إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. إنه من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وراء جدارٍ من جدر المدينة وما من جدار إلا ووراءه أسرار؛ وراء هذا الجدار رجلٌ غضوبٌ بطبعه؛ كبرت سنه وزادت خلقه ضيقاً تراجعه زوجه في أمر من الأمور فيغضب فيقول ” أنت عليّ كظهر أمي ” ثم كعادة الرجال يسقط في يده ولا يدري كيف يستدرك ما قد قال أو قد فعل، يندم على ما قد قال؛ ثم يقول ” ما أراك إلا قد حرمت عليّ ” فقالت: لا تقل هذا؛ ائتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله؛ فيقول: إني أستحي أن آتيه – اروح أقول له ايه؟ – فجمعت عليها ثيابها ثم أتت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تستفتيه.
هذا الرجل وهذه المرأة، هذه الأسرة لو بحثت لها عن ذكرٍ في تاريخ السيرة الطويل ما وجدت لها ذكراً، هؤلاء أناس مغمورين في المجتمع ليس لهم شأن وليس لهم ذكر، أسرة يعتريها ما يعتريها فهي على وشك الانهيار ولا تجد المرأة بداً من أن تلجأ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلها أن تجد عنده فرجاً ومخرجاً.
يقول الله عز وجل قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ هذه الكلمات التي تلونا وحي الله تبارك وتعالى للعالمين، ما يبلغ من وزن هذه الأسرة ومن مكانها أو من قدرها أن يخصها الله تبارك وتعالى بقرآن يتلى وبتوجيه وهداية منه سبحانه تبقى مع كتاب الله تبارك وتعالى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، كم هي رحمة الله تبارك وتعالى بخلقه وبالضعفاء من خلقه.
الرجل دخل البيت وهو بطبيعته غضوب، فهذا هو طبعه، ومع السن الإنسان لا يطيق أن يكلمه أحد، فهو يتكلم في أمر وهي تراجعه – تأخذ وتعطي – فهو ضاق بالكلام لا يريد مزيد من الكلام، فما الحل؟ ” طب روحي ” وبعد ” روحي ” بعد قليل يكتشف – يكتشف – مآلات ما قاله، هذه الجملة إلى أين ستؤدي.
فهذه الجملة من أين أتت؟ أين أصلها؟ الآن هذا رجل ربنا منّ عليه وهداه بهداية الإسلام؛ طيب بعد هداية الإسلام من المفترض أن الإيمان يجعل الشخص المؤمن يولد ميلاداً جديداً، كل شيء يتغير، لكن واقعياً العادات التي كان الإنسان معتاد عليها والأفكار التي كان يعتنقها، والسلوكيات التي كان عليها، هل يمكنه أن يتخلى عنها كلها دفعة واحدة، وفي نفس الوقت هذه الجملة أتت من الجاهلية، فهي لماذا تسمى الجاهلية، لماذا سمى ربنا سبحانه وتعالى ما يخالف توجيهه ووحيه جاهلية؟ لأنها يجتمع فيها أمران، الجهل هذا أمران: عدم العلم وعدم الحلم، أمران، أمران: عدم العلم والدراية والتهور والنزق، هاذين يسموا بالجهل، فالشخص حينما يكون لا يعلم ويعمل عكس ما يعلم، إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ليس أنه ” لا يعلم ” إذا كان لا يعلم لا يكون سوءاً بالنسبة له، لا هو يفعله بضعف النفس وغلبة السفه، وحينما يكتشف أنه انكبّ على وجهه، ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا فبقيت عليه من بقايا الجاهلية ” هذه الجملة “
فهم فيم يستخدموها؟ أن يوقف زوجته، لا هي زوجة ولا هي غير زوجة، فالآن زوجته مثل أمه، فمثل أمه فماذا ستفعل؟ هل ستذهب؟ لا لن تذهب، ستبقى؟ لا يصلح أن تبقى، فكيف ستسير الأمور، فبعدما هدأ، فهذا هو الإنسان بعدما يهدأ يندم، وبعدما ندم يريد أن يستدرك ما فات، كيف سيأتي به، الكلمة خرجت من فمه، كيف سيرجعها، فهي خرجت، كيف سيستطيع أن يسحبها مرة أخرى، فهو لن يقدر، فيقول ” ما أراك إلا قد حرمت عليّ ” فقالت له لا تقل هذا، اذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم اسأله،، فهذا عجز على عجز.
فهو الآن الدنيا خربت وهو جلس لا يعرف ماذا يفعل، فاذهب لتسأل،، أنا خجلان أن أسأل، ماذا سأقول على ” العك ” اللي عكيته ” لن أستطيع أن أسأل، فهي لا تريد أن يخرب البيت وتفسد الدنيا، فذهبت هي لتسأل، وربنا سبحانه وتعالى يصف هذا، فالسيدة عائشة تقول: الحمد لله، الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات سبحانه وتعالى لا يشغله سمع عن سمع، ربنا سبحانه وتعالى الذي يدبر كونه وملكه يصغي ويسمع إلى هذه المرأة وهي تسر إلى رسول الله.
السيدة عائشة تقول: لقد كانت المجادلة تجادل رسول الله صلى الله عليه وسلم في طرف الحجرة – فحجرة النبي صلى الله عليه وسلم كم كانت هي صغيرة جداً، فهم واقفون هنا وهي تجلس هنا ” أي هم قريبون جداً منها ” –
تقول: ليخفى عليّ بعد ما تقول. تسمع كلام وكلام لا تسمعه، يوجد كلام تسمعه وكلام لا تسمع، تقول: الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، ربنا سبحانه وتعالى يسمع ما تناجيه ثم يجيبها تبارك وتعالى.
ونحن قلنا قبل ذلك كثيراً هو جاوبها متى، هذه النقطة نتكلم عليها كثيراً لأن هذه غاية في الأهمية، هو متى جاوبها؟ جاوبها بعدما سألت أم جاوبها قبلما تسأل؟ ربنا سبحانه وتعالى متى تكلم بهذا القرآن؟ قبل أن يوجد كل هؤلاء الناس، هذا القرآن في اللوح المحفوظ قبل أن يوجد الكون كله، ربنا تكلم وردّ عليها زمان قبل أن تكون هي موجودة أصلاً، فما الذي جدّ بعدما وجدت؟ أنزل – فهذا اسمه تنزيل – نزّل الكلام الذي تكلم به زمان، هو أجابها قبل أن تشتكي بل قبل أن توجدن فهي أتت تقول للنبي صلى الله عليه وسلم وتصف حالها وحال زوجها.
” يا رسول الله أكل شبابي ونثرت له بطني ” ولادات كثيرة، ” حتى إذا ما كبر سني وانقطع ولدي ظاهر مني ” فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف ما يفعل؟ قال ” ما أراك إلا قد حرمت عليّ ” فهي ” يا رسول الله إن لي أولاداً صغاراً إن ضممتهم إليّ جاعوا ” فمن أين أصرف عليهم؟ ” وإن ضممتهم إليه ضاعوا ” فهو لا يستطيع أن يقوم بنفسه، هو كبر ويريد من يخدمه ” يا رسول الله هو ابن عمي وأحب الناس إليّ ” ” ما أراك إلا قد حرمت عليه ” فهي تقول جملة وهو…، ” يا رسول الله ما ذكر طلاقاً ” ” ما أراك إلا قد حرمت عليه ” أنا ماذا سأفعل؟ أنا ماذا سأفعل؟ كلما تقول جملة يرد عليها هذا الرد، فترفع رأسها وتقول ” اللهم إني أشكو إليك فاقتي ووجدي، اللهم إني أشكو إليك لا إلى رسولك ” فهي لا تعرف ماذا تفعل، والكلام يذهب ويجيء وهي كلمة واحد ” أنا ماذا أفعل ” ” ما أراك إلا قد حرمت عليه ” فربنا سبحانه وتعالى يرحم الفاقة والوحدة والضعف والوجد وينزل الآيات قَدْ سَمِعَ اللهُ هذه أولها قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا هي تأخذ وترد، تريد حل وتريد مخرج، تجادل رسول الله صلى الله عليه وسلم وتنزل شكواها بالله تُجَادِلُكَ وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ، تُجَادِلُكَ وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ثم يلتفت إلى الرجل، خروج الرجال عن حد المسئولية، هذه تصرفات أناس غير مسئولة، الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ هم من أين أصبحوا أمهاتهم؟ وبماذا؟ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا هم من أين يأتوا بهذا الكلام؟ هذا منكر وزور، فما المنكر وما الزور؟ المنكر: الكلام الذي يستنكر، السيء، والسوء: الباطل، كلام ليس له حقيقة، ما الذي أتى بزوجته إلى أمه إلى أخته، ما الذي أتى بهذه إلى هذه؟!!
طيب: بما أنها من الجاهلية، فما أصلها؟ أصلها من الشيطان، هذا الاختراع من الذي أتى به؟ من الذي وضع هذا التشبيه؟ الشيطان؛ يتلقاها الإنسان عن الشيطان، هو هكذا استظرفه فيقوله، وأكيد هذه الجملة يوجد من اخترعها وقالها لأول مرة، مثل كل شيء، فهذه الأشياء لا تدخل على رأس الشخص في الطبيعي، لابد أن يخترع شخص جملة وعندما يخترعها يعجب الناس بها فيقولوها، فهي تأتي هكذا كل شيء يأتي هكذا.
عمرو بن لحي سيد خزاعة رجل – هو القائم بأمر الحجيج – يطعم الناس ويجلب لكل شخص ملابس وهو عائد، فالناس بطبيعة الإحسان والانفاق تعظّم من يصرف، فهو ذهب إلى الشام وجد لديهم صنم أعجبه فأتى به، فهؤلاء أناس منذ سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل على الإيمان والتوحيد، فشخص بعد قرون طويلة ذهب إلى الشام أعجب بصنم فأتى به ووضعه عند الكعبة، وبما أن عمرو بن لحي هو الذي أتى به فالناس تعظيماً لعمرو بن لحي سيعبدوا هبل.
جلب صنم ذراعه مكسور، الصنم الذي جلبه ذراعه مكسور أصلاً، الصنم الذي استورده أتى بإله ذراعه مكسور، هذا الصنم وضعه عند الكعبة، ولما جاء النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الناس وصل العدد وقتها إلى كم؟ 360، الأصنام أصبح عددها 360، فهذا العدد كيف تكاثر؟ فهذه كهذه شخص قال كلمة أعجبته فالناس تأخذ نفس الجملة.
فهل هذه الجملة حسنة يا جماعة؟ حلوة، فنحن معجبون بها بأي مناسبة؟؟ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ نحن ماذا نفعل وربنا سبحانه وتعالى بماذا يعاملنا وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا أمران: منكر وزور، فمقابل المنكر والزور وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ضع هذه بجانب هذه، هذا الإنسان، وهذا الرحمن، هي هكذا، إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ يستخدم النعمة فيما يضره وفيما يؤذيه، ويجحد فضل الله عليه، الظلوم الكفار، ربنا سبحانه وتعالى يتكلم عن موقف الإنسان من نعم ربنا التي تغرقه، ظلوم وكفار، مقابل الظلوم الكفار؟ ربنا سبحانه وتعالى ” الغفور الرحيم “
وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فماذا سيفعل؟ هو يريد أن يصلح ما أفسد فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ ليس معه مال؟ ماذا يفعل؟ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا لا يستطيع لأن صحته لا تتحمل، فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا وهي مازالت واقفة، فربنا سبحانه وتعالى أنزل الكلمات، فقال لها قولي له أن يعتق رقبة، فهو لا يملك لا يملك، فليصوم؛ هو كبير في السن وقواه ذاهبة، فليطعم ستين مسكين، لا يملك، فقال لها أنا سأتصرف له، فهذا آخر الموضوع، هذا هو البني آدم، ماذا يفعل الإنسان؟ هو الآن أفسد الموضوع وربنا سبحانه وتعالى أنزل الحل، حتى هذا هو لا يملك الحل،هو لا يملك الحل، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال ” أنا سأعينه بعذق من تمر ” هو سيدفع نصف الكفارة، قالت له أنها ستتصرف في الثاني، النبي صلى الله عليه وسلم سيدفع النصف وهي ستحاول أن تتصرف في النصف الآخر، لكي يلم ما تبعثر، ما فسد يرجع مرة أخرى.
فالقضية بعيداً عن القضية الجزئية وإن كانت قضية مهمة، قضية الأسرة وكيانها وحفظها والمسئولية، وأن الرجل بالأساس هو الشخص المسئول، فحينما يتعامل على خلاف المسئولية تفسد الدنيا، وأن الكلمة – الكلمة – مسئولية كبيرة.
ربنا سبحانه وتعالى وهو يتكلم عن الطلاق ذكر أحكامهن وبعدها قال وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ الذي سيتقي الله سيجعل له ربنا مخرج.
جاء رجل لسيدنا ابن مسعود قال: يا أبا عبد الرحمن طلقت امرأتي مئة تطليقة. قال لها أنت طالق مئة مرة، فالذي في كتاب الله مرة، مرة إذا وجد موجب، من المفترض أنها مرة إذا وجد موجب، وبالتالي أصبحت فرصة، وبعد ذلك من الممكن أن يرجع إذا أحب هذا، وبعد ذلك إذا تجدد موجب يوجد فرصة أخرى، وبعد ذلك من الممكن أن يرجع إذا أحب هذا، وبعد ذلك إذا وجد موجب لهذا فتكون الثالثة لأن الثالثة تقول أننا لا نستطيع أن نكمل معاً، لأننا لا نستطيع أن نكمل معاً، إذا كنّا سائرين على وفق حدود الله، فالدنيا تسير هكذا، أما هو لا، هو أخذ الفرص التي أتاحها ربنا له.
فهم ثلاثة هو لماذا جعلهم مئة؟ فماذا قال له ابن مسعود؟ قال: إنك لم تتق الله فلم يجعل لك مخرجاً، فأنت ربنا قال لك واحدة وفقط لكي يكون لك فرصة واثنتان، فأنت قلت له لا ليسوا ثلاثة هم مئة.
قال: عصيت ربك، عصيت ربك – هذه الأخطر، هذه الأسوء – عصيت ربك وبانت منك امرأتك. ولذلك ربنا بعدما قال الكفارات ماذا قال؟ إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ الناس الذين لن يتقبلوا هذا، الذين لا يرضوا بكلام ربنا كُبِتُوا هذا سيرتب الكبت والضيق والحرج، مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ
فحينما أخرج أنا عن هذا؟ حينما فسدت الدنيا؟ ليس هناك ملجأ، هو ربنا سبحانه وتعالى؛ الشكوى إلى الله وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ فالذي سيشتكي إلى ربنا، ينزل حاجته بالله، يثق ي الله، هل سيتركه ربنا؟ هل سيضيعه ربنا؟ حاشا لله، وَاللهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
الحمد لله رب العالمين
ولما رجعوا إلى أبيهم قالوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ أول جملة – أول جملة – هم ذاهبون ليجلبوا طعام في مجاعة، ذاهبون ليجلبوا طعام ويأتوا، راجعين فتركوا شخص، وأول جملة يجابهوا بها أبوهم، قالوا يَا أَبَانَا ليس أخونا، لا لا لا،ليس أخونا نحن الذي سرق، ابنك أنت الذي سرق، فهو أخوهم، لا، وجهوها له هو، قالوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ النبي، النبي يعقوب عليه السلام، أولاده الكبار العاقلون الراكزون، أتوا إليه يقولون له، الحق يا أبانا – أول كلمة – إِنَّ ابْنَكَ تربيتك، إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا فهذا الذي حدث، ونحن لا نعلم الغيب وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا يا لها من فضيحة، ليس أن ابنك سرق وفقط، ولكن الناس كلها، الناس كلها عرفت الموضوع، وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا القافلة كلها التي جاءت من فلسطين تعلم بالموضوع، وكل الناس الذين في مصر الذين حول هذه الدائرة كلهم يعرفون الموضوع، هذه فضيحة وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ هذه الجمل متتالية هكذا، تخيل سيدنا يعقوب في حاله الذي كان عليه وحزنه المستدام من حين أن فقد يوسف بسبب هؤلاء وهم أتوا ليقولوا له هذه الجمل متتالية هكذا، إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ وَالْعِيرَ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ
قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا هذا هو الأمر الأول، فهذا هو الذي أتى بكل هذا، فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا فهم أصبحوا ثلاثة؛ اثنان فقدوا، وواحد جلس لكي يرى أحوال الثاني.
الكبير والاثنان الصغار، فالكبير هذا هو العاقل، وأيضاً هذا لن يأتي، فهؤلاء هم الذين رجعوا، هؤلاء هم الذين سيجلسون معه، عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا لا ينقطع أمله من الله سنين طويلة مرّت إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ وَتَوَلَّى عَنْهُمْ فهو غير محتمل، فهو سيبعد، وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ هو يكظم حزنه لا يريد أن يظهره لأحد، هو ذهب بعيد وَتَوَلَّى عَنْهُمْ جلس بعيد عنهم، ويكتم هذا بداخله، من كثرة كتمانه، من كثرة كتمانه هو ينهار، ولذلك أحيانا ” الفضفضة ” تكون مهمة، ” أن تزيل غطاء الحلة ” تزيل الغطاء، لابد أن تزيل الغطاء لكي يخرج البخار لأنه إذا كتم ما بالداخل هذا ينهري – ينهري – ويذهب، فالشخص لابد لابد حتى إذا كلّم نفسه – والناس تقول عليه مجنون، ضع سماعة في أذنك كأنك تكلم شخص وكلم نفسك في الشارع فلن يحدث شيء – ولكن هذا لابد أن يحدث لئلا يذهب الشخص.
لكن يوجد أفضل من هذا؛ أن يناجي، فهذا أفضل من أن يكلم نفسه، وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ فهل هم يتركوه؟ ” يييييييييه يوسف وسنين يوسف ” ، ألن ننتهي قَالُوا تَاللهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ أنت ستظل في هذه السيرة إلى أن تذهب صحتك تماماً وتكون على شفا هلكة أو تذهب فعلاً، وربنا يقول وَتَوَلَّى عَنْهُمْ اتركوا الرجل في حاله، هم لا يشعرون بشيء، وكلمات شديدة وعنيفة، وهو لا يتحمّل، فهو ” يا جماعة أنا لا أتحدث إليكم ” قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ هو ماذا يقول؟ يقول أن البث، البث: هو الهم الشديد، ولماذا سموه بثّ، لأنه من ضغطه لا تستطيع أن تكتمه، يخرج منك غصباً عنك، قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي الحزن: الزعل على ما فات، فهنا هموم وأحزان، قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ وفي نفس الوقت وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ثقته في ربنا ورجاؤه في ربنا سبحانه وتعالى لا ينقطع، علمه بربنا وعلمه برحمة ربنا وبإحسان ربنا سبحانه وتعالى يجعل أمله في الله سبحانه وتعالى يزداد مع المحن ولا يقل فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ” ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرج ” بالعكس فهي كلما ضاقت فهي ستفرج، قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ هو ماذا يعلّمنا؟ ينزل، ينزل شكواه وهمومه وأحزانه في المكان الذي سيصلح أن تستقبل هذا يمكن أن تستقبل هذا، وفي نفس الوقت محل الثقة، هو الذي سيجيبه، هو الذي سيكشف ما به، ولذلك هو الذي يقول لهم، ومن المفترض العكس، من المفترض العكس اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ ثقته لا تهتز، بالعكس، بالعكس، من المفترض، مفترض أن من حوله هم الذين يبثوا فيه روح الأمل أو السكون أو الاطمئنان أو الثبات ولكن بالعكس.
هو بالإيمان الذي لديه بالرغم أنه هو الذي وقعت عليه المحنة، هو الذي يبث في نفوس من حوله الأمل والثقة وحسن الظن والطمأنينة.
عبد الله بن شداد بن الهاد يقول: أنا أصلي الفجر وراء عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان غالباً ما يقرأ بالمئين – في صلاة الفجر يقرأ بالمئين أي يقرأ يونس، هود، طه، الأنبياء، الحج – يقول فسمعته يقرأ سورة يوسف حتى انتهى إلى إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ يقول: فسمعت نشيجه من وراء الصفوف، فهو يصلي في آخر الجامع تماماً، يسمع صوت بكاؤه وهو يقرأ هذه الآيات.
وأبو رافع يقول: انقطع صوته وعلا نشيجه، فانتهى هو لا يستطيع أن يكمل، قطع القراءة، لا يستطيع أن يكمل القراءة ” وعلا نشيجه ” بكاؤه زاد، سيدنا عمر في ولايته وإمارته وخلافته في أخرياتها وه يصلي، ووقف هنا، وبعدما وقف ماذا حدث؟.
فهو لماذا يبكي؟ التجاوب العاطفي مع الآيات يوصل إلى هذا، هذا جزء. والجزء الثاني: الهموم والأحزان التي ينطوي عليها صدره، فهذا سيصدم في قلب كل إنسان شيء يخصه، فكلنا هكذا كلنا هكذا، لا يوجد شخص يخلو من هذا، لا يوجد شخص يخلو من هذا من الهموم والأحزان والمخاوف والضغوط، ولذلك ربنا سبحانه وتعالى أسمى هذ ” أحسن القصص ” خير توجيه وخير هداية من ربنا سبحانه وتعالى.
إذاً خلاصة الأمر: الإنسان سينزل حاجاته بمن؟ سيلجأ حينما يضيق صدره لأين؟ ماذا سيفعل حينما يكون متضايق أو مضغوط أو لا يستطيع أن يتصرف؟ فماذا يعلمنا ربنا أن نصنع؟ هذا أمر، الشيء الثاني الأهم: الرب سبحانه وتعالى الذي نعبده ما صفته، فأنت الآن تلجأ إلى الله أو تنزل حاجتك لله أو تشتكي لربنا لماذا؟ لماذا، المرأة هرعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزلت شكواها لله، ترفع رأسها للسماء وهي تتكلم، كلما ردّ عليها ولا تجد حل تنظر لفوق، لا تجد حل تنظر لفوق، لا تجد حل تنظر لفوق، كلما ردّ عليها رد وهي توسّع دائرة الجدل، تحكي مأساتها بالتدريج واحدة واحدة، ولكنه في النهاية ليس لديه حل.
فهي حينما أنزلت حاجتها بالله، حينما لجأت لربنا، هي ماذا كان ظنها بربنا وهي تلجأ إلى ربنا؟ وربنا سبحانه وتعالى هل كان عند حسن ظن العبد أم لم يكن، هذا هو القانون، أنا عند ظنّ عبدي بي فليظنّ بي ما شاء، أنت ماذا ترى؟ أنت ماذا ترى؟ أساس كل شيء هنا، أساس كل شيء هنا نحن كيف نرى ربنا، كيف نشعر بالله، وجود ربنا في حياتنا ما شكله؟ تصورنا عن ربنا ما هو؟ أساس كل شيء هنا، معرفة ربنا، على مقدار معرفة ربنا بالإنسان على مقدار ما يكون لديه السكينة والطمأنينة والهداية، على قدر المعرفة، نحن قلنا كثيراً المعرفة هذه تُبنى من خلال القرآن.
ربنا لماذا ينزل القرآن؟ هو لماذا ينزل القرآن؟ لكي يأخذ بأيدينا إليه فقط، فقط، ومن رحمة ربنا أن ربنا جعل القرآن تالي للفطرة، القرآن تالي للفطرة، أصل فطرة الإنسان التي فُطر عليها أنه يحب ربنا ويتوجه لله، القرآن نزل ليس لكي ينشئ شيء جديد، لا لا، هو يؤكد شيء موجود بداخلي ويرسخ الشيء الموجود بداخلي ويوسع دائرة معرفتي بربنا سبحانه وتعالى وبالتالي دائرة محبتي لله، ولجوئي إلى الله.
فإذا كان ربنا سبحانه وتعالى موجود في حياة الإنسان الشخصية ماذا يحدث، ولو لا قدر الله أو عياذاً بالله نزع وجود الرب من حياة العبد ماذا يحدث، أي إذا لم توجد وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ هل لديك حل بديل؟ يوجد شخص لديه حل بديل، هل لدى أحد شخص آخر يمكن أن نركن عليه؟ هل ستركن على نفسك أم على الناس، لا شيء ثالث.
فهو الآن؛ الله، النفس، الناس، لا يتبقى غير إبليس – وهذا لن ينفع نهائياً – الله والنفس والناس وأنا أختار، هم ثلاث بدائل ليس لهما رابع.
الذي يرشدنا إليه سيدنا يعقوب والذي كلمنا ربنا سبحانه وتعالى عنه هو البديل الأول، لو يوجد بدائل أخرى فلنجرب، ولكن الذي يقوله ربنا إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ
اللهم خذ بأيدينا إليك، اللهم خذ بأيدينا إليك أخذ الكرام عليك لا تفضحنا بين خلقك ولا بين يديك
اللهم لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان وبك المستغاث وعليك التكلان ولا حول ولا قوة إلا بك
اللهم يا مقلّب القلوب ثبت قلوبنا على دينك
اللهم ارحمنا رحمة من عندك تهدي بها غائبنا وتجمع بها شتات أمرنا.
اللهم ارحمنا فأنت بنا راحم ولا تعذّبنا فأنت علينا قادر والطف بنا يا مولانا فيما جرت به المقادير واختم لنا بخاتمة السعادة أجمعين