إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. إنه من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
ثم أما بعد:
أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى
كنا مع قوله سبحانه وتعالى وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى وذكرنا أن هذا الضمير ” هو ” إنما يورد لأجل الاختصاص، ولنفي أي شبهة منازعة للرب تبارك وتعالى فيما يختص به من دلائل وحدانيته وعظمته سبحانه وتعالى هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى فهو سبحانه وتعالى خالق كل شيء، هو سبحانه وتعالى الذي يقدّر المقادير، هو سبحانه وتعالى الذي يخلق أسباب الفرح والسرور والسعادة التي يستشعرها الإنسان وهو سبحانه وتعالى أيضاً الذي يخلق أسباب الهم والألم والغم والحزن الذي يعتري قلوب بني آدم، وهو سبحانه وتعالى أيضاً الذي يخلق هذه المشاعر، قلنا أن هذه المشاعر مشاعر تلقائية، هذه ليست مشاعر إرادية، لا أحد يأخذ قرار بأن يستجيب بالفرح والسرور أو يستجيب بالهم والحزن أو البكاء.
فهو سبحانه وتعالى خالق هذه المكنونات وهو سبحانه وتعالى خالق الأسباب التي من ورائها تتفاعل النفوس الإنسانية.
ومن حكمته سبحانه وتعالى التي لا تهتدي إليها عقول البشر أنه يخلق سبحانه وتعالى هذه المشاعر المتناقضة التي تبدو أنها على طرفي نقيض، الفرح والسرور والهم والحزن،، الضحك في مقابلة البكاء، فهذه مشاعر في الحقيقة هي مشاعر متناقضة، لكنه في هذه المشاعر المتناقضة تلتزم وتتكامل نفسية الإنسان، إذا كان الإنسان في همٍّ أو حزنٍ دائم فسدت عليه حياته، وإذا كان في فرحٍ أو سرورٍ دائم دامت غفلته ونسي ربه وأصابته أبطرته النعم.
فمن حكمته سبحانه وتعالى أن يخلق هذا الخلق بهذه المشاعر التي تتناقض لكي تتكامل، ووراء هذه المعاني معاني عميقة لكنها تتقاصر أفهامنا عن إدراك حكمته وعن إدراك عظمته وعن إدراك رحمته سبحانه وتعالى.
ثم يقول تبارك وتعالى وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى بضمير الفصل مرة أخرى، هو سبحانه وتعالى وحده المختص بهذه النعم، هو أغنى وهو أقنى، ليس غيره تبارك وتعالى يغني ولا يقني وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى تعارف الله سبحانه وتعالى إلى عباده بأنه هو الغني، وقال قَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وكل من عداه سبحانه وتعالى هو فقير محتاجٌ إليه قال الله تبارك وتعالى وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وقال سبحانه وتعالى مخاطباً الناس، كل الناس قال يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ هو سبحانه وتعالى يخاطبنا جميعاً، يخاطب الناس، لم يقسمهم هاهنا إلى برٍّ وفاجر أو إلى مؤمن وكافر أو إلى طائعٍ وعاصٍ، أو إلى برٍّ وفاجرٍ، وإنما يخاطب الناس كل الناس أنهم جميعاً فقراء إلى ربهم تبارك وتعالى أفقر ما يكونون إلى رحمته وإلى إحسانه وإلى برّه وإلى نعمته وإلى توفيقه وإلى هدايته يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ إذاً نحن جميعاً يجمعنا وصف الفقر والفاقة، ووصف الفقر والفاقة هذا إلام يتوجه؟ إلى وجهة واحدة فقط.
إذاً نحن جميعاً فقراء، والفقير يشعر بفقره وفاقته ضرورةً، لا أحد فقير أو محتاج أو عنده نقص لا يشعر بالنقص الذي لديه إلا إذا كان في الإيمان، أما في غير ذلك من الاحتياجات فالإنسان بيستشعر النقص والفاقة والفقر الذي يتصف بهم، يريد أن يصرف عنه هذا الوصف، أن يشعر بالغنى، فلأجل أن ينتفي عنه وصف الفقر؛ يسلك مسالك كثيرة في الحياة لكي يستشعر شعور الغنى، شعور الطمأنينة والثقة إلى ما لديه، فهذا الفقير إذا استغنى بغير الغني سبحانه، هل يسد فقره وتذهب فاقته؟
يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ والله وحده سبحانه وتعالى هو الغني، هو الذي لا يفتقر إلى شيء ولا يحتاج إلى لأحد.
إذاً بأصل فطرة الإنسان وطبيعته الفقر، ومن رحمة ربنا أن ربنا خلق الإنسان فقير، لماذا؟ لكي يجد نفسه ضرورةً يبحث عن الغني لكي يسد فاقته، هذه من رحمة ربنا بالناس، لكي يكونوا دائماً مستشعرين أنهم محتاجون ربنا في كل وقت، فيلجأوا إلى ربنا في كل وقت، فيرجعوا إلى ربنا في كل وقت، لكن الإنسان رغم ذلك يغفل وينسى ويتشوش فكره ويعتقد أن الغنى يمكن أن يحصّل بعيداً عن الله يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ الغني سبحانه وتعالى هو الذي يغني، فما معنى يغني؟ يعطي الإنسان ما يستغني به عن غيره وما يسد به حاجاته، و ” أقنى ” إعطاؤه ما يقتنيه وأن ييسر له من يخدمه وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا أناس ربنا قدّر أن يكونوا مسخّرين في خدمة أناس، في قضاء مصالح أناس، في قضاء حوائج أناس، وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى إذاً ” أغنى ” بالمادة، و” أقنى ” بالخدمة،أغنى هذه مادية، وأقنى تسخير العباد،، ما يتعلق بالماديات فهو في دائرة أغنى، وما يتعلق بتسخير البشر فهو في دائرة أقنى.
وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى فما المترتب على أن الإنسان يؤمن ويوقن أن ربنا سبحانه وتعالى وحده هو الذي يملك أن يغني وهو الذي يعطي الإنسان وسائل وأدوات القنية، ماذا من المفترض أن يحدث؟ أن الإنسان عندما يستشعر حاجته إلى الغنى يتوجه إلى الله، وأنه حينما يدرك أن ربنا سبحانه وتعالى أعطاه من هذا الغنى يشكر ربه تبارك وتعالى وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ فما موقف الإنسان من هذا؟ ربنا سبحانه وتعالى يقول اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ رأى نفسه اسْتَغْنَى فمن الذي يغني؟ ربنا سبحانه وتعالى، فهل هو بما أعطاه الله من أدوات ووسائل الغنى أصبح غنيّاً فعلاً؟ هو مازال فقيراً، مازال فقيراً، أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ الفقير يظل فقيراً، ولكنه متى يستغني؟ حينما يستند إلى الغني سبحانه وتعالى، ولكن إذا استند إلى شيء آخر؟ كل شيء فانٍ وكل شيء زائل، كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، فلا شيء يستغني به الإنسان غير ربنا سبحانه وتعالى إلا وتحول وتزول.
فعندما رأى نفسه استغنى طغى، تجاوز حدّه، تكبّر، استعلى، بناءً على ماذا؟ على ظنّه أنه مستغنىٍ عن ربه وعن عبادته وعن طاعته.
عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى وَهُوَ يَخْشَى فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى كَلَّا ربنا يتكلم عن شخصين، شخص وصفه بماذا؟ قال أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى ما معنى استغنى؟ رأى نفسه في غنى عن أن يتوب إلى الله، في غنى عن أن يخضع لله، في غنى عن أن يخشع لله فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى وفي مقابل المستغني وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى وَهُوَ يَخْشَى الشخص الذي يشعر أنه فقير إلى الله، فقير للهداية، عبد الله بن أم مكتوم رجل كفّ بصره أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير قائد، أي هو يمشي ويتخبط في الطريق، أتى إلى رسول الله قال: يا رسول الله علّمني مما علمك الله، رجل آمن ويريد أن يستزيد من الإيمان ويريد أن يستزيد من الهداية، يريد أن يتعلم آية، وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى وَهُوَ يَخْشَى فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى كَلَّا
وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى اتجاهتنا كثيرة جداً، أهدافنا كثيرة وغاياتنا كثيرة وأولوياتنا كثيرة، وأغراضنا في الحياة كثيرة، ولكن هذه الأشياء الكثيرة هذه في النهاية تصب في طريقين، هما طريقان فقط،، فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى كل هذه الطرق التي نسير فيها في النهاية هما مساران فقط، في النهاية هما مساران؛ المسار الأول فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى أعطى مما منحه الله سبحانه وتعالى له، من كل ما آتاه الله من نعم، لماذا؟ تصديقاً منه ويقيناً بأنه غداً موقوف بين يدي الله راجع إلى الله وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ وَقِفُوهُمْ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ
وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ الطريق الذي يسّرها – اليسرى – الطريق نفسها الذي اختارها لنا الله، طريق ما وصفها؟ طريق ميسرة وسهلة وموافقة للفطرة وبسيطة ومتناغمة مع أنفسنا، ومن يريدها واتصف بصفتها أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ ربنا سيييسره لها، أما الآخر وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ بما آتاه الله وَاسْتَغْنَى لا يريد شيئاً من ربنا، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ ستتمادى معه الطريق الذي اختارها، ستتيسر، مثلما تيسرت الأولى ستتيسر هذه، ولكنها ستتيسر لماذا؟ لِلْعُسْرَى هي الطريق نفسها مكعبلة، هي صعبة، نحن من نفهم بالعكس، ربنا هو الذي قال هذا هذه اسمها اليسرى وهذه اسمها العسرى، هذه هي المتيسرة والسهلة، وهذه هي الصعبة والمكعبلة، وليس العكس وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى
قال تعالى فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللهُ هو سبحانه وتعالى هو الغني، لا يحتاج لأحد، إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللهُ وَاللهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ هو سبحانه وتعالى غني عن العبادة وعن الطاعة، لكنه برحمته هو الحميد، يحمد لعباده الطائعين طاعتهم، يشكر لهم عبادتهم، مع أن هذه العبادة لنا، وهذا الشكر لنا، لكن لعظمة ربنا سبحانه وتعالى يحمد لنا الأشياء التي فعلناها لأجلنا، لمجرد أننا أطعنا توجيه ربنا، استجبنا لنداء ربنا، فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللهُ وَاللهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
الحمد لله رب العالمين
وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى أغنى أناساً بما جعل في قلوبهم من الثقة واليقين، وأقنى أناساً وآتاهم لضعف قلوبهم وتعلقها بالمتاع الزائل، قال الله تبارك وتعالى وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ربنا سبحانه وتعالى إلام يوجه النبي صلى الله عليه وسلم؟ يقول له أن ربنا آتاك القرآن أعظم نعمة استغنى به ولا تنظر من فوق إلى تحت، لا تحيد عن القرآن الذي أغناك ربك به وتنظر إلى زهرة الدنيا الفانية التي شاء الله أن يمتع بها أناس،، هذا هو محل الغنى وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا قال صلى الله عليه وسلم ” ليس الغنى عن كثرة العرض وإنما الغنى غنى النفس ” حقيقة الغنى، حقيقة الغنى أن الإنسان يشعر داخلياً بالرضى عما آتاه الله، ربنا هنا قال أَغْنَى وَأَقْنَى لم يقل أفقر، لأن كل العباد في غنى مما آتاهم الله، لكننا نحسب أن الدنيا مال فقط، فحينما يأتي المال يكون الناس أغنياء وفقراء، لكن في عموم النعم، في عموم الهبات، في عموم العطايا الإلهية للبشر لا يوجد فقير، لا يوجد فقير، لكن في المال،، أناس معها كثير وأناس معها قليل،، لكن في نعم الله،، لا.
حقيقة الغنى هو هنا، قال زيد بن ثابت رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من كان همه الآخرة، جمع الله شمله، وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت نيّته الدنيا، فرّق الله عليه ضيعته وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما قد كتب له ” وهنا أيضاً صلى الله عليه وسلم يقسم الناس قسمين، الأول بماذا وصفه؟ همه الآخرة، يتحرك في الدنيا، يسعى فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ لكن وَإِلَيْهِ النُّشُورُ قلنا قبل ذلك أن ربنا سبحانه وتعالى قال فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وقال فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ هنا مشي، وهنا سعي، لا يصلح للشخص أن يكون نائماً، فهذا لا يوجد في أي شيء،، لكن الحركة ما مستواها، في الدنيا – فامشوا – تحرك، تحرك، لكن حركة وئيدة، أما في الأخرى فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ وقلنا أن السعي البدني منهيٌ عنه، النبي صلى الله عليه وسلم نهانا أن نسعى للصلاة، فلماذا قال ربنا قال – فاسعوا – والسعي البدني منهي عنه، السعي القلبي، السعي بالروح، سعي بالوجدان وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى وَسَعَى ليس مشى وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا ليس أي سعي أيضاً،، وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا السعي الذي يناسبها، فأنا إذا أتيت بمبلغ زهيد من المال وأحببت أن أشتري به سيارة فارهة أو شقة أو فيلا في مكان راقٍ فهذا الكلام لن يكون له معنى، بالرغم من أنني أتيت بمال، ولكن كم؟ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا السعي الذي يتناسب مع هذه، ” ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة ” إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ ” ومن كان همه الآخرة جمع الله له شمله ” وقلنا أن ربنا ييسرها له وهو غير متنازع وغير مضطرب نفسياً وليس قلقاً ولا يوجد عنده مائة شيء يفكر فيها، فربنا سبحانه وتعالى يسّر له أمره فقلبه غير مشتت، ” وجعل غناه في قلبه ” مطمئن وليس قلقاً ” وله قصر من الدنيا ” ” لن تموت نفسٌ حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها ” حينما يأمر الله الملك بنفخ الروح في الجنين يؤمر بكتب أجله ورزقه وعمله وشقي أو سعيد، فالرقم الذي يكتب هذا لا يمكن أن ينقص، لا يمكن أن ينقص، لا يمكن أن ينقص، ” وأتته الدنيا وهي راغمة ” وهي راغمة هذه لأنه مولّيها ظهره، فنحن قلنا أنه يمشي مثلما أمر الله، النبي صلى الله عليه وسلم يتكلم عن ماذا؟ ما الذي ينطوي عليه القلب من الهموم، ما الذي يشغل الإنسان، فكره أين يذهب، همومه أين تنصب، ليس ما تتحرك إليه قدماه، ولكن همومه…
وفي المقابل ” ومن كانت نيّته الدنيا ” ليس شيء آخر مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ” ومن كانت نيّته الدنيا فرّق الله عليه ضيعته ” الضياع هي البساتين والمزارع، فما معنى تفريق الضيعة، تكون أمواله واتجاهاته مبعثرة وهو مشغول معهم يمين وشمال، مضطرب، ” وجعل فقره بين عينيه ” مهما جاءه من المال، يكون غير مطمئن، قلقان، هو قلقان، هو يرى أمامه الفقر، رغم أن المال الذي معه ربما يكفي أحفاده، لا تكفيه هو فقط، تكفي أحفاده، ولكنه يشعر من الداخل، يشعر من الداخل أنه قلقان ” وجعل فقره بين عينيه ” وفي النهاية ” ولم يأته من الدنيا إلا ما قد كتب له ” هو نفس الرقم أيضاً، نفس الرقم.
إذاً حقيقة الغنى أن الغني سبحانه وتعالى يرزقنا، يا رب، يا رب،،، أن الغني سبحانه وتعالى يرزقنا أن نستغني به نكون مطمئنين له، عندنا ثقة فيه، وأن خزائن ربنا لا تنفد هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَللهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قال صلى الله عليه وسلم ” قال الله تبارك وتعالى أنفق أنفق عليك ” وقال صلى الله عليه وسلم ” يد الله ملأى لا تغيضها نفقة سحّاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض فإنه لم يغض ما في يمينه ” كل هذه العطاءات منذ أن خلق الله هذا الكون لا تنقص من خزائن ربنا شيء، فالفقير إذا كان مرتكن إلى الغني يطمئن، فهل يوجد شيء آخر يطمئن؟ لا يوجد شيء آخر يطمئن، لا يوجد شيء آخر يطمئن، ففي النهاية الهدف الذي ننشده هو الشعور بالطمأنينة والسكون النفسي، كل هذه الأشياء المادية هذه وسائل، كل هذه الأشياء المادية وسائل لتحقيق هذه الغايات إذا لم تحققها فليست لها قيمة، ليست لها قيمة، نحن نعتقد أن الماديات هي التي تعطي الطمأنينة، لا، لا تعطي، لا تعطي، الذي يعطي الطمأنينة شيء واحد فقط، أنك يكون لديك ثقة أنك مرتبط بالقوة العظيمة صاحبة الخزائن التي لا تنفد، وأنها قريبة منك دائماً، وأنها تجيب دعاءك إذا دعوت، وتستجيب لرجاءك إذا رجوت، وأن هذا الباب مفتوح طوال الوقت، أي شيء أنت تحتاجه ربنا سبحانه وتعالى يلبيها، مهما كانت إمكانيات الأموال والمناصب تأتي لحظات تقف عاجزة لا تستطيع أن تفعل شيء، مهما كانت لا تستطيع أن تفعل شيء، فحقيقة الغنى وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى حقيقة الغنى أن الإنسان يستغني بالله.
يقول أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن ناساً من الأنصار أتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه فأعطاهم ثم سألوه فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم حتى نفد ما عنده، قال ” إن يكن عندي خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفّه الله، ومن يستغني يغنه الله، ومن يتصبّر يصبّره الله، وما أعطي أحداً عطاءً خيراً وأوسع له من الصبر ” فهذه الكلمات بماذا توزن؟ هذه الكلمات بماذا توزن؟ ” ومن يستعفف يعفّه الله ” إِنَّ اللهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ لَا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ ” ومن يستغني يغنه الله، ومن يتصبّر يصبّره الله، وما أعطي أحداً عطاءً خيراً وأوسع له من الصبر ” ليس شيء آخر، ” وما أعطي ” فهل هذا رزق؟ هذا الصبر رزق أم ليس رزقا؟ ” وما أعطي أحداً عطاءً خيراً وأوسع له من الصبر “
اللهم اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين
اللهم اقسم لنا من خشيتك ماتحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، متعنا اللهم بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا، أبداً ما أحييتنا، واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا، ولا تجعل اللهم إلى النار مصيرنا، واجعل اللهم الجنة هي دارنا
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك
اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك وطاعة رسولك صلى الله عليه وسلم، اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك وطاعة نبيك صلى الله عليه وسلم
اللهم اشف مرضانا، اللهم اشف مرضانا، اللهم ارحم موتانا، اللهم ارحم موتانا، واهلك اللهم أعداءنا، ولا تخيّب اللهم رجاءنا
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم