا ثبت لديك صحّة نبوّته؛ ثبت لديك أن الكلام كلام الله لأنه قال أن هذا الكلام إنما أنزل إليّ من عنده تبارك وتعالى، وإذا ثبت لديك يقيناً من القرآن نفسه أن هذا كلام إلهي فوق بشري، إذاً الشخص الذي أتى به لابد أن يكون صادقاً في أنه إنما أتاه هذا الوحي من عند الله تبارك وتعالى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى.
إذاً هناك دلائل يقينيّة لثبوت الدين، ليس شيئاً هكذا تهويمات أو أشياء ضبابية أو غير واضحة.
وهذا الوحي الذي أنزله الله تبارك وتعالى اختار بحكمته أن ينزل إلينا منجّماً، ما معنى منجّما؟ أي متجزئ، أين محل هذا القرآن أصلاً؟ قال تعالى وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ الله سبحانه وتعالى تكلّم بهذا القرآن من الأزل وهذه من الأوجه العظمى في جمال وعظمة هذا القرآن، ربنا سبحانه وتعالى إنما تكلّم بهذه الكلمات قبل أن يخلق هذا الخلق بآلاف السنين فهو خاطب عباده قبل أن يوجدوا بآلاف السنين، فلما وجدوا أرسل إليهم خطابه، فأنزله جملةً واحدة، ثم نزل به جبريل عليه السلام مفرّقاً، فلماذا؟ لأن ربنا سبحانه وتعالى أراد برحمته وحكمته أن يبني الإيمان في قلوب المؤمنين وأن يبني مجتمع المؤمنين بشكل متدرّج متتابع، ولذلك قال تبارك وتعالى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً قال سبحانه وتعالى مجيباً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا ما معنى هذا؟ أنهم يقولون أن هذا القرآن إذا نزل جملة واحدة،، ماذا يختلف إذا نزل جملة واحدة أو نزل مفرّق، يعني هل إذا نزل جملة واحدة هم سيؤمنوا، وعندما نزل مفرّق هم لم يؤمنوا؟
ربنا سبحانه وتعالى إنما تحدى العباد ليس بالجملة بل بسورة من مثله، أي أن أي سورة هي مستقلّة في بيان عظمة كلام الله سبحانه وتعالى، يعني عندما نزلت اقرأ وهذه خمس آيات، وهذه الخمس آيات كانوا كافين في الدلالة على أن هذا كلام ربنا، وليس بقيّة القرآن عندما ينزل.
لماذا قلنا أن ربنا سبحانه وتعالى جعل الآيات تسمى بالآيات، فنحن قلنا معنى الآية، أن الآية: هي الدليل الدامغ على الصدق، ولذلك سمّيت معجزات الأنبياء آيات، يعني سيدنا موسى ربنا سبحانه وتعالى آتاه العصا، ما العصا؟ العصا هذه آية، ما معنى الآية؟ أي دليل دامغ جازم على أنها على أنها من عند الله تبارك وتعالى، فعندما يسمي ربنا سبحانه وتعالى يسمي الآية القرآنية الواحدة أنها آية، إذاً كل آية بمفردها وحدها تقوم مقام الآية العظمى من آيات النبييّن، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم ” ما من الأنبياء نبي إلا أوتي ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إليّ فأرجوا أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة ” .
إذاً ربنا سبحانه وتعالى أجاب هؤلاء أن هذا لتثبيت القلب، هذا أمر، الأمر الآخر أنهم سيشغبون على القرآن فكلما يشغبون بشيء ينزل الله تبارك وتعالى تصحيحه وردّه وتوجيهه وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ لأن هذا بناء عظيم يبنى فلابد أن الناس تتشرب الآيات وتتأثر بها، ولذلك الصحابة كانوا يتعلمون هكذا من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس كما نتعلّم نحن، كانوا يأخذون خمس آيات وعشر آيات، عندما تستقرّ في أنفسهم ويفهموها ويستوعبوها ويحيلوها إلى عملٍ وتطبيق، يبدأوا يبنوا ما بعدها، لكننا عندما أحلناها إلى نظري فقط، لم تعد تفعل شيء.
إذاً ربنا سبحانه وتعالى أنزل القرآن منجّماً لحكمة بالغة،، ثم أنزل تبارك وتعالى في يوم عظيم من أيامه الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ إذاً الإسلام جاء يتمم بناء الإسلام العام، ونزلت هذه الآية لتتمم بناء الإسلام الخاص فهكذا اكتمل الدين كله الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا كلمات عظيمة بالغة العظمة، ثلاث جمل؛ ” اليوم أكملت لكم دينكم ” ” وأتممت عليكم نعمتي ” ” ورضيت لكم الإسلام دينا “
سيدنا عمر في استقبال هذه الكلمات استقبلها بالبكاء مع أن ربنا سبحانه وتعالى يتكلم عن نعمة وعن دين رضيه سبحانه وتعالى لعباده، فلماذا؟ قال: لأن الاكتمال ليس بعده إلا النقصان، فالدين عندما اكتمل لن ينقص، لأننا كنّا نكتمل معه، فالنقص كيف سيعرض للدين نفسه، لأن الدين اكتمل، لن ينقص منه آية أو حديث، إذاً علام يبكي؟ نحن الذين نكتمل معه، وارتقينا معه إلى النهاية، وبعدما نصل إلى النهاية سنبدأ نحن نخبوا ونهن ونضعف، هذا استقبال.
أما اليهود فيقولوا لسيدنا عمر: لو نزلت علينا هذه الآية لاتّخذناها عيداً، فلماذا؟ لأن ربنا سبحانه وتعالى جعل هذه نعمة عظمى وجعل الدين في محل الرضا، فما الذي يحملهم على ألا يتخذوا الآية عيداً، لأن الموضوع بسيط أن يدخلوا في الإسلام وتصبح الآية بالنسبة لهم عيد؟!
لكنها فكرة العنصرية أنهم في النهاية الأمة المصطفاة المختارة ورفضوا أن يكون نبيٌ من غير بني إسرائيل وجعلوا الإسلام في محلّ الخصومة وبعد ذلك يحسدون المؤمنين على ما آتاهم الله من فضله أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا ولذلك تجد أشياء غريبة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أن اليهود لا يحسدونا على شيء مثلما يحسدونا على التأمين ” قول آمين في الصلاة ” يقولون لبعض الصحابة، يقول يهودي لسلمان الفارسي: قد علّمكم نبيّكم كل شيء حتى الخراء. حتى قضاء الحاجة، هذه التفاصيل الدققيقة علّمها لكم
الآن فهذه صورة من صور الحسد على هذه النعمة العظمى، فهذا الحسد من الممكن أن يعالج،، الآن أنا أحسد شخص على شيء عنده وليس عندي فأنا أستطيع أن أمدّها إليّ، لكنّها النفسيّة الرافضة لقبول الحقّ، فهذا البناء اكتمل.
بعد اكتمال هذا البنيان؛ بدأ يعتري الأمة النقصان، وهذا هو الذي نريد أن نتكلم عليه.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
الحمد لله رب العالمين؛
حينما اكتمل البنيان ونزلت هذه الآية أو جزء الآية العظيم نزل قوله تبارك وتعالى فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا قد قضيت ما عليك، قد قضيت ما عليك وبالتالي هو سبحانه يدعو نبيّه أن يستعدّ للقاء الله وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فاستعدّ للرحيل، وهذا رحيل اختياري، النبي صلى الله عليه وسلم قال أنه لا يوجد نبي إلا ويخيّر عند الموت، هل تريد أن تستمرّ أم تريد أن تنتقل، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم وهذا الحديث قلناه قبل ذلك أن السيدة عائشة رضي الله عنها، النبي صلى الله عليه وسلم لما كان يمرض، كان يدعو بكلمات ويمسح على نفسه، فلما مرض لم يقدر على الكلام، فهي كانت تقول الكلمات ” رب الناس اذهب البأس اشف وأنت الشافي لا شفاء إلا شفاءك شفاء لا يغادر سقما ” وبعد ذلك قالت أنها بدأت تأخذ يده وأمسح بها على جسده رجاء بركتها، فهو ماذا فعل؟ – قام سحب يده – وقال بل الرفيق الأعلى – اتركيني – .
هو يريد أن يرحل، ذهب صلى الله عليه وسلم ليودّع أهل البقيع يسلّم عليهم ويدعو لهم، هو راحل، فذهب إلى شهداء أحد ولأهل البقيع يسلّم عليهم ومعه مولى له اسمه أبو مويهبة رضي الله عنه، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال له، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يؤهّل المؤمنين للرحيل عبر مجموعة من الرسائل، ولذلك وقف مرةً على المنبر قال: إن عبداً خيّره الله بين زهرة الدنيا وبين ما عند الله فاختار ما عند الله، فسيدنا أبوبكر جعل يبكي وقال: نفديك بأنفسنا وأرواحنا يا رسول الله.
فالصحابة قالوا ” هو الراجل ده كل شوية…. هو بيعيط ليه يعني؟ ” النبي صلى الله عليه وسلم يتكلم عن شخص،، قال: فلما قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا أنه إنما أراد نفسه وأن أبا بكر كان أعلمنا – هو الذي يفهم – ” إذ يقول لصاحبه ” هو فاهم جيداً، فاهم لكل جزئية بدقّة يعرف يترجم مباشرةً، فجعل يبكي والناس تستغرب لماذا يبكي؟
فالنبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي مويهبة أن الله سبحانه وتعالى قد خيّره بين أن يُعطى مفاتح كنوز الدنيا والخلد فيها والجنة – لأنه بعد ذلك سيذهب إلى الجنة أيضاً، وبين لقاء الله والجنّة.
ما هما البديلين؟ مفاتيح كنوز الدنيا والخلود في هذه الدنيا إلى حين الأجل الذي قدّره تبارك وتعالى لانقضائه ثم محلّه في الجنة محفوظ له، وبين أن يخرج منها في هذه اللحظة ليلحق بالرفيق الأعلى.
فأبا مويهبة قال: اخترنا يا رسول الله، نحن سننتفع ونستفيد، وهو لن يضار شيئاً، قال: ولكنني اخترت لقاء ربي والجنّة.
هذه لحظة محورية في تاريخ الإسلام، ماذا يقول سيدنا أنس؟ يقول: لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوبكر المدينة أضاء منها كل شيء، فلما كان اليوم الذي تُوفي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أظلم منها كل شيء، وقال: والله ما رأيت من يوم أنور ولا أحسن من يوم دخل رسول الله المدينة، ولا رأيت يوماً هو أظلم ولا أقبح من يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما نفضنا أيدينا عن دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنكرنا قلوبنا.
ويقول عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه: ابتلينا بالضراء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فصبرنا، وابتلينا بعده بالسراء فلم نصبر، ويقول أُبي بن كعب: إنما كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما وجهنا واحد، فلما قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرنا هكذا وهكذا
نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً إلى السماء وقال ” النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنةً لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون ” نثبّت هذا وإن شاء الله المرة القادمة سنتكلم عنه بالتفصيل، لأن هذا حديث محوري وعظيم المعنى وعظيم الأثر وهذا سيفسّر كثيراً من تطوّر تاريخ الإسلام.
ماذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم؟ ” النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد ” أي يوم القيامة؛ النجوم تتناثر وتنكدر وحينئذٍ تقوم الساعة فطالما هي موجودة فهي حافظة للسماء.
” وأنا أمنة لأصحابي ” أمان وحماية وحياطة، من أي شيء؟ ” فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون ” ماذا هو؟، وبعد ذلك انتقل درجة أخرى ” وأصحابي أمنةً لأمتي ” مم؟ ” فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون ” فماذا هو؟
مم كان النبي صلى الله عليه وسلم أمنة للصحابة؟ ومم كان الحابة أماناً لنا؟ وبالتالي حينما ذهب صلى الله عليه وسلم ماذا أصاب أصحابه؟ وحينما ذهب أصحابه ماذا أصاب أمته؟
هذان المحوران إذا أدركناهم جيّداً سندرك تفسير أشياء أساسية جدّاً في تاريخ هذه الملّة وفيما تعيش هذه الأمة إلى يومها هذا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ
اللهم اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.
اللهم إنّا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا وتتوب علينا وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين
اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب كل عملٍ يقربنا إلى حبك
اللهم اقسم لنا من خشيتك ماتحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، متعنا اللهم بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا، أبداً ما أحييتنا، واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا، ولا تجعل اللهم إلى النار مصيرنا، واجعل اللهم الجنة هي دارنا
اللهم يا مقلّب القلوب ثبت قلوبنا على دينك
اللهم يا مصرّف القلوب صرّف قلوبنا على طاعتك
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم