Generic selectors
المطابقات الدقيقة فقط
البحث في العنوان
البحث في المحتوى
Post Type Selectors
البحث حسب التصنيف
أحداث جارية
أسماء الله الحسنى
الأذكار
التلون
السيرة النبوية
القصص في القرآن
الكتب
بني آدم والشيطان
بني إسرائيل
تراجم
تربية
تربية
تفسير
جهد الغلبان في تبيان فضائل القرآن
خطب الجمعة
خطو خاتم الأنبياء ما بين اقرأ وإذا جاء
دروس
رمضان 1436هــ - 2015م
سلم الوصول إلى علم الأصول
عقيدة
غير مصنف
كتابات
كلمة التراويح
مسألة الرزق
من قصص كتاب التوابين
من هدي النبوة
مواسم الخير
هذه أخلاقنا

واقعية وفلسفة الدين

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. إنه من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا

ثم أما بعد:

حقيقة الدين وماهية الدين إنما هي أسلوبٌ أو طريقةٌ في فهم وتفسير الحياة، في فهم وتفسير غاية وجود الإنسان في هذه الحياة، أسلوبٌ وطريقة في التفكير ترتب مشاعر وأحاسيس في قلب الإنسان يترتب عليها سلوكٌ ومعاملةٌ مع الله تعالى ومع النفس ومع الناس.

هذا الأسلوب وهذه الطريقة إنما يستمدها الإنسان المؤمن من توجيه ربه تبارك وتعالى ومن تعليمه ومن تربيته ولذلك لا يماثل المؤمن ولا يشابهه في أسلوبه أو في طريقة حياته أحدٌ – إلا هو وغيره من المؤمنين – لأنهم لا يستمدون من المصدر الذي يستمد منه ولا يتصلون بالرب العظيم الذي يتصل به الإنسان المؤمن في هذه الحياة

تحدثنا مراراً عن الفلسفة وقلنا إننا نؤثر هذا التعبير لأنه تعبير مفهوم لدينا، حينما نتكلم عن فلسفة الإنسان في حياته أو عن كلمة الفلسفة، إنما نعني بها الفهم العميق لحقائق الأمور والأسلوب العام الذي يفكر به الإنسان ويبني عليه سلوكه

تحدثنا عن البسطاء، وعن أن لهؤلاء البسطاء فلسفةٌ في هذه الحياة، وأن هؤلاء الناس هم أكثر إدراكاً لطبيعة هذه الحياة هم الأكثر بساطة في التعامل مع تعقيدات الحياة التي نحيا

هم الأكثر قرباً من ربهم تبارك وتعالى لأنه ليس لهم مرتكن وليس لهم ملجأ وليس لهم مفزع يفزعون إليه، إلا هو سبحانه وتعالى وفي الحقيقة أنه ليس للإنسان إلا وهو فقيرٌ إلى الله، كلنا ليس لنا ملجأ أو مفزع أو ملاذٌ في هذه الحياة سبحانه وتعالى لكنهم أدركوا ذلك وسعوا لكي يحققوه أما غيرهم فربما غفل عن هذا المعنى فارتكن إلى قوةٍ أو إلى منعةٍ أو إلى سلطانٍ أو إلى جاهٍ أو إلى مالٍ أو إلى علمٍ تكبر به وتبطر فضل عن سواء السبيل

ثم تحدثنا عن فلسفة التبسم،كمنهاجٍ أو أسلوب في التعامل مع صعوبات هذه الحياة، وأن التبسم الذي هو منهاجٌ خطه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو تعبيرٌ عميقٌ عن كثيرٍ من المعاني، سوف نأتي على عدها بإن الله تبارك وتعالى أو البيان المحاور الأساسية لذلك.

لكننا نركز هاهنا على قضية أن هذا التبسم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله اياه أمره ووصيته به إنما كان غرساً لهذه الفلسفة، لم يكن مجرد فعلاً عشوائياً،أو مجرد استجابة عشوائية مع شيء من الأشياء التي ربما تضحك أو تسر، ولذلك سوف يأتي معنا أنه كان صلى الله عليه وسلم دائم البشر دائم التبسم، هذا وصفه في كل حال، مش مجرد استجابه لحاجة حصلت، أو واحد قال نكته لأ، وسوف نأتي للتفريق ما بين الضحك وما بين التبسم.

لكننا نريد أن نذكر بهذا المعنى، نحن نتحدث عن فلسفة، أسلوب في التعامل مع مجريات هذه الحياة.

تحدثنا حينما تحدثنا عن التبسم عن واقعية الإسلام، هذا الدين الذي أنزله الله تبارك وتعالى هو دينٌ جامع بين المثال – الصورة العليا التي يراد للإنسان أن يرتقي إليها وبين الواقعية الشديدة.

الإدراك لطبيعة الإنسان قال الله تبارك وتعالى أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ساقها الله تبارك وتعالى في صورة استفهام الذي يقرر ويستنكر على من لا يدرك هذه الحقيقة.

إن الله تبارك وتعالى هو العليم بهذا الإنسان لأنه سبحانه وتعالى هو الذي خلق فقال أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ وهو سبحانه وتعالى اختار وانتقى هاهنا هاذين الاسمين العظيمين من اسمائه تبارك وتعالى اختار اسم الخبرة؛ الذي يدل على عمق الفهم، وعمق الادراك وعمق العلم وعمق المعرفة، فلا نصف شخص، شخص ما بأنه خبير في أمر من الأمور إلا إذاأحاط به احاطة تامة كاملة، ثم هو سبحانه وتعالى اللطيف: الذي يعلم ما يدق وما يخفى عن العباد، قال تعالى إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ۝ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا ۝ وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا قال تعالى خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِسَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ قال سبحانه وتعالى يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا، كل هذه العبارات إنما هي بيانٌ لهذا المعنى العظيم أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ فهو سبحانه وتعالى العليم بالإنسان، الرحيم به تبارك وتعالى فهو يجمع سبحانه وتعالى في تعامله مع هذا المخلوق الضعيف، مابين العلم الذي يبتنى عليه الأمر والنهي، وما بين الرحمة التي تجمع إلى ذلك التيسير والتخفيف والإدراك لمواطن ضعف الإنسان.

تحدثنا عن الحزن وعن التغيرات التي تعتاد الإنسان وذكرنا أن هذا من طبيعة هذه الحياة، وهذه هي واقعية هذا الدين الذي أنزله الله تبارك وتعالى وتذكرنا معاً قوله تعالى يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ تذكرنا معاً قوله سبحانه وتعالى لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ فهو سبحانه وتعالى الذي يعلمنا أن الإنسان في هذه الحياة يعيش في ظل الكدح، وفي ظل الكبد، هناك المعاناة، وقلنا إن لهذه المعاناة حكماً بالغة

إنما جعل الله هذه الدار دار ابتلاءٍ واختبار، ولم يجعلها دار خلودٍ واستقرار، ولذلك كان من رحمة الله عز وجل ومن حكمته أن تشتمل هذه الحياة على هذه المعاناة لأمرين بالغين عظيمين ؛

أما الأول فهو أن يرجع الإنسان دائماً إلى ربه تبارك وتعالى لأنه يستشعر أنه يحتاج ربه تبارك وتعالى في كل وقتٍ وحين، فكلما نزلت به نازله،كلما ألمت به ملمة تذكر ربه تبارك وتعالى فتاب إليه وآب ولهج لسانه بهذه التلبية؛ لبيك اللهم لبيك، التي تذكره بضرورة الرجوع إلى الله،ثم من الحكم البالغة والنعم العظيمة أيضاً أن الإنسان لا يركن إلى هذه الحياة الدنيا لأنها لو كانت على مايحب ويرجو على سبيل الدوام لما تطلع الإنسان إلى الدار الآخرة، لما تطلع إلى الجنة وإلى نعيمها، فإنه سوف يركن إلى هذه الحياةالدنيا، ولذلك كان من رحمة الله عز وجل أن تجبل هذه الدنيا على هذه الطبيعة لكي يسعى الإنسان سعياً حثيثاً للدار الآخرة التي تخلو خلواً تاماً من هذا الكبد، ومن هذا الكدح ومن هذه المعاناة.

وجعل سبحانه وتعالى نهاية الحزن الحقيقي هو دخول الجنة، فذكر سبحانه وتعالى قول أهل الجنة الذين يمتنون لربهم تبارك وتعالى على هذه المنة، وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ۝ الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌفهم يحمدون ربهم تبارك وتعالى على أن امتن عليهم هذه المنة العظيمة، أنه أذهب عنهم الحزن.

إذن كان هذا الحزن ربما يصاحبهم في الحياة الدنيا وكانوا يعانون منه ولذلك استشعروا أول ما استشعروا في جنة الرضوان هذه المنة العظيمة أنه سبحانه وتعالى قد أذهب عنهم الحزن.

فإذا كان الحزن في طبيعة هذه الحياة فما هي وظيفة الدين إذن.

قلنا إن النور الذي أنزله الله تبارك وتعالى بنى علاقته مع الحزن على النفي وعلى النهي، أما النفي قال تعالى إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَإِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَفالله سبحانه وتعالى جعل أهل الإيمان وأهل الاستقامة وأهل الركون إلى الله تبارك وتعالى وأهل اللجوء والضراعة له تبارك وتعالى أهل الاحتماء بحمائه سبحانه وتعالى جعل هؤلاء ممن لا خوف عليهم ولاهم يحزنون، ثم جعل سبحانه وتعالى يمسح عن هؤلاء المؤمنين ما يصيبهم من حزن مما لابد لهم منه.

فذكرنا كيف أن الله تبارك وتعالى قد مسح عن أهل الإيمان في يوم أحد بعد ما أصابهم ما أصابهم كيف مسح عنهم مسحة الحزن، وذكرنا هذا بتفصيلٍ قبل خطبتين.

تتبعنا هذه الآيات في سورة آل عمران لكننا نقف وقفه مع الواقعية في الدين، وكيف أن الله تبارك وتعالى كما قلنا يرحم هذه الطبيعة ويقدر خصائص الجبلة في طبع الإنسان.

ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ ۝ وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ۝ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ۝ وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ۝ قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ ۝ قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ۝ يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونالله سبحانه وتعالى يخبر عن هذا العبد المقرب وهذا النبي الكريم، وكيف أصابه الحزن لما ألم به من هذه المصائب التي جعلت تتوالى عليه.

ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ ۝ وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ انظر إلى هذا النبي الكريم،يأتيه بنوه من مصر يخبرونه خبراً، هما يقولوا إن ابنك قد فقد أو قد صدمته سيارة أو اصابه ما أصابه.

فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق،هذا نبيٌ من أنبياء الله عز وجل يخاطب بهذا الكلام، ابنه الذي عكف على تربيته وعلى تهذيبه وعلى تعليمه يقولون له: إن ابنك سرق.

أهكذا فقط؟ لأ وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا ديه فضيحة، فضيحة على أعلى مستوى في مصر والشام، في القرية حيث محل الحدث، والعير:القافلة كلها اللي جاية من فلسطين لمصر، راجعة معاها القصة الكبيرة ديه ثم حينما حلوا هذه المحلّة نشروا هذا الخبر في وسط أهله وذويه.

كم تبلغ هذه المصيبة بنبي من أنبياء الله عز وجل ذهبوا به كي يأتي لهم بطعام، فلم يأتوا به وإنما أتوا بهذه المصيبة وبهذه الفضيحة.

فقد يوسف عليه السلام، منذ سنين متطاولة، ولا زالت ذكراه تعرض له في كل وقتٍ وحين، ثمّ هو أيضاً فوق ذلك يفقد ابنه الصغير الذي هو شقيق يوسف عليه السلام بهذه المصيبة وبهذه الفضيحة، ومعهم أخاهم الأكبر الذي بقي في مصر ليبحث عن مخرج فقال قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًاذكر أمرهم الأول وفعلهم الذي فعلوه بيوسف عليه السلام لم تكن مصيبة، هو مجرد أنه قد فقد يوسف هو يوقن أنه لازال على قيد الحياة لأنه قد قال له إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ وهذا لم يأتي زمانه ولم يحدث بعد، فهو قطعاً لازال على قيد الحياة ولكن أين هو؟ وكيف حياته؟ وماذا يعاني بعيداً عن أبيه الذي ترك؟

ثمّ ما الذي أحدث هذا الحدث ليوسف عليه السلام إنهم اخوته أبناء هذا النبي الكريم الذين تربوا على عينه وتهذبوا بآدابه وأخلاقه وتهذيبه، إذا هم يملأهم الحسد والحقد والضغينة على أخيهم الصغير الذي لم يبدر منه أي بادرة شرٍ ولا بادرةِ سوء، ثم هم فوق ذلك يرمون أباهم بالظلم والحيف والمحاباة والضلال إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍمش ضلال بس، ضلال مبين، يعني أمر بيّن واضح لا يخفى على أحد.

وَتَوَلَّى عَنْهُمْوهذه بليةٌ أخرى، هو لا يجد قيمن حوله من يحس به، ومن يستشعر معاناته، لا يجد حوله من يتفهم ما يعانيه وما يجول في قلبه، وما يعتمر في نفسه، فهو لا يملك إلا أن يتولى عنهم معرضاً عنهم متوجهاً إلى ربه تبارك وتعالى وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ_الأسف:هو الحزن الشديد_ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ_من شدة البكاء_ فَهُوَ كَظِيمٌ كظيم:أي يكظم ويكتم في نفسه ما يجده من البثِ ومن الهمّ ومن الحزن، لا يبوح به لأحد، لأنه ليس حوله من يستحق أن يبثه هذه الهموم، قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَحرضاً، الحرض: هو الذي أشرف على الهلاك من شدة الأسى أو من شدة الهمّ أو من شدة المرض،تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَلاتزال تذكره حتى يؤول بك ذلك إلى أن تصير حرضاً بالياً ذائباً ذابلاً أو تهلك، تموت من شدة الحزن.

إذن يريدون أن يخبروه أنه لن يلقى يوسف أبداً، بل سيبقى حزنه إلى هذا المنتهى، يعني حزنه لن يزول بإن ابنه يرجع، ابنه مش هيرجع خلاص تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ ۝ قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ۝ يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ

أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين

فها هو ربنا تبارك وتعالى يخبرنا عن هذا النبي الكريم وعن هذه المصائب وعن هذا الحزن الذي أصابه، ويخبرنا سبحانه وتعالى كيف يعالج حزنه، فنحن أولاً نريد أن نقرر كما قلنا: واقعية الإسلام وإدراك طبيعة الإنسان، وأنه لم يستنكر على هذا النبي الكريم هذا المدى الذي بلغ إليه حزنه، لم يعاتبه الله تبارك وتعالى على ذلك، ولم ينكر عليه ذهاب نور بصره بسبب حزنه، لكنه يخبر تبارك وتعالى أيضاً كيف كان يعالج حزنه ومصيبته قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِوالبثُّ:هو شدة الهمّ الذي يعتمر في الصدر بحيث لايملك الإنسان ولا يطيق أن يكتمه في صدره، يريد أن يبثه؛ يخرجه، لأنه إذا بقي في صدره فإنه يرديه ويهلكه، فهو كما أخبر الله تبارك وتعالى فهو كظيم: فيكظم أحاسيسه عن هؤلاء الناس الذين هم حوله، لكنه يبث شكواه إلى ربه تبارك وتعالى ونعم محل إنزال الشكوة هو، سبحانه وتعالى قال:قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ_لاإله إلا الله_وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ثم هو مع ما يبدو عليه من الحزن، شديد وعظيم الرجاء بربه تبارك وتعالى حسن الظن بكرمه ورحمته متفاؤلٍ رغم توالي الأيام والشهور والأعوام والسنين، أنه سوف ينال موعود الله عز وجل وسوف يزول عنه حزنه وفراقه لولده،يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ

إذن هم يلومونه على ما هو فيه، لكنه مع ذلك هو الذي يبثُّ روح الأمل وروح التفاؤل وحسن الظن بالله عز وجل ورجاء رحمته، هو الذي يأمرهم بهذا الأمر، اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ تلمسوا وتطلبوا أسباب وجدانهم بعد فقدهم وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَالوح: هي الراحة والتنفيس، النفس، الإنسان حينما تصيبه الكرب يضيق صدره ويطبق الهمّ على فؤاده، فيأتيه من الله تبارك وتعالى النفس والتنفيس والروح والراحة، كما أخبر الله عز وجل عن أصحاب الجنة قال فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ،وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَلا ينقطع أمل إنسان في ربه عز وجل وفي رحمته وفي فضله وفي بره وفي احسانه إلا إذا كان هذا شخصاً قد انتفى عنه الإيمان.

إذن فالإيمان هو اليقين والثقة في الروح والرحمة، اليقين: هو الثقة في فضل الله عز وجل وفي نعمته وفي توالي مدده واحسانه، هذه هي حقيقة الإيمان،قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ

إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَثمّ بعد زمان وجيز، يقول الله تبارك وتعالى وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِكبر وخرّف، الفند:هو الفساد والخرف وذهاب العقل، هو عايز يقول لهم أنا شميت رحته، ريحة القميص القدييييييم اللي ألقوا عليه الدم، أنا شامم ريحته بس مش قادر أتكلم، هو عايز يقول لهم كده بس هو مش قادر يقول، ليه لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ رد فعلهم هو فاهمه، هو اللي مدرك حقيقةً وهما مش مدركين، هو اللي حاسس وهما اللي مش حاسين، هو عنده علم من الله، هما معندهمش، لكن في النهاية هما شايفين إن هو مجنون، ده كبر وخرف،لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ قَالُوا تَاللَّهِ هو بيقول كده عشان يسكتوا، هو مش عايز يكمل كلام عسان انتوا هتقولوا عليا؛ كبر وخرف، برده مفيش فايدةقَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ دول بئه مش أولاده، دول أرايبه، أرايبه دول كلهم في مصر، دول بقية العيلة، بقية أرايبه الملتفين حواليه، يقولون لكبيرهم وعظيمهم ونبيهم تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ في هذا الحب القديم الذي لازلت تذكره حتى أفسد عليك عقلك وفكرك ومنطقك ورؤيتك.

فيضَلَالِكَ الْقَدِيمِ الضلال: واحد ماشي في سكة ومبتوصلش لحاجة،هما عاوزين يقولوا يعني ايه؛ إن الأمل اللي انته فيه والرجاء وحسن الظن اللي انته بتسلكه ده، ده مش هيؤدي لحاجة، يوسف ده انساه خلاص مش ممكن بعد 25،26 سنة لو كان موجود كان ظهر، قطعاً لن يكتب الله عز وجل لك به لقاءً بعد ذلك، إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ ۝ فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ۝ قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ ۝ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ

إذن فالله عز وجل ذكر نبياً وذكر حزناً، لم يستنكر الرب تبارك وتعالى على على عبده ونبيه هذا الحزن وإن بلغ به ما بلغ لأن الرب سبحانه وتعالى لا يطلب من الإنسان مالا يقدر عليه، شيء بيعتمل في نفسه وهو رقيق القلب، شديد الحب والتعلق بولده.

الله سبحانه وتعالى لا يكلف الإنسان مالا يطيق لا يأمره أن يفعل مالا يقدر على فعله، لكن هاهنا تأتي قيمة الإيمان، أن لهذا الإنسان ملجأً ومفزعاً يلجأ إليه، هناك المحال الأعظم الذي يبثُّ إليه همومه وأحزانه وهو باقٍ على رجائه بفضل ربه عز وجل ورحمته.

ثمّ الأثر البالغ للحزن، والأثر البالغ للفرح والسرور، إن الحزن أذهب نور عينيه، وحينما مش حينما رأى يوسف حينما وضع قميص ولده على وجهه فقط كان هذا الأمر هو المذهب لما أصابه من ذهاب نور عينيه،فَارْتَدَّ بَصِيرًا في التو واللحظة.

يبئه إذن الصدمة النفسية ممكن تحدث أثر كبير جداً في نفس الإنسان، وفي نفس الوقت الإستبشار والفرح والسرور والنعمة، أو زوال هذا الأثر لهذا الأمر الذي أصابه، يحدث نفس هذا الأثر في القوة.

يبئه إذن لابد أن ننتبه، وأن نلتفت إلى الأثر العظيم لحالة الإنسان النفسية على حالته الصحية وعلى وضعه العام، هذا الأثر النفسي.

لذلك ممكن مثلاً نلاقي واحد تكون صحته كويسه مجرد يجيله خبر أو بيفكر في حاجة تلاقيه وقع، ولكي لا يقع لابد أن يبث همومه وأحزانه إلى ربه تبارك وتعالى ويكون دائماً عظيم الرجاء في فضله وفي رحمته وأن يعلم أنه ما من مصيبة قدرها الله تبارك وتعالى على عبدٍ من عباده، إلا وكان له سبحانه وتعالى فيه الحكمة البالغة وهي – وإن لم نرها كذلك – رحمة من الله عز وجل تقرب الإنسان من الله، تذكر الإنسان بالله، تكفر من سيئات الإنسان وخطيئاته تغسله من أوضانه ومن ذنوبه، تنقيه من سيئاته وخطيئاته لكي يعود إلى ربه تبارك وتعالى صافياً طاهراً نقياً، قال صلى الله عليه وسلم : ولا يزال البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئه.

وإذن فالحزن لا يلام عليه الإنسان ولكن عليه أن يسلك مسلك أنبياء الله عز وجل

ولذلك نختم بحديث أسامة وحديث أنس

حديث أسامة كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في جمع من الصحابة، فأرسلت إليه ابنته، تتطلب منه أن يأتيها وتخبره أن صبياً لها في الموت، عندها ولد صغير والولد بيموت فأرسلت إلى جده تطلب منه أن يأتي لينظر حفيده وهو بالموت، ربما يدعو له، ربما يسأل الله عز وجل له شفاءً فقال للرسول: أرجع إليها، فقل لها: إن لله ما أخذ،وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى فمرها فلتصبر ولتحتسب ثم عاد إليه الرسول، قال إنها تقسم عليك أن تأتيها، فقام، وقام معه سعدبن عبادة، ومعاذ بن جبل وأسامة بن زيد، فرفع إليه الصبي ونفسه تتقعقع – تضطرب – خلاص روحه بتخرج، فجعلت عيناه تدمعان صلى الله عليه وسلم فقال له سعد؛ ما هذا يا رسول الله، سعد يظنُّ أن بكاه ينافي صبره، أو ينافي رضاه عن ربه تبارك وتعالى .

فقال صلى الله عليه وسلم : إن هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده وإنما يرحم الله عز وجل من عباده الرحماء.

ليس هذا جزعاً ولا سخطاً ولا عدم رضا، وإنما هي رحمة بهذا الصبي وبأمه.

إن هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، ولا تكون الرحمة إلا لهؤلاء الرحماء، كما قال صلى الله عليه وسلم الراحمون يرحمهم الرحمن، أرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء

ويقول أنس: أنه دخل مع النبي صلى الله عليه وسلم على أبي سيف القيم – بيصنع سيوف – ، وكان ظئراً لإيراهيم،زوج المرضعة التي ترضع إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم ولده فضمه إليه وقبله وشمه.

يقول أنس، ثم دخلنا عليه مرة أخرى وهو في النزع، الزيارة التانية كان إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم يقضي، يموت، فجعلت عيناه تزرفان، فقال عبدالرحمن بن عوف، ما هذا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا ابن عوف إنها رحمة، ثم قال صلى الله عليه وسلم: إن العين تدمع، وإن القلب يحزن، وما نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون.

هذا الدمع إنما كان رحمة فالعين تدمع، والقلب يحزن للفراق وهذا لا حرج فيه

إن العين تدمع وإن القلب يحزن وما نقول إلا ما يرضي ربنا ليه؟ لأن القلب أصلاً مفهوش سخط مفهوش رفض لأمر الله سبحانه وتعالى بس هيه القضية قضية الارتباط والحب والتعلق، وإلا ميبئاش في قلبه محبه حقيقية لهذا الولد.

إن العين لتدمع، وإن القلب يحزن وما نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون، يبئه إذن الحزن جي منين وإنما لأجل الفراق، ثم أخبر صلى الله عليه وسلم أن الله سبحانه وتعالى قد جعل له مرضعة تكمل رضاعه في الجنة، وهذه من مواساة الله عز وجل أيضاً لأوليائه ولأحبابه، ويطمئنه على حال هذا الصبي بعد أن فارق هذه الحياة، أين هو الآن؟ هو في الجنة، حيث جعل الله سبحانه وتعالى له في الجنة من يكمل رضاعه، وفي هذا اليوم كسفت الشمس، فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الكسوف فقال الناس: إنما كسفت الشمس لموت إبراهيم، فلم يتركها صلى الله عليه وسلم وقال: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم لم يترك هذه الكلمة تمر هكذا، الناس من تعلقها وحبها بتقول كده، إن الشمس أصلاً كسفت عشان خاطر ابن النبي صلى الله عليه وسلم مات، لكن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أرسل الله عز وجل لنا معلماً ومرشداً ومربياً يحارب الضلال ويحارب الوهن ويحارب الخرافة ويحارب الغلو، هم يتكلمون عن ابنه صلى الله عليه وسلم هذا تشريفٌ وتكريمٌ له، كسفت الشمس لموت ابنه، هذا تعظيمٌ منهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم لكنه يعظم الحقيقة أكثر من تعظيمه لأي شيء، قال: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته.

ابن عقيل الحنبلي إمام من كبار الأئمة، مات له ولداً كان يعده ويربيه لكي يكون خليفةً له في مدرسته وفي تعليمه وفي حلقته في مسجده، وكان يحبه حباً شديداً، فحزن الناس لحزن امامهم ثم خرجوا إلى القبور يدفنون ميتهم، فصاح صائحٌ وتلا قول الله تبارك وتعالى يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ ينزل الآية في غير منزلها ويقول مالا يعلم، هو يريد أن يقول، يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ أي يخاطب ربه تبارك وتعالى ” إن له ” أي لهذا الولد أو لهذا الشاب أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا  قلبه متعلق به، ” فخذ أحدنا مكانه ” ، أي اجعل أحدنا فداً له، يعني ابعثه وافتديه بواحد منا.

أستحلفكم بالله،، أكان يفعل !!!!، يعني لو أنزل الله عز وجل ملكاً، قال له: طب ماشي، انزل انته بئه انزل انته، مدد كده، وطلع لنا الولد.

يرضى يعمل كده، هيعمل كده فعلاً، كتير من الناس معندوش صدق في كلماته ولا في مشاعره بيقول أي كلام، بيوجب كده، أي كلمة وخلاص،لكن النسان المفروض المؤمن حق الإيمان لا يتكلم بكلمة إلا إذا كان صادقاً ويعني ما يقول، فحينما قال هذه الكلمة، ضجّ الناس بالبكاء، فقال ابن عقيل، قال: يا أيها الناس، إن الله عز وجل لم ينزل القرآن لكي يثير الأحزان، وإنما أنزل الله عز وجل القرآن لكي يزيل الأحزان، وهذا هو مرادنا من هذه الكلمة.

إن الله عز وجل أنزل كتابه دواءاً وعلاجاً وشفاءاً وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ

فهو يعلمن فيقول: إن الله عز وجل أنزل هذه الآيات لكي تكون سكينة وطمأنينة لا تكون سبباً للهياج أو للبكاء أو للعويل أو لزيادة الأحزان، فهذا الرجل حينما تلا هذه الآية في هذا الموطن، لم يصب فيما فعل، لأنه أنزل القرآن في غير منزله، وفي غير محله،وجعله مهيجاً للحزن والبكاء بدلاً أن يكون مذهبةً للهموم وللأحزان

وإذن فالحزن في طبيعة هذه الحياة، الحزن لا يلام عليه الإنسان، لكن الإنسان المؤمن له في حزنه منهج ومسلك، وله في كتاب ربه عز وجل أعظم السلوى، وله في اللجوء إلى الله تبارك وتعالى وفي حسن الظن بالله وفي التماس رحمة الله عز وجل ما يسليه وما يسري عنه.

قال الله تبارك وتعالى: أنا عند حسن ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فالله عز وجل عند ظن عبده به، إن ظن خيراً فخير، وإن ظن غير ذلك فله ما ظن.

أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما يشاء

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه

اللهم أذهب عنا الهموم والأحزان

اللهم إنا عبيدك بنو عبيدك بنو إمائك، نواصينا بيدك، ماضٍ فينا حكمك، عدلٌ فينا قضاؤك، نسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحد من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا وجلاء همومنا وذهاب أحزاننا وغمومنا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم