إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.
إنه من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
ثم أما بعد:
كنا في حديثٍ عن السياسة الراشدة الرشيدة التي سلكها واتبعها عمر رضي الله عنه في مواجهة الضغط والشدة والكرب والمجاعة وذكرنا أن هذه السياسة قامت على مجموعة من الأعمال ومجموعة من الأركان، فذكرنا أن أول خطوة قام بها عمر رضي الله عنه أن دعا الناس جميعاً إلى التوبة العامة – هذا أول أمر – نقطة البداية الركيزة الأولى دعوة المجتمع ككل إلى التوبة العامة والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى وقلنا أن هذا تمثّل في ماذا؟ تمثّل في أن سيدنا عمر قام على المنبر ووجه الخطاب إلى المجتمع ككل وكان المحور الأساس في الخطاب الأمر بالتقوى، قال ” يا أيها الناس اتقوا الله في أنفسكم وفيما غاب عن الناس من أمركم ” فأول شيء الأمر بتقوى الله سبحانه وتعالى في النفس أي كل إنسان في خاصة نفسه وعلاقته مع الله تبارك وتعالى وركّز على جانب الخصوصيات والعلاقات الخاصة التي تخضع لستر الله تبارك وتعالى ” وفيما غاب عن الناس من أمركم ” دخيلة الإنسان، سريرة العبد، ما تكنّه نفسه في علاقته مع الله تبارك وتعالى، فهذا هو الأمر الأول دعوة المجتمع كل المجتمع أن يراجع نفسه في علاقته مع الله سبحانه وتعالى
ثم أخبر أن علاقته بهم هي علاقة لا تنفصل، قال ” فإني قد ابتليت بكم وقد ابتليتم بي ” في النهاية العلاقة متداخلة وتأثير سلوك عمر رضي الله عنه وتأثير سلوك المجتمع عليه علاقة لا يمكن فصمها سلوك هذا وسلوك هذا كل شخص سيعود أثره على من يقابله، ثم قال ” وإني لا أدري أسخطة عليّ دونكم أم عليكم دوني أم قد عمّتني وعمّتكم “
إذاً هو اعتبر هذا صورة من صور السخط – عياذاً بالله – المتنزل على المجتمع، إما عليه وعليهم بالتبع، أو عليهم وعليه بالتبع، أو عليهم جميعاً، فماذا سنفعل؟ لابد أن يوجد علاج، فتشخيص أي مشكلة لابد أن يترتب عليها علاج، وضع برنامج للخروج من أي أزمة، قال ” فهلم أن ندعو الله تعالى أن يصلح قلوبنا – هذا أول أمر،، وبالتالي – وأن يرحمنا – وبالتالي – وأن يرفع عنّا المحل ” وهو الشدة والكرب والبلاء، فهذا هو الأمر الأول.
أول شيء دعوة المجتمع كل المجتمع للتوبة العامة، هذا أول شيء، الشيء الثاني: أنه هو نفسه أول من يمتثل لهذا التوجيه، فلا معنى للتوجيه إذا كنت أنا أوجه هذا التوجيه للآخرين وأنا بعيد عنه أو أبعد الناس عنه.
هذه الممارسة فيم تمثّلت؟
سيدنا عمر في علاقته مع الله سبحانه وتعالى في مدى تعبده في مدى تضرّعه بالمقام العالي الرفيع الذي لا نحتاج أن نتكلم عنه، لكنه أحدث – أي أضاف – كما يقول عبد الله بن عمر رضي الله عنه فهو الذي يحكي، يقول أن عمر رضي الله عنه في هذه الأوقات أحدث شيئاً لم يكن يفعله – يفعل شيء لم يكن يفعله قبل ذلك – ما هو الأمر؟ بعدما يخرج من صلاة العشاء يظل يصلي ويدعو أن ربنا سبحانه وتعالى يكشف هذا البلاء إلى وقت السحر، أي ثلثي الليل أو أكثر، ثم في آخر الليل يخرج – أي هو لا ينام تقريباً تماما – يخرج ليطوف على أنقاب المدينة، أطراف المدينة لكي يتفقد أحوال الناس التي أقبلت إلى المدينة عندما أصابتها المحنة لجأت وفزعت إلى المدينة، – قدر كبير جداً من التضرع والعبادة والصلاة والابتهال لكنه لا يعكّر على القيام بواجبه الشخصي تجاه تفقد أحوال الناس – هذا الأمر الثاني؛؛ جزء يتعلق بجانب الضراعة والدعاء والعبادة.
الأمر الثالث: أنه سيشدد على نفسه ويواسي الناس بنفسه إلى أن يأذن ربنا سبحانه وتعالى أن يخرجهم جميعاً من المحنة، فقلنا أن طاووس بن كيسان رحمه الله قال أن عمر عندما أجدبت المدينة جعل على نفسه وألزم نفسه ألا يذوق سمناً ولا سميناً حتى يخصب الناس،، هو سيأخذ نفسه بالشدة التي لا يلزم بها الآخرين إلى أن يأذن ربنا سبحانه وتعالى بكشف ذلك، هذا هو المسلك الثالث؛
الرابع – الذي وقفنا عنده الجمعة الماضية – أن سيدنا عمر بدأ يقوم بواجبه في التفقد والرعاية، وقلنا أن هذا تمثّل في أنه يشكّل مجموعة من اللجان المسئولة عن متابعة أحوال الناس القادمين من البادية القادمين إلى المدينة ويحاول أن يوفّر لهم من القوت ما يحتاجون إليه، وأنه حينما زاد العدد وتفاقم أصبح يقوم بنفسه بأن ينظّم عشاء يومي للناس الذين يأتون إلى المكان الذي أعدّه لاستقبالهم، ومن لا يستطيعون أن يأتوا يوصل إليهم الأكل، وقلنا أنه بدأ يتبنى نظام الاحصائيات لكي يرى أعداد الناس الوافدين، ويالتالي ما الإمكانيات التي يحتاجها لكي يتعامل مع هذا، فقلنا أنه وضع إحصاء فوجد أن عدد الناس الذين يعشّيهم كل يوم 7 آلاف، والناس الوافدين الذين لا يأتون 40 ألف، وأنه لاحظ أن العدد يزداد، فبعد أسبوعين وضع إحصائية أخرى، فوجد السبعة أصبحوا عشرة، والأربعين ألف أصبحوا ستين ألف.
وقلنا أن سيدنا عمر وضع خطة إضافية إذا الأمور زادت عن هذا، قلنا سيجعل أهل المدينة يقوموا بكفالة تامة لعدادهم من أهل البادية، نحن قلنا أنه قال ” لو لم أجد للناس من المال ما يسعهم إلا أن أدخل على أهل كل بيتٍ عدتهم ” مثلهم، هذه الأسرة ستة، ستة سيكفلوا ستة، ” فيقاسمونهم على أنصاف بطونهم حتى يأذن الله بحين ” إلى أن يأذن ربنا سبحانه وتعالى بالخصب والمطر ” فعلت ” إذا لم أجد حل آخر غير هذا سأفعله وبعد ذلك ماذا قال؟ قال ” فإن الناس لن يهلكوا على أنصاف بطونهم ” إذا أخفض الشخص مستوى استهلاكه للنصف،، وطبعاً استهلاكه هذا في الأساس،، ليس برنامجنا نحن في الاستهلاك، هذا قصة مختلفة تماماً.
فهو يتكلم عن معدلات الاستهلاك الغذائية – الأكل – وإلا لو تكلمنا عن مفهوم الاستهلاك العام المجتمعي عندنا أو في أي مجتمع، هو أعلى بكثير من احتياجات الناس،، فنحن نتكلم عن الأكل والشرب، ” فإن الناس لن يهلكوا على أنصاف بطونهم ” وقلنا أن هذا قانون، فسيدنا عمر إلام يستند؟ إلام يستند؟ يستند إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ” طعام الواحد يكفي الاثنين، طعام الاثنين يكفي الأربعة، طعام الاربعة يكفي الثمانية ” فهذا هو الوضع الطبيعي الأصلي، هو يستند إليه رضي الله عنه لكي يضع مثلما قلنا حلول بديلة يستطيع أن يستعملها، يلجأ إليه إذا احتاج إليها، ونحن قلنا أن هذه السنة المتّبعة أصلها تعليم النبوة، هذا الكلام قلناه آخر الخطبة الماضية.
أنه يوجد ما يسمى سنّة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويوجد سنة تابعة مستقاة منها تسمى سنّة الخلفاء الراشدين المهديين، هذه مبنية على هذه، هذه استنباط من هذه، هذه تكملة لتلك، فسنجد أن عبدالرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه وعن أبيه يحكي يقول أن أهل الصفة كانوا أناس فقراء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً ” من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث وإن أربع فخامسٌ أو سادس ” يقول عبد الرحمن فانطلق أبوبكر بثلاثة وذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشرة.
من أهل الصفة؟ هؤلاء أناس فقراء هاجروا إلى المدينة لم يكن في المدينة وظائف تستوعبهم وليس لديهم مال أو مدخرات أتوا بها، وبالتالي ليس لديهم طعام أو مأوى، فأين يعيشوا؟ النبي صلى الله عليه وسلم جعل لهم مكان في المسجد، وعندما يأذن الله بأي شيء – وعموماً المدينة كانت في حالة فقر وفاقة إلى آخر زمان النبوة – فأي شخص ربنا يمنّ عليه يأتي بطعام لهم، فشخص يأتي بقليل من التمر يعلقهم في المسجد، شخص عنده شاة أخذ لبنها وأرسله إلى المسجد.
ولذلك سيدنا أبوهريرة يحكي مرة أنه من شدة الجوع التي كانوا عليها أنه كان يخرّ ما بين منبره صلى الله عليه وسلم وحجرة عائشة من شدة الجوع – مغمى عليه – يقول ” فيجيئ الجائي فيضع رجله على صدري ويرى أني مصروع وما بي من صرع، ما بي إلا الجوع، هو وقع بسبب الجن، فيضع قدمه ليقرأ عليه قرآن ليخرج الجن،، فهو لا يستطيع أن يتكلم ليقول له أنه جائع، فهو لا يستطيع أن يقول أنه جائع، ويوجد الكثير مثل هذه القصة.
فهذه أزمة مزمنة، هذه ليست أزمة عارضة، الجدب الذي نتكلم عنه في زمان سيدنا عمر هو يمثّل الأزمة حينما تكون عارضة، لكنّ هذه مشكلة مزمنة، هؤلاء الناس موجودين دائماً كل يوم، هم جالسين هنا.
فكيف يتعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع هذا؟ إذا أتى شخص بشيء….، فمرة قال هكذا – هو يريد أن يطعم هؤلاء الناس – ، فقال من يوجد عنده طعام اثنين يأخذ معه شخص، ومن عنده طعام أربعة يأخذ معه خامس أو سادس، فسيدنا أبوبكر أخذ معه ثلاث أشخاص وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ معه عشرة، فسيدنا أبوبكر أتى بهم إلى البيت وأوصى عبدالرحمن رضي الله عنه أن يعشّيهم، فقال ” افرغ – افرغ – من قراهم قبل أن أجيئ ” عشّيهم قبل أن آتي، هو سيذهب مع النبي صلى الله عليه وسلم يتكلم ويتعشّى عنده، فيقول له انتهي من هذه المهمة وأكرم هؤلاء الأضياف قبل أن آتي، وذهب.
فسيدنا عبد الرحمن أتى بالطعام الذي في المنزل ووضعه – تفضلوا يا جماعة – قالوا ” أين رب منزلنا ” أين من عزمنا، فقال لهم خرج ذهب لسيدنا محمد، فقالوا: لا لن نأكل إلى أن يأتي، ألم يعزمنا،، نحن سننتظر إلى أن يأتي ونأكل سويّاً، فقال لهم يا جماعة كلوا، قالوا: لا لن نأكل، فقال: اقبلوا عنّا قراكم،، يا جماعة كلوا الله يكرمكم، لأنه إذا قدم وأنا لم أعشّيكم ستكون ليلة ليس لها معالم، فلو سمحتم ” اقبلوا عنّا قراكم فإنه لو جاء قبل أن تطعموا لنلقينّ منه ” هو سيعاقبني أنا، لا
فسيدنا أبوبكر تأخّر ثم قدم، فأول ما قدم سأل عن الضيوف أأكل الناس؟ فقالوا له: لا، فسيدنا عبد الرحمن ماذا صنع؟ أول ما سمع صوته اختفى، هذا رجل كبير،، عبد الرحمن بن أبي بكر هذا فوق الثلاثين عاماً، لكنه يعلم ما يحدث فاختفى.
فهو أول ما قدم سأل، فقالوا له لم يأكلوا، فقال: أين عبد الرحمن؟ فلم يجده، فنادى عليه قال: يا عبد الرحمن، يقول: فسكت، أنا سامع، لكن إذا خرجت أعلم ما سيحدث، ثم نادى قال: يا عبد الرحمن، يقول: فسكت، ثم قال: يا غنثر ” يا بارد يا غتت ” إن كنت تسمع صوتي أقسمت عليك لما خرجت،، فانتهى الأمر وخرج، فقال: سل أضيافك، سلهم، قالوا: صدق، قال: فإنما انتظرتموني، فوالله لا أطعمه، أي أنتم كنتم منتظرين إلى أن آتي، فوالله لن آكل، فقالوا: والله نحن لا نأكل حتى تأكل.
فقال: لم أر في الشر كالليلة – في ايه؟ – مالكم لا تقبلون عنا قراكم – كلوا يا جماعة – ثم قال ” بسم الله ” وبدأ يأكل، فهو سيخرج كفّارة يمين وأمره إلى الله، فعبد الرحمن ماذا يقول؟ يقول أنهم وضعوا الأكل ويقول ” وأيم الله ما كنّا نأخذ من لقمة إلا ربا من أسفلها ما هو أكثر منها ” أي أنهم كلما أخرجوا لقمة من الصنية يخرج من تحتها مرة أخرى، ” حتى شبع القوم وهي أكثر مما كانت ” الطبق الذي قدّمه أو الأكل الذي وضعه، الطعام زاد إلى أن أنهوا الأكل، فقال: يا أخت بني فراس – يكلم زوجته – ما هذا ” لم يفهم، قالت: لا وقرّة عيني لقد صارت أكثر مما كانت بثلاث مرات ” فسيدنا أبوبكر أخذها كما هي وقال أرسلوها إلى بيت النبوة، فباتت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم في اليوم التالي، يوجد أناس بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد والعهد انقضت مدّته وهم قادمون ليجددوا التعاقد، فالنبي صلى الله عليه وسلم سيستضيفهم، ففرّقهم على 12 شخص، كل شخص أخذ معه بعضهم، وأتوا بهذه الصنية وبدأوا في إطعامهم، فهذه الصنية أكفتهم هؤلاء الناس جميعاً، فهذا جزء آخر غير أصل الموضوع الذي نتكلم عنه أنه يوجد ما يسمى أن ربنا سبحانه وتعالى يضع البركة في الشيء، يوجد ما يسمى الوزن أو القيمة المادية للشيء، ويوجد ما يسمى البركة، البركة كتعريف غير موجودة إلا في إطار الناس الذي لديهم معرفة بالله أو صلة بربنا سبحانه وتعالى، هذا جانب مرتبط بالإيمان بحتاً وصرفاً، فأنت إذا تكلمت في الاقتصاد بالمفهوم المادي الصرف ستتكلم على وفق معايير معينة، وإذا تكلمت من منطلق المفهوم الإيماني، الأول هذا لا يُلغى فهو ما تبني عليه، لكن في النهاية يوجد جانب آخر اسمه البركة من الله تبارك وتعالى لمن كان مستحقّاً لذلك، لذلك قلنا قبل ذلك كثيراً قول ربنا سبحانه وتعالى في سورة الأعراف وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ وقال في سورة الأنعام فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ قلنا أن في الأولى ربنا ذكر البركة وهنا ربنا ذكر أبواب،، أبواب هذه أشياء مادية كانت عياذاً بالله سبباً في مزيد من الفتنة، وهنا عندما ذكر الإيمان والتقوى ذكر البركة، وهذه موجودة هنا فقط، ليست موجودة هناك، إذاً الإيمان والصلة بربنا سبحانه وتعالى لها أثر فوق الجانب المادي، لكن هذا الكلام من الذي يؤمن به؟ من الذي يستيقن منه الشخص الذي هو بالأساس عنده يقين بالله وثقة فيه سبحانه وتعالى، فإن لم يكن لديه، سيكون هذا الكلام بالنسبة إليه ليس له معنى، هذا الكلام نوع من أنواع الدجل والأساطير، بمنطقه هو هكذا، ولذلك الإيمان من المفترض أن له أثر عملي وواقعي.
هذا النموذج الذي قلناه هذا يتكلم عن ماذا؟ يتكلم عن أن النبي صلى الله عليه وسلم يعالج أزمة اقتصادية مزمنة في مجتمع المدينة.
ويوجد ما يسمى الأزمات العارضة؛ جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه يقول ” كنّا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار فأتاه قومٌ حفاةٌ عراة مجتابي النمار عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر ” أتى إليه أناس حفاة وعراة يلبسون ملابس بالية، فجرير رضي الله عنه يقول ” فتمعّر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة ” بدى عليه أمارات الحزن والتأثّر فدخل، هو لا يستطيع أن ينظر إليهم بما هم عليه من حال فقام ودخل البيت وعندما جاء وقت الأذان خرج وأمر بلال رضي الله عنه أن يؤذّن، ثم أمره بأن يقيم، فصلى بهم ثم خطب الناس فقال: ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ تصدّق رجلٌ من ديناره، تصدّق رجلٌ من درهمه، تصدّق رجلٌ من ثوبه، تصدّق رجلٌ من صاع بُره، تصدّق رجلٌ صاع تمره، حتى قال ولو بشق تمرة ” يطلب من الناس أن يتصدّقوا على هؤلاء الناس الفقراء، فحصل شيء من التبطّؤ ومن التلكّؤ في تلبية الأمر، ثم أتى رجل من الأنصار بكومة من طعام، واضع طعام في يديه – أكل في صرة – ” كادت يداه أن تعجز عنها أو قد عجزت ” سيدنا جرير يصف هذا يقول أنه أتى بصرة فيها طعام يداه لا تستطيع أن تحمله، فوضعها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، يقول فعندما رأى الناس هذا أسرعوا إلى بيوتهم فكل شخص لديه شيء يستطيع أن يأتي بها أتى بها، ” حتى أصبح عند رسول الله صلى الله عليه وسلم – بين يديه – كومتان من طعام وثياب فتهلل وجه رسول الله ” فهو تمعّر أولاً ثم بعد أن استجابوا تهلل وجهه كأنه مذهبة، ثم قال ” من سنّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من أجورهم شيء، ومن سنّ في الإسلام سنّةً سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً ” ما علاقة هذه الجملة بهذا الحدث؟ الرجل الذي أسرع وأتى بالطعام من بيته فرآه الناس فاقتدوا به له مثل ثواب كل شخص أتى بشيء، فالنبي صلى الله عليه وسلم هنا علام يتكلم؟ يتكلم عن القدوة، إذاً يوجد أزمة مزمنة ويوجد أزمة عارضة يحاول أن يعالج هذه ويحاول أن يعالج هذه.
المشهد الثالث: السيدة عائشة تقول ” دفّ أهل أبيات من أهل البادية حضرت الأضحى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ” فالنبي صلى الله عليه وسلم قال ” ادّخروا ثلاثاً ثم تصدّقوا بما بقي ” السيدة عائشة تقول أنه يوم عيد الأضحى قدم أناس من أهل البادية إلى المدينة، فالنبي صلى الله عليه وسلم ماذا قال؟ قال لهم: ادخروا ثلاثاً، أي من عنده أضحية سيحتفظ بلحم يكفيه وأسرته ثلاثة أيام فقط ويتصدق بما زاد على ذلك، تقول السيدة عائشة وهذا خطير جداً، خطير جداً،، ماذا تقول؟ تقول ” فلما كان بعد ذلك ” مرّ سنة أو سنتان قال ” يا رسول الله إن الناس يتخذون الأسقية من ضحاياهم ويحملون منها الودك ” الناس تنتفع بهذه الأشياء فتصنع منها الأسقية وتصنع منها السمن، قال ” وما ذاك؟ ” لا أفهم ما الموضوع؟ قالوا ” نهيت أن تدّخر لحوم الأضاحي فوق ثلاث، قال: كنت نهيتكم من أجل الدافة التي دفّت فكلوا وادّخروا وتصدّقوا ” فما الذي حدث؟ الآن هؤلاء الناس أتوا إلى المدينة يوم العيد فالنبي صلى الله عليه وسلم ماذا قال لهم، قال ما زاد عن حاجة ثلاث أيام تصدّقوا به، فهم ماذا ظنّوا؟ ظنّوا أن هذا تشريع، أن هذا قانون، فكانوا يفعلوا هذا كل سنة، وبعد ذلك قالوا أن هذا الموضوع يضيّق علينا قليلاً، فهو لا يفهم عم يتحدثون؟ فقالوا له ألم تقل لنا كذا، فقال لهم: لا، أنا قلت كذا في اليوم الفلاني لأن الناس أتوا وكانوا محتاجين أن يمونهم ويقوتهم أحد ويتصدق عليهم.
فنحن لدينا هنا يوجد فرق ما بين، أن الأصل في كلام النبوة أنه تشريع، ولكن يوجد منه ما هو تشريع ومنه ما هو إدارة، يوجد منه ما هو تشريع، ويوجد ما هو سياسة، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال هذا الكلام لماذا؟ قاله بناءً على موقف عارض، فهو يقول لهم كيف سيدير هذا الموقف وكيف سيغيث هؤلاء الناس، هم بالنسبة لهم كلمات صاحب الوحي – وهذا هو الأصل فيها – أنها تشريع، فهو قال بعد ثلاث أيام لا يوجد ادّخار، فأصبحت هذه سنّة متّبعة، فلما سألوا: قال لهم لا لم يكن هذا قصدي، لم يكن قصدي التشريع، أنا قصدت معالجة الموقف، إدارة الأزمة العارضة.
فالنبي صلى الله عليه وسلم حينما ترد أزمة أو مشكلة يبحث عن حلول لها ويوجّه الناس إلى أن يعالجوها، وبالتالي قال لهم أن القانون العام، قال ” فكلوا وادّخروا وتصدّقوا ” كلوا وادّخروا وتصدّقوا.
النقطة قبل الأخيرة؛ أن سيدنا عمر كان كل جمعة على المنبر وهو يدعو؛ يدعو الله سبحانه وتعالى بالسقيا، كل أسبوع، نحن قلنا أن هذه الأزمة استمرّت سنة وأكثر، كل أسبوع على المنبر يدعو ربنا سبحانه وتعالى أن يغيثهم ويسقيهم، مثلما كان يدعو النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر.
بقي شيء، كيف انتهت الأزمة، أو متى منّ عليهم ربنا سبحانه وتعالى بذلك
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
الحمد لله رب العالمين
فنحن الآن قلنا أول شيء: الدعوة إلى التوبة العامة، الأمر الثاني: التضرع إلى الله سبحانه وتعالى والاجتهاد في الدعاء والعبادة، الأمر الثاث: أخذ النفس بالشدة حتى يأذن الله سبحانه وتعالى بخير، النقطة الرابعة: إدارة الأمور بشكل عملي وواقعي، النقطة الخامسة: وضع خطط بديلة إذا احتجنا إليها لو الأمور ازدادت صعوبة، النقطة السادسة: أن سيدنا عمر كان يستسقي على المنبر،، وبعد ذلك.
بعدما مرّ وقت طويل جاء بلال بن الحارث المزني إلى عمر رضي الله عنه وقال له أنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم البارحة في المنام فطلب مني أن أوصل لك رسالة، – ما الرسالة؟ – الرسالة عبارة عن جملة، يقول: يقول لك رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عهدتك كيّساً – عنده قدر من الزكاء والفطنة والدراية عالي – ومازلت على ما أنت عليه – لم يحدث شيء عقله كما هو – فما شأنك.
فقال له متى رأيت هذا الكلام، فقال له البارحة،، فماذا فعل سيدنا عمر؟
جمع الناس، وسألهم سؤال، قال: ” هل تعلمون في عملي أمراً غيره هو خير منه ” أي هل يوجد شيء فيما أفعله أو الأسباب التي أخذت بها أو السياسات التي أتخذها شيء من الممكن أن يكون غيرها أفضل منها؟ يوجد شيء ينقصني أو يفوتني،، قالوا: اللهم لا، – لا نستطيع أن نقول هذا – قال: ” فإن بلال بن الحارث قال زيت وزيت ” أي أخبرهم بأنه قال كذا وكذا، – أخبرهم بالرؤية – قالوا له: صدق بلال، فاستغث بالله ثم بالمسلمين.
يقول عبد الرحمن بن كعب بن مالك الذي يروي هذه الرواية يقول ” وكان عمر كالمحسور عن أهل الأمصار ” فالآن ربنا سبحانه وتعالى أذن أن يكشف البلاء، فحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رسالة إلى عمر تقتضي التنبيه يقول له لماذا أنت هكذا، فعمر لا يستطيع أن يفهمها، فجمع الناس وقال يا جماعة هل لدى أحد ترجمة، ما معنى هذا؟ فقالوا له: نعم، استغث بالله ثم بالمسلمين، ” استغث بالله ” هذه أي صلاة الاستسقاء، وسيدنا عمر صلّاها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنه لم يخطر على باله أن يخرج يستسقي، فهو يستسقي على المنبر كل جمعة، ولكن لم يأتي في ذهنه،، فهذه صلاة مخصوصة موجودة في الدين لكي يستغيث الناس بالله، خرجوا إلى الصحراء،، فهذه الصلاة لها صفة معيّنة وهيئة معينة، وأسلوب في الضراعة معيّن وأسلوب في الدعاء معيّن، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء – وقلنا ذلك قبل – في الاستسقاء حتى هيئته في الدعاء غير بقية الهيئات وأحدث مجموعة أشياء ولكن ليس هذا وقت تفصيلها.
فهذه صلاة سيدنا عمر يعرفها وعاشها، ولكنها لم تأتي على باله، طوال هذا الوقت لم تأتي على ذهنه.
الأمر الثاني: أن هذا البلاء شمل المدينة ومال حولها، أما بقية الأمصار؛ العراق أو الشام أو مصر، بخير لم يحدث لهم شيئاً، ولذلك هو لم يهتم بهم لأنه مهتم بهذه المنطقة، فهذه المناطق الأخرى هذه في إطار مسئوليته إذا وجد فيها مشاكل سيلتفت إليها، لكنه لم ينتبه لأن ما لديهم من خير من الممكن أن يعود أو يعمّ أو يستغيث بهم ويطلب منهم، فسيدنا عمر عزم على هذا، وقال جملة غاية في الخطورة، قبل أن يأخذ أي إجراء قال جملة غاية في الخطورة بعدما قالوا له هذا الكلام، قال ” قد بلغ البلاء مدته فانكشف، ما أذن لقومٍ في طلب إلا رفع عنهم الأذى والبلاء ” هو يقول أن هذه الرسائل وهذه الرؤية علامة أو دلالة أن ربنا سبحانه وتعالى أذن لنا بأن يكشف عنّا البلاء بأي دلالة؟ قال ” ما أذن لقومٍ في طلب ” عندما يوجههم ربنا لأن يلجأوا ويستغيثوا ويسألوا فهذه علامة أو إشارة أن ربنا أذن أن يرفع عنهم ما بهم.
ولذلك كان من كلمات عمر الأثيرة رضي الله عنه قال ” إني لا أحمل همّ الإجابة، ولكني أحمل همّ الدعاء فإذا ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه ” ليس الموضوع أن يستجيب ربنا وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ مقدمة لها نتيجة مباشرة، أين الفكرة؟ أن ييسّر للإنسان، يشرح صدر الإنسان يهيّئ للإنسان، يوجهه بأن يرفع يديه ويطلب بضراعة وبإخلاص ” ما أذن لقومٍ في طلب إلا رفع عنهم الأذى والبلاء ” فماذا فعل؟ دعا الناس للاستسقاء، يخرجوا إلى الصحراء ويلجأوا إلى الله وقدّم العباس رضي الله عنه لكي يدعو، فالعباس رضي الله عنه رفع يديه إلى الله تبارك وتعالى قائلاً ” اللهم ما نزل بلاءٌ إلا بذنب ولا ينكشف إلا بتوبة، – اللهم ما نزل بلاءٌ إلا بذنب ولا ينكشف إلا بتوبة، – وقد توجّه القوم بي إليك لمكاني من نبيك صلى الله عليه وسلم – هو عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجل كبير في السن،، لسنه وقرابته – ووقد توجّه القوم بي إليك لمكاني من نبيك صلى الله عليه وسلم فهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا ” فلم يلبثوا إلا قليلاً حتى منّ الله عليهم بغيث.
والأمر الثالث: أرسل إلى سيدنا عمر وهو على مصر فكتب ” بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين إلى العاصي بن العاصي – عندما يكون غاضباً منه لا يقول له عمرو – سلامٌ عليك – هو ليس متضايق – أما بعد أفتراني هالكاً ومن قبلي ” الناس الذين معي وناحيتي ” وتعيش أنت ومن قبلك ” أي أنا، أنا غاب عني هذا، أنا لم أدرك هذا، أنا حصرت عن التفكير في هذه الجهة، ولكنك تراني، نحن هكذا منذ سنة، فأنت لا ترى الحياة التي نحياها، فأنا لم أرى أنا لم انتبه، لم يأتي على ذهني، فأنت ماذا تفعل ” أفتراني هالكاً ومن قبلي وتعيش أنت ومن قبلك، فيا غواثاً فيا غوثاً فيا غوثاً ” فسيدنا عمرو بعث ” بسم الله الرحمن الرحيم إلى عمر أمير المؤمنين سلامٌ عليك أما بعد فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أتاك الغوث لأرسلنّ إليك بعير أولها عندك وآخرها عندي ” .
إذاً سيدنا عمر بذل كل ما في وسعه لكن هناك أشياء كانت تغيب عنه، فالإنسان مهما بلغ من الفكر من الممكن أن تفوته أشياء، فهذا طبيعي، فربنا قال وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ فلا يوجد شيء يغيب عن كل الناس، فما الذي جعل سيدنا عمر يغيب عن هذا،، فإذا غاب عن الاستغاثة بأهل الأمصار مفهومة، لكن صلاة الاستسقاء!!!
الشخص صاحب المسئولية، الشخص صاحب المسئولية الذي يستشعر الأمانة دائماً يكون مهتمّ بالواجب الشخصي له، فيكون مستغرق كل تفكيره فيما يجب عليه هو أن يفعل، فأحياناً استغراق الإنسان في الواجب عليه والأمانة والمسئولية إزاء ربنا تبارك وتعالى ربما تجعله يغيب عنه جزء من الاستمداد، أو الطلب أو اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى، لأنه مهتمّ على واجب الجانب السببي الواجب عليه وهذه طبيعة أي إنسان يستشعر الأمانة والمسئولية.
نحن كنا قلنا هذا الكلام من حوالي ثلاث سنوات وشهرين – تقريباً – وحينما انتهينا إلى هذه الجزئية ” وتعيش أنت ومن قبلك ” تكلمنا أو أشرنا إلى فقدان هذا المبدأ في الأمة المسلمة وقلنا أن هناك من الناس ناساً وسّع الله سبحانه وتعالى عليهم بعطاياه وخيره ونعمته التي هي حقٌّ للمسلمين كل المسلمين، وأن التجزئة الاقليمية هذه في النهاية ليست مفهوماً إسلامياً وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وقلنا أن الناس واجبٌ عليهم أن يعينوا إخوانهم المؤمنين مثلما وجّه سيدنا عمر سيدنا عمرو، وأنهم بدلاً من هذا ربما يكونوا يفعلوا عكس هذا، مضى على هذا الكلام ثلاث سنوات ليس أكثر وصار الجميع يذوقوا من كأس واحدة، ولم يمرّ كثير من الوقت، بغضّ النظر عن أثر ” التفقير ” عموماً الآن بعد وقت وجيز جداً أصبح الجميع بنسب متباينة وليس الفرق كبير كلهم كلهم تعمّهم الأزمة وتعمّهم المحنة، أو إرهاصاتها المقبلة.
فأي شخص لن يقوم بالواجب الذي عليه بمقتضى الإيمان، بمقتضى التكافل، بمقتضى الرحمة لابد أن يأتي عليه يوماً ما يذوقوا منه ما ذاقه الآخرون.
ولذلك نحن قلنا أن الأوضاع ستدفع المسلمين كل المسلمين أنهم ليس لهم سبيل إلا أن يلجأوا إلى الله وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ هذه الذي نقول عليها ” عشان تعرف أن الله حق ” هكذا هي بالضبط،،، لكي ندرك ولابد أن ندرك أننا ليس لنا ملجأ إلا الله ولا دواء إلا عند ربنا سبحانه وتعالى فَفِرُّوا إِلَى اللهِ لا يوجد مكان نهرب إليه إلا ربنا سبحانه وتعالى، حينما تنقطع كل وساوس الشيطان وكل الماديات التي يركن إليها الناس لن يكون أمامهم إلا أن يرجعوا إلى ربنا سبحانه وتعالى وهو لم يكن يوجد غيره أمس ولا اليوم ولن يوجد غيره غداً، ولكن الفكرة هل أدركنا أم لم ندرك، والوقت، الوقت، عنصر الوقت.
ربنا سبحانه وتعالى أمرنا بالمسارعة وأمرنا بالمسابقة، هو في النهاية حلّ وحيد لأي إنسان عنده حدّ من الإيمان والمعرفة بالله سيدرك أنه حل وحيد، وأن الأمر بيد الله سبحانه وتعالى وأن اللجوء إلى الله هو الحل وليس حلّ غيره، لكن المشكلة كلما نستهلك من الوقت كلما نعسّر الأمور أكثر وأكثر، وكلما يكون استدراكها وعلاجها أصعب وأصعب، ولذلك في النهاية نحن ليس أمامنا إلا هذا، ولذلك نحن قلنا منذ أكثر من خطبة عم نتكلم، نتكلم حول ” التنادي ” التنادي بالعودة والأوبة إلى الله، من المفترض أن يكون هذا الحديث الذي يتكرر، أو هذه هي الفكرة التي تشغل أو هذا هو الشيء الذي نتواصى به لكي يشيع هذا المفهوم في الأمة، فلا يوجد حل آخر، نحن في حالة من حالات الغفلة بل في حالة من حالات الإعراض وسيستمر الضغط إلى أن نفيق من الغفلة ونتوب من الإعراض، وكلما تعجّلنا الخطى واستحثّناها في طريقنا إلى الله سبحانه وتعالى كلما كان كشف البلاء، حصول الرحمة، زوال النقمة سريعاً سريعاً سَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ التأخير، التأخير والتسويف للأسف هي سمة لنا في كل شيء، لذلك لابد أن نتناول الأمر بمقدار ما يستحقه من الخطر، كلنا نستشعر هذا بنسب، لكن عملياً نحن لا نفعل شيء، أو نفكّر في الجهات التي لن تحدث شيء.
فهو أمر من أمرين، إما أنني مستشعر – لأن هذه أشياء تمسّ حياتنا اليومية، فهذه ليست توقعات أو إرهاصات مستقبلية، لا – ولكنها تختلف من شخص لشخص باختلاف نسب الإدراك.
فما الحلول؟ إما أننا لا نفعل شيئاً، أو أننا نفكّر أنه يوجد أشياء أخرى من الممكن أن تفعل وهي التي ستحلّ المشكة، ولن يحل المشكلة شيء آخر.
ولذلك الدعوة في النهاية تتلخص في كلمة واحدة فقط وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
اللهم كن لنا ولا تكن علينا وأعنا ولا تعن علينا وانصرنا ولا تنصر علينا وامكر لنا ولا تمكر علينا واهدنا ويسّر الهدى إلينا، وانصرنا على من بغى علينا
اللهم اجعلنا لك ذكّارين، واجعلنا لك شكّارين، واجعلنا لك رهّابين، واجعلنا لك مطواعين، إليك أوّاهين منيبين
اللهم تقبّل توبتنا، واغسل حوبتنا، وامح خطيئتنا، وثبّت قلوبنا، وسدد ألسنتنا، واسلل سخيمة قلوبنا
اللهم كن لنا ولا تكن علينا وأعنا ولا تعن علينا وانصرنا ولا تنصر علينا وامكر لنا ولا تمكر علينا واهدنا ويسّر الهدى إلينا، وانصرنا على من بغى علينا.
اللهم خذ بأيدينا إليك أخذ الكرام عليك لا تفضحنا بين خلقك ولا بين يديك
اللهم عمّنا برحمة من عندك، اللهم عمّنا برحمة من عندك، اللهم عمّنا برحمة من عندك.
اللهم أحسن خلاصنا، وتولّ أمرنا، وبلّغنا مما يرضيك آمالنا واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا.
اللهم أحسن خلاصنا، وتولّ أمرنا،وبلّغنا مما يرضيك آمالنا واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم