الحمد لله الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً به وتوحيداً, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً مزيداً
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
ثم أما بعد،.
هذه الخطبة عنوانها وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ
في صحيح البخاري رحمه الله فيما يرويه عبد الله بن عباس رضي الله عنه وعن أبيه: أن إبراهيم عليه السلام جاء بأم إسماعيل وهي ترضعه, فوضعهما عند البيت فوق زمزم عند أعلى المسجد, وليس بمكة يومئذٍ أحد وليس بها ماءاً فوضعهما هنالك ووضع عندهما جراباً به تمر وسقاءاً فيه ماء, ثم قَفَّى إبراهيم عليه السلام منطلقاً. يعني استدار وذهب.
من أين أتى إبراهيم عليه السلام بزوجه وبولده؟ أتى بهما من فلسطين حيث يقيم صلى الله عليه وسلم, فسار بهما في هذه الصحراء القاحلة حتى انتهى إلى مكة وهي مكان كما وصف لنا مكان قفر ليس به ماء وليس به أحد يقيم فيه أو يقطن, فترك زوجه وولده الرضيع في هذا المكان ومعهما جراب فيه تمر وسقاء فيف ماء, هذا الماء الذي في السقاء وهذا التمر الذي في الجراب كم يكفي هذه المرأة ورضيعيها؟ إنه لن يبلغ بيته في الشام حتى ينفذ ما لديها من ماء, فتركهما وانطلق, فتبعته زوجه أم إسماعيل تتسائل, فقالت يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا في هذا المكان الذي ليس فيه إنس ولا شيء لا بني آدمين ولا في أي حاجة يقتات عليها الإنسان. فجعلت تقول ذلك مراراً – تكرر الجملة وهذه العبارة وهو لا يحيل جواباً – فقالت في آخر ذلك: آلله الذي أمرك بهذا؟ قال: نعم, قالت: إذاً لن يضيعنا, ثم رجعت.
فانطلق إبراهيم عليه السلام لوجهه حتى إذا كان عند الثنية – حواداية – حيث لا يرونه – هي مش شيفاه – استقبل البيت – قواعد البيت وأساس البناء – ودعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه: رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ فجعلت أم إسماعيل تشرب من ذلك الماء الذي في السقاء الذي تركه معها إبراهيم وترضع ولدها, حتى إذا نفذ ما في السقاء, عطشت وعطش ابنها فجعلت تنظر إليه يتلوى من شدة الجوع, فانطلقت كراهية أن تنظر إليه – مش هينفع تفضل قاعدة كده وهي شيفاه بالمنظر ده وهي مش عارفه تعمل حاجة – فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها – عايزة تعمل أي حاجة فكان أقرب مكان جبل الصفا – فقامت عليه – طلعت على الجبل – واستقبلت الوادي – المساحة المفتوحة قدمها – تنظر هل ترى أحداً – يمكن أي حد معدي قافلة معدية أي حاجة – فلم تر أحداً فنزلت حتى إذا ما استقبلت الوادي – يبقى إحنا دلوقتي عندنا في جبل وفي مساحة مفتوحة كده ده الوادي وفي جبل تاني, فالأقرب لها جبل الصفا طلعت على الجبل وبعدين بصت ملقتش حد فنزلت, طيب لما نزلت وهبطت الوادي – رفعت طرف درعها – هدومها طويلة فهترفعها عشان هاتجري – وسعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي حتى قامت على المروة – وصلت بقى للمرتفع التاني فطلعت – تنظر هل ترى أحداً فلم تر أحداً.
يقول صلى الله عليه وسلم: ” فعلت ذلك سبع مرات ” ثم يعقب صلى الله عليه وسلم فيقول: ” وذلك سعي الناس بينهم ” يقول فلما أشرفت على المروة – المرة السابعة – سمعت صوتاً فقالت: صه, تريد نفسها – هي بتعمل لنفسها كده عشان خاطر تعرف تصغي تعرف الصوت ده جاي منين – ثم تسمعت فسمعت أيضاً, فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث – يعني خلاص أنا سمعت أنت فين – فإذا بالملك – جبريل عليه السلام – عند زمزم قد بحث الأرض بجناحه حتى نبع الماء فجعلت تحوضه – جريت بقى من عند المروة رجعت تاني لموضع الرضيع عند زمزم, وجعلت تحوضه, تجيب تراب وتعمل حوض حولين الميه – وتقول بيديها هكذا وجعلت تغرف في سقائها – تعبي بقى بسرعة خايفة الميه تخلص – وهو يفور فيقول صلى الله عليه وسلم معقباً: ” رحم الله أم إسماعيل لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عيناً معيناً ” يقول ابن عباس رضي الله عنه: ” فشربت وأرضعت ولدها وقال لها الملك: لا تخافوا الضيعة إن هاهنا بيتاً لله يبني هذا الغلام وأبوه وإن الله لا يضيع أهله ” هكذا قص علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا القصص كيف أُمر إبراهيم عليه السلام أن يأتي بزوجه وولده الرضيع إلى هذا المكان الذي قد وصفنا, وكيف أنه امتثل أمر الله تبارك وتعالى فوضعهما وذهب ولم يتكلم بشيء ثم ذكرنا كيف أن المرأة تبعته تتوسل وتستغيث أين تذهب وتتركنا في هذا المكان الذي ليس فيه إنس ولا شيء, احتياج الإنسان لمقومات المعيشة واحتياج الإنسان أنه يأنس بالناس, لأن ده من خصائص وتركيب الإنسان حتى لو عنده احتياجات ومقومات الحياة يحتاج إلى أن يأنس بالناس من حوله وهو عليه السلام لا يحيل جواباً – أصل هو هيقول أيه؟ – ولذلك هو كان لا يلتفت إليها – هو مش قادر حتى يبصلها هو مديها ضهره وماشي – فحينئذٍ سألته: آلله الذي أمرك بهذا؟ قال: نعم, قالت: إذاً لا يضيعنا, طيب أيه اللي اتغير؟ على وفق ما نراه على وفق المشاهد المحسوس هي والغلام يهلكون لا محالة – لأن إحنا قلنا عقبال ما هيوصل للشام هيكون هما ماتوا من العطش – ولذلك هي تستغيث به وتتسائل وهو ليس لديه ما يقوله, لكنها لما اسندت الأمر إلى الله تبارك وتعالى بما أن هذا هو أمر الله سبحانه وتعالى فإذا ربنا سبحانه وتعالى هو الذي أمر بهذا الأمر لابد أن يكون عنده سبحانه وتعالى الغوث وعنده أسباب النجاة من الهلكة, طيب هل هناك شيء ظاهر يدل على هذا الأمر – يعني قال لها في قافلة جاية بعد يومين أو أنا هاروح مشوار وجاي, مادياً مفيش حاجة – لكنها ترتكن إلى الثقة في الله سبحانه وتعالى.
طيب إبراهيم عليه السلام يتركهم ويمضي ثم يختبئ ولما اختبئ بدأ يتوجه إلى الله سبحانه وتعالى ويطلب منه الرعاية والكلاءة والحفظ يستمطر من رحمة الله سبحانه وتعالى رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ طيب هما هنا ليه رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ سيقيموا في هذا المكان عبادة الله سبحانه وتعالى فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ طيب لماذا أفئدة؟ هذه الأفئدة هي محل الرحمة فهو لا يطلب أن يجيء أناس أياً كان وضعهم, لأنه من الممكن أن يأتي أناس وهؤلاء الأناس يكونون محل شر وفساد وأذى, وربما عدم وجودهم أفضل من وجودهم, فهو يطلب أن تفيء إلى هذه المرأة وإلى هذا الغلام الرضيع أفئدة كي تشملهم بالرحمة وتعطيهم من الرعاية وتعطيهم من الأنس الذي يلتمسونه ويطلبونه وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ فإذاً دعاء إبراهيم عليه السلام الذي ذكره الله في سورة إبراهيم هو دعاء مقطع رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ فإذاً هذا الذي يجيء بعد هو تتمة دعاها في وقت لاحق ألحقها الله سبحانه وتعالى بالدعاء الأول.
الآن مضى إبراهيم عليه السلام وبقيت المرأة ونفد الماء وجعل الغلام يتلوى، وهي لا تستطيع أن نتظر إليه بهذا الحال، تريد أن تصنع شيئاً فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فماذا تفعل؟ لا شيء، إلا أنها تستصحب الأمل في أن الله سبحانه وتعالى سيبعث لها أحداً، لا يوجد شيء آخر تفعله لا يوجد أسباب أخرى من الممكن أن تأخذ بها في هذا الوضع إلا استصحاب الأمل والترقب، فقط، فصعدت فوق الجبل وظلت تنظر، ربما يأتي أحد، فلم تجد أحد فنزلت، بعدما نزلت ظلت تجري في الوادي، فما فائدة الجري؟ لا شيء، لكن التلهف الموجود عندها أو الأمل الذي تبحث عنه يجعلها في المكان الذي إن استطاعت أن تسعى فيه وتجري تفعل، فإن هذا جبل لا تستطيع أن تجري فيه بسرعة، لكنها حينما وجدت منطقة سهلة – أرض عادية – بدأت تجري، إلى أن جاء المرتفع الثاني فنظرت أيضاً في الجهة الأخرى، لعلها تجد أحداً، هي صعدت على هذا الجبل وذاك ولم تجد أحداً انتهى الأمر!، لماذا سبعة أشواط، ولماذا وصلوا سبعة؟ انتهوا عند سبعة لأنه حدث شيء بعد السبعة، فإذا لم يحدث شيء؟ ستظل تسعى إلى أن يمن الله سبحانه وتعالى يمن عليها بالخير.
النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ” وذلك سعي الناس بينهم ” إن حركتها حركة مفهومة فهي تبحث عن شيء أو تترقب أمل أو منة سيمن الله عليها بها، فلماذا نفعل نحن هذا الأمر؟ سنصعد وسننزل وسنسعى كما تحركت هي بالضبط سنتحرك نحن، فإذاً في هذه الشعائر التي تعبدنا الله بها مضمن في داخلها رسائل معينة وأحداث وذكريات ما ينبغي أن تغيب عن ناظرينا ” وذلك سعي الناس بينهم ” فمن المفروض في حال سعيي أتذكر الحدث وملابسته وأتذكر إبراهيم عليه السلام وأتذكر المرأة، فإذاً هذه الرسالة يجب أن تكون مستصحبة عندنا إذا قمنا بهذا الجزء من هذه العبادة العظمى سواء أكانت حجاً أو كانت عمرة، لكي نتحقق نحن بما في هذا الحدث من رسائل، لذلك فإن الله سبحانه وتعالى لا يتعبدنا بشيء دون حكمة أو بدون غاية عظمى قريبة وبعيدة، لكن هناك أشياء تبين لنا فندركها وأشياء ربما تكون عقولنا أضعف وأقصر من أن تدرك حكم الله سبحانه وتعالى في أفعاله وأقداره وفي أوامره وفي نواهيه وفي شعائره وفي شرائعه التي أوصانا الله سبحانه وتعالى بها.
لما انتهت في الشوط السابع وارتقت على المروة سمعت صوتاً ولا تدري أين مكانه، فاستنصتت نفسها، ثم أصغت، ثم سمعت صوتاً آخر فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث – يعني أنا خلاص سمعت أنت فين يا أي حد ممكن يعمل أي حاجة – فرأت الملك جبريل عليه السلام, من أين يستخرج الماء؟ أين كان الماء؟ كان في المكان الذي كانت تجلس فيه، أين كان موجوداً ما كانت تبحث عنه؟ كان تحت قدمي الرضيع، أين وضعهم سيدنا إبراهيم عليه السلام؟ كما يقول سيدنا ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: ” عند البيت فوق زمزم في أعلى المسجد ” النقطة التي جلسوا فيها هذه هي محل ومنبع الماء، الذي أبحث عنه وأتعب في هذا البحث أين هو؟ تحت قدمي, أحياناً كثيرة نكون بنفس هذا الشكل, الذي نبحث عنه والذي نريده هو قريب منا جداً بل ربما يكون بين أيدينا لكننا نبحث عنه بعيداً, مثل السعادة, فإن السعادة محلها قلب الإنسان, منأين تأتي السعادة؟ من يأتي السكون والهدوء ومن أين تأتي السكينة؟ تأتي من أن هذا القلب يكوت متصل بالله سبحانه وتعالى وبالتالي مستشعر الآمان في القرب من الله مستشعر الطمأنينة في الركون إليه سبحانه وتعالى, فهل هذا قريب من أم بعيد وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ قريب جداً, كيف نحصله؟ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ قريب جداً جداً جداً, لكن أين نبحث عنه؟ أين نبحث عن الاطمئنان والهدوء والسكينة؟ في أشياء كثيرة, ممكن أسعى وراء المال هنا… أو هنا.. ممكن أبحث عن منصب… أبحث عن شهوة معينة, لكن في الحقيقة الذي أبحث عنه هو قريب مني جداً لكني لا أراه, ولذك أحياناً أحتاج إلى أحد يبحث ويظهره, وهذه هي مهمة الرسل, فمهمة الرسل أنهم يظهروا لنا أن الذي نبحث عنه يميناً وشمالاً ونصعد وننزل ونجري هو قريب جداً وسهل جداً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى هذه هي السعادة, هذا هو الإنسان.
طيب الماء لما خرج وفار من هذا المكان هل أنا صنعت فيه شيئاً؟ هذا الماء أنا الذي أخرجته؟ أنا الذين نقبت وبحثت عنه وأخرجته؟ من الذي أتى بها؟ من الذي أخرجها؟ الله سبحانه وتعالى, بل إن الله سبحانه وتعالى أرسل جبريل عليه السلام بنفسه ورأته أم إسماعيل, هي رأت الملك يبحث الأرض بجناحه, الله سبحانه وتعالى أرسل سيدنا جبريل بصورة مرئية فهي تراه, ويكلمها, فماذا صنعت هي؟ جعلت تحوضه, فهاذا هو الإنسان, من الذي قال إذاً لا يضيعنا؟ أم إسماعيل عليه السلام, فإذاً فهي لديها ثقة وطمأنينة في ربها سبحانه وتعالى كبيرة جداً لكن هناك شيء يسمى الإنسان, الإنسان لابد أن لديه القلق ولديه الحرص, هذا هو الإنسان لا يمكن أن يكون شيء آخر, ولذلك هذا الماء من الذي أخرجه؟ الله سبحانه وتعالى, إذاً ماء أخرجه الله وأرسل جبريل عليه السلام كي يخرجها, ستنقطع بعد خمس دقائق؟ هذا الماء إذا لم تحوضه ينقطع؟ لكن هذا هو الإنسان فهو قلق, فهي تقول للماء زمي زمي لا تذهب هنا أو هناك أريد أن أضعك في السقاء قبل أن ينقطع الماء, هو لن ينقطع لكن هذا هو الإنسان – طيب لو طلبنا مننا إن إحنا نبقى مش إحنا فإحنا مش هنلقينا – فإن الإنسان له سقف, فالله سبحانه وتعالى طلب من الإنسان أن يسعى يجتهد لكي يصل إلى الكمال البشري, فهل هذا الكمال البشري هو الكمال الملائكي؟ لا, كمال البشر بما يتناسب مع طبيعة البشر, بما يتناسب مع نفسية البشر بما يتناسب مع نقص وضعف البشر.
فهي تضع الماء في السقاء, فماذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم؟, ماذا لو تركت الماء ولم تفعل ما فعلت ما سيحدث؟ فزمزم بدلاً من أن تكون بئراً كما نراها, ستكون نهراً جارياً على وجه الأرض, فأنا لما تدخلت ماذا صنعت؟ يعني الله سبحانه وتعالى منَّ على بنعمة, هذه النعمة هو سبحانه وتعالى الذي تكفل بها, وأرسل ملكاً فأخرجها لي, أنا لما تدخلت بالجزء البشري لدي زدتُ أو أنقصت؟ أنقصت, لما جاء جو القلق وجو الخوف وجو الحرص على الخير الذي أخرجه الله سبحانه وتعالى لكي يكون واسعاً منتشراً نهراً يجري, وقف الماء في المكان التي حوضت حوله, فإذاً أحياناً الإنسان هو الذي يضيع ويحجر الواسع, أحياناً الإنسان هو الذي يحجب عن نفسه كثيراً من فضل الله سبحانه وتعالى عليه؟ بماذا؟ بالقلق والخوف والحرص الشديد وضعف الثقة, هذا هو الإنسان.
فجعلت تشرب وترضع هذا الرضيع, فقال لها الملك: ” لا تخافي الضيعة ” فهي قالت في البداية ” فإذاً لن يضيعنا ” , فهي لديها هذه الثقة, والله سبحانه وتعالى لم يخيب هذه الثقة وأراها بنفسها الآية على صدق ظنها بالله سبحانه وتعالى, نحن ذكرنا قبل ذلك كثيراً، قول الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي ” أنا عند ظن عبدي بي ” فهي ظنت أن الله لن يضيعها, وهذا هو الذي حدث, لكن الملك يأتي يؤكد هذا المعنى, فإذاً هذا اليقين لدي يحتاج دائماً أن أثبته يحتاج دائماً أن أقويه, يحتاج دائماً أن أرقيه, فإذاً أن دائماً محتاج إلى القرآن, لماذا؟ لكي يزيد بناء اليقين في قلبي, لكي لا يهز هذا اليقين شيء, الصراعات التي أعيشها في الحياة لا تهزه, القلق الذي يبثه الشيطان قلبي لا يهزني الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ, فإذاً لكي لا يهزني الشيطان, أحتاج أن أزيد اليقين, فالملك هاهنا يزيدها يقين على يقين يقول ” لا تخافي الضيعة فإن هاهنا ” لماذا أنتم موجودون هنا؟ لا شيء يقدره الله سبحانه وتعالى بشكل عشوائي, أنتم هنا لكي تعلو كلمة الله ” فإن هاهنا بيت الله يبني هذا الغلام ” طبيعي في مستقبل الأيام, ” فإن هاهنا بيت الله يبني هذا الغلام وأبوه ” فإذاً حينما يقول بعد ذلك يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ – طيب هو هيذبحه؟ لأنه لسه ماتحققش الموعود الألهي, مابناش البيت يبقى لسه, بما أنه لسه مابناش البيت والبيت ده يبنيه هذا الغلام وأبوه يبقى هو لسه له حياة هو مش هيموت – ” فإن هاهنا بيت الله يبني هذا الغلام وأبوه وإن الله لا يضيع أهله ” هذا هو القانون الذي ذكره جبريل عليه السلام والذي نحتاج أن نضعه أمامنا, نحتاج أن نفكر فيه ” إن الله لا يضيع أهله ” فإذاً لماذا لا تخافوا الضيعة؟ لأن الله لا يضيع أهله, عند الطبري أن جبريل لما رآها قال من أنت؟ قالت: أنا هاجر أم إسماعيل, زوج إبراهيم, فقال: إلى من وكلكما؟ – هو سابكم وراح فين – قالت: وكلنا إلى الله, قال: وكلكما إلى كافٍ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ,
وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا هذا الموقف نحتاج أيضاً إلى أن نقف معه وقفة تأمل, لكنه لكي يكتمل لابد أن تقترن به مقدمات ولواحق, لا يتسع المجال لسردها يومنا هذا, لكننا نشير فقط إشارة بسيطة, لقد كان حديثنا قبل عن قضية السبب, تكلمنا في الجمعة الماضية عن علاقة السبب بالقدر, والسبب بالنتائج التي يقدرها الله تبارك وتعالى, وإن هذه الأسباب هي جزء من هذا القدر, سلسلة الحدث في علم الله هذا السبب جزء منه, ولذلك لا يتصور أن ننزع السبب ويحسن الأثر, وذكرنا أن دائرة الأسباب أوسع كثيراً مما نظن, فالله سبحانه وتعالى ذكر لنا أن من أسباب الرزق الدعاء, التوكل والاعتماد على الله, التوبة والاستغفار, والتقوى, كل هذه الأشياء الله سبحانه وتعالى جعلها أسباب, فالأسباب هي المقدمات التي توصل لنتائج, فكل مقدمة تسلكها توصلك إلى نتيجة اسمها سبب, فمفهوم السبب ليس فقط مادياً هذا جزء وليس كل شيء, وأحياناً تكون هذه الأسباب نحن لا نراها هي التي تبقى إذا عجزنا عن الأسباب التي ندركها أو نفكر فيها, وذكرنا أم إسماعيل وهي تسعى مراراً رغم أن هذا السعي لم يكن ليصنع شيئاً لكنه سعي الأمل والترقب والانتظار والرجاء في رحمة الله سبحانه وتعالى, وهاهنا أيضاً فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا معين ماء وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا أول شيء: في أي وضع كانت مريم هاهنا؟ المشكلة ليست أنها وحيدة في مكان بعيد وليس هناك معين أو مساعد أو أكل أو شرب حينما جائتها آلام الوضع, ليست هذه المشكلة, المشكلة الأسوء من ذلك وماذا بعد؟ فهي سوف تلد وماذا بعد؟ امرأة متبتلة متعبدة منقطعة عن الناس ستخرج على قومها الذين فيهم ما فيهم, ومعهم طفل رضيع تحمله, ماذا تقول لهم؟ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا هي المشكلة ليس في هذا إنما المشكلة فيما يأتي, ولذلك وصل لها الله سبحانه وتعالى هنا الرسالة عبر الوليد نفسه – فناداها مِنْ تحتها – وفي رواية مَنْ تحتها الغلام نفسه ألا تحزني, فإذا ماذاً ماذا كانت رسالة الله سبحانه وتعالى لها؟ الطمأنينة والسكينة فهذا هو الأساس, ألا تحزني لا تقلقي قد جعل ربك تحتك سرياً وهزي إليك بجذع النخلة تكلمنا عن هذا المعنى من قبل وهذا هو الذي نقصده ” السبب ” يعني تعمل حاجة, طيب يعني هو جزع النخلة هيتحرك يعني؟ طيب هو جزع النخلة بيتحرك أصلاً؟ طب هي المرأة في هذا الوضع من الوهن حتى لو بيتحرك هتعرف تحركه؟ لكنه لابد للإنسان أن يفعل شيئاً, هل هناك اقتران منطقي بين أنها ستهز جذع النخلة وأنه سينزل عليها رطباً؟ لأ, خالص, يعني منطقياً على وفق القواعد المنطقية بتاعتنا ده حاجة ملهاش معنى, يقيناً مش هيحصل حاجة, بس أنا لازم أعمل حاجة, وهو ده لب الموضوع أنه أنا لازم أسعى لازم أتحرك لازم آخذ الجهد المستطاع وربنا سبحانه وتعالى هو الذي يأتي بالثمرة وليس أنا, لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أنس في مسند الإمام أحمد: ” إذا قامت القيامة ” خلاص القيامة بتقوم, اليامة بتقوم دي معناها أيه؟ معناها إن كل حاجة بتروح إذا السماء انفطرت وإذا الكواكب انتثرت أصلاً الأجرام السماوية بتسقط وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا دلوقتي القيامة بتقوم ” وفي يد أحدكم فسيلة ” معه فسيلة نخلة ” فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها ” هيعمل أيه؟ القيامة بتقوم, الجبل بيروح, فسيلة النخل دي هتورح فين؟ وهتنبت أمتى؟ وهتطلع بعد كام سنة؟ ومين هيأكل منها؟ مفيش حاجة كل حاجة بتروح, بس أنا على طول ما أنا في الحياة دي اقدر أنفع حد بحاجة أي أنفعه لأن ربنا سبحانه وتعالى سيكتب لي ثواب وثمرة الغراس, جت نتيجة أو مجتش فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ ” فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها “.
وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ بهذا يكون قد انتهى دورها, ماذا يحدث؟ تُسَاقِطْ ما الذي سيساقط؟ النخلة, فإذاً هناك أمراً لمريم وأمراً للنخلة, فهذه النخلة مخلوق من مخلوقات الله, الله سبحانه وتعالى يأمرها, قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ من المخاطب؟ النار, أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ خلاص بقى كده انتي تعالي على جنب فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ هو اللي هياخد التابوت, هو البحر نفسه, هياخده ويوديه للمكان اللي ربنا سبحانه وتعالى أمره به طب الناس اللي هناك هيسمعوا الكلام برده, هم بردو هياخدوه لأن ربنا يريدهم أنهم يخدوه فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا خلاص انتي هزتي الجذع, النخلة هتعمل اللي هي مأمورة به فستساقط, وفي وجه تسَّاقط عليك كأن النخلة كلها هتنزل رطب فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا مادخديش في بالك خالص, الله سبحانه وتعالى هو اللي هيصرف الأمر طيب فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ لو ماكنش كلمها, يبقى أشارت إليه دي كانت هتقى إيه؟ ليه ربنا لم يوحي إليها وجعل الغلام هو اللي يتكلم؟ عشان هي يبقى عندها ثقة ويقين وطمأنينة إن هو هيتكلم, هي سمعته بيتكلم يبقى ربنا سبحانه وتعالى بيعطيها المزيد من الطمأنينة, هي عندها ثقة أن هو هيتكلم, مش ربنا سبحانه وتعالى قال لها إن هو هيتكلم, يبقى هيتكلم, لأ سمعته بيتكلم عشان لما تشاور عليه يبقى عندها يقين إن هو هيتكلم, مايكونش عندها قلق فَكُلِي طب قرار العين ده هيجي منين؟ ما إحنا برده بني آدمين مفروض فيه هواجس هتفضل قلقانة, هيستقبلوها به هتعمل أيه؟ فلازم ربنا سبحانه وتعالى يعطيها الشاهد الواقعي حاجة ملموسة إحنا بني آدمين, فتحس هي بالطمأنينة, فلما تروح, تروح فعلاً عندها سكينة, يبقى ربنا سبحانه وتعالى بيعمل إيه؟ بيسكن قلب الإنسان عشان إحنا ضعاف, أصل هي عقبال ما توصل لحد هناك هتفضل بقى دماغها تودي وتجيب وقلق واضطراب ما طبيعي, الإنسان هيفضل مضطرب, وبعدين دي امرأة عفيفة وموقف الابتلاء الأعظم شيء من سهل على نفسية أي إنسان راقي, طيب عشان من هي لحد ما توصل ماتبقاش قلقانة لازم تسمعه
ولذلك الرسالة التي نريد أن نخرج بها هي هذه الجملة نحاول أن نتذكرها ولا ننساها ” إن الله لا يضيع أهله ” .
اللهم خذ بأيدينا إليك, اللهم خذ بأيدينا إليك, اللهم خذ بأيدينا إليك, أخذ الكرام عليك, أخذ الكرام عليك, لا تفضحنا بين خلقك ولا بين يديك, لا تفضحنا بين خلقك ولا بين يديك ,
اللهم إنا نسألك رحمة من عندك تجمع بها شتات أمرنا وترد بها غائبنا وتيسر بها أمورنا ,
اللهم ارحمنا برحمة تغنينا بها عن رحمة من سواك, اللهم ارحمنا برحمة تغنينا بها عن رحمة من سواك, اللهم ارحمنا برحمة تغنينا بها عن رحمة من سواك ,
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات, وترك المنكرات, وحب المساكين, وأن تغفر لنا وترحمنا وتتوب علينا, وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين ,
اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربنا إلى حبك ,
اللهم اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.