Generic selectors
المطابقات الدقيقة فقط
البحث في العنوان
البحث في المحتوى
Post Type Selectors
البحث حسب التصنيف
أحداث جارية
أسماء الله الحسنى
الأذكار
التلون
السيرة النبوية
القصص في القرآن
الكتب
بني آدم والشيطان
بني إسرائيل
تراجم
تربية
تربية
تفسير
جهد الغلبان في تبيان فضائل القرآن
خطب الجمعة
خطو خاتم الأنبياء ما بين اقرأ وإذا جاء
دروس
رمضان 1436هــ - 2015م
سلم الوصول إلى علم الأصول
عقيدة
غير مصنف
كتابات
كلمة التراويح
مسألة الرزق
من قصص كتاب التوابين
من هدي النبوة
مواسم الخير
هذه أخلاقنا

ورجل آخر

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. إنه من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا

 ثم أما بعد: 

تركتك في الجمعة الماضية في شعب من شعاب مكة، بعد أن فجأك رجل كريم صالح بأن هناك رسالة ورسولاً وقرآناً وكتاباً ومنهاجاً ونوراً وصراطاً مستقيماً، فبقيت متفكراً في أمرك، ماذا ستصنع إزاء هذه الرسالة وإزاء هذا الوحي؟ وكيف سيكون شأنك معهم؟، وفي الحقيقة نحن لم نصنع ذلك، لأننا لهونا وانشغلنا عن ذلك حيث ملهيات الحياة، ولكن لنعلم جميعاً أننا مسؤولون غداً أمام الله تبارك وتعالى عن كل رسالة قد وصلت إلينا وعن كل هداية ساقها الله تبارك وتعالى إلينا وعما اجترحت الأيدي وعما اكتسبت القلوب.

 نترك صاحب الشعب في شعبه وننتقل إلى رجل آخر، أحسن اسقبال رسالة ربه تبارك وتعالى، وأدرك معنى وحقيقة منة ربنا سبحانه وتعالى على الإنسان، أدرك حقيقة القرآن، نحن قلنا قبل ذلك ماذا يمثل القرآن؟ قلنا أن أصل الإنسان قبل أن تأتيه هداية الله، نحن قلنا أن هناك فرق بين الشخص الذي جاء فوجد القرآن والشخص الذي كان موجوداً حينما جاء عليه القرآن، ما الفرق بين هذا وبين ذاك؟ الشخص الذي كان موجوداً لما نزل القرآن مدرك بشكل واضح الفرق الذي كان عليه اليوم والمفترض أن يكون عليه غداً، ما بين ما كان يعيشه بالأمس وبين ما يجب أن يعيشه اليوم، نحن نحتاج أن نتخيل هذا الأمر، نحن في الظلمة، الإنسان لا يعرف لماذا هو موجود في هذه لدنيا، هل هناك غاية من هذا أم لا؟ أي كما كان يقول الأول: إنما هي أرحام تدفع وقبور تبلع وفقط، وما بين الأثنين؟ ما الهدف من وجودنا هنا؟، حسناً بعد هذه الحياة هل توجد حياة أخرى أم سيفنى الإنسان ويبلى؟ حسناً. ما الأشياء التى من المفترض أن أفعلها كي أعيش في الحياة الدنيا؟ بقطع النظر عن الآخرة ووجودها أو عدم وجودها، كيف أعيش هذه الدنيا بشكل جيد؟ لي فترة هنا في الحياة.

 هناك أشياء حسية نراها ليست من الإيمان بالغيب.. أناس كانوا موجودين ثم أصبحوا مفقودين، عاشوا معنا ثم استيقظنا فجأة فلم نجدهم، فالموت ليس غيباً، الموت من عالم الشهادة، ما هو الغيب؟ ما يحدث في العالم غير المشاهد، ما الذي يحصل للإنسان بعدما يغادر هذه الحياة؟، لكنه حين يغادر هذا شيء نراه كلنا ونلمسه، حسناً، هذه الفترة.

 هذه الفترة كيف أعيشها؟ أنا أريد أن أحقق السعادة واللذة والمتعة، غاية الإنسان بقطع النظر عن رؤيته، وفجأة ربنا سبحانه وتعالى منّ على الإنسان وأنزل عليه النور الإلهي، ربنا سبحانه وتعالى في عليائه يخاطب هذا الكائن الصغير الضعيف الحقير، ربنا سبحانه وتعالى كرمه لكي يكلمه، يقول له من الذي خلقه؟ ولماذا خلقه؟ وماذا يفعل هنا؟ كيف يعيش هنا بشكل جيد؟ وما الذي يتجنبه لكي لا يحس بالشقاء؟ وما مصيره بعدما يغادر من هنا؟.

 حسناً، أول ما نزل القرآن نزل بالإشارة إلى أنك تحتاج أن تقرأ، هذا أول شيء، اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ما الذي سيقرأه؟ الذي سيأتي، سيقرأ الذي سيأتيه، ثم يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ثم تتوالى الآيات، ما المطلوب منه أن يفعل؟ ” يقرأ اللى جاي ” ، حسناً، ما هي حالته وهو ينتظر الذي سيأتي؟ رسالة مباشرة.. رسالة مباشرة تأتي لنا من ربنا كي تقول لنا تحديداً ماذا نفعل؟ إجابة كل سؤال، حل كل مشكلة، فأنا أنتظر كل يوم.. هل هناك جديد؟ لأنه ما معنى الجديد؟ شيء كان مظلم بالأمس وأصبح يشع نوراً اليوم، أنا أسير في طريق مظلم وربنا سبحانه وتعالى ينيره لي وأنا أمشي خطوة وراء خطوة، فأنا كل يوم متلهف للجديد .. لماذا أتلهف للجديد؟ لأنني أعرف ماذا أصنع به، هل أنا متلهف لما هو جديد لأنه سيكون لدي معلومة جديدة؟ بالطبع لا، ” طالما أنا مترجم يعني إيه القرآن هبقى عارف أنا أعمل بيه أيه، طالما أنا فهمته، فهمت رسالة ربنا سبحانه وتعالى وتوجيه ليا ” .

 ولذلك لما نقرأ وَالضُّحَى ۝ وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى ۝ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى نعرف قيمة هذا الكلام، رسول الله صلى الله عليه وسلم سار فترة يتنعم بهذا الكلام الإلهي، يتجاوب مع هذا النور الإلهي، يستهدي بهذه الهداية الإلهية ” وبعد كده قعد شوية مبينزلش سيدنا جبريل ومبيجيش قرآن جديد ” بداً يشعر بالحزن والخوف والقلق.. لماذا لا يوجد قرآن؟، بعد ذلك أم جميل زوجة أبي لهب التى هي جارتهم ماذا قالت؟ قالت: ما أرى رب محمد إلا قد قللاه، سأم منه، فتوقف عن مكالمته، سأم منه وتوقف عن مكالمته، حسناً، النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع هذا الكلام تأثر تأثراً بالغاً وحزن حزناً شديداً.. لماذا؟ خوفٌ بأن يكون هذا الكلام صحيحاً، حسناً، الذي قال هذا الكلام شخص له مصداقية؟!! فلتقل ما يحلو لها ” معلش.. أم جميل دي ما تقول اللى تقوله ” فهل هي مثلاً على صلة بربنا؟ أو يأتيها وحى فتقول معلومة تعرفها؟ أن رب محمد سأم منه وتركه؟!! كلام في الحقيقة إذا تفكرت فيه، إذا سمعت أنت هذا الكلام لن تعطي له أي اعتبار، شيء عادي، فلماذا حزن النبي صلى الله عليه وسلم؟ مجرد الجملة.. الجملة.. الفكرة نفسها، الفكرة نفسها، مجرد طروء الفكرة، سماع الجملة، شيء لا يمكنه أن يطيق التفكير فيه أو سماعه، والشيء الثاني المترتب على هذا.. عدم وجود هداية، عدم وجود نور، عدم وجود وحي، عدم وجود قرآن ” الحبة اللى نزلوا خلاص هما دول وامشي بيهم بقى ” هو لا يزال ينتظر المزيد لأنه في كل يوم يحدث جديد.

 حسناً، التجاوب الإلهي مع هذا الموقف.. وَالضُّحَى وقت الدعوة بالقرآن وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى وقت الصلاة بالقرآن، حسناً، لماذا أقسم ربنا بهذه الأشياء؟ لكي ينبه الشخص الذي هو قام بحق القرآن أن ربنا لن يسلب منه القرآن، وهذه هي الفكرة، هل أنا شكرت النعمة أم لا؟ هل هو قصر في حق القرآن؟ لا، كان يحاول أن يهدي الناس بالقرآن بالصبح ويصلي بالقرآن باليل، فبما أنه لم يقصر في حق القرآن لا يصلح أن يسلبه الله نعمة القرآن قبل أن يتمها، وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ في أي نعمة لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ” مش هيقطع ” مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ودعه أي تركه وقلى أي ” اتخنئ منه ” … سأم منه… كرهه.

 حسناً أين توجد الأزمة كلها؟ انقطاع المدد الإلهي والنور الإلهي، هو يستقبله هكذا، لما نقرأ أن أهل الوفاء رضي الله عنهم أبو بكر وعمر، أبو بكر رضي الله عنه يقول لسيدنا عمر رضي الله عنه في أول أيام خلافة سيدنا أبو بكر، قال: قم بنا إلى أم أيمن، حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم، قم بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها، هذه حقيقة الوفاء، فلما ذهبوا ورأتهم بكت لأنها تذكرت بمجيئهم النبي صلى الله عليه وسلم لما كان يأتيها، قالوا: ما يبكيك يا أم أيمن؟ أوما تعليمن أن ما عند الله خير لرسوله؟ قد انتقل إلى ما هو أحسن وأفضل وأرقى وتخلص من هموم وكدر الدنيا، فقالت: والله ما بي أني لا أعلم أن ما عند الله خير لرسوله، هذا الكلام تفهمه، ولكني أبكي لأن الوحي قد انقطع من السماء، فهيَّجَتهما على البكاء، فجعَلا يَبكيان معها، ” دا عالم واحنا في عالم.. دي دنيا واحنا في دنيا تانية خالص ملهاش علاقة بالدنيا دي ” ، هذه تبكي وهم تجاوبون معها.. لماذا؟ ” لأنهم مترجمين دا ” .

 ما معنى أن الوحي انقطع من السماء؟ أنت الآن وقعت في مشكلة، ارتكبت خطأ، لديك أزمة من الأزمات، تنتظر أن يكلمك الله سبحانه وتعالى ويقول لك ماذا تصنع، ولكن من رحمة الله أن قال الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ أي أن الذي أنزله الله يكفينا لكي نستخرج منه ما نحتاجه في كل شيء يحدث له نظير وشبيه وفيها توجيه ولكن يجب علي أن افتش عنه كي أجده، إذاً لماذا تبكي؟ لأنهم كانوا سيكفون مؤنة هذا التفتيش، ” حدث أهو.. وخطاب أهو. لا محتاج إن انت تجتهد ولا تقيس ولا تقارن حاجة بحاجة، لا تحيل حاجة على حاجة ” ، حسناً هناك شخص فهم هذا الكلام.. يقول ربنا سبحانه وتعالى عَبَسَ وَتَوَلَّى ۝ أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى لماذا أتى؟.. لماذا أتى؟ ربنا سبحانه وتعالى يحكي عن شخص وصفه ربنا أنه أعمى، هذا الأعمى يسعى ويجتهد، يتحمل المشاق ويسير يتلمس وحده إلى أن وصل للنبي صلى الله عليه وسلم في مكانه كي يستقرئ منه آيه، ما الذي يدفعه ليفعل ذلك؟ هذا هو الشخص الذي فهم معنى القرآن، هو يريد كل يوم أن يقترب أكثر، كل يوم يستضيء أكثر، كل يوم يستنير قلبه أكثر، فهو يأتي لكي يسأل، هل خاطبنا ربنا سبحانه وتعالى اليوم؟ يا رسول الله استقرئني آية من كتاب الله، تخيل الآن رجل ترك البيت وليس معه قائد يقوده.. كيف يصل إلى مكان النبي صلى الله عليه وسلم؟ لكنه وصل، ما الذي يطلبه؟ يقرأ آية، هو يفهم ما معنى آية، حسناً، الوقت الذي وصل فيه لم يكن وقتاً مناسباً بالنسبة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ليس لأنه يريد النوم أو أنه كان يأكل أو يصنع أي شيء، لا، هو كان في وقت يحاول فيه أن ” يوصل ” هذا القرآن لأناس منكرة له وجاحدة له وغير مؤمنة به، يجلس مع أبو جهل، أمية بن خلف، عتبة بن ربيعة، الوليد بن المغيرة، هؤلاء هم الزعماء والعظماء والكبراء، ويجلس معهم العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، ويكلمهم، والوليد الذي هو الكبير الزعيم السيد من بين هؤلاء يبدو عليه التأثر، فالنبي صلى الله عليه وسلم يركز معه، يحس أنه يمكن أن يتجاوب.. يا أبا الوليد هل ترى فيما أقوله بأساً؟ يقول: لا ما أرى فيما تقول بأساً، وفي هذا الوقت يأتي المسترشد المستهدي الطالب لهداية الله الطالب للقرآن.. يا رسول الله استقرئني آية من كتاب الله، وإحداثيات الموضوع ليست واضحة له، هو لا يرى وبالتالي ترجمته للذي يحدث ليست موجودة، هو لا يعلم أنه اعترض الطريق النبوي في هذه اللحظات، هو لا يرى ذلك، فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يرد، لأنه مشغول وشعر أن الرجل يستجيب وفي نفس الوقت هو لن يصرفه، هو يريد أن ينتهي من كلامه فيلتفت له، فهو للهفته يتابع، يا رسول الله أرشدني.. يا رسول الله استدنني ” يعني قربني منك ” .. يا رسول الله علمني مما علمك الله، فمع التكرار قطع على النبي صلى الله عليه وسلم الوضع الذي كان عليه، وجهه تغير، تضايق، وأعرض بوجهه، وربنا سبحانه وتعالى الذي أنزل مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ۝ وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى ۝ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى أنزل هو هو سبحانه وتعالى عَبَسَ وَتَوَلَّى ۝ أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى ۝ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ۝ أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى ۝ أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى ۝ فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى ۝ وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى ۝ وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى ۝ وَهُوَ يَخْشَى ۝ فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم

الحمد لله رب العالمين

 هو صلى الله عليه وسلم صاحب الخلق العظيم لم يسئ إلى هذا الرجل الكريم إذ لم يكلمه بكلمة تؤذيه ولم ينهره ولم يزجره، حاشاه صلى الله عليه وسلم، لكنه تغيّر وجهه، بالطبيعة حينما يقاطعك أحداً وأنت تركز في شيء جداً وتشعر أنها ستثمر ثم يأتي أحد ويقطع عليك هذه الحاجة، ستتضايق، وهو لم ير، ربنا سبحانه وتعالى قال عَبَسَ وَتَوَلَّى لم ير ولم يشعر بشيء ومع ذلك ربنا سبحانه وتعالى يعاتب.

 الأمر الثاني: هو غير مقصر، هو لم يكن مشغولاً عن رسالته بأمر شخصي له، بمصلحة شخصية أو متعة ذاتية، هو مشغول بمحاولة هداية الناس، محاولة إرشادهم، وأناس يتوسم فيهم أنهم إذا انتقلوا إلى دائرة الإيمان فسيتغير شكل مكة، هو يرى ذلك، إذا انتقل الوليد بن المغيرة من الكفر إلى الإيمان ربما يتغير كثير من وضع الإيمان في مكة، والرجل يظهر عليه التأثر، أما ابن أم مكتوم فربنا سبحانه وتعالى منّ عليه بالإيمان، إن لم أكلمه الآن سأكلمه بعد خمس دقائق، فلن نخسر شيئاً، ولكن هذه فرصة ستضيع وبالنسبة لابن أم مكتوم لن يضيع شيء، فهو موجود، سأنتهي وسأكلمه، لكن ربنا سبحانه وتعالى مع ذلك أنزل هذه الكلمات، ماذا تقول الكلمات؟.

 أول شيء الكلمات تتكلم عن شخص غير موجود عَبَسَ وَتَوَلَّى من المفترض أن تكون هكذا عَبَسَ وَتَوَلَّى ۝ أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى يتحدث عن شخص آخر، لماذا يتكلم عن شخص آخر؟ رحمة وتلطف، من رحمة ربنا سبحانه وتعالى وشفقته ورأفته سبحانه وتعالى لا يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم بشيء فيه معاتبة خطاباً مباشراً، فكأنه يحكي له عن شخص آخر، أنه فعل شيئاً كان من الأفضل ألا يفعله، عَبَسَ أي كشّر وتَوَلَّى أي أعرض بوجهه أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى جَاءَهُ هو الذي يبحث، هو الذي يجري، هو الذي يسعى، ثم هذا أعمى أحقّ بالتلطف لأن نفسيته حساسة بدرجة أكبر، سيعتبر أي نوع من أنواع ضعف التجاوب إهانة وإهمال وازدراء له لأن لديه نقص وبالتالي تتأزم نفسيته.

 ثم وَمَا يُدْرِيكَ من أين تدري؟ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ۝ أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى الآية التي جاء يبحث عنها هذه من الممكن أن تغير كثيراً في حياته، فما هدف الآية؟ ما وظيفة الآية؟ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ۝ أَوْ يَذَّكَّرُ أمران، ماذا ستفعل الآية؟ أمران، ما معنى يَزَّكَّى ؟ نحن قلنا قبل ذاك كثيراً أن الزكاة والزكاء، ما معناها؟ معناها: الطهارة والرقي والنمو، قلنا الزرع زكى أي تخلص من الآفة وتجاوب مع الرعاية، يكبر ويثمر، فيتزكى هذه ما معناها؟ أن الإيمان بتنزيل الآيات يثمر في قلبه، مشاعر طيبة وكلام حسن وأعمال صالحة، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ۝ أَوْ يَذَّكَّرُ يَذَّكَّرُ هذه لا جديد أضيف منها ولكن ما قد تاه منه رجع إليه، فماذا ستفعل الآيات معنا؟ أمرين: إما أنها ترسخ الإيمان وتعطي معان جديدة أو تفهم شيئاً جديداً فتصبح أفضل، أقرب إلى الله تبارك وتعالى، أطوع لله، أقرب للهداية، أحسن خلقاً، أفضل سلوكاً، أرقى إحساساً ومشاعراً، أو أنني تهت وأخذتني غفلات الحياة فالآيات تذكرني بما نسيته، تُحضر في قلبي ما غاب عني.

 وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ۝ أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى هذا التذكر ينفعه ويصلح حاله، يصلح حاله، وقلنا قبل ذلك أن التذكرة هذه هي وظيفة الرسالة، فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ ما معنى مُذَكِّرٌ ؟ أنه يكرر القديم، يحكي فيما حكاه، المذكر هكذا، لا يقول شيئاً جديداً، لا يقول شيئاً جديدًا، يذكّر بالمعاني التي من المفترض أن تكون حاضرة وغابت، بالأشياء التي من المفترض أننا نعلمها لكننا لا نلتزم بها، بالأشياء التي نؤمن بها ولكننا اتخذناها وراءنا ظهرياً، قلنا قبل ذلك كثيرًا وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا قلنا اتَّخَذُوا اعتنوا واقتنوا واهتموا، الذي اتخذ صديقاً هو اصطفى شخصًا واختاره لكي يكون قريبًا منه، المرأة التي اتخذت قلادة ظلت تختار أثمن شيئاً لكي تلبسها، فهذا الاتخاذ يدل على الاعتناء والاهتمام، ” اتخذوه مهجوراً ” معنا وليس معنا، نحن نقدره ولكن لا نفعل به شيئاً، نحن نعظمه لكن نضعه على الرف، وهذه هي شكوى الرسول صلى الله عليه وسلم وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا فهم إن لم يكونوا مهتمين به أو ليسوا معظمين له يكون أمراً مفهوماً، لكن نعظم شيئاً ونهمله ! نجله ولا نعمل به ! ليس مفهوماً.

 دائماً أين توجد الأزمة؟ أننا لا نكون منطقيين، ” مش مفهوم ” ، لا يوجد اتصاق، توجد مقدمات تؤدي إلى نتائج، مقدمات تؤدي إلى نتائج، أناس صدقوا الرسالة فأطاعوا، أناس كذبوا الرسالة فأدبروا، أناس صدقوا الرسالة فأدبروا؟! لا يوجد شيء هكذا نحن هكذا، لابد أن نكون منطقيين، متسقين مع أنفسنا، لو أنا مؤمن بهذا من المفترض أن أتجاوب معه، أو أنني غير مؤمن به، فلا يصلح شيء آخر أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى، الصورة الأخرى أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى مستغني عن ربنا وعن هدايته وعن كلماته وعن قرآنه، فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى ؟ أي أنك ستترك هذا وتقبل على هذا؟، وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى، إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ، فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ ۝ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ لن تُسأل على عدم استجابته، ستُسأل عن تأدية رسالتك فقط، وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى ۝ وَهُوَ يَخْشَى ۝ فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى ۝ كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ ۝ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ هو موجود فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ ۝ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ ۝ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ سفراء ربنا الملائكة هم من نزلوا بها كِرَامٍ بَرَرَةٍ، ثم يخاطب الإنسان المستغني قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ لماذا يفعل ذلك؟ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۝ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ۝ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ۝ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ۝ ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ ۝ كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ.

 وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى ۝ وَهُوَ يَخْشَى هذه صفة الإنسان المؤمن، ربنا وصفه بأمرين: السعي، السعي، بذل الجهد، والحرص، ما الحامل له على السعي؟ الخشية، تعظيم ربنا سبحانه وتعالى وخشية التقصير في حق الله وخشية عقاب الله.

 حسناً، هذا الشخص ما الذي جعله هكذا؟ هذا ما نتحدث عنه، أن عبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنه شخص ترجم ما معنى قرآن، ترجم ما معنى رسالة، ترجم ما معنى هداية، ترجم ما معنى النور الإلهي، يريد كل يوم أن يستزيد من هذا النور، يريد قدر المستطاع أن يتقرب إلى الله، ماذا يطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم؟ أن يقرئه ويرشده ويدنيه.. قربني وأرشدني وعلمني مما علمك الله، أقرئني من كتاب الله، هذا ما يريده، الذي يريده هذا جعله يسعى ويخشى.

 فالقرآن الذي سيعطيه ربنا إياه ماذا سيفعل به؟ أمران: يتزكى ويتذكر، هذه هي الرسالة، هم فهموا ما معنى قرآن، لابد أن نفهم نحن أيضاً ما معنى قرآن، لابد أن نحاول كل يوم أن نزيد، من لا يزداد فهو ينقص، من لا يزداد فهو ينقص، لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ لن يقف في مكانه، إذا لم يتقدم للأمام فهو سيرجع للوراء لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ إذا كنت أريد التقدم أتقدم بمعنى التقدم العام، بدون قرآن لن تكون خطوة للأمام لا فردياً ولا مجتمعياً ولا على مستوى أمة، ولا دنيا ولا آخرة، ولا دنيا ولا آخرة.

 أي تقدم، أي تقدم للأمام لابد أن يتم من خلال القرآن، لماذا؟ لسببين من المفترض أنهم واضحين، الأول: أن كل شيء بيد الله، وأن الإنسان يحتاج لمدد وعون ربنا سبحانه وتعالى في كل شيء، وأن ربنا سبحانه وتعالى هو الذي يوفق، وهو الذي يمد، وهو الذي بيده خزائن كل شيء، الأمر الثاني: أن القرآن به قوانين الحياة، كيف ستسير بدون قانون؟ كيف ستسير بدون قانون؟ لن تصلح، وَللهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كل شيء في يدي الله مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا هو يريد دنيا لا يريد الآخرة فَعِنْدَ اللهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ الإثنان معاً.

 فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وهذه تعقيب، تعقيب على رحلة الحج فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا بعد استتمام المناسك يرفع يده لربنا سبحانه وتعالى.. ماذا يطلب؟ فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ليس له نصيب، ليس نصيب هناك، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ هذه هي الرسالة الصحيحة، هذا هو الدعاء المحمود، النبي صلى الله عليه وسلم ما بين الركن اليماني وما بين الحجر وهو يطوف من هنا إلى هنا يقول هاتين الكلمتين رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ لف لفة أخرى حينما جاء عند الركن اليماني إلى أن وصل إلى الحجر رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ولف اللفة الثالثة حينما جاء عند الركن اليماني رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار سبع مرات، لأنهم سبع أشواط، من هنا إلى هنا، كلما جاء إلى هنا – الركن اليماني – يقول نفس الكلمات رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ أين نحن من النعمة ومن الهداية ومن النور الإلهي؟، حينما نترجمه مثلما كان يترجمه ابن أم مكتوم وحينها تصلح الأحوال وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى ۝ وَهُوَ يَخْشَى.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه

اللهم إنّا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا وتتوب علينا وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين

اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق، أحينا ما علمت الحياة خيراً لنا وتوفنا إذا كانت الوفاة خيراً لنا

اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الفقر والغنى ونسألك الرضاء بعد القضاء، ونسألك برد العيش بعد الموت، ونسألك نعيماً لا ينفد وقرة عين لا تنقطع، ونسألك اللهم لذّة النظر إلى وجهك الكريم، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرّة ولا فتنة مضلّة.

اللهم زيّنا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين

اللهم إنا عبيدك بنو عبيدك بنو إمائك، نواصينا بيدك، ماضٍ فينا حكمك، عدلٌ فينا قضاؤك، نسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحد من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا وجلاء همومنا وذهاب أحزاننا وغمومنا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا

اللهم يا مقلّب القلوب ثبت قلوبنا على دينك

اللهم يا مصرّف القلوب صرّف قلوبنا على طاعتك

اللهم يا وليّ الإسلام وأهله مسّكنا الإسلام حتى نلقاك عليه

اللهم يا وليّ الإسلام وأهله مسّكنا الإسلام حتى نلقاك عليه

اللهم يا وليّ الإسلام وأهله مسّكنا الإسلام حتى نلقاك عليه

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.